االيوم العالمى للعصا البيضاء
بقلم :
الدكتور / على مهران هشام
------------------
منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً مضت والعالم يولي اهتماماً متزايداً بالأخوة والأحبة من المعاقين بصرياً وقد جعل الخامس عشر من أكتوبر من كل عام يوماً لهم وأصبحت العصا البيضاء رمزاً لقدرة الكفيف علي العمل والانتاج ومشاركة المجتمع في جميع خطط التنمية والتطوير المستقبلي.. يعود الاهتمام بقضايا المكفوفين عندما أوصي المجلس العالمي لرعاية المكفوفين والذي عقد في شهر فبراير عام 1980م بباريس بتخصيص يوم للكفيف لانه جزء أصيل في نهضة الأمم وقيادة مسيرة أبنائها ثم أعلن في عام 1984 عن قيام الاتحاد العالمي للمكفوفين وهو احدي المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة.
استخدمت العصا البيضاء في عام 1931م وهي تعبير عن استقلال المكفوف وحريته في التنقل والتحرك اعتماداً علي الذات وهي تغني المكفوف وضعاف البصر عن ضرورة اللمس المباشر للأشياء مما يوفر لهم الحماية وتفادي الأضرار والمخاطر لأنها تزوده بتخزين مبكر للتغيرات المفاجئة كما تزودهم بالمعلومات عن الأماكن التي يريدونها... العصا البيضاء تغني عن السؤال فالمبصر يعلم أن حاملها يحتاج إلي التعاون معه وتسهيل الوصول إلي أهدافه وإفساح المجال له دون رجاء أو شفقة أو عطف علي المكفوف... فالانسان المكفوف عاطفي وشفاف وحساس وذو وجهة نظر ثاقبة وحكيمة وله بصيرة قادرة علي وزن الأمور وذو مواهب كثيرة تصل إلي حد الابداع والابتكار والتاريخ مليء بالنماذج الفذة والعظيمة من الرجال والنساء والعلماء والأطفال أيضاً الذين تركوا بصمات ولمسات بارزة في المجتمع الانساني والعالمي وساهموا بصدق وفعالية في الحضارة الكونية.
إن تخصيص يوم للمعاقين بصرياً هو دعوة للتضامن والتعاون والاندماج المجتمعي مع هذه الفئة وهو رمز لتسليط وتركيز الاهتمام علي حقوقهم في العمل والتعليم والتنقل وتوفير الخدمات الضرورية لهم وتسهيل أدوات وآليات الحياة بكرامة ورضا دون إنقاص من قدراتهم إضافة إلي نشر الوعي المجتمعي بدور هذه الفئة في الابداع والمشاركة في التنمية والتخطيط للمستقبل ويمثل ذلك واجباً أخلاقياً ودينياً ومسلكا حضاريا.
تشير الإحصائيات إلي أن عدد الذين يفقدون بصرهم سنوياً في البلاد النامية يصل إلي ربع مليون طفل بسبب افتقادهم إلي سوء التغذية وخاصة فيتامين "أ" والأمراض الوراثية والمعدية وأمراض فترة الحمل ونقص الرعاية الصحية وتدني مستوي التوعية البيئية والاجتماعية والثقافة الصحية عند الكثير من أفراد المجتمع في هذه الدول حيث يصل عدد المصابين بفقدان البصر إلي أكثر من 54 مليون شخص يعيش معظمهم في الدول الفقيرة والمتخلفة وتري بعض المنظمات الدولية أن حوالي 57 بالمائة من هؤلاء المصابين يمكن علاجهم إذا وجدوا الرعاية الصحية والاهتمام البيئي والطبي اللازم.
ومن هنا فإن إتباع بعض الوسائل التوعوية والصحية يمثل ضرورة للوقاية من فقدان البصر مثل الفحص الطبي المبكر للراغبين في الزواج وتقديم العناية الصحية للأم الحامل ومعالجة أسباب فقدان أو ضعف البصر سواء التغذية أو التحصينات الطبية إضافة إلي الوقاية من مرض الحصبة الألمانية وضرورة حماية حديثي الولادة من العدوي وتوفير المعايير الصحية في المدارس والفصول الدراسية والمحافظة علي عيون وبصر الأطفال من خلال الطباعة الجيدة للكتب والاضاءة في الأماكن المغلقة والاهتمام بالاضاءة الطبيعية والتهوية وإجراء الفحص الرمدي الدوري علي عيون الاطفال ومراعاة الشروط الصحية في أماكن العمل "الإضاءة- ألوان الجدران- الفتحات- التهوية- ألوان الاثاث- التشجير- إلخ".
وكذلك ضرورة محاربة الخرافات وأدعياء العلم ومحترفي الجدل وبيع الوهم للفقراء والباحثين عن الصحة والعلاج ولو مكرهين؟!!
