أولاً : انتشار عقار الترامادول في مصر وجهود مكافحته :
من أخطر الكوارث التي تهدد المجتمع المصري اليوم في أمنه وصحة أفراده وسلامة اقتصاده انتشار عقار الترامادول بين أفراد المجتمع, ولعله يكفي للدلالة على ذلك ما أعلنته وزارة الداخلية مؤخراً من تمكن أجهزتها الأمنية من ضبط خمسة وثلاثين مليوناً من أقراص الترامادول المخدرة بالبلاد, ولا ينبغي أن نغفل أنه إذا كان هذا الرقم الكارثي هو ما تم ضبطه فعلاً إلا أنه هناك أرقاماً أخرى أشد ضخامة لم تصل إليها بعد أيدي الأجهزة الأمنية, ولعل هذا الخطر الداهم الذي تزايدت خطورته حدة منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرون من يناير بما ترتب عليها من انفلات أمني بالبلاد كان مؤداه إغراق البلاد بكميات خيالية هائلة من الأقراص المخدرة, و هو ما دعا إلى سرعة تشكيل لجنة ثلاثية مشتركة من مسئولي إدارة التشريع بوزارة العدل والإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة والإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية لبحث سبل مكافحة هذا الوباء ووسائل وقف انتشاره, وقد تمخضت أعمال هذه اللجنة عن مقترح تشريعي لوقف انتشار عقار الترامادول بالبلاد حيث انتهت إلى ضرورة إدراج هذا العقار بالجدول الأول من جداول المخدرات الملحقة بالقانون رقم 182 لسنة 1960 وتعديلاته بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها, وعلى أثر ذلك أصدر السيد الدكتور وزير الصحة قراره رقم 125 لسنة 2012 المنشور بالجريدة الرسمية في 1/3/2012 والذي نصت مادته الأولى على أن يضاف إلى القسم الثاني من الجدول رقم (1) الملحق بقانون مكافحة المخدرات مادة الترامادول (Tramadol ) وإستراتها وإيثيراتها وأملاح نظائرها وإستراتها ومستحضراتها, كما نص القرار في مادته الثانية على حذف مادة الترامادول وأملاحها من الفقرة (د) من الجدول رقم (3) الملحق بقانون مكافحة المخدرات .
وقد ترتب على قرار وزير الصحة المشار إليه أنه أصبح محظوراً على الصيدليات صرف هذا العقار بتذاكر طبية عادية مما كان يصدرها الأطباء العاديين قبل ذلك القرار, وأصبح صرف هذا العقار من تلك الصيدليات قاصراً فقط على تذاكر طبية صادرة مباشرة من وزارة الصحة, كما ترتب عليه أيضاً أن أصبح استيراد الترامادول وتصديره وإنتاجه واستخراجه وصنعه وفصل مكوناته والإتجار فيه وكذلك تعاطيه بدون تذكرة طبية صادرة مباشرة من وزارة الصحة جناية متدرجة العقوبة وفقاً لصورة السلوك الجنائي فيها وحسب توافر الظروف المشددة, وذلك بعد أن كانت هذه الجريمة جنحة عقوبتها الحبس من ستة أشهر وحتى ثلاث سنوات قبل نقل الترامادول إلى القسم الثاني من الجدول رقم (1).
ثانياً : أسباب تعاطي البعض لعقار الترامادول :
يتعاطى بعض المواطنين عقار الترامادول لأسباب مختلفة يرتد بعضها إلى التلذذ بالأثر المخدر للعقار من دوخة ونعاس ودوار وهلوسة ظناً منهم أن ذلك قد يساعدهم على الهروب من بعض المشكلات التي تواجههم, أو بالأقل يوقف الصراع الفكري لديهم بشأنها, وأن ذلك يحد أو يهدئ من آلامهم النفسية ويساعدهم على الاسترخاء النفسي والعصبي, والبعض الآخر يتعاطى هذا العقار كعلاج لسرعة القذف وإطالة مدة العملية الجنسية وهناك بعضاً ثالثاً يعتقد أن تعاطي هذا العقار يمنحه طاقة بدنية تساعده على أداء عمله لفترات زمنية أطول كسائقي الشاحنات العملاقة حال قيادتها لمدد طويلة.
ثالثاً : خطورة عقار الترامادول :
(1) : خطورة عقار الترامادول صحياً :
الحقيقة أن عقار الترامادول له آثار شديدة الخطورة على صحة متعاطيه على نحو ما ثبت لنا من خصائصه وأعراضه الطبية, و من أهم هذه المخاطر أنه إذا زادت الجرعة اليومية منه على 400 ملليجرام للشباب, و300 ملليجرام لكبار السن فوق 75 سنة, أو تم تعاطي العقار بغير الإشراف والمتابعة الطبية, فإنه يمكن أن يؤدي بخلاف الدوخة والدوار والنعاس والهلوسة إلى غثيان وارتباك وصعوبة في التنفس وتشنجات وخلل بوظائف الكبد وكذلك يؤدي أحياناً إلى الرغبة في الانتحار, ويمكن أن تؤدي الجرعات الزائدة منه إلى حالة هبوط في الجهاز العصبي و التنفسي والإغماء وتوقف القلب والوفاة, كذلك فإن تعاطي الترامادل من قبل السيدات الحوامل يسبب مشاكل عديدة للجنين, مثل التشنجات, أو أعراض الانسحاب, أو الوفاة, لذلك لا ينبغي استعماله أثناء الحمل أو بعد الولادة خلال فترة الإرضاع, ويضاف إلى ذلك جميعه أن تكرار تعاطي عقار الترامادول يسبب الإدمان .
