القاهرة – مارس 2006
إن تناول موضوع التنافسية فى قطاع الأسماك ، يتطلب بداية عرض بعض المفاهيم، والتى على أساسها يتم تناول الجوانب المختلفة للقضية المطروحة. فتحديد المقصود بالتنافسية والعوامل المؤثرة عليها وتحديد مؤشراتها توفر خلفية تساعد على تقييم حالة التنافسية العربية فى سلعة الأسماك ومنتجاتها ، وتقديم مقترحات لدعمها .
وقد شهد فكر التنافسية رواجاً كبيراً مع احتدام المنافسة عقب قيام منظمة التجارة العالمية فى يناير 1995 ، والبدء فى تطبيق نتائج جولة أوروجواى ، ومع الانتشار الواسع لنطاق سياسيات الليبرالية الاقتصادية الجديدة . وتبنى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالمية لسياسات تقوم على الربط بين التنافسية والتنمية فى الدول النامية، باعتبار أن التنافسية هى المدخل الأساسى للتنمية اعتمادا على المحاور الأساسية الآتية :
1- اقتصاد سوق مفتوح
2- القطاع الخاص ركيزة التنمية
3- التجارة قاطرة التنمية
4- التوجه للخارج
5- الاستثمار المباشر لا غنى عنه
6- الحكومة الرشيدة هى الحكومة الصغيرة (تقليص دور الدولة)
وتعتبر منظمة التجارة العالمية تجسيداً للتنافسية بين الدول أو بين الكتل الاقتصادية ، فأعضاء المنظمة دول تعبر عن المصالح الخاصة بها ، وجانب كبير من المفاوضات التى تجرى بينها يدور حول النفاذ إلى الأسواق من خلال إزالة العوائق الجمركية وغير الجمركية أمام تدفقات التجارة ، وكذلك حول الغاء الدعم ومكافحة الإغراق ، وغير ذلك من الوسائل التى تعطى لتجارة دولة ما ميزة إضافية على تجارة غيرها من الدول . والتنافس أو الصراع فى هذه المنظمة الدولية قائم على أشده على فتح الأسواق أمام التجارة والاستثمار فيما بين الدول المتقدمة نفسها ، وكذلك فيما بين الدول المتقدمة والنامية .
وتعتبر الدولة أحد الفاعلين الرئيسيين فى تشكيل البيئة التنافسية التى تعمل فيها المنشآت الوطنية سواء فى القطاع الخاص أو التعاونى أو المشترك ، والتى تؤثر بالتالى فى أداء هذه المنشآت سواء داخل الدولة أو خارجها . ولذا فإنه من المهم للحكومات أن تعرف البيئات التنافسية للبلدان الأخرى ، وأن تقارن بينها وبين بيئتها المحلية ، وذلك حتى تتعرف على أوجه الضعف فى السياسات والمؤسسات والتشريعات المؤثرة فى بيئتها المحلية ، وحتى تعالجها وتزيد بالتالى قدرة منشآتها الاقتصادية بما فيها المنشآت التعاونية على المنافسة فى الأسواق الدولية .
وعلى الجانب الآخر ، فإنه من المهم لمديرى المنشآت الوطنية الخاصة والتعاونية أن يكون على دراية بخصائص البيئة التنافسية ليس فقط فى بلدانهم ، بل فى البلدان الأخرى .
2- ماهية التنافسية
تتعدد تعاريف التنافسية ، فالبعض يعرفها بقدرة المنظمين داخل الدولة على التفوق على منافسيهم فى الأسواق الخارجية ، والبعض الآخر تبنى تعريفا أكثر شمولية وهو القدرة على تحقيق النمو الاقتصادى وخلق الثروة أى القدرة على تحسين متوسط الدخل وزيادة معدل نموه ، وتحسين مستوى المعيشة ... الخ
وفى تصورنا أنه يمكن تعريف التنافسية بأنها القدرة على مبادلة منتجات قطاع معين بمنتجات الدول الأخرى فى الأسواق الداخلية والخارجية ، والذى يستدعى جعل هذه المنتجات أكثر جاذبية فى الأسواق المحلية والدولية من خلال الابتكار التكنولوجى ، وتحسين الجودة ، وخفض تكاليف الانتاج ، ومستوى الأسعار وغيرها .
3- العوامل المؤثرة فى القدرة التنافسية
تزداد القدرة التنافسية مع اتباع سياسات حمائية للمنتجات الوطنية ، وتخفيض سعر الصرف ، وتخفيض تكلفة الائتمان وغيرها من السياسات ، والعكس صحيح فإن القدرة التنافسية تنخفض عند حدوث تطورات غير مواتية فى سعر الصرف أو أسعار الفائدة أو تكاليف الشحن وما الى ذلك ، أو إذا سدت منافذ دخول الأسواق الخارجية باجراءات تعريفية أو غير تعريفية .
