إن "حرب المعلومات" ليست حديثة ، فقد مارستها البشرية منذ نشأتها باستخدام نظم المعلومات المتوفرة لديها.  فقد قام أحد القياصرة بتشفير بعض المعلومات الحساسة والمطلوب إرسالها إلى قادته خوفاً من كشف سرية هذه المعلومات من قبل أعدائه.  وبعد اختراع المذياع ، بدأ استخدامها كوسيلة في الحرب  حيث يقوم أحد الأطراف بضخ معلومات موجهه إلى الطرف الآخر تهدف إلى إحداث تأثيرات نفسيه لديه كنشر معلومات سريه أو مكذوبة عنه وذلك    لزعزعة الثقة فيه .   ومع ظهور الحاسب الآلي واستخدام شبكات لربط أجهزة الحاسب وانتشار شبكة الإنترنت بشكل خاص واتساع استخدامها ،   بدأت   "حرب المعلومات"   تأخذ بعداً  جديد.  فالتضخم الكبير  في صناعة المعلومات جعل الاعتماد على نظمه الحديثة (الحاسب الآلي و الشبكات) أكبر وأكثر في إدارة أمور الحياة المختلفة ولذا فإن استخدام المعلومات كسلاح أصبح أكثر عنفاً و أشد تأثيراً.  ومع ذلك فإن نظم المعلومات التقليدية كالطباعة و المذياع مازالت ضمن قائمة وسائل الحرب المعلوماتية ،  ففي حرب الخليج الأخيرة تم استخدام وسائل تقليدية  حيث أسقطت القوات المشتركة ما يقرب من 30 مليون  نشرة داخل الأراضي العراقية بالإضافة إلى بث إذاعي موجه ،  كان الهدف من ذلك كله إقناع أفراد الجيش العراقي بالاستسلام و أنهم لن ينالهم أذى من ذلك.  تشير تقارير منظمة الصليب الأحمر الأمريكي إلى أن حوالي 90 ألف جندي عراقي قاموا بتسليم أنفسهم يحمل معظمهم بعض النشرات التي تم إسقاطها  أو قصاصات منها مخفية في ملابسهم.  وفي الحرب نفسها تم أيضاً استخدام وسائل حديثة في المعركة المعلوماتية حيث ُ استخدمت  الأقمار الصناعية و طائرات التجسس المختلفة.  وقد تزامن في نفس الفترة قيام مجموعة من "الهاكرز"  هولنديي الجنسية من اختراق عدد كبير من أجهزة الحاسب الآلي تابعة للدفاع الأمريكي مرتبطة بشبكة الإنترنت.  كانت هذه الأجهزة تحوي معلومات هامة عن الجيش الأمريكي .  استطاع هؤلاء معرفة معلومات حساسة مثل مواقع الجيش و تفاصيل  الأسلحة المختلفة الموجودة في كل موقع من هذه المواقع كان يمكن أن يستغلها النظام العراقي لصالحه.

وعلاوة على استخدامها  كعامل مساعد في الحروب التقليدية ، يمكن أن تكون "المعلوماتية" هي الساحة التي يتحارب فيها الأعداء ،  و لعل أشهر مثال على ذلك "الحرب الهاكرية" بين    مجموعات عربية و إسرائيلية التي إستمرت عدة أشهر بين عامي 2000م  و2001م حيث قام كل طرف بتعطيل أو تخريب مواقع للطرف الآخر،  فقد تم في الشهر الأول لهذه المعركة (أكتوبر 2000)  -  وهي أعنف فترة لهذه الحرب غير المعلنة حتى الآن -  تخريب 40 موقع إسرائيلي مقابل 15

 

هناك ثلاثة عناصر أساسية للحرب المعلوماتية  هي  "المهاجم" و  "المدافع" و "المعلومات وأنظمتها ".  وبناءً على ذلك هناك نوعين من الحروب المعلوماتية هي "الحرب المعلوماتية الهجومية" و"الحرب المعلوماتية الدفاعية".

الحرب المعلوماتية الهجومية

تستهدف الحرب المعلوماتية الهجومية معلومات معينة أو نظم معلومات عند الطرف المراد مهاجمته "المدافع"  وذلك لزيادة قيمة تلك المعلومات أو نظمها بالنسبة للمهاجم أو تقليل قيمتها بالنسبة للمدافع أو بهما جميعاً. أما قيمة المعلومات ونظمها فهي مقياس لمقدار تحكم واستحواذ المهاجم (او المدافع) بالمعلومات ونظمها.   إن ما يسعى للحصول عليه المهاجم في حربه المعلوماتية  من  أهداف  قد تكون مالية كأن يقوم بسرقة وبيع سجلات لحسابات مصرفية ،  وقد تكون الحرب المعلوماتية الهجومية لأهداف سياسية أو عسكرية ، أو  لمجرد الإثارة و إظهار القدرات وهذا ما يحدث عادةً في مجتمعات "الهاكرز"  (1). 

