لولا لحام

أضحك كثيراً وإلى حد البكاء، عندما أرى الأسلوب الذى تستخدمه الحكومة التى تتحمس لهدف قومى ما، فتشمر عن سواعدها وتجند وسائل إعلامها فى خدمة "قضايا الوطن الكبرى". القضية اليوم هى قضية الانفجار السكانى، والمطلوب هو خفض عدد المواليد إلى طفلين فى كل أسرة. وإليكم ما توصل إليه جهابذة الإعلام الحكومى.. مؤتمر عام يغطيه الإعلام الرسمى.. ماشى.

حملة إعلامية إعلانية بدأت تطل علينا من التليفزيون والصحف تدعو المصريين إلى تحكيم عقولهم، وتقول "قبل ما نزود مولود.. نتأكد أن حقه علينا موجود". ثم عبارات على لافتات ملونة تحمل عنواناً هو "وقفة مصرية"، وعناوين جانبية شارحة: علشان ناكل وعلشان نشرب وعلشان نتعالج ...إلخ.

الحملة الإعلامية مصروف عليها حتى الآن بالملايين.. هنا لأ مش ماشى.

المنطق يقول أن تتوجه الحملة الإعلانية الرئيسية أساساً للشباب المتزوج حديثاً حتى لا تلد نساؤهم 10 أو 12 طفلاً، إلا أنها تطل على الذين يسكنون حى العروبة بمصر الجديدة، وهو الذى يقطن به رئيس الجمهورية، وشيراتون المطار وهى من المناطق المميزة بمصر الجديدة، وكوبرى أكتوبر الذى لا تسير عليه وسائل النقل العام ويرتاده فقط أصحاب السيارات الخاصة، من الذين سبق واقتنعوا بأهمية تنظيم الأسرة، فاستطاعوا شراء سيارات والذهاب بها إلى أحياء المهندسين والدقى، حيث الكيانات الاقتصادية الخاصة الرئيسية، وحى الزمالك الذى تكتظ فيه السفارات والأجانب ممن تعدوا سن الإنجاب.. وفقط.

ومن الطريف أن نعيش اليوم عصر "وقفة مصرية" بعد أن متعنا عيوننا وأذاننا فى الثمانينيات بشعار كوميدى سابق هو ''انظر حولك''. ولمن لا يعلم، فقد استهل الرئيس مبارك حكمه بشعار "انظر حولك"، وعرف عن الرئيس مبارك منذ تسلمه رئاسة الجمهورية بتوجيه انتقادات معلنة لكثرة إنجاب المصريين التى تلتهم كل الخير الذى تأتى به التنمية، والتى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حسب التقارير الاقتصادية العالمية، ولا يشعر بها المهمشون المصريون الذين لا يعجبهم العجب. كان هذا فى مؤتمر مماثل عقد فى 1984. كان عدد سكان مصر فى هذه الفترة ما يزيد قليلا عن 40 مليون نسمة، واقترب الرقم اليوم، بعد ربع قرن من انتهاء حملة "انظر حولك"، من الضعف، أى "ثمانين مليون نسمة".

فهل "وقفة مصرية" تشبه جراج ميدان رمسيس الذى بنيناه ثم هدمناه؟ أم ستكون مثل عقد أجريوم الذى وافقنا عليه ثم قمنا بإلغائه؟