ومن الأهمية أن تميز بين الانجاز التنافسى ، أى القدرة على النفاذ الى الأسواق الخارجية ، وبين القدرة على الصمود أمام منافسة المنتجات الأجنبية فى السوق الوطنية ، وأنه فى جميع الأحوال فإنه يجب معرفة الأسباب والمحددات والظروف التى تؤثر فى القدرة التنافسية داخليا وخارجيا ، وهنا قد يتطلب الأمر البحث فى طائفة واسعة من الأسباب والعوامل التى تتصل بالأداء فى مختلف جوانب الاقتصاد والسياسة والاجتماع والعلم والتكنولوجيا والبيئة.. وغيرها أو بمعنى آخر محددات التنمية بشكل عام .
4- مقاييس القدرة التنافسية
يمكن قياس القدرة التنافسية لقطاع ما من خلال مجموعة من المؤشرات من أهمها:
4-1 تنوع المنتجات المصدره : أى عدد المنتجات الوطنية التى تتمكن من النفاذ الى الأسواق الخارجية .
4-2 تنوع أسواق التصدير : أى عدد الأسواق الخارجية التى تصل اليها المنتجات الداخلة فى التجارة الدولية .
4-3 الحصة الاجمالية لكل منتج فى التجارة الدولية لهذا المنتج .
4-4 حصص الانتاج المحلى فى السوق الداخلية : أى مدى مساهمة المنتج فى تلبية الطلب المحلى .
4-5 القيمة المضافة المحققه لكل المنتج : أى مستوى التصنيع المتحقق فى كل منتج.
5- القدرة التنافسية العربية فى الأسمال ومنتجاتها
فى ضوء ما سبق عرضه ، يمكن تقييم القدرة التنافسية العربية فى سلعة الأسماك ومنتجاتها فى الأسواق الدولية والمحلية من خلال استعراض موقف التجارة الخارجية العربية لهذه المنتجات ، والعوامل المؤثرة على نفاذها الى الأسواق الأجنبية والأسواق العربية .
5-1 التجارة العالمية للأسماك ومنتجاتها
* تعتبر الأسماك ومنتجاتها أحد عناصر التجارة الخارجية التى تحاول الدول والتكتلات الاقتصادية تعظيم الاستفادة منها ، ووضعها ضمن قوائم معاملاتها التجارية مع الأسواق الأخرى على المستويين التنائى والدولى ، خاصة مع تفاقم أزمة الغذاء فى العديد من الدول وبالتحديد تلك الدول التى تعانى من العجز الغذائى والدخل المنخفض والتى من بينها بعض الدول العربية.
* فى ظل المتغيرات التى سادت معظم دول العالم والتى نتج عنها اتباع معظم الدول لسياسات اقتصادية تقوم على التحرر الاقتصادى وتفعيل دور آليات العرض والطلب ، وسيادة دور القطاع الخاص فى الأنشطة الاقتصادية ، وتحرير التجارة الدولية مع توقيع اتفاقيات الجات واقامة منظمة التجارة العالمية 0 أصبح العامل الحاكم فى توجيه مسار الأنشطة الاقتصادية ومنها التجارة الخارجية هو عامل الكفاءة ، والذى يعنى انتاج سلعة بأعلى جودة واقل تكلفة ، أى الكفاءة القادرة على المنافسة سواء فى الأسواق الأجنبية أو الأسواق العربية .
* المنتجات السمكية سواء من المصايد الطبيعية أو المزارع السمكية من السلع التى تحتل موقعا ملموسا فى التجارة العالمية وتتزايد قيمة تجارة الأسماك العالمية بشكل مضطرد .
* فى عام 2003 قدرت قيمة الصادرات السمكية العالمية بحوالى 63 بليون دولار بزيادة قدرها 8% بالمقارنة بعام 2002
* تعتبر الدول المتقدمة (الصناعية) المستورد الرئيسى للأسماك ومنتجاتها ، حيث تمثل قيمة وارداتها 85% من اجمالى قيمة الواردات العالمية .
* تعتبر اليابان أكبر مستورد للأسماك على مستوى العالم ، تليها الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن الاتحاد الأوروبى زاد من اعتماده على الواردات خلال السنوات الأخيرة لتوفير احتياجاته من الأسماك.