(2) : خطورة عقار الترامادول جنائياً :
أما من حيث خطورة هذا العقار جنائياً فإنه يُعد من قبيل الجواهر المخدرة المنصوص عليها في القسم الثاني من جدول المخدرات رقم (1), وبهذه المثابة فإن المادة الثانية من قانون مكافحة المخدرات قد حظرت على أي شخص جلب أو تصدير أو إنتاج أو تملك أو إحراز أو شراء أو بيع كافة الجواهر المخدرة بما فيها الترامادول, وكذلك حظرت التنازل عنها بأية صفة, كما حظرت التدخل بالوساطة في الجلب أو التصدير أو البيع أو الشراء أو أي شيء مما تقدم, فالوسيط في هذه العمليات يعاقب عليها كالجاني تماماً.
(3) : خطورة عقار الترامادول أمنياً :
وفضلاً عن مخاطر تعاطي الترامادول على صحة متعاطيه وعلى حريته وحياته, فإن هناك نوع آخر من الخطر يمس أمن المجتمع وسلامة مواطنيه ذلك أن تعاطي هذه المادة المخدرة يدفع متعاطيها إلى ارتكاب العديد من الجرائم – شأن كافة المواد المخدرة الأخرى – ومن قبيل ذلك جرائم القتل والإصابة الخطأ التي يرتكبها قائد السيارة متعاطي العقار, وذلك لما يسببه العقار من دوخة وزغللة في الأعين وعدم وضوح الرؤية والنعاس أثناء القيادة, فضلاً عن ارتكاب جرائم السرقة والقتل العمد بغية الحصول على الأموال اللازمة لشراء العقار, وكذلك جرائم العنف والبلطجة وفرض السطوة وكذلك جرائم الاغتصاب وهتك العرض والزنا والتحرش الجنسي والدعارة وخلافه تحت الأثر المخدر للعقار والذي يفقد المتعاطي القدرة على إدراك طبيعة أفعاله وخطورتها على الآخرين, ويعدم لدية إرادة الامتناع عن هذه الأفعال, وهو ما يهدد بالخطر والضرر أمن المجتمع والمواطنين على السواء, وينعكس سلباً في النهاية على اقتصاد المجتمع نتيجة تراجع القدرة على العمل وانتشار الجريمة بشتى صورها بما يؤثر على النشاط الاقتصادي .
رابعاً : العقوبات الرادعة للجنايات المتعلقة بالترامادول المخدر :
والحقيقة أن قانون مكافحة المخدرات حدد عقوبات رادعة تختلف بحسب الفعل نفسه, وصفة مرتكبه, والقصد منه, فمثلاً اعتبرت المادة (33) أن تصدير المخدرات وجلبها للبلاد بما فيها الترامادول هو جناية عقوبتها الإعدام والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه, وهي نفس العقوبة التي تطبق على جنايات إنتاج هذه المادة أو استخراجها أو صنعها أو فصل مكوناتها متي كان ذلك بقصد الإتجار . وتطبق هذه العقوبة أيضاً على كل شخص يؤلف عصابة ولو بالخارج أو كان يدير تلك العصابة أو تداخل في إدارتها أو تنظيمها أو انضم إليها أو اشترك فيها متى كان من بين أغراض تلك العصابة الإتجار في الجواهر المخدرة أو تقديمها للتعاطي أو ارتكاب هذه الجرائم داخل البلاد . وتطبق العقوبة السابقة أيضاً على كل من ارتكب جرائم الحيازة أو الإحراز أو الشراء أو البيع أو التسليم أو النقل لهذه المخدرات بما فيها الترامادول, أو تقديمه للتعاطي, طالما كان القصد من ذلك هو الإتجار . وتطبق العقوبة ذاتها أيضاً على من يدير أماكن لتعاطي المخدرات بمقابل, ومن يرخص له بحيازتها لاستعمالها في غرض معين كشركات الأدوية والصيادلة ثم يستعملها في غير هذا الغرض, وكذلك تطبق على كل من يستغل سلطته أو حصانته في ارتكاب تلك الجرائم, كضابط الشرطة الذي يستغل سلطته في نقل المخدرات, وكالقاضي أو نائب البرلمان الذي يستغل حصانته في جلبها أو نقلها إلى آخر ما نص عليه القانون من جرائم أخرى, واتجه المشرع إلى تخفيف عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد والمشدد في الحالات التي لا يتوافر فيها قصد الإتجار أو الظروف المشددة السابقة .
خامساً : حالات إعفاء متعاطي الترامادول من المسئولية والعقاب :
والجدير بالذكر أن المشرع قد منع إقامة الدعوى الجنائية ضد من يتعاطى أية مادة مخدرة إذا تقدم من تلقاء نفسه إلى اللجنة المشكلة بكل محافظة بمقتضى المادة (37) مكرر بطلب العلاج, أو إذا تقدم بذلك نيابة عنه زوجه أو أحد أصوله أو فروعه, فيودع إحدى المصحات العلاجية بموافقته ويعفى من المسئولية الجنائية والعقاب عن جناية التعاطي .
مستشار دكتور : حسام جادو