الغيرة التي تعدت حدود الوسواس والفصام!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بداية أشكركم على هذا الموقع المميز والرائع وأتمنى منكم سرعة الاهتمام والإجابة.
بدأت مشكلتي منذ عشر سنوات في فترة الخطوبة عندما علم زوجي أني كنت أكلّم غيره قبل معرفتي به، وتم الزواج وبدأت المشاكل والغيرة والشك. بعد الزواج وسفري من الأردن إلى السعودية أصبح يشك أني أحتفظ بصورة أو هدية أو تذكار من الشخص الذي كنت أكلمه في الأردن، كانت تحدث بيننا مشاكل كل فترة وتنتهي وأصبحت الشكوك تكبر وتصرفاتي تحلل بطريقة سيئة جداً. مع مرور الوقت أصبحت إجازتي إلى الأردن كل سنتين ولمدة عشرة أيام تتخللها الاتهامات والمشاكل، ومضى الآن خمس سنوات لم أزر أهلي في الأردن مراعاة لزوجي.
يتهمني أني أحتفظ بجوال ثانً لأكلم هذا الشخص وأتفق معه ضد زوجي! وأقوم بنقل جميع أخباري وأخبار زوجي وبناتي له! واتهمني بالزنا! تدخل الأهل وحاولوا تأكيد أن ما يفكر به لم ولن يحدث لكنه لا يقتنع بالحجة والبرهان، بالإضافة أنه على صلة بالدجالين الذين يملئون حياته بالأكاذيب.
قبل شهرين سافر إلى خارج المملكة لأسبوعين رجع منها يتهمني هذه المرة بأني على علاقة بجار لنا وأنه دخل البيت واتهمني بالحرام، وأصبح يشك بكل شخص يمر من أمام العمارة ومن الشارع الذي نسكن فيه أن الجميع يعرفني ويعرفونه وعلى علاقة بي! هو دائم المراقبة لي وللمنزل والهاتف، وأهمل في عمله وانقطع عن الناس. تركت المنزل وأنا الآن عند أخي، وبضغط من أهله تم عرضه على طبيب نفسي وشخص حالته بمرض الغيرة المرضية ووصف له "زيبركسا5 ملغم حبتين قبل النوم"، استمر عليها ثلاثة أسابيع دون تحسن ملحوظ ثم دخل في اكتئاب وأصبحت تراوده فكرة الانتحار، فوصف له الطبيب "بروزاك حبتين بعد الغذاء" وعودتي له في هذا الوقت ليست في مصلحته.
تدهورت حالته وترك عمله، فقد 24 كغم من وزنه، دائم الشرود قليل الحركة، مهمل في نظافته وفي مظهره، وتعلق بوالدته، وتراوده فكرة الزواج من أخرى للاستقرار وبداية حياة جديدة، وقد أقدم على هذه الخطوة ثلاث مرات قبل سنتين وبعد كتب الكتاب بأشهر يتم الطلاق. قام الطبيب بزيادة الجرعة إلى ثلاث حبات ثم صرن خمس حبات من زيبركسا وإلى الآن دون تحسن يذكر من ناحية الشكوك والأوهام وما زال مصرّاً عليها ويصدقها!
سؤالي لحضرتكم:
* ما هو تشخيصكم لحالة زوجي وما طبيعة مرضه وكيف يمكن التعامل معه؟.
* ما رأيكم بالعلاج الموصوف له وما رأيكم بالإبر بدل الحبوب؟.
* هل جلسات الكهرباء مناسبة؟ فقد اقترحها الطبيب لأنه يستجيب للعلاج ببطء، لكنه وأهله لم يرتاحوا للفكرة.
* ما مدة العلاج المتوقعة ومتى تظهر علامات التحسن وزوال الشكوك والأوهام؟.
* ما هو الوقت المناسب لرجوعي لزوجي؟ أو كم هو الوقت الذي يجب أن أبتعد عن زوجي؟ علماً بأني منذ شهرين دون اتصال معه؟.
أرجو منكم الاهتمام لمشكلتي والإجابة، ولكم جزيل الشكر والتقدير.
28/01/2010
الأخت الفاضلة،
أهلاً ومرحباً بك على الموقع، وأعانك الله على ما تعانيه وأنعم على زوجك بالشفاء العاجل.
