يعد الجزع من مراكب الشيطان التي يحمل بها الانسان في بحار الخيالات والاوهام ، حتي يكبه في محيط الحيرة والاحزان .
اما المؤمن فانه يركب مراكب الصبر ، ويخوض بها في بحار الرضا والتسليم ، حتي يصل الي محيط الفرج وهناك سيجد بر الامان .
اما عن اسباب الجزع فيقول ابو الحسن الماوردي : منها تذكر المصاب حتي لا يتناساه ، وتصوره حتي يعزب عنه ولا يجد من التذكار سلوة ولا يخلط مع التصور تعزية . وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا تستفزوا الدموع بالتذكر .
وقال الشاعر : ولا يبعث الاحزان مثل التذكر .
1-ومنها الاسف وشدة الحسرة فلا يري من مصابه خلفا ، ولا يجد لمفقوده بدلا ، فيزداد بالاسف ولها ، وبالحسرة هلعا ، ولذلك قال تعالي : ( لكيلا تأسوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ) .
وقال بعض الشعراء :
اذا بليت فثق بالله وارض به ان الذي يكشف البلوى هو الله
اذا قضي الله فاستسلم لقدرته ما لامرئ حيلة فيما قضي الله
الياس يقطع احيانا بصاحبه لا تياسن فان الصانع الله
2-ومنها كثرة الشكوي وبث الجزع ، فقد قيل في قوله تعالي ( فاصبر صبرا جميلا )، انه الصبر الذي لا شكوي فيه ولا بث .
3-وحكي عن كعب الاحبار انه مكتوب في التوراة : من اصابته مصيبة فشكا الي الناس فانما يشكو ربه .
4-وحكي ان اعرابية دخلت من البادية ، فسمعت صراخا في دار ، فقالت : ما هذا؟ فقيل لها : مات لهم انسان ، فقالت : ما اراهم الا من ربهم يستغيثون ، وبقضائه يتبرمون ، وعن ثوابه يرغبون .
وقد قيل في منثور الحكم : من ضاق قلبه اتسع لسانه.
وانشد بعض اهل العلم :
لا تكثر الشكوي الي صديق وارجع الي الخالق لا المخلوق
لا يخرج الغريق بالغريق
وقال بعضهم :
لا تشكو دهرك ما صححت به ان الغني هو صحة الجسم
هبك الخليفة كنت منتفعا بغضارة الدنيا مع السقم
5- ومنها الياس من جبر مصابه ، ودرك طلابه ، فيقترن بحزن الحادثة ، قنوط الاياس فلا يبقي معها صبر ، ولا يتسع لهما صدر
وقال ابن الرومي :
اصبري ايتها النف س فان الصبر احجي
ربما خاب رجاء واتي ما ليس يرجي
وقال بعضهم :
اتحسب ان البؤس للحر دائم ولو دام شيء عده الناس في العجب
لقد عرفتك الحادثات ببؤسها وقد ادبت ان كان ينفعك الادب
ولو طلب الانسان من صرف دهره دوام الذي يخشي لاعياه ما طلب
6- ومنها ان يغري بملاحظة من حيطت سلامته ، وحرست نعمته حتي التحف بالامن والدعة ،واستمتع بالثروة والسعة ، ويري انه قد خص من بينهم بالرزية بعد ان كان مساويا ، وافرد بالحادثة بعد ان كان مكافيا ، فلا يستطيع صبرا علي بلوى ، ولا يلزم شكرا علي نعمي ، ولو قابل بهذه النظرة ملاحظة من شاركه في الرزية ، وساواه في الحادثة لتكافأ الامران فهان عليه الصبر، وحان منه الفرج .
قال : وانشدت امرأة من العرب :
ايها الانسان صبرا ان بعد العسر يسرا
كم راينا اليوم حرا لم يكن بالامس حرا
ملك التبر فاضحي مالكا خيرا و شرا
اسرب الصبر وان كا ن من الصبر امرا
قال : وانشدت لبعض اهل الادب :
يراع الفتي للخطب تبدو صدوره فييأس وفي عقباه ياتي سروره
الم تر ان الليل لما تراكمت دجاه بدا وجه الصباح ونوره
فلا تصحبن الياس ان كنت عالما لبيبا فان الدهر شتي اموره
* ولما كان الجزع والهلع فطرة في الانسان بها خلق وعليها جبل ، فقد ارشدنا الله الي طريق التخلص منها ، بقوله ( ان الانسان خلق هلوعا (19) اذا مسه الشر جزوعا (20 ) واذا مسه الخيرمنوعا (21) الا المصلين (22) الذين هم علي صلاتهم دائمون ( 23) والذين في اموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم (25) والذين يصدقون بيوم الدين (26) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون (27)ان عذاب ربهم غير مامون (28) والذين هم لفروجهم حافظون (29) الا علي ازواجهم او ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين (30) فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون (31) والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون (32) والذين هم بشهاداتهم قائمون (33) والذين هم علي صلاتهم يحافظون (34) اولئك في جنات مكرمون ) . المعارج : 19-35
فمن اتصف بهذه الصفات التسع ، فقد اخذ باسباب التخلص من الجزع والهلع وهذه الصفات هي :
1- الخشوع في الصلاة 2- اداء الزكاة المفروضةسامحة بها انفسهم
3- التصديق الجازم بيوم القيامة والدافع الي العمل الصالح
4- الخوف والاشفاق من عذاب الله ، خوفا يبعد صاحبه عن كل ما يغضب الله ، وكل ما يوجب عذابه وعقابه .
5- حفظ الفروج عن المحرمات .
6- حفظ الامانات واداؤها تامة غير منقوصة .
7- الوفاء بالعهد وعدم الغدر به .
8- اداء الشهادات دون زيادة عليها او نقصان منها او كتمانها .
9- المحافظة علي الصلاة مواقيتها واركانها وواجباتها ومستحباتها .
وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ( شر ما في الرجل : شح هالع ، وجبن خالع ) رواه الامام احمد وابو داوود
فان تخلص الانسان من الجزع والهلع فتح علي نفسه باب الصبر والفرج .
ساحة النقاش