authentication required

    

إن المهمة الأولى لكل مرشد زراعى ومرشدة زراعية هى تعليم الكبار. وبقدر تلك الأهمية التى يجب أن يوليها المرشد أو المرشدة لكى يكون متمكنا فى مجالات عمله الفنية (انتاج نباتى - انتاج حيوانى - اقتصاد منزلى) فانه من الأهمية بمكان أن يكون متفهما للسكان الريفيين ، رجالا ونساء ، كيف يشعرون ويفكرون ، ما هى الدوافع والقيم التى تؤثر فيهم ، وكيف يتعلمون .

 

       أن تشجيع السكان الزراعيين واقناعهم وتمكينهم من أن يغيروا طرق انتاج وتسويق المحاصيل والدواجن والحيوانات ، ولكى يتخذوا قرارات جديدة فيما يتعلق بالطريقة التى تعيش بها كل أسرة ريفية وتعمل مع غيرها من الأسر المجاورة فى مشروعات تهمهم جميعا يحتل موقع الصدارة فى العمل الارشادى. أن تغييرالسلوك الانسانى هو الاهتمام الرئيسى لكل برنامج ارشادى ، وهذا يتطلب مجموعة جديدة من المفاهيم والمهارات فى التعامل مع الناس.

 

       لذا فأنه من الضرورى أن يتضمن اعداد المرشد أو المرشدة تحسين تفهمه للسكان الريفيين ، كيف يتصرفون ولماذا ، اذ أن الناس يختلفون كثيرا عن بعضهم البعض ، ويتغيرون على مر الأيام وهذا لا يعنى أننا لا نعرف شيئا البته عنهم بشكل مؤكد ، بل أن هناك امورا مؤكدة معروفة لنا عن : كيف يتعلم الناس ، كيف يتقبلون المعارف الجديدة ، وكيف يكتسبون المهارات الجديدة ، ونوضح فيما يلى بعضا منها .

1- الناس يتعلمون بالتكرار : من النادر جدا أن يتعلم الانسان شيئا ما ويظل محتفظا به فى ذاكرته ويبقى قادرا على تذكره واستعماله وذلك بمجرد التعرض لهذا الشيئ مرة واحدة فقط ، وهذا هو السبب فى أنك تراجع دروسك قبل الامتحان . وهذا هو السبب أيضا فى أن الرياضيين والموسيقيين يتدربون ويتدربون ويتدربون . وهذا هو السبب فى أن المعلم الجيد لا يكتفى أبدا بالقاء نظرة واحدة على مادته بل يصر دائما على مراجعة النقاط الأساسية المرة تلو المرة . وهذا المبدأ مهم جدا فى العمل الارشادى اذ أنه لا يكفى أن تكلم المزارع مرة واحدة فقط عن احدى الممارسات الجديدة بل ان الأمر يتطلب الاتصال بالمزارع عدة مرات حول نفس الممارسة أو التوصية حتى يقبل التغيير ويتبنى الممارسة الجديدة . لذا يجب أن يكون المرشد (المرشدة) مثابرا- مثابرا لدرجة أن الفلاح عندما يراه مقبلا عليه ، وقد اعتاد سماعه يتحدث عن احدى الممارسات الزراعية ، يقول لنفسه لا بد وأن المرشد يريد أن يكلمنى عن (كيت وكيت) أى هذه الممارسة الزراعية مرة أخرى .