سيدتي،
مرت الحالة المرضية لزوجك بمرحلتين: الأولى هي الاضطراب الهذائي (الضلالي أو الوهامي) Delusional Disorder المتمثل في الغيرة المرضية، والتي أعقبتها حالة من الاكتئاب الجسيم.
الاضطرابات الضلالية Delusional disorders
هي نوع من الاضطرابات الذهانية تتميز بضلالات أو أوهام دائمة وراسخة تحدث غالباً في منتصف العمر والضلالات عادة متحوصلة ولا يوجد أي اضطراب في الوظائف العقلية الأخرى ولا تؤثر في قدرته على العمل أو إقامة علاقات اجتماعية رغم أن الأوهام قد تؤدي إلى خلل في علاقاته الاجتماعية والأسرية.
الاضطراب الضلالي نوع الغيرة المرضية Jealous Delusional disorder.:
أولاً: ما هي الغيرة السوية?
الغيرة السوية هي الغيرة المحمودة مثل غيرة الزوج على زوجته من الأغراب والزوجة على زوجها وهو حق مشروع وواجب وهي طبيعة متأصلة في النفس البشرية.
أيضاً الغيرة تكون غيرة سوية ومشروعة إن كانت نابعة من ريبة كما في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم عن جابر بن عتيك: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول: "من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغضه الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة.) رواه أبو داود.
ثانياً: الغيرة المرضية Pathological Jealousy:
الغيرة المرضية أهم نوع لهذه الاضطرابات لأنها أكثر حدوثاً مقارنة بالأنواع الأخرى وعادة تصاحبها درجة عالية من الخطورة.
أهم علاماتها أن شريك الحياة غير مخلص له أولها أو يخونها وسميت مرضية لأنها من غير دليل ولا يمكن تصحيحها بالمنطق. نسبة حدوثها في المجتمع غير معروفة ولكنه كعرض ليس نادر، لأنها يمكن أن تكون ضمن أعراض المرضى الفصاميين وحالات الاضطرابات الوجدانية واضطرابات الشخصية وتعاطي المخدرات وبعض الأمراض العقلية العضوية.
أهمية هذه الحالات ليست بسبب ما تسببه من ضيق للمريض فقط بل لما يصاحبها من مشاكل زوجية وأسرية علاوة على الخطر الكبير من العنف الذي قد يصل إلى حد القتل وأحياناً الانتحار.
التقارير متضاربة حول نسبة حدوثها بين الرجال والنساء ولكن غالباً أكثر بين الرجال مقارنة بالنساء. علاوة على الشك في إخلاص الشريك وشرفه قد يصاحبها أوهام أخرى مثل الشك في نوايا الشريك في التخطيط لقتله أو تسميمه أو إصابته بمرض جنسي أو عجز جنسي.
يميز سلوك المريض البحث الدءوب لأدلة الخيانة وذلك في البحث في المذكرات، وحالياً الجوال وتسجيل المحادثات والمتابعة وأحياناً استعمال كاميرا الفيديو وفحص ملاءة السرير والملابس الداخلية وخلافه. عادة ما تحدث مشادات كلامية وأحياناً هياج مصحوب بعنف جسدي قد يؤدي إلى اعتراف الطرف الآخر بالخيانة كذباً لإنهاء المشكلة، وعادة الاعتراف دون ارتكاب الخيانة في الحقيقة مما يؤدي لإشعال وتأزم المشكلة أكثر.
الأسباب:
1. نوع الشخصية له دور مهم في حدوث الغيرة المرضية، فقد وجد لدى المصاب شعور شديد بالنقص والعجز وعدم ثقة بالنفس وإنجازاته في الحياة تكون أقل من طموحاته وهذا النوع من الشخصيات عند تعرضه لأي حدث يزيد شعوره بالعجز مثل فقد الوظيفة أو الوضع الاجتماعي أو التقدم في السن، ربما يسقط هذا الشخص اللوم على الآخرين في شكل غيرة مرضية واتهام بالخيانة.
2. المشكلات الجنسية: يعتقد الكثير من الباحثين أن الغيرة المرضية قد تنشأ مع بداية عدم القدرة علي الانتصاب للرجل والعجز الجنسي للمرأة.
