الأساس القانوني لإباحة نقل الأعضاء

تمهيد :

 

          ان الشريعة الإسلامية لم تنص صراحة في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة على تجريم أو تحريم نقل الأعضاء ، أو إباحته ، إلا أن الفقهاء أستندوا في الإباحة بعد تقريرها بشروط محددة إلى حالة الضرورة الشرعية والمصلحة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي ، واستندوا في ذلك الأساس إلى الأدلة الشرعية . كذلك فعل القانون ، واستمر الأساس القانوني الذي استند عليه إلى الإباحة في حالة الضرورة وتحقيق المصلحة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي.


اولا 

حالة الضرورة

         يقصد بحالة الضرورة ، حالة الشخص الذي يوجد أمام خطر وشيك الوقوع ، ولا سبيل إلى تفاديه إلا بارتكاب فعل محظور طبقاً لأحكام العقوبات[1].


       ويعرف كذلك بأنها حالة الشخص الذي يتبين له بوضوح أن الوسيلة الوحيدة ليتفادى ضرراً أكبر محدقاً به أو بغيره أن يسبب له ضرراً أقل له أو للغير[2]..


          وقد نصت كافة التشريعات العقابية على ذلك المبدأ الوارد في التعريف كقاعدة عامة وهي تقدير ميزان المساس بالجسد بين النجاح أو الفشل لإجراء العلاج أو الجراحة الطبية ، وتكون تلك الموازنة بيد الطبيب العالم بحالة المريض ، فلا يفوته أن الغرض الذي منح له الإباحة هو العلاج ، فإن قدر فشله أو عدم جدواه في إصلاح العضو المتأذى  وتخفيف الألم فيمتنع عليه إجراء السلوك الطبي الماس بجسد المريض.

أما في حالة نقل وزراعة الأعضاء فيوازن الطبيب في حالة نقل عضو أو جزء منه إلى ذات الشخص إلى جزء آخر في ذات الجسد بين ضرر الجزء المانح والفائدة للجزء الممنوح له. وكذلك إذا ما تم نقل عضو من شخص حي إلى آخر مريض ، فهنا يوازن بين الأضرار التي قد تلحق بالمعطي أو المانح من أثر نزع ذلك العضو من جسده والفائدة العائدة على الشخص الممنوح له المريض.


          ولنا هنا تعليق وتساؤل ، هل يجب أن يدخل في حساب الطبيب عند الموازنة حتى يتمتع بسبب الإباحة في الإيذاء البدني ، استمرار الفائدة عند الشخص الممنوح له ذلك العضو؟ وقد أثرنا ذلك التساؤل حتى نسرد رأينا فيه . حيث إن الطبيب إذا أغفل ذلك قد يتعرض للمسئولية الجزائية على سند أن الموازنة هنا تكون موازنة صورية ، إذا ما كانت المصلحة أو المنفعة مؤقتة للشخص المريض ، حيث إن الشخص المانح قد أصابه ضرر بلا شك من أثر نزع عضو من أعضائه حتى وإن كان هناك عضو مماثل يقوم بوظيفة العضو المنزوع ، فلن يقوم بوظيفته المثلى والفعالة كمن يقوم به عضوان   فصلا عن احتمال تعرض العضو المتبقي إلى مرض وخلافه ، فهنا يكون المانح قد تعرض لخطر وأضرار أكبر من تعرضه للوفاة بما لا يتناسب مع مصلحة الشخص الممنوح له . هذا من جانب ، ومن الجانب الآخر ، فإن الشخص الممنوح له قد ينتقل إليه هذا العضو ويمكث به أيام أو شهور قليلة ثم يلفظ الجسد العضو الغريب عليه ، فهنا لم تتحقق إلا مصلحة صورية مؤقتة وتحقق الضرر للمانح والممنوح ، لذلك نرى أن يدخل في تقدير الطبيب عند تقدير المصلحة والضرر أن يكون الضرر مقبولاً ، وأن تكون المصلحة أكبر من الضرر  وأن تكون مستمرة على تقدير أصول المهنة الطبية والفنية والعملية ، حتى تتحقق العناية من سبب الإباحة في نقل الأعضاء البشرية.



