شعلت مجموعة من الفتاوى والدعوات الدينية ماراثون الانتخابات الرئاسية في مصر، والمقرر إجراؤها يومي 23 و24 مايو (أيار) الجاري، وذلك لمناصرة مرشح بعينه من بين زمرة المرشحين. وزاد من سخونة المشهد حالة من الجدل الفقهي والسياسي والإعلامي حول مدى شرعية هذه الفتاوى، وتوظيف الدين لصالح أغراض سياسية محددة.
وشهدت الأيام الماضية ظهور عدد من الدعوات لمشايخ ورجال دين تحث الناخبين على التصويت لصالح مرشح بعينه، وأخرى تحرم التصويت لآخرين. فمن على منبر مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية وفي خطبة الجمعة الماضية دعا الشيخ أحمد المحلاوي، خطيب المسجد إلى دعم الدكتور محمد مرسي مرشح «الإخوان المسلمين» في انتخابات الرئاسة وقال: إن التصويت له «واجب شرعي».
ونقل الموقع الرسمي لحملة مرسي عن المحلاوي قوله: «عندما تذهب لست مخيرا أن تختار ما تشاء، لكن حتم الله عليك أن تشهد شهادة حق، فقال: (وأقيموا الشهادة لله)، والمسلم ملزم بأن يقيم شريعة الله وحدوده، وإن كان الناس يقولون الخروج للانتخابات واجب شرعي، فإن اختيار المرشح أيضا واجب شرعي وليس وطنيا فقط».
وهي الدعوى التي أثارت جدلا بين المصريين، ودعت عضو مجمع البحوث الإسلامية، الدكتور محمد الشحات، إلى رفض تشبيه التصويت السياسي في الانتخابات بأنه «فرض» شأن الصلاة والصيام وباقي أركان الإسلام، مؤكدا أن هذا أمر «غير مقبول»، خاصة إن كان يصدر من أشخاص يحاولون احتكار واختطاف الإسلام وهم غير مؤهلين أصلا.
إلى ذلك، عقد مرشح الرئاسة محمد مرسي مؤتمرا بقاعة جامعة الأزهر قبل أيام، قام فيه بدعوة الأئمة والدعاة ورجال الدين الحاضرين إلى الدعوة له في مساجد مصر باعتباره المرشح الوحيد الذي يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
من ناحية أخرى، أفتى الدكتور منير جمعة، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عضو جماعة الإخوان المسلمين بعدم جواز التصويت لمرشحي «الفلول» في انتخابات الرئاسة، قاصدا المرشحين أحمد شفيق وعمرو موسى، مؤكدا أن «التصويت لهما لا يجوز شرعا، إذ لا يجوز أن نهدر دماء الشهداء والجرحى»، معتبرا أن التصويت لهما بمثابة تعاون معهما على الإثم والعدوان وركون للظالمين وخذلان للصادقين وتضييع للأمانة وخداع في الشهادة وكتمان في الحق وإظهار للباطل.
وبرر الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، قرار الدعوة السلفية بدعم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في انتخابات رئاسة الجمهورية، على حساب الدكتور محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، بأنه جاء بسبب إصرار الجماعة على السير وفق نظام «البيعة»، قائلا: «لا يوجد لدينا بيعة لكن يوجد لدينا التزام».
فيما وصف محمد عبد المقصود، نائب رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح (هيئة سلفية) قرار الدعوة السلفية لدعم المرشح عبد المنعم أبو الفتوح ومشروعه وبرنامجه الانتخابي بأنه «مشروع الهلاك» وأكد عبد المقصود خلال دعمه للمرشح محمد مرسي مرشح «الإخوان» أنه يتسم بالكفاءة البرلمانية ومكانته العلمية وانتمائه إلى واحدة من أعرق الجماعات الإسلامية في العالم، وانتقد دعم حزب النور للمرشح عبد المنعم أبو الفتوح على أساس الجماهيرية، مؤكدا أن الشريعة لا توجد بها قواعد لاختيار ولي الأمر على أساس القاعدة الجماهيرية.
وانتقد مؤخرا تقرير للجنة متابعة ورصد وتقييم الدعاية الإعلامية والإعلانية للانتخابات الرئاسية ما سماه «توظيف الفتاوى الدينية للتأثير على الناخبين»، وقال رئيس اللجنة الدكتور صفوت العالم لـ«الشرق الأوسط»: «تضمنت الكثير من البرامج واللقاءات التلفزيونية في القنوات الفضائية الكثير من الأفكار والآراء التي أخذت شكل الفتاوى الدينية من قادة الرأي الدينيين وكبار الشيوخ وعلماء الدين بضرورة وأهمية اختيار المرشح الرئاسي الذي يحمل مشروعا لحماية مقاصد الشريعة الإسلامية ويحقق النهضة لمصر وللمصريين، وهو الأمر الذي يأخذ شكل توظيف الآراء والفتاوى الدينية للتأثير على اتجاهات التصويت لدى الناخبين نحو مرشح محدد دون غيره من المرشحين المنافسين»، مضيفا: «لا شك أن تعدد هذه الفتاوى الدينية من الكثير من كبار الشيوخ وقادة الرأي الدينيين كل في اتجاه تأييد مرشح رئاسي معين وفي نفس الوقت يدعو إلى عدم انتخاب مرشح رئاسي آخر؛ يؤثر في اتجاهات التصويت الخاصة بجماهير الناخبين، خاصة مع انتشار هذه الفتاوى وإذاعتها في الكثير من القنوات الفضائية ووسائل الإعلام».
إلى ذلك؛ ناشد وزير الأوقاف، الدكتور محمد القوصي، جميع مرشحي الرئاسة ضرورة الحرص على احترام حرمة المساجد، وعدم استغلالها في الدعاية الانتخابية، لأن هذا محرم شرعا، مؤكدا ضرورة أن تظل المساجد بيوتا لله وصروحا للعبادة لا يجوز الزج بها في مهاترات وخلافات سياسية تفسد على المسلمين روحانيتهم وصفاءهم وأداءهم للشعائر الدينية. وأكد الوزير ضرورة العمل على التزام الحياد والبعد عن الدعاية الانتخابية لأي من المرشحين في انتخابات رئاسة الجمهورية وعدم الانحياز لفصيل أو اتجاه أو استخدام المنابر في الدعاية لأحد.
ساحة النقاش