1- مآل الحالة:
مآل الحالة عموماً غير جيد في حالة الغيرة المرضية نتيجة اضطراب ضلالي غير معروف السبب ولكن إذا كان نتيجة مرض معروف مثل الاكتئاب أو تعاطي المخدرات فالمآل أحسن. أيضاً مآل الحالة يعتمد على نوع الشخصية قبل المرض.
ويجب علينا أن نعلمك ببعض عوامل الخطر في الغيرة المرضية (للتحذير وليس للتخويف):
مرضى الغيرة المرضية يعتبرون من المرضى الخطرين لأن الغيرة قد تدفع لارتكاب جريمة الأذى الجسيم أو القتل وأحياناً الانتحار، فقد أوردت إحدى الدراسات أن بين 81 مريضا ثلاثة منهم ارتكبوا جريمة قتل. وفي دراسة أخرى أجريت علي 138 حالة 25% منهم هددوا بالقتل أو الأذى للطرف الآخر.56% من الرجال و43% من النساء كانوا عنيفين وهددوا أزواجهم بالانتقام.
أيضاً هناك خطر الإقدام على الانتحار خاصة الطرف المتهم يلجأ في النهاية للانتحار لوضع حد لمعاناته وللعلاقة.
يحتاج زوجك إلى إعادة التقييم مرة أخرى من خلال:
0 الفحص النفساني الشامل. ومعرفة تفاصيل عن معتقدات وأفكار المريض أكثر.
0 البحث والتقصي بطريقة لبقة عن مدى ثبات وإلى أي مدى المريض متيقن ومتأكد من الخيانة.
0 معرفة مدى غيظ وامتعاض المريض من أوهامه وما هي الإجراءات والأفعال التي ينوي اتخاذها.
0 ما هي العوامل التي تثير ثورة غضبه واتهاماته والأسئلة التي يوجهها للطرف الآخر كنوع من التحقق؟
0 كيف كانت استجابة المريض لردة فعل الطرف الآخر؟
0 تقصي ومعرفة العلاقة الزوجية والتاريخ الجنسي من الطرفين.
العلاج:
0 علاج الغيرة المرضية دائما صعب لأن المريض غير مستبصر بحالته ويرى العلاج نوعا من التدخل في شأنه الخاص ولا يلتزم بتناول العلاج كما ينبغي.
0 إذا كانت الغيرة ناتجة من مرض نفسي أو عقلي آخر مثل الفصام أو الاكتئاب أو نتيجة تعاطي الكحول والمخدرات فيجب علاج الحالة الأساسية أولا.
0 إذا كانت الغيرة المرضية نتيجة اضطراب ضلالي غير معروف السبب يحتاج للعلاج بمضادات الذهان ولكن النتائج غالباً مخيبة للآمال.
0 إذا كانت الغيرة لا ترقى لمستوى الضلالة أو الوهم أي هي نوع من الاعتقاد الخاطئ فإنها تستجيب لمضادات الاكتئاب من نوع مثبطات استرجاع السيروتونين .
0 العلاج النفساني: من أهدافه خفض التوتر وإتاحة الفرصة للطرفين للتنفيس عواطفهم ومفيد إذا كانت الغيرة المرضية نتيجة لاضطرابات في الشخصية.
0 العلاج السلوكي: بتشجيع الشريك المتهم بالقيام بسلوكيات تؤدي إلى خفض غيرة المريض مثل عدم المجادلة في بعض الحالات.
0 العلاج المعرفي: تحديد الافتراضات الخاطئة ومناقشتها.
- تدريبه علي استراتيجيات للسيطرة على المشاعر السلبية.
0 إذا لم تكن هناك استجابة للعلاج بالعيادة الخارجية أو هناك خطر من سلوك عنيف فيتم تنويم المريض للعلاج وكإجراء وقائي.
0 علي الطبيب إبلاغ وتنبيه الطرف الآخر إذا تأكد أن المريض يشكل خطر عليه ويمكن في حالات خاصة النصح بالانفصال.
0 أعراض الغيرة قد تختفي بالانفصال ويمكن أن تعاود المريض مرة أخرى إذا تزوج أو ارتبط بأخرى.
وفقك الله وسدد خطاك وننتظر استمرار تواصلك.
دكتور علي اسماعيل للطب النفسي و الاستشارات النفسية والتنمية البشرية والمشكلات الزوجية والاجتماعية
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
ساحة النقاش