دمياط والفتح الإسلامي
“سقى عهد دمياط وحياه مـن عـهـد فقد زادني ذكراه وجداً علـى وجـد ولا زالت الأنواء تسقي سحـابـهـا ديارا ً حكت من حسنها جنة الخـلـد فيا حسن هاتيك الـديار وطـيبـهـا فكم قد حوت حسناً يجل عن الـعـدّ فلله أنهـار تـحـف بـروضـهـا لكالمرهف المصقول أو صفحة الخد وبشنينها الريان يحـكـي مـتـيمـاً تبدّل من وصل الأحـبة بـالـصـدّ فقام على رجليه في الدمع غـارقـاً يراعي نجوم الليل من وحشة الفقـد وظلّ على الأقدام تـحـسـب أنـه لطول انتظار من حبيب على وعـد ولا سيما تلك الـنـواعـير إنـهـا تجدد حزن الواله المدنـف الـفـرد أطارحها شجوي وصارت كـأنـمـا تطارح شكواها بمثـل الـذي أبـدي فقد خلتها الأفلاك فيها نـجـومـهـا تدور بمحض النفع منها وبالـسـعـد وفي البرك الغرّاء يا حسـن نـوفـر حلا وغدا بالزهو يسطو على الـورد سماء من البلـور فـيهـا كـواكـب عجيبة صبغ اللون محكمة النـضـد وفي شاطئ النيل المـقـدس نـزهة تعيد شباب الشيب في عيشه الـرغـد وتنشي رياحاً تطرد الـهـمّ والأسـى وتنشي ليالي الوصل من طيبها عندي وفي مرج البحـرين جـمّ عـجـائب تلوح وتبدو من قريب ومـن بـعـد كأنّ التقاء النيل بـالـبـحـر إذ غـدا مليكان سارا في الجحافل من جـنـد وقد نزلا للحرب واحـتـدم الـلـقـا ولا طعن إلا بالمـثـقـفة الـمـلـد فظلا كما باتـا ومـا بـرحـا كـمـا هما من جليل الخطب في أعظم الجهد فكم قد مضى لي مـن أفـانـين لـذة بشاطئها العذب الشهيّ لـذي الـورد وكم قد نعمنا في البـسـاتـين بـرهة بعيش هنيء في أمان وفـي سـعـد وفي البرزخ المأنوس كم لي خـلـوة وعند شطا عن أيمن العلـم الـفـرد هناك ترى عين البصـيرة مـا تـرى من الفضل والأفضال والخير والمجد فيا رب هيئ لي بفـضـلـك عـودة ومنّ بها في غير بلـوى ولا جـهـد
الشعر من أقوال المقريزي عندما زار دمياط (المواعظ والاعتبار المقريزي الصفحة : 282-283 )
”أصبحت مصر قبيل منتصف القرن السابع الميلادي ولاية عربية خاضعة للحكم العربي ودخل الإسلام إليها ، ولقد قام المقداد بن الأسود من قبل جيوش عمرو بن العاص بفتح دمياط حيث سيطير العرب علي منافذ النيل علي البحر المتوسط عام 642 ميلاديا. بدأت دمياط تتقرب إلي العرب المهاجرين إليها من شبه الجزيرة العربية ورجال الجيش الفاتح ، وأطلق العرب علي الوجه البحري اسم (أسفل الأرض) ثم عربوا الكثير من أسماء المدن فسارت( تاميات.. دمياط). وبدأ أهل دمياط يدخلون في الإسلام وأخذ سكانها يتعلمون اللغة العربية ، ولما قدم المسلمون إلى أرض مصر كان على دمياط رجل، من أخوال المقوقس، يقال له: الهاموك، فلما افتتح عمرو بن العاص مصر امتنع الهاموك بدمياط، واستعدّ للحرب، فأنفذ إليه عمرو بن العاص المقداد بن الأسود، في طائفة من المسلمين، فحاربهم الهاموك وقتل ابنه في الحرب، فعاد إلى دمياط، وجمع إليه أصحابه، فاستشارهم في أمره، وكان عنده حكيم قد حضر الشورى، فقال: أيها الملك إنّ جوهر العقل لا قيمة له، وما استغنى به أحد إلا هداه إلى سبيل الفوز والنجاة من الهلاك، وهؤلاء العرب من بدء أمرهم، لم تُردّ لهم راية، وقد فتحوا البلاد، وأذلوا العباد، وما لأحدٍ عليهم قدرة، ولسنا بأشدّ من جيوش الشام، ولا أعز ولا أمنع، وإنّ القوم قد أيدوا بالنصر والظفر والرأي، أن تعقد مع القلوم صلحاً ننال به الأمن وحقن الدماء وصيانة الحرم، فما أنت بأكثر رجالاً من المقوقس. فلم يعبأ الهاموك بقوله، وغضب منه، فقتله، وكان له ابن عارف عاقل، وله دار ملاصقة للسور، فخرج إلى المسلمين في الليل، ودلهم على عورات البلد، فاستولى المسلمون عليها، وتمكنوا منها، وبرز الهاموك للحرب، فلم يشعر بالمسلمين إلا وهم يكبرون على سور البلد، وقد ملكوه، فعندما رأى شطا بن الهاموك المسلمين فوق السور، لحق بالمسلمين، ومعه عدّة من أصحابه، ففت ذلك في عضد أبيه، واستأمن للمقداد، فتسلم المسلمون دمياط، واستخلف المقداد عليها، وسير بخبر الفتح، إلى عمرو بن العاص، وخرج