كما أن محاربة الأمية وتنمية المناطق الريفية وتوفير المراكز الطبية في المناطق المترامية والصحراوية والحدودية وتوفير الأعداد الكافية من الأطباء وأطقم التمريض وأجهزة الفحص ومكافحة مرض التراخواما كل ذلك يساعد في حماية نعمة الإبصار والمحافظة علي عيون الصغار والكبار من التدهور والاخفاق البصري.
تلعب الثقافة الطبية عند الأسرة دوراً كبيراً في حماية الأطفال من ضعف أو فقد البصر مبكراً مثل التعرف علي مشاكل الأبناء البصرية وملاحظة بعض السلوكيات عند الاطفال في سن مبكرة مثل تحاشي الطفل الرضيع الضوء أو عدم تعرف ابن الأشهر الثلاثة علي أمه أو اللعب بيديه وتعثر الطفل وارتطامه بأثاث المنزل عندما يبدأ بالمشي أو أن الطفل يقرب الكتاب من عينيه عند القراءة بطريقة غير عادية أوتختلط عليه قراءة الأرقام أو الحروف أو ازدواجية الرؤية للأشياء.
علي كل حال. يعود استخدام العصا البيضاء إلي الدكتور ريتشارد فورد وقد عرفت بعصا هوفر وهي عدة أنواع منها العصا البيضاء الطويلة ذات القطعة الواحدة والعصا المنطوية حيث يستطيع الفرد فتحها لتكون قطعة واحدة طويلة عند الاستخدام والنوع الثالث هو عصا ذات وصلات متداخلة وتتناسب وصلاتها مع طول الانسان الذي يستخدمها سواء من الاطفال أو الكبار. وتصنع أطراف العصا من النايلون أو الألومنيوم وتساعد في حماية الجزء الاسفل من الجسم حيث تساعد المكفوفين في معرفة نوع الارضيات التي يسيرون عليها ومعرفة جوانب الأرصفة ودرجات السلالم والمناطق المرتفعة أو المنخفضة.
كما توجد عصا أخري تسمي عصا هبل وهي عصا مقوسة تشبه مضرب التنس وتستخدم في المناطق الوعرة والأراضي ذات التضاريس المتفاوتة والطرق الصخرية الخطرة كما ساعد العلم في استحداث عصا إلكترونية مصممة علي شكل العصا البيضاء الطويلة لكنها تعتمد علي ترددات فوق صوتية يشعر بها الكفيف تحت يده وذلك عندما تصطدم العصا بعقبة معينة كما أن العصا الإلكترونية تستطيع استكشاف العقبات في كل اتجاه علي بعد خمسة أمتار مما يوفر الحماية وتقليل المخاطر للأحبة المكفوفين أو ضعاف البصر.
تنص اتفاقية الاتحاد العالمي للمكفوفين والخاصة بحقوق المكفوفين وضعاف البصر والكفيف الأصم والذي يمثل 180 مليون كفيف وضعيف بصر في 158 دولة علي ما يلي:
* مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المكفوفين وضعاف البصر وتوفير الحقوق لهم.
* تعزيز أساليب الوقاية والعلاج لحماية البصر وعيون البشر وخاصة في الدول الفقيرة والمناطق النائية.
* للمكفوفين الحق الاساسي في الاندماج الكامل والمساواة مع جميع أفراد المجتمع وحق المشاركة الكاملة في جميع الأنشطة المجتمعية.
* الحق الكامل للمكفوفين في التعليم والعمل والانضمام للاحزاب والأندية والمنظمات الاجتماعية وجمعيات المجتمع المدني ودور العبادة والمشاركة السياسية الكاملة.
* حق الحماية من كل أشكال العنف أو التحقير أو الاساءة أو التعذيب والقسوة واحترامهم في جميع وسائل الإعلام.
* توفير وسائل التعليم الملائمة لهم مثل القراءة باللمس كطريقة برايل.
* تقديم الخدمات المدنية بطريقة مناسبة واقتصادية مثل الارشادات المرورية والتزود بالأجهزة الالكترونية والتكنولوجية وتوفير المعلومات لهم وحقهم في الثقافة والتمتع وقضاء وقت الفراغ والدعم الأدبي والروحي والمالي لهم من الجهات الرسمية والحكومات والقطاع الخاص.
قد يكون الكفيف قد افتقد نعمة الابصار ولكنه عوض عنها بنعمة أكبر وهي البصيرة والذكاء والحكمة والفطنة وسرعة الفهم والمتابعة وعلي جميع أفراد المجتمع ومتخذي القرار أن يعتبروا هذه الفئة من دعائم ونهضة الأمة فما علينا إلا الاجتهاد والعمل وعلي الله النجاح والنتيجة.
والله المستعان.
ساحة النقاش