الجرائم الخاصة بالأوراق المالية
المستشار الدكتور
هيثم البقلى
من المعلوم سلفاً أن الأوراق المالية، والتي هي محل التعامل في سوق البورصة، كالسهم أو السند، تمثل ركن من أركان النشاط، وسبب الوجود لذلك السوق، لذا فقد شملها المشرع بالحماية، وذلك بسن نماذج إجرامية إذا تحققت معها إحدى الجرائم الخاصة بالأوراق المالية ويعاقب مقترفها عقوبة جنائية.
ومن البديهي أن الجرائم التي تقع على الأوراق المالية إنما تتعلق بسعر الورقة لتباع بسعر أقل أو أكبر من السعر الفعلي المتحقق نتيجة العرض والطلب[1]. ومن سمات ذلك التلاعب، التنوع والابتكار في وسائل ارتكابها ، فضلاً عن ضمها إلى شرائح الجريمة المنظمة التي ترتكب من عصابات إجرامية منظمة تقسم أدوارها لتسهيل ارتكاب التلاعب . وإن كانت تخص أوراق المالية الصغيرة الأكثر استجابة للتلاعب عن الأوراق المالية للشركات الكبرى[2].
أولاً : أهداف الجريمة
نستطيع أن نتنبأ بأهداف جريمة التلاعب بسعر الأوراق المالية المتداولة بالبورصة حيث قد يهدف المتلاعب بها إلى تخفيض سعرها عن سعرها الفعلي الواجب التداول به للحصول على المكاسب المحققة في حالة البيع على المكشوف، وهي النمط الذي تباع فيه الورقة أولاً ثم تشترى فيما بعد عندما تنخفض قيمتها السوقية عن القيمة المباعة بها . ويتم البيع غالباً في الوقت الذي لا يملك فيه البائع الورقة محل الصفقة لذا يطلق عليه جوازاً البيع على المكشوف[3] .
وقد يهدف إلى رفع السعر عن سعر السوق على خلاف قيمتها الفعلية في التداول وهنا يصيب الضرر القائم بشراء الورقة آنذاك ، وتستخدم هذه الحيلة، لبيع أوراق مالية بحوزة المتلاعب وتحقيق مكاسب مالية دون وجه حق.
وقد يهدف إلى تثبيت السعر، وذلك بشراء بنوك الاستثمار الوسيطة الورقة بما يؤدي إلى إيهام المتعاملين بوجود الطلب عليها ، وإن كان البنك آنذاك يستهدف هدف مشروع وهو حماية البنك " متعهد تصريف الورقة المالية " من الخسائر الفادحة.
ثانياً أشكال الجريمة
من الصعوبة بمكان حصر سلوك يمثل جريمة التلاعب في الأوراق المالية، ولكن نذكر الأشكال الشائعة منها ، وهي :ـ
1. الشراء بقصد احتكار الورقة، كقيام شخص أو جماعة بشراء كل الكميات المعروضة من ورقة محددة حتى يتمكن لاحقاً من بيعها بالسعر الذي يحقق له الربح المناسب، ولا يكون أمام المضارب أو المستثمر إلا الشراء بالسعر الذي حدده المحتكر .
وفى بعض الحالات يحصر الشخص المذكور نشاطه الاحتكاري في شراء الأسهم التي يبيعها الآخرون على المكشوف حتى يحتكر تداولها فترتفع قيمتها السوقية ويحقق ربحا مضموناً .
ويعتبر النوع الأخير من الاحتكار قمة الاستغلال للمضاربين. حيث يلتزم المضارب برد الأسهم محل صفقة البيع على المكشوف في أي وقت يقرره مقرض الأسهم. وفى ظل الاحتكار وارتفاع القيمة السوقية للأسهم قد يطلب المقرض أسهمه ليبيعها . وهنا يضطر المضارب إلى دخول السوق مشتريا وليس أمامه إلا قبول السعر الذي يحدده المحتكر .1
2. البيع الصوري، وهو خلق تعاملات في التداول بصورة نشطة على سهم ما دون أن تكون فعلية لإبهام المتعامل بحجم تداول غير حقيقي وتغيرات في سعر الورقة نتيجة نشاط التعامل لخلق سعر زائف للورقة لتحقيق فرصة للربح. وذلك كمن يبيع إلى شركة أخرى يملكها أو أحد أقاربه وتتداول فيما بينهم وتعود إلى الشخص الأول فيما بعد .