2- لا يتعلم الناس شيئا الا بعد أن يهتموا به : يهتم الناس بما يرونه نافعا ومفيدا لهم فى الوقت الحاضر أو فى المستقبل . وهناك بعض الناس (من المحظوظين) الذين يهتمون بالتعليم حبا فى التعلم ويبدون فضولا واهتماما بكل شيئ ، ولكن الغالبية العظمى منا تهتم بالتعلم عندما نؤمن ونعتقد بان المعرفة الجديدة سوف تكون نافعة ومفيدة لنا ، وعلى أية حال فاننا يجب أن نهتم بالأشياء قبل أن نتمكن من تعلمها . ويمثل هذا المبدأ أهمية كبيرة فى العمل الارشادى كما أنه يسهل تطبيقه فى البرامج الارشادية نظرا لتعدد مجالات العمل الارشادى وتباين اهتمامات الناس الأمر الذى يمكن المرشد أو المرشدة من تطبيق هذا المبدأ بسهولة ويسر لأن بعض الناس يهتمون بتعلم شيئا ما فى حين أن البعض الآخر يهتم بتعلم شيئا آخر. ويستطيع المرشد الذى يخطط عمله جيدا أن يثير اهتمام الناس بموضوع ما لعدة اسابيع ، او حتى لعدة أشهر قبل البدأ بمحاولة تعليمهم أى شئ يتعلق به - مؤجلا التعليم الى الحين الذى يزداد فيه الاهتمام .

3- يتعلم الناس بشكل أفضل عندما تكون الفرصة مهيئة لهم لاستخدام المعرفة أو المهارة الجديدة : وهذا الاستخدام أو الاستعمال لها هو جزء من التعلم ، أن التعلم يتطلب التكرار كما سبق أن اوضحنا فى المبدأ الأول ، ويتطلب أيضا الاستخدام وهو ما نؤكد عليه الآن. أن المرشد الممتاز يخطط لعمله عدة أسابيع مقدما ، اذ أنه يعرف أن الفلاحين سوف يحتاجون لتنفيذ عملية ما فيبادر باعداد برنامجه بحيث يعطى الفلاحين فرصة لتعلم كيفية اجراء هذه العملية قبل الموعد المناسب المحدد لتنفيذها (أو لمراجعة ما سبق أن تعلموه فى الماضى).  أن تعليم الممارسة قبل الموعد الواجب أو المناسب لتنفيذها مباشرة يزيد من أمكانية تذكر الفلاحين لما تعلموه وبذلك يتمكنون من أداء المهمة بكفاءة فى غضون بضعة أيام . ويعتبر هذا المبدأ ذو أهمية كبيرة بالنسبة للتدريب أو مراجعة كل ممارسة أو مهارة قبل موعد تنفيذها مباشرة فى الحقل . وهذا هو السبب فى ان التدريب أثناء الخدمة عندما يتم لفترات قصيرة متعددة أو متتالية يكون أكفا من التدريب لفترات طويلة متباعدة اذ ان الاول يعطى الفرصة لاستخدام المعرفة والمهارة فور تعلمها واكتسابها.

4- الكبار يتعلمون من "الزملاء المبادلين" بسهولة اكثر مما يتعلمون من "المعلمين": ونعنى بالزميل ذلك الشخص الذى يعتبر مساويا أو نظيرا أو ندا وليس ذلك الشخص الأعلى أو الأدنى درجة . وأعنى "بالزميل المبادل" النظير أو الند الذى يكون معلما فى بعض الأحيان ومتعلما أو متدربا فى أحيان أخرى . أن الفلاحين يعلمون بعض الأمور أو الأشياء بصورة أفضل عن العاملين الارشاديين . لذا فان المرشد يستطيع أن يكون أكثر فاعلية وكفاءة لو أنه اغتنم كل فرصة ليتعلم بقدر ما يستطيع من كل فلاح ، وفى كل مرة يدع فلاحا يعرف أنه (أى المرشد) يتعلم منه ، فانه بذلك يدعم موقفه عندما يحين الوقت لكى يكون هو المعلم. أن معظم العاملين الارشاديين لم يكونوا أبدا فلاحين ومع ذلك فانهم يفترضون ويعتزمون تعليم الفلاحين رجالا ونساء الأشياء التى تجعلهم فلاحين اكثر وافضل انتاجية. لذا فان اتخاذ موقف الأفضل أو الأرفع منزلة والمعلم تحت كل الظروف يعتبر حماقة وخداعا وهزيمة للنفس بينما اتخاذ موقف "الزميل المبادل"الشخص الذى يتعلم كما يعلم-يعتبر موقفا عمليا ملائما ويجعل الامر على الفلاحين يسيرا وسهلا لكى يتعلموا.

