تواجه أمتنا العربية العديد من التحديات الداخلية والخارجية التى تستدعى العمل على التغلب عليها حتى تستعيد مكانتها اللائقة حضاريا ، ومهما اختلفت نواحى الإصلاح سيظل التعليم أهم أدوات هذا الإصلاح لتشكيل المواطن القادر على مواجهة تحديات العصر .
وإصلاح التعليم يمثل قوة ضاغطة على غالبية الدول والنظم ، وهو إصلاح يمارس داخل حركة عامة للإصلاح فى مجتمعاتها إما للحفاظ على مستوى التقدم والتفوق فى الدول المتقدمة ، أو للحاق بركب مسيرة التقدم نتيجة ضغوط أو تطلعات مجتمعية بالنسبة للدول النامية، وذلك من أجل تضييق الفجوة التعليمية والتنموية بينها وبين الدول المتقدمة.
فالتعليم يعد بمثابة الأمن القومى لأية أمة ، والمعلم هو عصب العملية التعليمية وأساس نجاحها وتحقيق أهدافها ، والمعلم الذى يمتلك الكفايات المهنية والتخصصية والإدارية ، وتتوفر فيه المستويات المعيارية ، يمكنه أن يساعد على تحقيق جودة التعليم ، والوصول به إلى العالمية.
ومن ثم ينبغى الاهتمام بتطوير كليات التربية حيث أنها المسئولة عن إمداد المجتمع بالمعلمين الذين يلقى على عاتقهم مسئولية تنشئة وتعليم أبناء الوطن ابتداء من مرحلة رياض الأطفال وحتى التحاقهم بالتعليم الجامعى.
ولكى يحقق تطوير كليات التربية غايته ينبغى الوصول به إلى أفضل صورة ممكنة من خلال تطوير كل عنصر من عناصر منظومة التعليم من حيث تطوير فلسفة وأهداف التعليم والتعلم ، وسياسة القبول ، والمحتوى الدراسى وتوصيف المقررات الدراسية ، وتوظيف استراتيجيات التدريس باستخدام تكنولوجيا التعليم التوظيف الأمثل لها مع مراعاة الاهتمام بالتعلم الإلكترونى ، وتقويم الأداء بمفهومه الشامل سواء أكان ذلك بالنسبة للطالب أو عضو هيئة التدريس ، مع مراعاة ربط كليات التربية بالمستحدثات التكنولوجية والعالمية مع العمل على الاهتمام بالعملية التعليمية ، وتفعيل دورها مع مدارس التعليم قبل الجامعى بالمحافظات كل ذلك يمكن أن يؤدي فى النهاية إلى تخريج معلم قادر على مواجهة تحديات المستقبل.
وتشير بعض الدراسات إلى أن هناك بعض المشكلات التي تواجه كليات التربية وتؤثر على أدائها وكفاءة خريجيها ، وترجع بعضها إلى أسباب داخل هذه الكليات وأخرى خارجها ومن هذه المشكلات مايلي :
1- قصور كليات التربية بوجه عام عن تحقيق الجودة الشاملة حيث يتمثل المنتج النهائى لها فى إعداد خريج لا تتوافر لديه السمات والخصائص المناسبة ، وكذلك قصور بعض كليات التربية عن تحقيق خدمة المجتمع وتنمية البيئة على النحو المرجو مما قد ينتج عنه قصورها في تحقيق الجودة الشاملة للتعليم فى الوطن العربى .
الأمر الذي يستوجب معه تطوير هذه الكليات لكي تستطيع تحقيق أدوارها المتنوعة والمتكاملة على أفضل وجه ممكن ، وينعكس ذلك بالضرورة على تطوير التعليم . وذلك من خلال تحسين مدخلات وعمليات وأداء منظومة التعليم بكليات التربية حتى يمكن أن نلحق بركب التطور العالمى ، والنمو المتلاحق فى المعرفة وتطورها ، وذلك من خلال اعداد معلمين قادرين على اعداد أجيال المستقبل .
2- قصور بعض برامج إعداد المعلم عن تحقيق الأبعاد الثلاثة لإعداد المعلم وهى : البعد التخصصى ، والبعد التربوى ، مع قصور فى البعد الثقافى لمعظم البرامج .
3- حاجة كليات التربية إلى التطوير والتحديث من حيث : تجهيز المعامل والورش تجهيزا كافيا ، وإدخال واستخدام تكنولوجيا التعليم والأنشطة التعليمية والتربوية ، وأساليب التقويم بالإضافة إلى تطوير منظومة المنهج التى تشمل تطوير الأهداف التربوية لكليات التربية، وتطويرالوسائط التعليمية المناسبة للمساعدة على تحقيق هذه الأهداف ، ولتحقيق ذلك يُراعى توفير التمويل المناسب ، وتطوير الأداء الذى يشمل أداء الطالب وأداء المعلم ، وأداء كل قسم من أقسام الكلية ، وتطوير الكلية بوجه عام.
حيث أن كلية التربية هى المؤسسة التى تعد - المعلم - الذى إذا تم تأهيله تأهيلا مناسبا استطاعت مؤسسات التعليم قبل الجامعى أن تقدم للتعليم العالي والجامعي مواطنا فاعلا فى مجتمعه قادرا على التعامل مع العصر الذى نعيشه بما فيه من تطورات عالمية معاصرة ومتغيرات مستمرة .
