قمعت وأنا صغيرة، لم أكن قادرة يوماً أن أبدي رأياً في شيء أو أشارك في موضوع إلا إذا طلب مني. رغم حبي الكبير لقريباتي ولعائلتي لم أكن أعبر عن ذلك. اشتهرت وسط عائلتي بالصمت أو الكلام القليل جداً. واعتبرني البعض مغرورة ومتكبرة. والبعض الآخر معقّدة ومريضة.
كبرت وأنا أحلم أن أستطيع أن أتحدث مع الآخرين دون خوف أو خجل. كبرت وأنا أحلم أن تعود شخصيتي القوية. حلمت أن أعيش باجتماع مع الآخرين ولا أكون منطوية. أجل سمعت في حياتي أحقر الكلمات وأنذلها، سمعت السّب والشتم والقذف من أقرب الناس إليّ. رأيت الفرق بين المعاملة والمعاملة، فكتمت.
دائما أكتم ولا أعرف لماذا، أكبت في قلبي الفرح والحزن إلى أن أصل إلى لحظة أنفجر فيها لكن حتى الانفجار أستطيع إيقافه قبل نفاذ كل الذخيرة ربما لأني أحمي نفسي من جديد من كلمة جديدة.
لا أعرف النسيان ولا أريد أن أنسى. ربما أتناسى لكن في بعض اللحظات أتذكر كل شيء كل شيء. إضافة إلى كل هذا تعرضت لأبشع جريمة تتعرض لها طفلة في الثامنة، اغتصاب للبراءة وتدمير للشخصية ووداع وضوحية المستقبل. إنه الاستغلال الجنسي الذي لا ينسى من المخيلة، الذي حرمني أن أعيش الأمان أو أحسه وأن أجرّب العيش كأي طفلة ومن ثم كأي مراهقة.
استغلال علّمني أن لا ثقة بأحد، لا أحد من الرّجال يستحقون ثقة الأنثى أو حبّها. استغلال علمني كيف أعيش الكوابيس حينما يستسلم جسدي للنوم، وكيف أرى بوضوح المجتمع الظالم الذي نعيشه، علّمني أن لا أحلام وردية وأنه لا يوجد غير الخيال الخيال فقط وليست أحلام.
وحينما تتحدث العائلة متى تتزوجين يا أنا؟ أنا أتألم بداخلي وأقول إن شاء الله لإرضائهم أو إسكاتهم فقط وأكاد حينما أرى فستان عرس (أحيانا قليلة) أبكي وحينما أرى فتيات بعمر الطفولة أكاد أبكي وأدعو من الله أن يحميهن. أكثر صدمة بحياتي هي الاستغلال الذي لحقني دمر شخصيتي سلب مني الأمان حتى في الاحلام فهناك حلم يأتيني من حين لآخر يخصني وهناك من يود اغتصابي أو قتلي ودائماً أنجو منه عبر هروبي حتى لو رميت بنفسي من أعلى لا يحصل لي شيء. وحلم آخر هو أني أهرب من البيت ولا أدري إلى أين أذهب... وحلم آخر أيضاً هو أني في متاهة كلما أدخل أو أنظر إلى دوائرها غصت فيها أكثر....
مواقف الاعتداء لا أتذكرها كلها بل أتذكر بعضها.. من حين لآخر.. لكنني دائماً أتذكر آخر مرة عندما عرفت أن هذا لا يجوز وذلك عبر اكتشافي بالصدفة لذلك من طرف أسرتي. أتذكر كل شيء خلالها.. وقتها من خوفي كذبت وقلت فعل ذلك فقط في هذه المرة كنت أتوسل لأمي بلغة العيون أن لا تقول لأبي ليس خوفاً أن يقتلني ولكن خوفاً على مستقبل إخوتي الصغار من يطعمهم ألن يلصق بهم العار وأبي لماذا يدخل للسجن إذا قتلني وإخوتي كيف سينظر إليهم الناس... فكّرت بالفعل في أن أهجر البيت ولكن خفت من كلام الناس عني وعن أهلي.. أين سأبيت؟ كيف سأعيش؟ من سيهتم بي بأكلي ودراستي التي هي حياتي؟..... وآلاف المخاوف. ذهبت أمي لتخبر العائلة.. لتفضحني عندها... فسمعت كلمات من عائلتي التي تعرف.. هناك محرم لي حاول التحرش بي بعد علمه... وآخرون..
