التطفيف ليس في الميزان فقط بل يشمل كل شيء حتى في المشاعر والأخلاق
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله
كلما قرأت ويل للمطففين ،وتدبرتها مرارا وأسقطتها على أرض الواقع الذي نعيشه ،وجدت التطفيف في كل معاملتنا ،والتطفيف ليس في الميزان فقط ،بل التطفيف حتى في الامور الحسية ،فاذا كنت تحب ان يعاملك الناس بالكلمة الطيبة وانت لسانك ينطلق برصاصات تمزق القلب فانت من المطففين،فإذا كان الزوج يحب أن تعامله زوجته بما قاله الله ورسوله في جميع المعاملات ،بل تزيد بمالها ،وجهدها فإذا مرضت انشغل عنها بعمله ووالديه ولا تسمع منه حتى كلمة طيبة أو تذكير بما قاله الله ورسوله أليس هذا من المطففين ؟
وإذا كانت الزوجة تنفق من مالها في الضروريات ،والزوج يجمع ماله بحجة أنه ليس له دخل كاف للإنفاق ،ولكي لا يقترض منها في المستقبل أليس هذا تطفيف في الميزان ؟
كم من حافظ لكتاب الله عزوجل وهو من المطففين في معاملاته ،وأخلاقه ؟
التطفيف في العبادات : في الوضوء والصلاة ،والصيام ،و الفتوى ،في الذكر تجد أحدهم عندما يسبح الله تسمع كلمات متقطعة سبببح سسس بسرعة البرق دون فهم معنى ما يقول
كنت ساكتب بحثا حول التطفيف في جميع مجالات الحياة فوجدت الشيخ احمد زومان قد أوفى هذا الموضوع حقه فنقلته لكم :
توعَّد ربُّنا مَن طفَّف في الكيل أو الوزْن، والتَّطفيف نقصٌ يخون به غيره في كيل أو وزْن أو غير ذلك، فكلُّ مَن خان غيرَه وبخَسَه حقَّه أو انتقصَ ممَّا وجب عليْه، فهو داخل في هذا الوعيد.
قال السَّعديُّ في تفسير هذه السورة: "دلَّت الآية الكريمة على أنَّ الإنسان كما يأخُذ من النَّاس الذي له، يجب عليْه أن يُعطيهم كلَّ ما لَهم من الأموال والمعاملات، بل يدخُل في عموم هذا: الحُجَج والمقالات، فإنَّه كما أنَّ المتناظرين قد جرت العادة أنَّ كلَّ واحد منهما يحرص على ما لَه من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبيِّن ما لخصمه من الحُجَج التي لا يعلمها، وأن ينظُر في أدلَّة خصمه كما ينظر في أدلَّته هو، وفي هذا الموضع يعْرف إنصاف الإنسان من تعصُّبِه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التَّوفيق لكلِّ خير".اهـ.
فالتَّطفيف ليس خاصًّا بالكيْل والوزْن والذَّرع، بل هو عامٌّ يدخُل فيه كلُّ بخس، سواء كان بخسًا حسيًّا أو معنويًّا
وإعطاء المرء أقلَّ من حقِّه تطفيف.
ومن التطفيف تطْفيف المعلِّم والمعلِّمة في حقوق العمل، ومن ذلك التأخُّر في دخول الحصَّة والخروج في أثنائِها من غير حاجة، أو الانشِغال بأشياء خارجة عن الدَّرس كالاتِّصال بالهاتف، أو الانشغال بأعمال مكتبيَّة تُنجز خارج الحصَّة، فوقت المعلِّم والمعلِّمة أثناء الحصَّة خاصٌّ بالطلاب والطَّالبات، فالواجب أن يصرف الوقت في ما فيه مصلحتُهم.
ومِن تطْفيف المعلِّم والمعلِّمة عدم الاستِعْداد الذِّهْني للدَّرس، ويظْهر هذا في المراحِل المتقدِّمة من التَّعليم.
ومن تَطْفيف المعلِّم والمعلِّمة عدم متابعة أعمال الطُّلاب من تصْحيح وتصْويب أخطاء، وغير ذلك.
ومن التَّطفيف تطفيف الموظَّف في عملِه، سواءٌ كان حكوميًّا أو خاصًّا، فيتأخَّر في الحضور ويخرج مبكِّرًا، يجعل ذلك عادة له.
ومن التَّطفيف تأخير العمل والتَّسويف، خصوصًا ما يتعلَّق بالمراجعين ممَّا يشق عليهِم بتكرار المراجعة أو بالبحث عن شفاعة لينجز له عمله.