أو هو خلق تعامل مظهرى نشط على سهم ما فى الوقت الذى قد لا يوجد فيه تعامل فعلى يذكر على هذا السهم . ومن صور البيع الصوري قيام شخص ما ببيع أوراق مالية صوريا لأبنه أو أحد أفراد أسرته ومن صوره كذلك قيام ذلك الشخص بشراء وبيع ذات الورقة في ذات اليوم لشخص يتفق معه على ذلك ، وتتم العملية بأن يقوم المشترى بإعادة بيع الورقة إلى ذات الشخص الذي اشتراها منه وذلك في نفس اليوم وبسعر أكبر أو أقل حسب الاتفاق.2
3. استغلال ثقة العملاء ،يقصد باستغلال ثقة العملاء الممارسات غير الأخلاقية من قبل السمسار تجاه أحد عملائه وذلك بإبرامه صفقات نيابة عنه ، أو تشجيعه على إبرام صفقات دون أن يكون في ذلك مصلحة له. ويهدف السمسار من تلك الممارسات غير الأخلاقية إلى ابتزاز العميل لا أكثر ولا أقل، فهو يحصل على عمولة السمسرة من صفقات البيع والشراء التي يبرمها لعملائه سواء كانت تلك الصفقات مربحة أم غير مربحة. وكلما زادت الصفقات عددا وقيمة كلما زادت حصيلة السمسرة ، ويسهل على السمسار ممارسة هذا النوع من الاحتيال عندما تكون أوامر العميل من النوع الذي يعطى للسمسار سلطة إبرام ما يراه من الصفقات، وحتى لو لم تكن الأوامر من هذا النوع فإن السمسار يمكنه الاحتيال بطريق آخر كأن يزود العميل بمعلومات مضللة يترتب عليها تشجيعه على إبرام صفقات بيع أو شراء.3
4. التلاعب المنظم، ويتم كالجريمة المنظمة بانضمام شخصين أو أكثر للعمل معاً في الصفقات التي تتسم بالتلاعب في أسعار الأوراق المالية، وقد تشمل سماسرة وعاملين في بعض المنشآت المالية التي يتم تداول أوراقها المالية في البورصة .[4]
وكذلك قد يتضمن التلاعب في البورصة أشكال أخرى كالمبالغة في الأصول المبالغة في الإيرادات، تقليل التكاليف، تقليل الخصوم، البيع على المكشوف، نشر الإعلانات المتضمنة لبيانات مضللة.
ثالثاً : موقف القانون من جريمة التلاعب
1. القانون الأمريكي
لم تنص كافة القوانين الأمريكية حصراً على أشكال التلاعب في أسعار الأوراق المالية، ومع ذلك فقد سُنَت قوانين لمكافحة الغش بصفة عامة بأية صورة تتعلق ببيع وشراء الأوراق المالية .
ونصت المادة ( 10/ب ) من قانون بورصة الأوراق المالية على " سيكون عملاً غير مشروع لأي شخص ، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، عن طريق أية وسيلة من وسائل التجارب بين الولايات أو البريد أو أية وسيلة من وسائل التسهيلات الخاصة بأية بورصة من البورصات الوطنية ، استعمال أو استخدام أية خطة أو حيلة تتضمن تلاعب أو خداع وبالمخالفة للوائح التي تضعها لجنة الأوراق المالية والبورصة بناء على هذه المادة وفقاً للصالح العام ولحماية المستثمرين ، وذلك فيما يتعلق ببيع أو شراء أية ورقة من الأوراق المالية المسجلة في أية بورصة من البورصات الوطنية .
وهذا وضع نص عام ليشمل كافة أشكال التلاعب الحالية والمستقبلية وسن لها قواعد عامة لمكافحة الغش.
2. القانون المصري
نصت المادة ( 63 ) من قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 92 على " مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد عن مائة ألف جنيه ، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كل من عمل على قيد سعر غير حقيقي أو عملية صورية أو حاول بطريق التدليس التأثير على أسعار السوق ..."
ويرى البعض[5] أنه لا يشترط أن يؤدي ارتكاب الوسائل الاحتيالية إلى حدوث تأثير مفتعل على الأسعار بالفعل، بل يكفي محاولة ذلك، وتعبر عن ذلك صراحة نص المادة ( 63 ) . فالجرائم الاقتصادية عموماً لا تتطلب وقوع ضرر فعلي بل يكفي مجرد التهديد بوقوع هذا الضرر.
