مدرسة دكتوراه العلوم النفسية والتربوية تخصص ( إرشاد أسري )

موقع طالبات التخصص ( جامعة عمار ثليجي -الأغواط- )


المقدمة:

الحمد لله الذي أكرمنا وأنعم علينا بأن جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها،وأقام بنيان السكن على المودة والرحمة،ثم سما به فجعله من آيات التفكر والتأمل ،فقال جل شأنه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [سورة الروم:آيه21].
الأسرة هي المحضن الأول للتربية ،والنبع الخالص للعاطفة ،وهي أولى الجماعات ذات التأثير المباشر في العلاقات الاجتماعية،فمن خلالها يكتسب الفرد أنماط التفكير والسلوك المختلفة،عبر ما يمارسه ويلاحظه من سلوكيات ،وما يطلق عليه العلاقات الأسرية،فالأسرة تتكون من مجموعة متشابكة ومتفاعلة من العلاقات،وتداخل هذه العلاقات يؤدي إلى زيادة التفاعل ،وتشابك الأدوار ،والاعتمادية المتبادلة ؛فينتج عن ذلك أن تصبح كثير من المواقف والأفعال_الإيجابية أو السلبية_ التي تصدر من أحد الأطراف ذات أثر عميق على الأطراف الآخرين.
ويشكل استقرار هذه العلاقات وديمومتها مطلب وغاية للجميع؛وحتى تصل هذه العلاقات إلى نقطة الاستقرار فإنها بحاجة لإيجاد نوع من الموائمة والتقارب بين توقعات وأهداف ومتطلبات واحتياجات مختلف الأفراد،ومن خلال ذلك يمكن للجو الأسري أن يتسم بالدفء والتفاهم.وقد تتباين هذه التوقعات وتختلف الأهداف فيعجز أفراد الأسرة عن تلبية المتطلبات والاحتياجات المختلفة المتبادلة بينهم،وينشأ عن ذلك نوع من الصراع،فتظهر أشكال متعددة من المشكلات الأسرية توتر العلاقات داخل الأسرة ،وتلقي بظلالها على المجتمع المسلم.
ومن هذا المنطلق يسعى هذا البحث إلى التعريف بمفهوم المشكلات الأسرية بشكل موجز،ويعمل على عرض بعضاً من الأسباب التي يمكن أن تنتج المشكلات،ثم يقدم معالجة مختصرة من خلال عرض بعض الأسس والوسائل التي يمكن أن تسهم في تكوين بيئة أسرية مستقرة.
وسيتم ذلك من خلال الثلاث فصول التالية:
الفصل الأول :المشكلات الأسرية.
الفصل الثاني :بعض أسباب المشكلات الأسرية.
الفصل الثالث: سبل المعالجة.

 الفصل الأول : المشكلات الأسرية
المبحث الأول: التماسك الأسري.
المبحث الثاني: المشكلات الأسرية
تمهيد:
يتكون المجتمع من وحدة متكاملة من الجماعات والمؤسسات التي تسعى لتحقيق هدف محدد ضمن نظام مرتب له،والأسرة تظل أكثر هذه المؤسسات تأثيراً على الفرد وعلى وحدة المجتمع ،بما يقع على عاتقها من أدوار ومسئوليات نحو الفرد والمجتمع،ومن خلال استمرارها وقوتها تستمد التنظيمات الاجتماعية الأخرى قدرتها على الاستمرار والمواجهة ،وفي المقابل فإن أي تفكك في مؤسسة الأسرة ينعكس أثره سلباً على تماسك المجتمع وترابطه،وتختلف مسببات هذا التفكك من مجتمع لآخر ،ولكن تظل المشكلات الأسرية هي العامل الأساسي في حصوله
.