الخلاصة هي أن 11 شخصاً تحرشوا بي طبعاً اختلفت الطرائق ومداها بين تلامس خارجي بالأعضاء، إلى تلامس باليد، إلى إظهار العضو مع حركات الذهاب والإياب، إلى كلمات إلى إلى.. حتى السّن الطفل والشاب والعجوز..... وحينما تكون حالتي النفسية صعبة أشعر بالرغبة والرغبة في ممارسة العادة السرية.... خلالها لا تفارقني صورة آخر مرّة حصل فيها.. أشعر بالكآبة والحزن وأحياناً أبكي.. في مواقف أخرى حينما أشعر بالرغبة فأنا أشعر بالغثيان والقرف خاصة عند تخيّل العلاقة الخاصة والأجسام العارية التي تدخلني حقيقة في مرحلة قرف شديد.. وإذا شعرت بالخوف لأي سبب توقفت الرغبة فجأة..
أشعر بالخوف من كل شيء.. كل شيء... أحيانا أتخيل العلاقة الحميمة وأني سأكون طبيعية ولكن بمجرد ما أتخيل أن ذلك قد يصبح حقيقة أصاب بالخوف.. فالغثيان فأحس أحياناً أني سأكون باردة.. بلا إحساس..
هل سأكون زوجة طبيعية؟
أم أن الماضي سيكون لذلك بالمرصاد؟
أنتظر الرّد وشكراً
07/10/2007
ابنتي الحبيبة؛
كلماتك تقطر بالمرارة دائما وبالقسوة على نفسك غالبا، وباحتقار مجتمعك أحيانا، وبالمتناقضات في أحيان أخرى، فقسوة وعنف وتأنيب بلا مبرر سوى أنك منطوية، اتهام بالتكبر، تحرش، خوف شديد من الأب، خوف شديد علي الأسرة، عدم الثقة بالأم التي أكدتها بإخبار العائلة بالتحرش بلا مبرر أو سبب، 11 مرة تحرش فلماذا لا تمنعينها، رغبة جنسية عارمة، وقرف شديد من ممارستها.
عزيزتي؛ رغم كل ما يعتري رسالتك من تناقضات تحتاج إلى تفسير، لكنني أرى فيها أسلوبا جيدا منمقا يصلح بعد دراسة وتأهيل أن يكون لكاتبة كبيرة، فلماذا لا تستخدمين هذه الموهبة الجميلة في زيادة ثقتك بنفسك ورفع قدرك بين أقرانك وأحبائك، تحتاجين فقط إلى مزيد من القراءة والدراسة والبعد قليلا عن غموض الكلمات الكثيرة التي تحتويها رسالتك.
هذا هو الجانب الإنساني الجميل في رسالتك، بينما المعلومات المتاحة في رسالتك تجعلني على الجانب الطبي أميل إلي أحد الاحتمالين أولهما ما نطلق عليه الكرب التالي للرضح (أو التابع لحادث) Post traumatic stress disorder حيث تعرضت لمحاولات تحرش كثيرة مما جعلها تظهر في أحلامك وتتذكرينها في صحوك وجعلك تتجنبين على مستوى الوعي واللا وعي ما قد يصل بك على العلاقة الجنسية وهو الزواج لأنه يذكرك بما حدث لك، وتتذكرين خبراتك السابقة وهو ما نطلق عليه الفلاش باك، وتكون المشاعر الاضطهادية مرافقة لهذه الخبرة وتدفع بالمريض إلى توقع ظلم القدر له. وقد يظهر أعراضا جسدية نفسية أو أعراضا اكتئابية أو مشكلات سلوكية أو مشكلات اجتماعية والثلاثة الأخيرات متوفرات في حالتك.
