هناك كثير من الالام النفسية والجسدية التي تصيب المراة وتكتمها التقاليد او الخجل من البوح ، ويتاخر الطب في الكشف عنها او يحار فيها الاطباء .
عندما يتحدث الاطباء عن امراض الثدي فهم لا يتحدثون عادة الا عن السرطان فقط لانه عدو المراة الاول الذي لا يرحم ، متناسين اان هناك عددا لا يستهان به من المصابات بامراض الثدي الحميدة 0 ( اللاسرطانية ) هن في امس الحاجة الي من يستمع لشكواهن ويطمئنهن ويمد لهن يد العون ويصف لهن العلاج الناجح . ومع الاسف قد يجهل او يتجاهل عدد كبير من الاطباء طبيعة هذا المرض فلا يوصف العلاج المناسب مما يترك المصابة فريسة للالام والاكتئاب النفسي وما يترتب علي ذلك من ماس . وعلي راس هذه القائمة من امراض الثدي الحميدة الام الثدي الدورية التي تنتاب عددا كبيرا من نسائنا اكثر من اصابتهن بسرطان الثدي .
وقد يعزو الطبيب المعالج هذه الاعراض الي حالة اكتئاب تصاب بها المراة فلا يعزي لاعراضها اي انتباه يذكر مما قد يؤدي الي استفحال الامر وانتهاء الحياة الزوجية بالطلاق .
فما هذه الالام الشهرية التي تصيب عضوا واحدا من الجسم وهو الثدي وتكون قادرة علي هز كيان الحياة الاسرية الي هذا المدي ؟
يتردد علي عيادة امراض الثدي اعداد كبيرة من النساء يشكين من الام تنتابهن شهريا في احد الثديين او كليهما ، ويكون مختلف الشدة من سيدة لاخري ومن شهر الي اخر . وكثيرا ما يزداد الالم تدريجيا في النصف الثاني من الدورة الشهرية ويشتد حدة قبل بدء الطمث بايام قليلة . ولكنه يخف او يختفي مع بدء الطمث . قد يبدو لاول وهلة ان السيدة المصابة مكتئبة فيعزو الطبيب المعالج حالتها الي نوع من انواع الاكتئاب والضغط النفسي . ولكن في حقيقة الامر وهذا ما اثبتته الدراسات انه لا علاقة للاكتئاب النفسي بالام الثدي بل ان استمرارية الالاموعدم تفهم الطبيب وعجزه عن علاجها قد يؤدي في النهاية الي الاكتئاب والتوتر النفسي .
وهذا قد يؤدي بالتالي الي توتر ملحوظ في علاقة الزوجة بزوجها وكذلك اطفالها . اضف الي ذلك القلق النفسي الذي تعيشه المصابة يوميا بسبب شبح السرطان الذي يحصد ارواح العديد من النساء كل عام . اذ ان اكثر من10% من سرطانات الثدي قد تعلن عن نفسها في المراحل الاولي بهذه الطريقة . لذلك لابد من التاكد اولا من ان هذه الالام ليست بسبب سرطان الثدي ثم تبدا المريضة برنامجا للعلاج .
المسببات والاعراض
يعزي سبب الام الثديين الي الحقيقة القائلة بانه قد ينتاب الثديين تغيرات مستمرة نتيجة للتاثيرات الهرمونية المتعددة في النصفين الاول والثاني من الدورة الشهرية . لذلك تختفي الاعراض مع بلوغ المراة سن الياس الا ان بعضهن قد يصبن بالام بعد هذه السن نتيجة تعاطيهن عقاقير الاستروجين والهرمونات التعويضية الاخري لتخفيف اعراض سن الياس .
لقد اثبتت الابحاث حديثا ان نقصا في بعض الاحماض الدهنية المهمة Unsaturated Fatty Acids هو السبب في هذه الالام اذ يجعل نقص هذه الاحماض الثدي اكثر حساسية لمفعول الهرمونات التي تعمل علي الخلايا الثديية مثل هرموني المبيض اوسترادايول وبروجستيرون وهرمون البرولاكتين المدر للبن مما يؤدي الي الالام الدورية .
لذلك فتعاطي ادوية مثل زيت البرمروزالمسائيEvening Primrose Oil الذي يحتوي علي نسبة كبيرة من هذه الاحماض الدهنية يرفع نسبة هذه الاحماض الاساسية في الثديين مقللا من حساسيتهما وبالتالي مقللا من نسبة الاصابة بالالام . كما ان التقليل من المواد الدهنية غير الاساسية Saturated Fatty Acids في الغذاء يقلل من الام الثدي .