* تصدر الدول النامية ومنها الدول العربية الى الدول المتقدمة أكثر مما تستورد منها ، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه حيث من المتوقع أن تستمر الدول المتقدمة فى أن تكون مستوردا صافيا للمنتجات البحرية فى المستقبل القريب إلا إذا زادت انتاجها بشكل ملموس من الاستزراع المائى أو انخفض انتاج الدول النامية بشكل حاد .
* من المتوقع أن تتسع الفجوة بين العرض والطلب فى المستقبل القريب وهذا سوف يمثل ضغوطا على نمط التجارة العالمية والأسعار.
* مع زيادة الطلب العالمى على الأصناف مرتفعة القيمة سوف يدفع الدول النامية الى استغلال مخزونها وتكثيف أنشطة الاستزراع السمكى ، وأن هذا قد يمثل خطورة على استدامة الموارد السمكية فى الدول النامية.
5-2 تجارة الأسماك العربية
* إن الأسماك ومنتجاتها من السلع القليلة التى تحقق الدول العربية فائضا فيها حيث تفوق صادراتها الواردات منها .
* قدرت كمية الصادرات العربية من الأسماك ومنتجاتها بحوالى 523 ألف طن والتى تمثل 12% من اجمالى الانتاج العربى عام 2003 ، وقدرت قيمتها بحوالى 1.5 مليون دولار تمثل فقط أقل بكثير من 0.1% من اجمالى قيمة الصادرات العالمية عن نفس العام .
* تعتبر المغرب أكبر مصدر للمنتجات المعلبة والتى تقدر بحوالى 328 ألف طن ، بالاضافة الى عمان والتى صدرت 52 ألف طن ، موريتانيا 43 ألف طن ، اليمن 26 ألف طن ، والامارات العربية المتحدة 25 ألف طن.
* قدرت كمية الواردات العربية من الأسماك بحوالى 529 ألف طن ، قيمتها حوالى 726 مليون دولار أمريكى .
* ان جميع الدول العربية مستوردة للأسماك ومنتجاتها ، وتعتبر كلا من مصر والسعودية من أكبر الدول المستوردة ، حيث استوردت مصر عام 2003 حوالى 178 ألف طن قيمتها 110 مليون دولار ، والسعودية 100 ألف طن بقيمة قدرها 136 مليون دولار .
* معظم الواردات المصرية من الأسماك المنخفضة القيمة نسبيا لسد احتياجات المستهلكين ذات القوة الشرائية المنخفضة ، على عكس السعودية فإن معظم وارداتها توجه لسد احتياجات الوافدين والمجموعات ذات الدخل المرتفع من الأسماك والمنتجات المرتفعة القيمة.
* بالنسبة للدول العربية الأخرى ، تأتى الامارات العربية المتحدة فى المقدمة والتى قدرت وارداتها بحوالى 44 ألف طن بقيمة قدرت بحوالى 105 مليون دولار ، ثم تونس 28 ألف طن قيمتها 36 مليون دولار ، والأردن 21 ألف طن قيمتها 29 مليون دولار .
* ان معظم الصادرات والواردات العربية هى أسماك طازجة أو مبردة أو مجمدة غير مصنعة .
5-3 العوامل المؤثرة في حركة التجارة العربية السمكية
يتركز اهتمام المصدرين والمستوردين في الدول العربية كما في غيرهم من الدول في البحث عن الأسواق المناسبة والتى تحقق تعظيم العائد من المبادلات التجارية للسلع والخدمات المختلفة .
ومع تعاظم دور القطاع الخاص في الاقتصاديات العربية وتحرير التجارة الدولية بعد عقد اتفاقيات الجات وإقامة منظمة التجارة العالمية ، أصبح مبدأ الكفاءة القائم علي المنافسة هو العامل الحاكم في توجيه حركة التجارة الخارجية ، حيث يصبح مستوى جودة السلع والتكلفة أهم مؤشرات الكفاءة وللمحافظة علي الأسواق التقليدية والدخول الى اسواق جديدة .
وكما سبق ان ذكرنا – فإن من سمات التجارة السمكية العربية ، انها تتركز تصديراً واستيراداً في مجموعة الدول الأوربية وبكميات اقل في بعض الدول الآسيوية ، وبالتحديد اليابان ، كما ان المنتجات العربية من الاسماك يتم تبادلها بين الدول العربية من خلال وسيط أوروبى وليس مباشرة بين المصدرين والمستوردين العرب وهذا يعنى امرين :
الأول : ان السوق الأروربية ( مجموعة دول الوحدة الأوروبية ) تعتبر – وكما يقال – السوق التقليدية للاسماك العربية .