ولذلك يجب على الطبيب الجراح أن يراعي في هذه الموازنة :

1.     أن هناك خطر جسيم يهدد المريض ، وأن عدم نقل عضو سليم له يؤدي إلى الوفاة لا محالة .

2.     تناسب الخطر المراد تفاديه مع الضرر المترتب للمانح.

3.     استمرار المصلحة المراد تحققها بتفادي الخطر المحدق للشخص الممنوح له.

4.     أن لا تؤدي عملية النقل إلى وفاة المانح أو اختلال خطير بأجهزة الجسد ووظائف أعضائه.


ثانيا

المصلحة الاجتماعية

           المعيار الثاني الذي استثنى فيه الشارع الإباحة في السلوك الإجرامي ، هو تحقيق المصلحة الاجتماعية ، فالشخص يضطلع برسالة في الحياة يسير بها ليحققها ، ومن أدوات تحقيق أهدافها سير أعضاء الجسد في وظائفها بطريقة صحيحة دون علة . فالعلة قد تصيبه في أعضائه فتنال منه جسدياً ونفسياً تجعله في حالة سلبية لا يتمكن معها من القيام بالدور الاجتماعي بما يضر معه المجتمع في تعددها.


         لذلك فإن معيار المصلحة الاجتماعية في مجال عمليات نقل وزرع الأعضاء ، تقاس من جانب المنفعة التي تعود على المجتمع من نقل عضو إلى شخص آخر ، وليست المنفعة الشخصية لأطراف عملية النقل[3].


         وإذا ما حددنا ذلك الهدف كان الواجب التحقق في عملية نقل الأعضاء من شخص لآخر ، أن الشخص المانح بعد عملية النقل يجب أن لا ينقص من صلاحيته لأداء الدور الاجتماعي له ، وبما لا يمس بدور صحة الجسد في ذلك الدور ، فضلاً عن منفعة العضو المنقول إلى الممنوح له لاستفادة الصحة الجسدية التي تمكنه من قيامه بدوره الاجتماعي ، أما خلاف ذلك فلا تتحقق المصلحة الاجتماعية المرجوة ، والتي من أجلها أبيحت عملية النقل.


          وفي المجمل في عملية نقل الأعضاء ، يجب أن يكون نصب أعيينا المصلحة الاجتماعية ، فليست مصلحة شخصية للمانح أو الممنوح له أو الطبيب ، بل تكون الغاية الفائدة العائدة على المجتمع من إعارة أعضاء به في حالة سلبية إلى حالة إيجابية إنتاجية تضطلع بالدور الاجتماعي المنوط به القيام به، وإن كان المانح قد يتعرض لمخاطر من جراء عملية النقل ، إلا أن ذلك الخطر يقابله مصلحة وتضامن اجتماعي وإنساني[4]..



[1] . د. عوض محمد ، قانون العقوبات ، القسم العام ـ 1985 ، دار المطبوعات الجامعية ـ الإسكندرية ص4970 ، د. محمود مصطفى ، المرجع السابق ، ص477 ، د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص544 ، د. مأمون سلامه ، قانون العقوبات ، القسم العام ، 1979 ، دار الفكر العربي ، ص39 ، د. عبد الرءوف مهدي ، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات ، ص501 .

[2] . Savatier (R): Les Problemes Juridiques des Trans (2) Plantations dorganes humains .J.C.P . 1969 . 2247.CF 

[3] . أنجون فهمي ، رضا المجني عليه ، رسالة دكتوراه ، باريس 1971 ، بند 28 ، ص439 .

[4] . Sundulli : lesione  personnale del cansangiente dans il trinu nale , 1932 . PP. 1 et S.


المصدر: انظر حول الموضوع مؤلفنا عن نقل وزراعة الاعضاء - دار العلوم - 2010
  • Currently 139/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
47 تصويتات / 1068 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

58,412