الموارد السمكية والأمن الغـذائي المصـري
إعــــــداد
دكتور / احمد عبد الوهاب برانية
أستاذ اقتصاد وتنمية الموارد السمكية
معهد التخطيط القومي
القاهرة - أكتوبر 2010
مقــــــدمة
أحدثت أزمة الغذاء التي سادت العالم ، والتي ظهرت بوادرها منذ منتصف عام 2006 ، وظلت تتفاقم بشكل مضطرد حتى نهاية النصف الأول من عام 2008 ، أثارا سلبية على الأمن الغذائي سواء على المستوى الكلى او العائلي ، وكشفت سلبيات العديد من المفاهيم التي سادت مثل آليات السوق وتحرير التجارة ، وزادت من مخاطر انكشاف الأمن الغذائي فى الدول التي تعتمد على الواردات فى توفير الغذاء مثل مصر .
وكان من تداعيات الأزمة العالمية تضاعف أسعار الغذاء , مما انعكس على أسعار المنتجات الغذائية المحلية ، وانخفاض القوة الشرائية وانكشاف الأمن الغذائي لمحدودي الدخل والفقراء .
كما أثبتت المتغيرات المناخية - كما حدث في روسيا وغيرها من البلدان - ان المال وحده لا يكفى لتوفير متطلبات الأمن الغذائي ، وانه لابد من الاعتماد على الذات في إنتاج السلع الغذائية الرئيسية وتنويع مصادر الدخل من خلال آليات وسياسات تقوم على ضرورة الاستفادة الكاملة من الموارد المحلية خاصة الأرض والمياه ، بهدف تقليص الاعتماد على السوق العالمية ، وحصر الاعتماد على الخارج في أضيق الحدود ، وللضروريات القصوى .
إن إخفاق اى قطاع في الاقتصاد القومي يؤدى الى تهديد او انكشاف الأمن الغذائي إما بسبب القضاء على مصدر للدخل او بسبب انقطاع الإمدادات الغذائية ، وعندما يجتمع انعدام مصادر بديله للدخل او الغذاء يصبح انعدام الأمن الغذائي كارثة محققة ، وفى هذا الإطار فأن تنمية جميع قطاعات الاقتصاد القومى بما فيها قطاع الإنتاج السمكى يصبح ضرورة حتمية لتحقيق الأمن الغذائى .
الموارد السمكية والأمن الغذائي
- تساهم الموارد السمكية فى إتاحة منتج غذائي له قيمة غذائية مرتفعة يمكن الحصول عليها في جميع الأوقات بأسعار تتناسب مع القدرة الشرائية وأذواق المستهلكين المختلفة ، حيث تعتبر الأسماك عنصرا هاما في النظام الغذائي المتوازن بما توفره من بروتين حيواني ، وأحماض دهنية ، والمغذيات الدقيقة الأساسية مثل الكالسيوم ، واليود ، والفيتامينات وهى عناصر حيوية للتغذية .
- ان تعدد مصادر الإنتاج السمكى من المصايد الطبيعية ( البحار - البحيرات - الخزانات المائية - نهر النيل وفروعه والمجارى المائية المختلفة من ترع ومصارف ) وكذلك المزارع السمكية يتيح توفير الأسماك على مدار العام من أنواع مختلفة .
- أن خاصية تكرار الإنتاج السمكى يحقق استدامة توفيرها فى ظل الاستغلال الرشيد للموارد المتاحة وحمايتها وحماية توفير الإمدادات منها .
- تساهم الموارد السمكية فى تحقيق الأمن الغذائي عن طريق مكافحة البطالة والفقر وهما أهم أسباب ضعف الأمن الغذائي ، حيث تتيج الموارد السمكية فرص عمل مما يساعد على الحد من البطالة ومكافحة الفقر في المناطق الريفية والساحلية التي توجد بها المسطحات المائية والمزارع السمكية ، وتقدر فرص العمل المباشرة في أنشطة الصيد والاستزراع السمكى بحوالى 279 آلف فرصة عمل ، بالإضافة إلى حوالي 1.5 مليون فرصة عمل فى القطاعات الخدمية والمساعدة ( ورش بناء وإصلاح السفن ، معدات الصيد ، مصانع الثلج والتبريد ، وحدات تصنيع الأسماك ، ومصانع الأعلاف ، المفرخات ، النقل والتسويق ...... الخ ) ، وعلى فرض ان متوسط حجم الأسرة للعاملين فى هذا القطاع يقدر بحوالى 6 أفراد ، يكون اجمالى الذين يعتمدون على القطاع السمكى فى تحقيق دخل يساعدهم على توفير الغذاء من المصادر المختلفة حوالي 9 مليون فرد ( 1 ) .