المبحث الأول: التماسك الأسري
الأسرة هي وحدة التكوين الأولى للمجتمع ، وبتماسك هذه الوحدة يتحقق تماسك المجتمع ،فطالما كانت الأسرة على قدر كبير من التماسك والاستقامة صلحت شؤون المجتمع واستقامت أموره ،ويتحقق التماسك في الأسرة إذا ما ساد الوفاق بين الزوجين ،وامتد ظله على باقي أعضاء الأسرة ، فأصبح جو الطمأنينة والاستقرار هو السائد في الأسرة بما يحقق الراحة النفسية لأفرادها ،ويحميهم من مؤثرات الانحراف ،ويدعم تماسك الأسرة وقوة صلابتها.
ويعرف التماسك الأسري بأنه" زيادة العلاقات الموجبة التي تدور في المحيط الداخلي للجماعة،فكلما ازدادت العلاقات ازداد تماسك الجماعة ،وكلما تشتت هذه العلاقات،واتجهت نحو الجماعة الخارجية ضعف التماسك الداخلي" [ أحمد بدوي،معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ، بيروت:دار الفكر اللبناني،1415هـ،ص 86]. ،ويتحقق التماسك الأسري عبر خمسة مقومات أساسية :
- المقوم البنائــي: ويتطلب وجود أسرة متكاملة من أب وأم وأبناء وغيرهم إن وجد.
- المقوم الديـني : وهو أهم المقومات التي تؤدي إلى زيادة التماسك والوحدة بين أعضاء الأسرة،ويزيد من تماسك الأسرة فكرياً ومعنوياً ويقيها من التفكك والانحراف.
- المقوم العاطفـي : ويعتمد على ما يسود الأسرة من عواطف إيجابية تربط بين جميع أعضائها،تتجلى في الحب والتقدير والاحترام المتبادل.
- المقوم الاقتصادي:ويتمثل في قدرة الأسرة على إشباع الحاجات المادية لأفرادها المنتمين إليها،بحيث يشعر الفرد بالأمن والسعادة لانتمائه إلى هذه الأسرة.
- المقوم الصحي : ويقوم على مدى خلو الأسرة من الأمراض المختلفة ،وخلوها من الأمراض الوراثية على وجه الخصوص، ومدى قدرة أفرادها على الترابط والتماسك ومواجهة أزمات المرض وما تخلفه من تبعات السيد رمضان [إسهامـات الخدمـة الاجتماعيـة في مجال الأسرة والسكان، القاهرة : دار المعرفة الجامعية ،1419هـ ،ص 80-93].
وبناء على ما سبق فإن أي خلل أو قصور في أحد هذه المقومات يمكن أن يدفع بالأسرة إلى التفكك،ويوتر العلاقات داخلها ويثمر مشكلات أسرية مختلفة.وقد يأخذ هذا التوتر مستويات مختلفة :

‌أ-مستوى عدم التوافق الأسري المزمن:يتمثل في غياب المقوم العاطفي اللازم لتحقيق التماسك الأسري،وذلك عندما تصاب العلاقات الأسرية بقدر ملحوظ ومستمر من الفتور والاختلاف في التوجهات،والفقر العاطفي،مع قدرة كل طرف على تلبية احتياجات الطرف الآخر ،والقيام بما عليه من واجبات، يستمـر في ضوئه البنيان الأسري قائماً ،في جو من الفتور العاطفي وضعف التواصل ،ومن شأن ذلك أن يخرج أفراداً يعانون من الحرمان العاطفي ، أو آخرين متمركزين حول ذواتهم.
‌ب- مستوى التفكك الأسري المعنوي:تتمثل في غياب أكثر من مقوم من مقومات التماسك الأسري،أبرزها المقوم الديني والعاطفي والاقتصادي ،وقد يتأثر بذلك المقوم الصحي.
فغياب الوعي والثقافة الدينية من شأنها أن تظهر مشكلات سلوكية عدة ،والحرمان العاطفي_كما سبق وأشرنا_ يؤدي إلى عدم التوافق ،وغياب المقوم الاقتصادي أو ضعفه يجعل الأسرة عاجزة عن تحقيق احتياجات أفرادها،وفي ظل هذه المشكلات الأسرية المختلفة ينشأ التوتر ضمن علاقات الأسرة ،ولكن تظل الأسرة باقية _ولو بشكل صوري_ ضمن المقوم البنائي.
‌ج- مستوى التفكك المعنوي والمادي : تنهار هنا جميع مقومات التماسك الأسري بما فيها المقوم البنيوي بانفصام عرى الزوجية ،ونقض الميثاق الغليظ وحدوث الطلاق وحرمان الأبناء من أحد الوالدين أو كليهما.
وجميع المستويات السابقة للتفكك تشكل وضع أسري متأزم يطلق عليه مشكلات أسرية
المبحث الثاني: المشكلات الأسرية
لم يعد الدارسون لنظام الأسرة والعلاقات داخلها ينظرون إلى الأسرة السعيدة باعتبارها الأسرة التي تخلو من المشكلات،فالصراع عملية تفاعل حتمية لأي جماعة تعيش ضمن حيز مكاني وتربطها علاقات وخصائص مشتركة.
وتعرف المشكلات الأسرية من أوجه نفسية واجتماعية وسلوكية وتربوية مختلفة،فالبعض يعرفها بأنها :"المواقف والمسائل الحرجة المحيرة التي تواجه الفرد فتتطلب منه حلاً،وتقلل من حيويته وفاعليته وإنتاجه ومن درجة تكيفه مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه" [حسن مصطفى عبد المعطي،الإضطرابات النفسية في الطفولة والمراهقة ،القاهرة:دار القاهرة،1421هـ،ص13] ،ويرى البعض الآخر بأنها" مفهوم يطلق على مشاعر وأحاسيس الفرد التي تتمثل في الضيق والقلق والتردد إزاء علاقته مع الآخرين في المنزل وفي الصحبة وفي المدرسة،حيث تفتقر هذه العلاقات إلى الدفء والصراحة والمحبة المتبادلة"[ المرجع السابق،ص13] ،كما تصنف المشكلات الأسرية وفق تصنيفات مختلفة،منها:

· تصنف وفقا لأسباب حدوثها :فيصبح هناك مشكلة نفسية ،وأخرى اجتماعية واقتصادية وتربوية...
· تصنف تبعا لنمط ظهورها إلى: مشكلات عابرة ،ومشكلات دائمة،أو مشكلات ظاهرة وأخرى خفية.
· تصنف وفقا لطبيعة العلاقات الأسرية إلى:خلافات زوجية ،ومشكلات الطفولة.
وهو ما سنتناوله بشيء من التفصيل:
أولاً: الخلافات زوجية
تعرف الخلافات الزوجية بأنها " تضارب توجهات الزوجين حيال بعض الأمور التي تخص أيا منهما أو تخصهما الاثنين ،بحيث تستثير انفعال الغضب،أو السلوك الانتقامي أو التفكير فيه،وتعبر هذه الخلافات عن نفسها بمظاهر شتى مثل النقد أو السخرية،والمناقشات الكلامية الحادة،وقطع التواصل الكلامي أو التقليل منه،وعدم القيام بالأدوار سواء بصفة كلية أو جزئية،وقد يصل الأمر إلى هجر المنزل وفراش الزوجية أو حتى الضرب والإيذاء البدني،كما قد تودي إلى الطلاق"[ بشير صالح الرشيدي،إبراهيم محمد الخليقي، سيكولوجية الأسرة والوالدية، الكويت:ذات السلاسل،1417هـ،ص 171].
والحقيقة أن الخلافات في حدود معينة تعتبر عملية ملائمة وضرورية لمواجهة المشكلات وإيجاد حلول لها،فقد تؤدي إذا تم استثمارها وتوجيهها وجه صحيحة إلى التنفيس عن الشحنات الانفعالية الضارة ،واستبانة حقائق غامضة.
ويمكن تصنيف الخلافات الزوجية إلى :
· الخلافات المدمرة أو الهدامة: وهي التي ترتكز على تجريح ذات الطرف الآخر،وتميل إلى تدمير الصورة والخيال التي يعيش بهما الإنسان.
· الخلافات البنائية:وهي التي تضمن إعادة تحديد المواقف وتفسيرها،وتخفيف التوترات الانفعالية [محمود حسن،الأسرة ومشكلاتها،بيروت:دار النهضة العربية ،1388هـ،ص289.].
موضوعات الخلافات الزوجية:
تتنوع الموضوعات التي تدور حولها الخلافات الزوجية،فقد تتباين التوجهات الدينية للطرفين ،وقد ينعكس هذا التباين على العبادات والسلوكيات الأخلاقية،وقد تكون الخلافات ذات طبيعة اقتصادية حين تدور حول المسائل المادية وميزانية الأسرة وأوجه الإنفاق ومصارفه وتقسيم المسؤوليات المادية ،كما قد تحتدم الخلافات الزوجية حول الموضوعات التربوية للأبناء بداية من توزيع الأدوار في تحمل مسؤولية التربية ثم طرق وأساليب هذه التربية وأنماطها ،ويأخذ الجانب النفسي حيز كبير من الخلافات الزوجية ،فهناك مستوى عاطفي متبادل بين طرفي العلاقة ،وهناك اختلافات شخصية متعددة،وسمات انفعالية مختلفة، وربما تكون الموضوعات الاجتماعية من أكثر الموضوعات التي تدور حولها الخلافات الزوجية فهناك علاقة كلا الزوجين بأسرة الطرف الآخر وهناك صداقات قد تكون مثار جدل ،وهناك علاقة الأسرة بالجيرة ،إضافة إلى مجموعة كبيرة من المؤثرات السلبية الاجتماعية التي باتت تشكل خطر على الأسرة المسلمة
ثانيا:مشكلات الطفولة:
يتم تعريف مشكلات الطفولة بأنها"عبارة عن صعوبات جسمية ،أو نفسية ،أو اجتماعية تواجه بعض الأطفال بشكل متكرر،ولا يمكنهم التغلب عليها بأنفسهم أو بإرشادات وتوجيهات والديهم ومدرسـيهم،فيسوء توافقهم ويعـاق نموهـم النفـسي أو الاجتماعي أو الجسمي،ويسلكون سلوكا غير مناسب لسنهم أو غير مقبول اجتماعياً،وتضعف ثقتهم بـنفسهم،ويسوء مفهومهم عن أنفسهم وعن الآخرين،وتقل فاعليتهم الايجابية في المواقف الاجتماعية ،وتضعف قابليتهم للتعلم والتعليم والاكتساب،ويحتاجون إلى رعاية خاصة " [محمد عودة محمد، كمال إبراهيم مرسي،الصحة النفسية في ضوء علم النفس الإسلامي،الكويت:دار القلم،1406هـ .]