شطا، وقد أسلم إلى البرلس والدميرة وأشموم طناح، فحشد أهل تلك النواحي، وقدم بهم مدد للمسلمين، وعوناً لهم على عدوّهم، وسار بهم مع المسلمين لفتح تنيس، فبرز لأهلها، وقاتلهم قتالاً شديداً، حتى قتل رحمه اللّه في المعركة شهيداً بعدما أنكى فيهم، وقتل منهم، فحمل من المعركة، ودفن في مكانه المعروف به، خارج دمياط، وكان قتله في ليلة الجمعة النصف من شعبان، فلذلك صارت هذه الليلة من كل سنة، موسماً يجتمع الناس فيها من النواحي، عند شطا، ويحيونها، وهم على ذلك إلى اليوم، وما زالت دمياط بيد المسلمين إلى أن نزل عليها الروم في سنة تسعين من الهجرة، فأسروا خالد بن كيسان، وكان على البحر هناك وسيروه إلى ملك الروم، فأنفذه إلى أمير المؤمنين، الوليد بن عبد الملك من أجل الهدنة التي كانت بينه وبين الروم وشهدت المدينة انصهار كل العناصر في بوتقة واحدة من حيث النظم الاجتماعية والعادات والعلوم والفنون. وبعد أن دخل الإسلام مصر تعرضت دمياط لغارتين من غارات الروم الأولي عام 709 ميلاديا والثانية عام 728 ميلاديا ، ولكن باءت هاتان الغارتان بالفشل ، كما كان التعسف من قبل الولاة الذين أرسلهم الخلفاء إلي مصر سببا لاندلاع أول ثورة عام 726 ميلاديا والتي كان أشدها من بلبيس إلي دمياط .
وفى عهد الخليفة العباسي أبو الفضل جعفر المتوكل على الله في سنة 238هـ قام الروم بغزو بحرى مفاجئ من جهة دمياط، إذ بعثوا بثلاثمائة مركب وخمسة آلاف جندى إلى دمياط، وقتلوا من أهلها خلقًا كثيرًا، وحرقوا المسجد الجامع والمنبر، وأسروا نحو ستمائة امرأة مسلمة، وأخذوا كثيرًا من المال والسلاح والعتاد، وفر الناس أمامهم، وتمكن الجنود الرومان من العودة إلى بلادهم منتصرين.
دمياط والحملة الصليبية الأولي
في عام 1170 ميلاديا وصل الفرنجة دمياط خلال الحملات الصليبية الأولي حاصروا المدينة براً وبحراً وأرسل صلاح الدين الأيوبي إليها الجند عن طريق النيل وأمدهم بالسلاح و الذخيرة والمال. و لما بلغ صلاح الدين قصد الإفرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرجال وجمع الآلات إليها ووعدهم بالإمداد بالرجال إن نزلوا عليهم وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكما لا يرد أمره في شيء ثم نزل الإفرنج عليها واشتد زحفهم وقتالهم عليها وهو يشن عليهم الغارات من خارج والعسكر يقاتلهم من داخل فانتصر عليهم فرحلوا عنها خائبين فأحرقت مناجيقهم ونهبت آلاتهم وقتل من رجالهم عدد كبير. كما خرج نور الدين من دمشق لقتال الصليبين الذين اضطروا للرحيل بعد أن غرق لهم عدد من المراكب وتفشي بينهم المرض.
دمياط والحملة الصليبية الثانية في 30 مايو 1218 ميلاديا وصلت طلائع الحملة الصليبية الثانية بقيادة جان دي برين أمام دمياط واستطاعت الحملة الاستيلاء عليها ونجحوا لمدة 16 شهر ، وبعد أن تم الاستيلاء علي دمياط وتحصينها تقدموا لمنازلة جيش الملك الكامل الذي تجمع أمام المنصورة وكان يفصل بين الجيشين فرع دمياط وبحر أشمون ، وقطع الملك الكامل الطريق بين الفرنجة ودمياط . وشيد تحصينات قوية عليا لنيل جنوب دمياط ، وطلب الفرنجة الصلح علي أن يخرجوا من دمياط والبلاد كلها .. ورحل الفرنجة إلي بلادهم ودخل الملك الكامل دمياط و أرسلت البشائر بتحرير دمياط إلي جميع الدول الإسلامية.
دمياط والحملة الصليبية الثالثة عاود الصليبيون مرة أخري غزو مصر عن طريق دمياط علي رأس حملة بقيادة لويس التاسع مللك فرنسا وصلت شواطئ دمياط في 4 يونيه 1249 ميلاديا.. وضرب شعب دمياط أروع الأمثلة للبطولة والتضحية في مقاومة الحملة الصليبية حتى توالت الهزائم علي جيوش الفرنجة من هزيمتهم في فارسكور إلي هزيمتهم في المنصورة وأسر لويس التاسع ملك فرنسا وتم سجنه في دار بن لقمان بالمنصورة وفدي نفسه ورجاله بمبلغ 400 ألف جنيه مقابل الجلاء عن دمياط . ولقد تم الجلاء في يوم8 مايو 1250 ميلاديا وأصبح هذا اليوم عيداً قومياً للمحافظة.
ساحة النقاش