الثانى: ان هناك تبادل تجارى في الاسماك بين الدول العربية ولكن يتم بشكل غير مباشر عن طريق طرف اجنبى ثالث لأسباب مختلفة عاقت وتعوق تحقيق التبادل المباشر .
وإذا ما أخذ في الاعتبار مبدأ تحقيق أكبر منفعة من التبادل التجارى وفى ظل حرية التجارة، فإن كل من المصدر والمستورد العربى للاسماك سوف يتجه الى الأسواق التى تحقق له أكير عائد فى ظل الخدمات والتسهيلات المتاحة .
والسؤال الهام هو .... الى أى مدى يمكن الاحتفاظ بالأسواق الأوروبية واليابانية في ظل العديد من المتغيرات والمستجدات سواء علي المستوى الإقليمى والدولى وأيضا بالنسبة لاتجاهات الطلب علي الأسماك وتفضيلات المستهلكين في هذه الدول ؟.
ان إجابة هذا السؤال الهام تطلب استعراض الحقائق الآتية :
* تتعرض المنتجات السمكية العربية لمنافسة غير متكافئة مع المنتجات الأجنبية سواء في الاسواق الأوربية واليابانية أو فى الأسواق العربية المستوردة لهذه المنتجات بسبب عامل الجودة وانخفاض التكلفة .
فقد دخل منافسين جدد في تجارة الاسماك خاصة من الدول الأسيوية ويقدمون منتجات منافسة من حيث توفير معايير الجودة وتنوع المنتجات ، خاصة في مجال المنتجات غير التقليدية ومنتجات القيمة المضافة value added products ، كما انهم استطاعوا تقديم أسعار منافسة مستفدين من انخفاض تكلفة الانتاج نتيجة وفرة الموارد السمكية وانخفاض الأجور وأسعار عملاتها الوطنية .
* أصبحت الأسواق الأوروبية واليابانية اكثر ديناميكية وحساسية وتعقيداً وأصبحت من اكثر الاسواق تكلفة لدخولها وذلك لأسباب مختلفة من أهمها التطور المستمر في معايير الجودة والمواصفات الصحية في جميع المراحل بدءاً من مرحلة الصيد الى مرحلة التصنيع والتداول ، وان تحقيق هذه المعايير يتطلب ضخ استثمارات كبيرة في كافة المراحل بدءاً من مرحلة الصيد حتى التسويق خاصة مع الارتفاع المتوقع في تكاليف المشروعات السمكية بسبب ما سيرتب علي تطبيق اتفاقية الجات في مجال حقوق الملكية الفكرية وارتفاع تكلفة الحصول علي التكنولوجيا اللازمة لتحديث الصناعات السمكية ، وتكاليف استخدام العلامات التجارية .
* تحاول بعض الدول الأجنبية الالتفاق حول مبدأ حرية التجارة كما جاء فى الاتفاقيات الدولية بحجج مختلفة مثل حماية البيئة والدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة عمالة الأطفال ... الخ .
* تناقص امكانيات الوصول الى الأسواق الأوربية وغيرها من الأسواق الأجنبية للمنتجات السمكية المصنعة ( المجهزة ونصف المجهزة ) في الدول العربية نتيجة تصعيد مستويات التعريفة الجمركية علي هذه المنتجات بعد جولة أورجواى ( ويعطى هذا الوضع مؤشراً هاماً في حركة واتجاه تجارة الاسماك في المنطقة العربية ، حيث يمكن فرض تعريفات اقل في اطار حكم الدول الأكثر رعاية أو نظام الأفضليات المعمم ) .
* ان اعتماد الصادرات السمكية العربية علي المواد الأولية ( أسماك حية أو مبردة أو مجمدة ) يحرم الاقتصاديات العربية من فتح مجالات جديدة للاستثمار والعمالة وخلق قيمة مضافة بما يساعد علي زيادة العائد من تصدير الأسماك المصنعة ، كما انه يشجع نفاذ المنتجات السمكية المصنعة الغير عربية الى الاسواق المحلية ، خاصة مع زيادة الطلب المحلى علي المنتجات المصنعة للاسباب الآتية :
- تطوير المنتجات السمكية وتنوعها مما يتيح اختيارات واسعة امام المستهلكين والتى تناسب جميع الاذواق والعادات .
- زيادة اعداد المرأة العاملة وبالتالى زيادة الطلب علي السلع المصنعة وشبه مصنعة لتوفير الوقت المتفق في شراء الطعام وتجهيزه .
- ادخال المنتجات السمكية في برامج تغذية المجتمعات الكبيرة مثل القوات المسلحة والشرطة والمدارس والمستشفيات .
ساحة النقاش