استهلاك الاسماك
تعتبر الأسماك سلعة غذائية تقليدية وعنصر هام فى غذاء المصريين ، وقدر المعروض من الأسماك للاستهلاك فى عام 2009 بحوالى 1.2 مليون طن حيث بلغ اجمالى الإنتاج من الموارد المحلية ( المصايد الطبيعية والمزارع السمكية ) حوالى 1.093 مليون طن ، وقدرت كمية الواردات بحوالى 135.5 ألف طن والصادرات بحوالى 7600 طن فقط ، وعلى هذا قدر متوسط استهلاك الفرد بحوالى 15.9 كجم ، ساهمت الواردات فيه بحوالى 11% ، وهذا المعدل يقترب كثيرا من المتوسط العالمي الذي قدرته منظمة الأغذية والزراعة بحوالى 16 كجم للفرد ( 2 ) .
وهناك توقعات بزيادة الطلب على استهلاك الأسماك ليس فقط بسبب الزيادة السكانية ولكن أيضا بسبب زيادة الفجوة السعريه بين الأسماك وبدائل البروتين الحيواني الأخرى مثل اللحوم والدواجن ، وهذا ما يؤكده معدل الزيادة المستمر في متوسط استهلاك الفرد من الأسماك من 8.3 كجم في عام 1991 إلى 11.31 كجم عام 2000 وصولا إلى 15.9 كجم عام 2009 .
وعلى الرغم من زيادة الإنتاج المحلى من الأسماك خلال السنوات الماضية من 724.4 ألف طن عام 2000 إلى 1.093 مليون طن عام 2009 بنسبة زيادة قدرها 51% ، فان مصر ما زالت تواجه عجزا في الإنتاج المحلى لسد احتياجات الاستهلاك ، يتم تغطيته عن طريق الواردات والتي قدرت بحوالى 136 ألف طن عام 2009 ( 2 ) .
أن معدلات الزيادة في الإنتاج المحلى من الأسماك التي تحققت على مدى العقد الماضي تؤكد إمكانية الاعتماد على مواردنا الذاتية في تحسين موقف الاكتفاء الذاتي من الأسماك ، وتقليل مخاطر الاعتماد على الواردات خاصة مع الأخذ في الاعتبار أن العوامل التي تسببت في حدوث أزمة الغذاء العالمية ما زالت قائمة ، وتخلق عدم يقين عن مدى إتاحة المنتجات الغذائية وإمكانية الوصول إليها في المستقبل .
إمكانية تحقيق اكتفاء ذاتي من الأسماك
في ظل التهديدات التي تواجه استمرار إمدادات المنتجات الغذائية وزيادة أعباء فاتورة الواردات منها ، تتزايد مخاوف انكشاف الأمن الغذائي المصري من السلع الغذائية ومنها الأسماك ، وعلية فمن الأهمية وجود حد أدنى من الإنتاج المحلى يمكن اعتباره بمثابة خط الدفاع الأول لتأمين احتياجات الاستهلاك ، او بمعنى أخر تعزيز القدرة على زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي عن طريق تعظيم العائد من الموارد المحليه من المصايد الطبيعية والمزارع السمكية،بهدف توفير الإمدادات السمكية بأسعار منخفضة وتوفير العملات الأجنبية .