إن عمليات الحرب المعلوماتية المتعلقة بزيادة قيمة المعلومات ونظمها بالنسبة للمهاجم لها  عدة أشكال.  من أهم هذه العمليات هي التجسس على المدافع و ذلك لسرقة معلومات سرية عنه بغض النظر عن الأهداف فقد تكون هذه الأهداف تجارية بين شركات أو إستراتيجية وعسكرية بين دول.  ومن تلك العمليات أيضاً التعدي على الملكية الفكرية وقرصنة المعلومات كسرقة البرامج الحاسوبية وتوزيع مواد مكتوبة أو مصورة بدون إذن المالك الشرعي لهذه المواد وهذا النوع من العمليات إنتشر بشكل كبير مع وجود الإنترنت نظراً لسهولة النشر و التوزيع على هذه الشبكة.  إنتحال شخصيات آخرين  ُ تصنف  كذلك ضمن عمليات الحرب المعلوماتية الهجومية حيث يقوم المهاجم بإستغلال هوية الغير  إما لتشويه سمعته أو لسرقته. أما بالنسبة لعمليات الحرب المعلوماتية المتعلقة بتقليل قيمة المعلومات أو أنظمتها  بالنسبة للمدافع فلها صورتان وهما إما تخريب أو تعطيل نظم المعلومات الخاصة بالمدافع (أجهزة الحاسب الآلي أو أنظمة الإتصالات) ،  أو سرقة أو تشويه  معلوماته (3).

إن  قيمة المعلومات ونظمها بالنسبة للمهاجم في الحرب المعلوماتية الهجومية تعتمد بشكل كبير  على قدرات و إمكانيات المهاجم في الوصول إلى نظم المعلومات ،  كما تعتمد قيمتها  كذلك على أهمية تلك المعلومات و نظمها بالنسبة له .

إن المهاجم في الحرب المعلوماتية الهجومية قد يكون شخص يعمل بمفرده أو يكون ضمن منظومة بغض النظر عن هذه المنظومة فقد تكون تجارية أو سياسية أو عسكرية.  تتعدد تصنيفات المهاجمين ، لكن من أهمها و أكثرها خطورة هو ذلك الشخص الذي يعمل داخل الجهة المراد مهاجمتها ،  و تكمن خطورة هذا الشخص في قدرته على معرفة معلومات حساسة و خطيرة كونه يعمل داخل تلك الجهة. لذلك فإن حرب التجسس بين الدول التي تعتمد على عناصر يعملون داخل الجهة الأخرى تعد من أخطر أنواع التجسس حيث تفرض الدول أشد الأحكام صرامة على من يمارس ذلك و التي تصل إلى الإعدام في كثير من الدول.  لا يقتصر هذا الصنف من المهاجمين على الممارسات بين الدول بل قد يكون ذلك الشخص المهاجم يعمل داخل شركة حيث يقوم بسرقة معلومات تجارية سرية من تلك الشركة و ذلك لغرض إفشاءها أو بيعها لشركات منافسة أو التلاعب بالسجلات المالية وذلك لمطامع و أهداف شخصية.  إن من أشهر الجرائم المعلوماتية تلك التي أطاحت ببنك بارينجز (Barings Bank)  في بريطانيا حيث قام أحد مسئولي البنك بعمل استثمارات كبيرة للبنك في سوق الأسهم اليابانية و بعد سقوط حاد لتلك الاستثمارات حاول  إخفاء هذه الخسائر و التي تقدر بحوالي بليون جنيه إسترليني في حسابات خاطئة على أنظمة الحاسب الآلي للبنك

أما الصنف الثاني فهم المجرمون المحترفون الذين يسعون لسرقة معلومات حساسة من جهات تجارية أو حكومية و ذلك لغرض بيعها على جهات أخرى تهمها تلك المعلومات.

يمثل ما يسمى بـ  "الهاكرز"  الصنف الثالث ،  والذين لا يهدفون في حربهم المعلوماتية إلا للمغامرة و إظهار القدرات أمام الأقران ، فلا  توجد عادةً عند هؤلاء أطماع مالية.

الصنف الرابع من أصناف المهاجمين في الحرب المعلوماتية هو تلك الجهات المتنافسة التي يسعى بعضها للوصول إلى معلومات حساسة لدى الطرف الآخر ،  و ذلك سعياً للوصول إلى موقف أفضل من الجهة المنافسة.   أما الصنف الخامس فهو حكومات بعض الدول ،  تسعى من خلال حروب جاسوسية   إلى الحصول على معلومات إستراتيجية و عسكرية عن الدول الأخرى ، و لعل من أشهر تلك الحروب الجاسوسية تاريخياً تلك التي كانت  بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.  هذه جملة من أصناف المهاجمين و لا تعني أنها شاملة بل تبقى هناك أصناف أخرى لا يسعنا هنا التطرق إليها .

شكراً لحسن المتابعة والي اللقاء في موضوع آخر

ويمكنكم في حالة الاستفسار الاتصال بالعنوان التالي:

[email protected]

[email protected]

 Mobil: 01061060503   

المصدر: : د. إياس الهاجري ، أ.د / محمد السيد سليمان فولي إستاذ الارشاد والإعلام الريفي مركز البحوث الزراعية مخرج برامج بالقنوات الفضائية
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 135 مشاهدة
نشرت فى 30 أكتوبر 2020 بواسطة drFouly

ساحة النقاش

ا.د/محمد السيد سلمان الفولي.

drFouly
هذا الموقع من المواقع العلمية المتخصص في تناول وعرض الموضوعات العلمية والثقافية في مختلف التخصصات والمجالات سواء الارشادية او الطبية او الاجتماعية وكذلك التركيز علي الموضوعات الإعلامية .......أ . د/ محمد الفولي استشاري انتاج وإخراج البرامج المرئية بالقنوات الفضائية . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

256,257