أهمية قياس الرأي العام السياسي"political feedback"
أ.د. ماهر الصواف
نعيش اليوم ازمات سياسية واقتصادية علاوة علي الارهاب والتطرف الديني ، الأمر الذي يتطلب من الدول ضرورة التعامل مع هذه الأزمات بأسلوب علمي وبخطوات مدروسة ، إذ أن اسلوب رد الفعل الانفعالي قد يؤدي إلي اتخاذ قرارات غير مدروسة تضر بالصالح العام .
ويمكن ان تتضمن هذه الأزمات تهديدا للدول والنظم السياسية وقد تقود إلى حدوث عدد من الأخطار والنتائج غير المرغوب فيها . وربما تتدهور الأحوال وتتفاقم الخسائر إذا كانت القيادات العليا بالدولة لا تتوقع حدوثها ولا توجد خطة لإدارة الأزمات .
وفي اعتقادي ان من أهم الآليات الفعالة لتجنب الأزمات السياسية الطارئة هو السعي الدءوب للتعرف علي مستوي الرضا العام وردود أفعال أفراد المجتمع feedback" " تجاه ما يتخذ من سياسات وقرارات عامة وإنه من الأهمية تجميع الآراء وأوجه النقد عن ما ينفذ من سياسات وتحليلها ، والسعي إلي معالجة نقاط الضعف وتعديلها بالشكل الذي يتفق مع احتياجات المجتمع .
ولا حاجة للقول ان استخدام هذه الآلية قد تواجه عقبات ثقافية وسياسية في بعض المجتمعات النامية فرغم انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ، إلا ان هناك بعض المجتمعات تفتقد الجرأة والشجاعة علي النقد البناء وتخشي التعبير عن الرأي , و يرجع ذلك إلي اسباب مختلفة منها الدينية والالتزام بطاعة ولي الأمر أو خوفا من السياسات القمعية التي اتبعتها بعض الحكومات السابقة ضد بعض المعارضين السياسيين . علاوة علي ذلك فقد فقدت الغالبية العظمي من أجهزة الإعلام في هذه المجتمعات مصداقيتها نظرا لأنها تقوم بنقل الآراء المجتمعية التي تتفق مع السياسات العامة الجاري تنفيذها فقط . ومن هنا يصعب علي القيادة السياسية عادة تحديد المستوي الحقيقي والواقعي للرضا العام .
ولا شك ان استمرار تلك السياسات دون تعديل رغم انخفاض مستوي الرضا العام تعطي انطباعا عاما ان القيادة السياسية تتجاهل ما يقع من اضرار علي بعض المواطنين وانها لا تدرك معاناتهم ، وعادة ما يتم استغلال هذا الوضع من المتطرفين والمنشقين لإثارة الرأي العام والتحريض علي إثارة الشغب والتظاهر ونشرالفوضى.
ونظرا للأسباب السابقة وصعوبة تحديد المستوي الحقيقي للرضا العام تجاه السياسات العامة ، بالإضافة إلي غياب الأحزاب القوية المعارضة و مؤسسات المجتمع المدني المستقلة والمحايدة والتي يجب ان يكون لها دور في قياس الرأي العام والتعبير عن احتياجات المجتمع الملحة ، نعتقد انه من الأهمية في هذه الحالة تشكيل عددا من لجان علمية مستقلة ومحايدة من الخبراء و الأكاديميين المختصين للقيام باستطلاع وقياس الرأي العام بأساليب وسياقات علمية رصينة تضمن الوصول لنتائج علي مستوي عال من الجودة والمصداقية ، ونقلها بأمانه للقادة السياسية وتقديم الدراسات العلمية الكفيلة بتصحيح مسار تلك السياسيات او إعادة ترتيب الأوليات لتجنب نقاط الضعف بالإضافة الي تكليف هذه اللجان بالتنبؤ بالأزمات وإدارتها. إذ انه من الخطورة الاعتماد فقط علي أراء القائمين علي تنفيذ السياسات العامة و المنتفعين منها او المنافقين الباحثين عن المناصب السياسية والإدارية عند السعي لمعرفة اتجاهات الرأي العام حيث توصي كافة الدراسات العلمية العالمية بأهمية التغذية المرتدة feedback""في تطوير السياسات العامة والاستجابة لاحتياجات المجتمع.