5- يتعلم الكبار بسهولة أكثر عندما لا يكون هناك مهاما عاجلة أخرى تشغل بالهم : كثيرا ما يتم التعليم الارشادى الفعال بصورة غير رسمية وذلك فى محادثات أو لقاءات عارضة . كما يتم البعض الآخر منه خلال اجتماعات تعقد لأغراض محددة . وفى كلا الحالتين فانه يجب أن يراعى عدم محاولة اجراء تعليم ارشادى فى نفس الوقت الذى يريد الفلاحون انجاز مهام أخرى عاجلة ، لأن الدارسين اذا لم يبدوا اهتماما وعناية فانهم لا يستطيعون أن يتعلموا ، اذ أنه فى حالة ما اذا كان المرء منهمكا فى أداء مهمة عاجلة فأنه يكون فى حالة عدم استعداد لتعلم شيئ آخر ، واذا ما طلب منه حضور اجتماع ارشادى فى الوقت الذى يكون فيه مشغولا ، فانه لن يحضر على الأرجح. أن الفلاح اذا كان مشغولا بحرث حقله أو بعزق الحشائش ورأى المرشد الزراعى قادما فانه قد يرحب بأن يستريح لمدة عشر دقائق يتجاذب فيها حديثا وديا مع المرشد ، وفى نفس الوقت فان المرشد يغتنم الفرصة لكى يذكر الفلاح بموضوع أو بمشلكة ما وربما يجاوب سؤالا قد يسأله المزراع ، ولكنه لا يجب أن يطيل فى بقاءه مع المزارع اكثر مما تقتضيه اللياقة ، وينبغى أن ينصرف حتى يعود المزارع الى عمله مرة أخرى ، ويذهب هو الى مقابلة فلاحين آخرين. وبالمثل فانه ينبغى الا تتم الترتيبات لعقد اجتماعات ارشادية فى تلك الاوقات او الساعات من اليوم والتى عادة ما يكون الفلاحون مشغولين بالعمل فيها . واثناء مواسم الانشغال الشديد خلال العام فانه يجب فقط عقد الاجتماعات التى تناقش الامور الهامة والمرتبطة بذلك الوقت من السنة.

6- يتعلم الناس من جميع الاعمار بشكل أسرع وذلك اذا ما استخدمت مجموعة من الطرق التعليمية المختلفة : يمكن القول بصفة عامة أن الناس يتعلمون بسهولة كبيرة مما يرونه أو يشاهدونه ، ويلى ذلك سهولة مما يسمعونه ثم مما يقرؤنه ، فى حين أن الأيسر من هذا كله مما يعملونه فعلا بأيديهم وعقولهم ، ويتعلمون بشكل أفضل اذا ما استخدمت عدة طرق من هذه أو كلها فى تناول نفس الموضوع . وهذا هو السبب فى أن الزيارات الشخصية فى المنزل أو فى الحقل ، والاجتماعات ، والملصقات وطرق الايضاح العملى والبرامج الاذاعية وغيرها من الطرق تلعب كلها أدوارا هامة فى البرنامج الإرشادى.

[email protected]

[email protected]

 

المصدر: د. محمد السيد سليمان فولي ، فلسفة العمل الارشادي
  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 1695 مشاهدة
نشرت فى 27 أغسطس 2010 بواسطة drFouly

ساحة النقاش

ا.د/محمد السيد سلمان الفولي.

drFouly
هذا الموقع من المواقع العلمية المتخصص في تناول وعرض الموضوعات العلمية والثقافية في مختلف التخصصات والمجالات سواء الارشادية او الطبية او الاجتماعية وكذلك التركيز علي الموضوعات الإعلامية .......أ . د/ محمد الفولي استشاري انتاج وإخراج البرامج المرئية بالقنوات الفضائية . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

269,334