والاحتمال الثاني أنك يا صغيرتي تعانين من الاكتئاب الشديد الناتج عن المشكلات الكثيرة التي تعرضت لها أثناء الطفولة، وطبيعة العلاقات بين الأسرة وغيرها من الأحداث الضاغطة في حياتك، مما جعل إدراكك للأمور يتغير نحو الجانب السلبي لها فقط فلا ترين من الأسرة سوى القسوة ومن الحياة سوى أخطائها ومآسيها، وغيرها من الأمور التي ربما لو أمعنا النظر فيها لوجدنا جوانب إيجابية كثيرة.
عزيزتي أنا أميل إلى التشخيص الأول أكثر من خلال معلوماتك وأدعوك إلى تعلم مهارة الاسترخاء وستجدين عنها الكثير على الموقع، كما أدعوك إذا توفر هذا إلى مناظرة طبيب نفسي، وإذا لم يتوفر فساهمي في علاجك بطريقة ذاتية عن طريق التفريغ الانفعالي بالكتابة وإعادة القراءة لما كتبته بصورة نقدية بمعنى إخراج الإيجابيات والسلبيات والتوصيات والملاحظات لتتعلمي منها، ومراسلتنا بانتظام لمعرفة أخبارك، ممارسة أنشطة ترفيهية ورياضية إذا كان هذا ممكنا بصورة يومية، خلق هدف إيجابي مجتمعي لتعيشي من أجله.
راسلينا نحن في انتظارك، وفقك الله.
بعد 11 تحرشا..... مشاركة
أشعر بك تماما لأني للأسف تعرضت لما تعرضتِ له، لكن للحق ليس بنفس الكثافة، لكن أطمئنك أنك من الممكن جدا أن تصبحي زوجة عادية بل ومستمتعة بالجنس مع زوجك، لكن بشرط أن تفرغي كل شحنة الغضب تلك بداخلك أولا، وذلك إما بالكتابة كما نصحك المستشار، أو بالدعاء والشكوى إلى الله والبكاء بين يديه، فلا تتخيلي كم يريح ذلك، وبالمصادفة وقع تحت يدي كتاب يتناول موضوعات مختلفة من ضمنهم ما عانينا منه، وبعد أن قرأته شعرت أنه أزاح من على صدري هما كبيرا، وأنه أنار لي جزءًا مظلما من نفسي، اسم الكتاب (لا تكره نفسك)، علمت عنه من الموقع، وسألت عنه مكان اسمه (ساقية الصاوي) www.culturewheel.net
أتمنى من كل قلبي أن أكون ساعدتك
10/11/2007
من الجميل أن نتكاتف ويصبح الهم الجماعي هو محور اهتمامنا، فلن تتقدم الأمة الإسلامية والعربية وكل من أهلها يعيش في جزيرة منعزلة ويرى من شبابيكها العالية الأقزام تسير تحت قدميه.
عزيزتي؛ لا أعلم هل أعتذر لك عن ما حدث أم أشكر لك تعاونك الصادق ومساهمتك اللطيفة والعملية في نفس الوقت لأختي التي تعرضت لخبرة مؤلمة تشعرين بألمها، وأعتقد أنك الأقدر بيننا على فهمها ومساعدتها فأمي تقول لي دائما "ما يعرف النار إلا اللي كابشها" وأنت احترقت بها لفترة وعافاك الله، فساعدي أختك كل المساعدة وساعدي أخريات لم يتكلمن عن طريق محاولة تلخيص هذا الكتاب وعرضه على صفحات مجانين، ونحن في انتظاره وفي انتظار مساهماتك وفقك الله وأعانك.
دكتور علي اسماعيل للطب النفسي و الاستشارات النفسية والتنمية البشرية والمشكلات الزوجية والاجتماعية
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
ساحة النقاش