يزداد الالم حدة وضراوة في النصف الثاني من الدورة الشهرية ويبلغ اوجه في الايام الثلاثة الاخيرة التي تسبق بداية الدورة فتشعر المراة بثقل كبير في ثدييها , ويهون الالم مع بداية الطمث ليتكرر مرة ثانية في الدورة القادمة وهكذا , لذلك يطلق عليه اسم الام الثدي الدورية Periodic or Cyclical Mastalgia . ويسبب هذا الكثير من القلق والاضطراب النفسي للمراة المصابة اذ يعزى هذا الالم الي السرطان , كما ان الالم قد يكون شديدا فيصبح الثدي المصاب حساسا لدرجة ان المراة تخشي قرب اطفالها وزوجها منها تحاشيا للالم مما يخلق شيئا من التوتر في علاقتهما الزوجية وقد يؤدي في بعض الاحيان الي الطلاق اذا ما اصبح الوضع مزمنا والزوج اقل تفهما .
وقد تشتكي بعض النساء من الام في الثدي لا علاقة له بالدورة الشهرية يوجد ويزداد في اي وقت ولا يتحسن مع حدوث الطمث , وهذا ما يطلق عليه الم الثدي اللادوري Non-cyclical Mastalgia وعلاج هذا النوع اصعب كثيرا من علاج الالم الدوري وتجاوبه مع البرنامج العلاجي اقل جدا . ولا يزال المسبب الحقيقي للالم الدوري مجهولا من قبل الباحثين ومن واجب الجراح المعالج ان يطلع اطلاعا وافيا علي التاريخ المرضي للمريضة عند اول زيارة لها لتحديد خطة معينة للعلاج .
لابد اولا من فحص الثديين سريريا للتاكد من خلوهما من اي ورم خبيث ومعرفة المنطقة الاكثر الما . كما انه لابد من فحص الابطين والقفص الصدري والعنق وخاصة اذا ما كان الالم يسري الي الساعدين . وهناك فحوص اخري قد يتوجب اجراؤها للتاكد من خلو الثديين من السرطان مثل الاشعة الماموجرافية ، ولكن هذا لا ينصح به في المصابات ما دون الثلاثين ربيعا الا ما ندر ، واخذ عينة صغيرة بالابرة لاي تورم في الثدي يمكن جسه باليد ، تفرش فوق شريحة زجاجية ويتم فحصها تحت المجهر للتاكد من عدم وجود اي خلايا سرطانية .
المعالجة :
قد تخف او تختفي الام معظم المصابات متي ما اثتثني السرطان بالفحص السريري وغيره من الفحوص اللازمة وتمت طمانتهن من قبل الطبيب المعالج ولكن الالام تستمر مع الاقلية من النساء مما يعكر حياتهن الزوجية . ولا ينصح بوصف اي علاج في الزيارة الاولي للعيادة وذلك لاعطاء ( الطمانة بخلو الثدي من السرطان ) وقتا كافيا لاداء مفعوله .كما ينصح باعطاء المراة المصابة جدول الام الثدي الدورية لتسجيل الايام وشدة الالم الذي تحس به المراة لكي كي تعرضه علي الطبيب اثناء زيارتها الثانية للعيادة ليتمكن الطبيب من تصنيف حالتها وشدة اصابتها . واذا ما راجعت المريضة العيادة وتفحص الطبيب جدول شكواها ولم يكن هناك اي تحسن لحالتها وخصوصا بعد ان ازيل من راسها شبح السرطان واطمانت نفسها ، عندها لابد من وصف ادوية لتخفيف الامها الشهرية \ز
وهناك ادوية متعددة مثل 1- الادوية المدرة للبول اذ ان الاعتقاد السائد قديما ان الالم ناتج عن تجمع السوائل في الثديين لذلك تشعر المريضة بانتفاخ وثقل بالثديين في النصف الثاني من الدورة الشهرية . ويعطي الدواء في النصف الثاني لمدة دورتين ، فاذا لم تلحظ المريضة اي تحسن يذكر لا داعي للاستمرار في العلاج . وقلما يستخدم هذا الدواء لعلاج الام الثدي في وقتنا الراهن ، خصوصا بعد تعرف الباحثين علي السبب الرئيسي لالام الثدي واكتشاف علاج فاعل مثل زيت البرمروز المسائي والدانازول .
2- الهرمونات مثل حبوب منع الحمل ، قد تزيد الالام سوءا عند بعض النساء وقد تخففها عند بعضهن لذلك تنصح المريضة بعدم تعاطي حبوب منع الحمل اذا ما تزامن تعاطيها مع الام الثدي الشهرية .