وقد يتعرض الطفل خلال فترة الطفولة للعديد من المشكلات والاضطرابات التي تتفاوت من حيث طبيعتها وحدتها ويتم تصنيف هذه المشكلات وفق تصنيفات مختلفة ومتعددة،نذكر منها :
1- اضطرابات انفعالية
Emotional Disturbances : وتشمل الغيرة والغضب و الانسحابية والفوبيا ( المخاوف المرضية) والعناد وأحلام اليقظة.
2- اضطرابات العادات
Habits Disturbances :وتشمل اللزمات العصبية ، والتبول اللاإرادي ، ومص الأصابع وقضم الأظافر، وفقدان الشهية والشراهة ، وأكل الأشياء التي لا تؤكل Pica ، والأرق والنوم المتقطع.
3- اضطرابات السلـوك
Character Disturbances : وتشمل العدوان والتخريب والمروق، والسرقة والكذب والغش والاحتيال ، والهروب والتدخين والإدمان والنشاط الزائد.
4- اضطرابات التعلم
Learning Disturbances : وتشمل صعوبات القراءة والكتابة ، والعجز عن التعلم ، وبطء التعلم، والتخلف الدراسي ، والتأخر الدراسي ، وصعوبات النطق والكلام. [المرجع سابق،ص254.]
وتشكل مشكلات الطفولة والخلافات الزوجية أزمات للأسرة ككل ،فلا يقتصر تأثير المواقف المتوترة على أطرافها المباشرة ،بل تمتد إلى مختلف أطراف العلاقة الأسرية وقد يخرج تأثيرها من إطار المنزل والحياة الأسرية ،ليمتد إلى العلاقات الاجتماعية الأخرى.
وتتعدد الأسباب المباشرة وغير المباشرة للمشكلات الأسرية بشكل يصعب حصره
  • Currently 2/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
2 تصويتات / 8313 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2013 بواسطة doctoratpsycho

مدرسة دكتوراه العلوم النفسية والتربوية

doctoratpsycho
أنشئن هذا الموقع ليكن ملتقى للمهتمين بعلم النفس بصفة عامة والإرشاد الأسري بصفة خاصة حيث سيقدم كل ماهو مفيد وإيجابي من معلومات ودراسات وبحوث وحتى كتب جاهزة للتحميل وهذا سعيا لتسهيل عملية البحث العلمي لكل من يهتم بهذا العلم القائم بذاته. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

27,277

الإرشاد الأسري

هو عملية مساعدة اأفراد الأسرة الوالدين والأولاد وحتى الأقارب فردى أو كجماعة في فهم الحياة الأسرية ومسؤولياتها لتحقيق الإستقرار والتوافق الأسري وحل المشاكل الأسرية .

ويهدف الإرشاد الأسري بصفة عامة إلى تحقيق سعادة واستقرار واستمرار الأسرة وبالتالي سعادة المجتمع.