وتوفر الموارد المتاحة إمكانيات كبيرة تساهم فى تحقيق او على الأقل تحسين معدلات الاكتفاء الذاتى من الأسماك ، حيث تقدر مساحة المسطحات المائية بأكثر من 13 مليون فدان وهى ضعف مساحة الاراضى الزراعية ، كما ان مساحة المزارع السمكية تقدر بحوالى 359 ألف فدان ، كما تقدر حجم الاستثمارات المباشرة فى قطاع المصايد الطبيعية بحوالى 2 مليار جنيه ، والمزارع السمكية بحوالى 8.6 مليار جنيه ، وهذا يعنى توفير الموارد الطبيعية والمالية بالإضافة إلى العمالة المدربة .
إن زيادة معدلات الاكتفاء الذاتي من الأسماك يمكن تحقيقيها من خلال إزالة المعوقات التي تواجه تنمية الإنتاج السمكى واستغلال الموارد الغير مستغلة من خلال أتباع سياسات وتطبيق حزمه من الإجراءات التصحيحية والتنموية تتضمن ما يلي :-
أولا : المصايد الطبيعية :-
- حماية المسطحات المائية خاصة البحيرات والمناطق الساحلية من عمليات التجفيف والردم لأغراض مختلفة والتي تؤدى الى تقليص مساحتها وبالتالي انخفاض إنتاجها .
- التطبيق الدقيق للتشريعات البيئية التي تحمى المسطحات المائية من جميع أنواع التلوث والذي يؤثر في قدرة الموارد السمكية على العطاء والتجدد .
- تطبيق أسس ومبادئ الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية بما يحقق الاستخدام المتوازن للموارد المتاحة ، وعدم الإضرار بالموارد السمكية نتيجة التنمية الغير مخططة للأنشطة المختلفة خاصة السياحية ، وما تتركه من أثار سلبية على مكونات البنية البحرية،كما هو حادث بساحل البحر الأحمر .
- تطوير نظم إدارة واستغلال المخزونات السمكية من خلال تطبيق سياسات وأدوات تهدف إلى تعظيم العائد الاقتصادي في حدود مستوى الإنتاج المسموح به ، وبما يتناسب مع حالة المخزونات السمكية والتي تتحكم فيها المتغيرات البيئية .
-استغلال الموارد الغير مستغلة خاصة فى مصايد البحر المتوسط والتي تقدر بحوالى 60 ألف طن ، مع أهمية تحديث هذه البيانات ( 3 ) .
ثانيا : المزارع السمكية :-
- إزالة جميع المحددات والمعوقات التي تحد من استخدامات المياه والأراضي في الاستزراع السمكي ، خاصة وان الأسماك تستخدم المياه ولا تستهلكها ، كما أن مشروعات المزارع السمكية يتم إقامتها على الاراضى الغير زراعية أو غير القابلة للزراعة .
- التوسع في أسلوب الزراعة المتكاملة في الاراضى الصحراوية والتي نجحت بشكل كبير في منطقة وادي النطرون ، حيث يتم تعظيم الاستفادة من وحدة المياه في إنتاج الأسماك والمحاصيل وتربية الماشية .
- التوسع في استخدام الأقفاص في تربية الأسماك في جميع المجارى المائية المناسبة لذلك مع وضع المعايير البيئية اللازمة حيث تتميز بارتفاع معدلات الإنتاج وكفاءتها الاقتصادية .
- توفير الحوافز اللازمة لتشجيع الاستثمار في هذا النشاط من خلال الإعفاءات الضريبية فى المراحل الاولى للمشروع ، وتحديد القيمة الايجارية والمدة الايجارية للاراضى المستغلة بما يساعد على جذب استثمارات جديدة .
- في ظل محدودية الموارد المائية العذبة خاصة مع إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي في الإنتاج النباتي ، فأن التوجه للاستزراع البحري أصبح مطلبا أساسيا للمحافظة على قوة الدفع الذي حققه الاستزراع السمكى في السنوات الأخيرة .
** المصادر :-
( 1 ) بيانات الاتحاد التعاوني للثروة المائية .
( 2 ) الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية - كتاب الإحصاءات السمكية ، 2009 .
( 3 ) تقرير بعثة الأبحاث الإيطالية Sopal فى البحر المتوسط ، 1980 .
ساحة النقاش