التبرع للبحث العلمي صدقة جارية تعود علي المجتمع بالخير والرفاه
د. محمد ماهر الصواف
تعد منظومة البحث العلمي في الدول من العوامل الداعمة للتقدم المجتمعات وتهتم كافة الدول بوضع خطة الاستراتيجية قومية لتطوير البحث العلمي بها . ويجب ان نسلم ان هذه المعركة صعبة ومعقدة بالنسبة لنا لتعدد الفاعلين فيها من جانب, وكون الهدف هنا هدفا متحركا لأننا في سباق مع الدول المتقدمة التي كونت بالفعل قاعدة معرفية متسعة وتنفق مبالغ ضخمة في البحث عن المعرفة الجديدة من جانب آخر.
فعلي سبيل المثال نجد ألمانيا الاتحادية رغم تقدمها في البحث العلمي وتوصلها إلي مخرجات بحثية عظيمة أفادت بها المجتمع الانساني في مجالات عدة ،تسعي علي الدوام الى بذل الجهود ووضع الخطط لدعم البحث العلمي ومضاعفة عدد العلماء للتوصل الي مزيد من المخرجات البحثية تتفوق بها علي مثيلتها من الدول المتقدمة. ويجدر الاشارة هنا أن ألمانيا الإتحادية تعمل بكل جدية واهتمام علي اعداد المفكرين والمبتكرين من الشباب وتقدم لهم كل العون لتحويل الأفكار إلي منتجات تفيد المجتمع والإنسانية , وتعمل علي زيادة اعداد المدارس والمراكز التي تهدف ألي إعداد الأطفال والتلاميذ التي تظهر عليهم علامات النبوغ وتأهيلهم ليكونوا علماء المستقبل, بالاضافة الي المدارس الثانوية التي تقدم برامج دراسية متخصصة في الرياضيات والكيمياء والفيزياء.
و يجب التأكيد ان مصر تدرك تماما أهمية البحث العلمي للتقدم والتنمية منذ زمن بعيد وعملت علي مر الأيام علي إنشاء عدد من المراكز البحثية بلغت أكثر من 80 مركزا للبحث العلمي والتكنولوجيا علاوة علي الأنشطة البحثية في الجامعات والمؤسسات العلمية ، إلا أنه للأسف هناك عدد من المعوقات تضعف من دورها وجهودها منها :
* محدودية رعاية الباحثين والعلماء وتنمية قدراتهم علاوة علي انشغالهم باستكمال احتياجاتهم المعيشية وعدم تفرغهم للبحث العلمي بالقدر الكافي.
* ضعف الصلات بين القطاع الخاص والبحث العلمي مما ترتب عليه ضعف مساهمته في دعم البحوث العلمية التي تسعي لحل مشكلات العمل والانتاج وتطوير المنتج.
* وأخيرا ضعف دور التعليم في مراحله المختلفة في تبني وتأهيل النابغين وذوي المواهب وبناء العقول القادرة علي الابداع والابتكار.
ولا ننكر أن هناك محاولات جادة قد طرحت بالفعل علي بساط البحث, لعلاج هذه المشكلات منها :
<!--انشاء صندوق لدعم البحث العلمي والتكنولوجيا وتنمية الابتكارات يهدف الي دعم البحوث المتعلقة بالتنمية, وربط البحوث بالصناعة والمؤسسات الخدمية.
<!-- تطوير وإعادة هيكلة منظومة البحث العلمي, وانشاء شبكة موحدة تربط بين الجامعات ومراكز البحث المختلفة.
<!-- دعم الابتكار والاختراع من خلال انشاء مراكز تميز وكيانات وحضانات تكنولوجية في الجامعات ومراكز البحوث وتنفيذ برامج لتشجيع المواهب وجذب علماء مصر بالخارج.
وأعتقد انه من الضروري مواصلة الحوار حول محاور التطوير المطروحة. وفي هذا الاطار نطرح بعض الأفكار المتعلقة بالمحور الأول بصفة خاصة موارد هذا الصندوق المقترح, إذ انه لايمكن التسليم ان تتحمل الدولة وحدها عبء تدبير الموارد اللازمة له, نظرا لتحملها أعباء ضخمة في حل مشكلات المجتمع المتعددة التي تمس الحاجات الضرورية والملحة لأفراده. فإذا اتفقنا علي أن البحث العلمي أصبح اليوم أشبه بالنور الذي يضئ طريق التنمية والتقدم, ولن نستطيع ان نشفي مرضانا أو نوفر سبل الحياة الكريمة للانسان المصري إلا من خلال البحث العلمي, لذا فإنه من الضروري أن يشارك جميع أفراد المجتمع ومؤسساته لتدبير موارد هذا الصندوق, ونقترح لذلك مايلي:
- وإذا كان الصندوق الاجتماعي يشارك في إحداث التنمية ويدعم شباب المجتمع فإننا نأمل أن يساهم ايضا لدعم شباب الباحثين من خلال مشاركته في دعم صندوق البحث العلمي وتقديم قروض طويلة الأجل لهم لتمكينهم من تحويل الأفكار إلي منتجات وتسويقها.
- من المعروف أن البحث العلمي يسعي إلي اكتساب المعرفة التي تمكننا من تنمية قدراتنا الزراعية والصناعية وفي اكتشاف الأمراض ووسائل علاجها ويصبح لدينا مانحتاجه من غذاء وملبس ووسائل المعيشة المتعددة, وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام مامن مسلم يغرش غرسا أو يزرع زرعا فتأكل منه طير أو انسان او بهيمة إلا كان له به صدقة. وهكذا يعد تبرع الأفراد لصندوق البحث العلمي صدقة جارية تعود علي المجتمع بالخير والرفاه. ومن هذا المنطلق نناشد الأوقاف المصرية أيضا بدراسة إمكانية تخصيص حصة من عائدها للبحث العلمي.
- يؤدي طلاب الجامعات رسوما للخدمات طبقا لقانون الجامعات ولائحته الصادرة في عام1972 مثل رسم المكتبة الذي يبلغ50 قرشا ورسم المختبرات ويبلغ3 جنيهات, ومن الغريب ان هذه الرسوم لم تتم زيادتها رغم الارتفاع الشديد في أسعار الكتب والمعدات والمواد المعملية. ومن هنا نري أنه من الضروري أن يعاد النظر في قيمة هذه الرسوم علي أن تخصص جزءا منها لدعم صندوق البحث العلمي
- وأخيرا نأمل أيضا أن يتحمل القطاع الخاص مسئوليته في دعم البحث العلمي كما هو الحال في جميع الدول المتقدمة, فمازال هذا القطاع يحجم عن المشاركة في دعم البحث العلمي حيث لايتعدي نسبة مساهمته في التمويل عن5% من إجمالي الانفاق في حين تصل هذه النسبة في كثير من الدول الصناعية إلي مايزيد علي70% ولاشك أننا نحتاج إلي بناء الثقة بين مراكز البحث العلمي والباحثين وبين القطاع الخاص والتي نأمل تحقيقها إذا أمكن تقديم البحوث الجيدة والمتطورة.
- ونختم حديثنا بالقول أنه ليس بالضرورة أن يحقق تدبير الموارد تقدما في البحث العلمي, وإنما الأهم هو الإدارة الجيدة للموارد المتاحة وحسن استخدامها, والافصاح والشفافية عن سبل الانفاق, علاوة علي الانفاق علي معايير المحاسبة وتقيم الأداء. والله ولي التوفيق
<!--