- دواء الدانازول : يعطي بجرعة 100 مجم مرتين او ثلاث مرات يوميا لمدة لا تقل عن 3 اشهر . ويعتبر الان من الادوية الناجحة في علاج هذا الالم الا ان له بعض المضاعفات كازدياد مطرد في الوزن واضطراب في الطمث وتغير دائم في الصوت ، قد تعاود الالام هجومها بعد 3 اشهر من ايقاف الدواء . كما ان اثره علي الجنين غير معروف ، لذلك ينصح النساء المتزوجات بايجاد طرق لمنع الحمل اثناء تعاطي هذا الدواء .
- دواء البرموكربتين : يستخدم عادة لوقف اللبن ، اذ انه يقلل من افراز هرمون برولاكتين prolactin المدر للبن .وهذا الدواء نافع في الحالات التي لا يصاحبها ارتفاع في هذا الهرمون ولكن له اعراضا جانبية كالغثيان ودوار الراس وهبوط في الضغط ونقص في الخصوبة .
- زيت البرمروز المسائي : كما سلف ان ذكرنا ان نقصا في بعض الاحماض الدهنية المهمة هو السبب في هذه الالام اذ يجعل نقص هذه الاحماض الثدي اكثر حساسية لمفعول الهرمونات التي تعمل علي الخلايا الثديية مما يؤدي الي الالام الدورية . لذلكط فتعاطي زيت البرمروز المسائي علي شكل كبسولات مثل كبسولات الايفامول والايفاماست يرفع نسبة هذه الاحماض الدهنية الاساسية في الثديين مما يقلل من حساسيتهما وبالتالي يقلل من الاصابة بالامراض الدورية . لذلك فتعاطي زيت البرمروز المسائي علي شكل كبسولات الايفامول و الايفاماست يرفع نسبة هذه الاحماض الدهنية الاساسية في الثديين مما يقلل من حساسيتهما وبالتالي يقلل الاصابة بالالام الدورية . وقد اثبت هذا ادواء فعالية جبارة في تخفيف الالم عند عدد كبير من النساء المصابات بعد تعاطيهن الدواء لمدة لا تقل عن 3 اشهر , كما ان هذا الدواء مشتق من الاعشاب مما جعل من المضاعفات الجانبية امرا لا يذكر ( اقل من 2 % من الحالات ) ومعظمها له علاقة بالجهاز الهضمي ويمكن تلاشيها اذا ما اخذ مع الوجبات ولم تكن المعدة خاوية .
تاموكسيفين : يستعمل هذا ادواء عادة في علاج مرضي سرطان الثدي بعد استئصاله منعا لعودته وحماية الثدي الاخر لمدة لا تقل عن 3 سنوات . لقد اثبتت بعض الدراسات فعاليته ايضا في علاج الالام الدورية عند بعض النساء , خصوصا انه خال من المضاعفات الجانبية الكبري .
ادوية اخري : هناك ادوية اخري يمكن للطبيب المعالج استعمالها لعلاج بعض حالات الام الثدي الدورية . من هذه الادوية حقن زولاديكس التي تعطي كحقن تحت الجلد مرة في الشهر التي غالبا ما تستعمل لعلاج الحالات المستعصية . وكذلك مخففات الالم ومضادات الالتهاب غير السترويدية مثل الفولتارين والبروفين وغيرهما من العقاقير المستخدمة في علاج روماتيزم المفاصل . ويمكن توافر هذه الادوية علي شكل مراهم للاستعمال الموضعي بمسح المنطقة المصابة والتجارب الاولية مشجعة جدا .
- التحكم الغذائي : التقليل من المواد الدهنية والقهوة والشاي الغنيين بالكافيين .
اسباب اخري
لابد هنا من التعرف علي مسببات الام الثدي الاخري مثل التهابات الثدي المصاحبة للرضاعة وخراج الثدي والسرطان ( خصوصا عند المسنات ) واوجاع القفص الصدري والام عظام الرقبة واحيانا بعض الالام المصاحبة لامراض القلب والرئتين .
ان الام الثدي الدورية تنتشر عند عدد كبير من النساء الا ان جهل كثير من الاطباء لطبيعة هذا المرض يجعل من اعطاء كل مصابة العلاج الوافي والصحيح امرا عسيرا مضيفا الي عذاب المصابات عذابا اخر قد يؤدي الي الاكتئاب النفسي واضطراب العلاقة الزوجية . لذلك لابد من معرفة هذا المرض معرفة تامة من قبل المريضة والطبيب المعالج مما يوفر علي الجميع كثيرا من الجهد والمشقة .
ساحة النقاش