فالغالب في القانون العام هو تجريم النتائج الضارة، أما تجريم النتائج الخطرة فأمر نادر، وعلى العكس من ذلك تغلب النتائج الخطرة في الجرائم الاقتصادية. وذلك أن المشرع يجرم الأفعال المتقدمة لمنع وقوع النتائج الضارة ، وهو لا يعاقب عليها بوصف المشروع أو المحاولة وإنما بوصفها جرائم تامة قائمة بذاتها[6] .
3. القانون الإماراتي
نص القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2000 بشأن هيئة سوق الإمارات للأوراق المالية والسلع في المادة ( 26) بشأن الوسيط " 2ـ الامتناع عن القيام بكل ما من شأنه إلحاق الضرر بسمعة السوق أو أعضائه أو المتعاملين فيه أو المساهمة أو الترتيب لأية معاملات صورية لا تؤدي إلى انتقال حقيقي للأوراق أو الأموال محل الصفقة.
وهو ما أشار إليه بالقرار رقم (1) لسنة 2000 بشأن النظام الخاص بالوسطاء في المادة (8 /10) على انه (يلتزم الوسطاء وممثلوهم بآداب المهنة وبالامتناع عن كل ما من شأنه إلحاق الضرر بسمعة السوق أو أعضائه أو المتعاملين فيه)، وعليهم الالتزام بما يلي بشكل خاص :10-يلتزم الوسيط بمزاولة النشاط المرخص له به، ويبذل عناية الرجل الحريص وفقاً لأحكام القانون والأنظمة الصادرة تنفيذاً له وللشروط والضوابط التي صدر على أساسها الترخيص، وبمراعاة الأعراف التجارية في هذا الشأن ومبادئ الأمانة والعدالة والمساواة والحرص على مصالح العملاء وتنفيذ أوامرهم الصادرة إليه وفقاً لأسبقية ورودها
وقرر عن مخالفة السلوك العقاب بالحبس و الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام هذا القانون . ( المادة 43 ).
وكذلك نصت المادة (36 ) من ذات القانون " لا يجوز تقديم أية بيانات أو تصريحات أو معلومات غير صحيحة من شأنها التأثير على القيمة السوقية للأوراق المالية وعلى قرار المستثمر بالاستثمار من عدمه . وحدد عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز ثلاث سنوات وبالغرامة التي تقل عن مائة ألف درهم ولا تزيد على مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين ( المادة 4 ). وكذلك نص القانون في المادة ( 39 /3 ) " لا يجوز لأي شخص نشر الشائعات عن بيع أو شراء الأسهم .... ". وفرض لمخالفة المادة ذات العقوبة السابقة المحددة في المادة (4) من ذات القانون .
وكذلك نصت المادة 37 /1 أ، ج من قرار مجلس ادارة الهيئة رقم (3) لسنة 2000 في شأن النظام الخاص بالإفصاح والشفافية على انه " وفقاً لأحكام القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2000 م فـي شــأن هيئـة وسوق الإمارات للأوراق المالية والسلع يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز ثلاث سنوات بالغرامة التي لا تقل عن (100.000) مائة ألف درهم و لا تزيد عن (1.000.000) مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من:
أ – يقدم أية بيانات أو يدلي بتصريحات أو معلومات غير صحيحة من شأنها التأثير على القيمة السوقية للأوراق المالية وعلى قرار المستثمر بالاستثمار أو عدمه.
ج- ينشر الشائعات المغرضة عن بيع أو شراء الأسهم.
ومن ذلك يتبين لنا أن المشرع الإماراتي قد أحكم النموذج الإجرامي على كافة أشكال السلوك الإيجابي والسلبي الخاص بالتلاعب في الأوراق المالية وأسعارها وسن لها العقوبات الملائمة لمكافحتها وتحقيق الردع العام والخاص، لما قدًرَه من أهمية تداول الأوراق المالية في عدالة ونزاهة وشفافية وانعكاس ذلك على اقتصاد السوق والاقتصاد القومي ولما في التلاعب من مساس بأهداف سوق الأوراق المالية المبتغاة.
[1]. teweles and Richard ( J) the stock market , op.cit . p. 230
[2]. louis yamada , op. cit , pp : 3-12
.[3] د. منير هندي ، المرجع السابق ، ص:147 وما بعدها.
.[4] الأزمات المالية العالمية ،أ.د. رمضان على الشراح ص4 ،2009
2. المرجع السابق :ص ه
3. المرجع السابق:ص5
[5] . د. محمد فاروق عبد الرسول ، المرجع السابق ، ص:134
[6] . د. محمود محمود مصطفى ، الجرائم الاقتصادية ، الجزء الأول ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1979، ص 105.
ساحة النقاش