4- وجود فجوة بين النظرية والتطبيق سواء بالنسبة لاعداد المعلم فى مرحلة ما قبل الخدمة ، أو فى تدريبه أثناء الخدمة فيتم الاهتمام بالجوانب النظرية والفلسفات التربوية والسيكولوجية أكثر من تطبيقاتها فى مواقف الحياة اليومية ، الأمر الذى أدى إلى ضعف كفاءة خريجيها .
5- تدنى مرتبات أعضاء هيئة التدريس ببعض الجامعات فى الوطن العربى بما فيهم الذين ينتسبون إلى كليات التربية، مما جعلهم يتطلعون إلى تحسين أوضاعهم المعيشية سواء داخليا أو خارجيا ، الأمر الذى يؤثر على مهامهم داخل كلياتهم مما أدى إلى تدنى عطاء بعض كليات التربية ، وقد أثر ذلك تأثيرا سلبياً على إعداد طلاب كليات التربية .
6- تقليل بعض وزارات التربية والتعليم من أهمية رسالة كليات التربية ، فجعلت مهنة التعليم مهنة من لا مهنة له ، وذلك حين عينت فى مهنة التدريس خريجى كليات أخرى، وتركت خريجى كليات التربية للبطالة حيث وصلت نسبة خريجى كليات التربية العامة الذين يعملون معلمين فى مدارس التربية والتعليم فى جمهورية مصرالعربية على سبيل المثال حوالى (35%) فقط من إجمالى أعداد المعلمين. الأمر الذى جعل المتفوقين فى الثانوية العامة يعزفون عن كليات التربية بعد أن كانت مقصدهم ضمانا للوظيفة بعد التخرج .
مما أدى إلى قلة الإقبال على الالتحاق بكليات التربية ، الأمر الذى يؤثر فى نوعية وكفاءة المعلمين فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى معلم متميز قادر على التعامل مع متغيرات العصر .
7- قصور مواكبة بعض كليات التربية لتغيرات وتحولات العصر ، الأمر الذى يصيبها بالجمود والبعد عن المرونة. لذا ينبغى أن يكون هناك مشروعات مستمرة لتطوير كليات التربية فى الوطن العربى للتغلب على التحديات التى تواجه هذه الكليات حتى تستطيع أن تقوم بدور فعال، وذلك بما يتناسب مع التطورات التعليمية على المستوى العالمى.
8- قصور بعض كليات التربية عن توفير رؤية مستقبلية لها فى ضوء متغيرات وتحولات الحاضر والمستقبل. حيث أن تقدم الأمم يقاس بعوامل متعددة يأتى فى مقدمتها مستوى القوى البشرية تعليما وصحة وحياة، ويعتبر التعليم أساس النهضة ، كما أنه قاطرة التقدم .
9- غياب الدور المؤسسى لبعض كليات التربية فى الوطن العربى لعمليات تطوير التعليم بها ، ويمكن أن يكون ذلك راجع إلى عدة أسباب من بينها كثرة الأعباء والمسئوليات والضغوط على الكليات ، مما يتسبب عنه اعاقة حركة المسئولين بالكليات عن القيام بأنشطة الإصلاح والتطوير بكليات التربية ، واقتصرت معظم أنشطتهم على التدريس داخل الكلية والعمليات المتعلقة به فقط.
وتعتبر كليات التربية بأدوارها المتنوعة ومهامها العديدة حجر الزاوية فى تطوير التعليم بكافة مراحله ، إذ يأتى تكوين المعلم على رأس أولوياتها ، ومن هنا يمكن القول أن التكوين الجيد للمعلم يسهم بشكل مباشر وحاسم فى تطوير التعليم قبل الجامعى ، الذى تعتبر مخرجاته، هى مدخلات التعليم العالى كله. الذى يتوقف عليه إعداد أبناء هذا الوطن فإذا صلحت كليات التربية صلح إعداد هؤلاء وأًنتج للتعليم قبل الجامعى معلمين على درجة عالية من الكفاءة والفاعلية مؤمنين بوطنهم ، وقادرين على تعليم الأجيال القادمة .
ولذلك يمكن القول أن نجاح التنمية البشرية يعتمد على جودة التعليم بكليات التربية حيث تخرج هذه الكليات المعلم الذى يؤثر بشكل فعال فى جودة العملية التعليمية. للتعليم قبل الجامعي بشكل مباشر ، والتعليم الجامعي بشكل غير مباشر .
وكليات التربية تعتبر مؤسسات تربوية أكاديمية تعمل على ترقية المعرفة التربوية وتطبيقاتها لخدمة المجتمع ، وتشكيل عالم التعليم والتعلم.
ومن ثم فإنها تعمل على تطوير التعليم على كافة المستويات سواء التعليم قبل الجامعى أو التعليم العالى، بما يحقق تنمية بشرية مجتمعية شاملة ومستدامة للمجتمع للتواصل مع العالم العربى والأجنبى .
وينبغى أن تتضافر كل الجهود من أجل تكوين رؤية جديدة لدى المسئولين وأعضاء هيئة التدريس بكليات التربية بأهمية الدور المؤسسى للكليات فى المرحلة القادمة على أساس وجود شراكة بين وزارة التعليم العالى وكليات التربية وذلك فى ضوء توفير التمويل اللازم لعملية تطوير التعليم وذلك باعتبار أن كليات التربية متخصصة فى تطوير التعليم الجامعى .
لكل ما سبق يمكن القول أن كليات التربية هي المصنع الذى يفترض أن يُخرج إلى المجتمع الكوادر التى تقوم بتسيير وقيادة المؤسسات التعليمية كما تؤهله لمواكبة المفردات التقنية للعولمة والوفاء بمتطلبات تطوير كليات التربية كضرورة عصرية .
ساحة النقاش