ومن التَّطفيف أن يطالب الموظَّف بكلِّ ما له، ولا يرضى أن يُنْتَقص شيء من حقوقه، مع إخلاله بواجبه الوظيفي.
ومن التطفيف في حقوق الموظَّفين ما يصدر من بعض الرُّؤساء، حينما يتعامل مع مرؤوسيه وفق العلاقات الشخصيَّة بعيدًا عن الكفاءة، فيرفع مَن حقُّه أن يُخفض، ويَخفض من حقُّه أن يرفع، تقاريره لها دور في حجْب مكافأة عن مستحقِّها، أو تعطى مَن لا يستحقها، ربَّما نُقِل موظف وحقُّه أن لا ينقل، أو بَقِي مَن حقُّه أن ينقل؛ بسبب التَّطفيف في كتابة التَّقارير.
ومن التطفيف ما يقوم به البعض مِن استئجار عامل يعمل عنده، ثمَّ يبخَسُه حقَّه كلَّه أو بعضه، فخاب وخسِر مَن هذا فعلُه؛ فعن أبي هُريرة - رضِي الله عنه - مرفوعًا: ((قال الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثمَّ غدَر، ورجل باع حرًّا فأكلَ ثمنَه، ورجلٌ استأجر أجيرًا فاستوْفى منْه ولم يعْطِه أجْرَه))؛ رواه البخاري (2270).
ومن التَّطفيف التطفيف في الصلاة، فمن ذلك أن لا يتمَّ شروطَها أو أركانها أو واجباتها، فلا تصحُّ منْه ولا تبرأ ذمَّته؛ فعن أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ رجلاً دخل المسجِد ورسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - جالس في ناحية المسجد، فصلَّى ثمَّ جاء فسلم عليْه، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((وعليْك السلام، ارجع فصلِّ فإنَّك لم تصلِّ))، فرجع فصلَّى ثمَّ جاء فسلَّم، فقال: ((وعليْك السَّلام، فارجع فصلِّ فإنَّك لم تصلِّ))، فقال في الثَّانية أو في الَّتي بعدها: علِّمني يا رسول الله، فقال: ((إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغِ الوضوء، ثمَّ استقبِل القبلة فكبِّر، ثمَّ اقرأ بما تيسَّر معك من القُرآن، ثمَّ اركع حتَّى تطمئنَّ راكعًا، ثمَّ ارفع حتَّى تستويَ قائمًا، ثمَّ اسجُد حتَّى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفع حتَّى تطمئنَّ جالسًا، ثمَّ اسجد حتَّى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفع حتَّى تطمئنَّ جالسًا، ثمَّ افعلْ ذلك في صلاتِك كلِّها))؛ رواه البخاري (6251) ومسلم (397).
ومن التطفيف في الصَّلاة، الصلاة في البيوت ممَّن تجب عليه الجماعة من غير عذر، ومن التَّطفيف في الصلاة تأخير الصَّلاة عن وقتها متعمّدًا؛ ï´؟ أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [المطففين: 4 - 6].
روى الإمام مالكٌ في "الموطَّأ" (1/12) بإسناد منقطِع: أنَّ عمر بن الخطَّاب انصرفَ من صلاة العصْر، فلقي رجُلاً لم يشهد العصر، فقال عمر: ما حبسكَ عن صلاة العصر؟ فذكر له الرجُل عذرًا، فقال عمر: "طفَّفتَ".
قال الإمام مالك: "يُقال: لكل شيء وفاءٌ وتطفيفٌ".
ومن التَّطفيف تطفيف المُسْتَشَار، فمَن استشارَه غيرُه وسأله عن شيء في بيعٍ أو شراءٍ أو نكاحٍ، أو توليةِ عمَلٍ أو غير ذلك، وجبَ عليْه أن يبيِّن ما يعرفه وما يعتقدُه، ويَحرُم عليْه أن يكتم مستشيرَه مواطنَ العيْب والخلَل، أو يُظْهِر المحاسنَ فقط، أو يثني بما ليس فيه، وقد صحَّ عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((المستشار مؤتمن))، ومن لم ينصح لمَنِ استشاره فقد خان الأمانة، وخيانتُها من صفات النِّفاق العملي، فلا تمنعْك أخي خشْية عتب النَّاس وذمّهم مِن بذل النُّصح والصِّدْق مع منِ استشارك؛ فاللَّه أحقُّ أن تخشاه.
ومِن التَّطفيف تطفيفُ الأب مع أولادِه - ذكورًا وإناثًا - فيجِب على الأب أن يعدِل بين أولادِه في كلِّ ما يستطيعه من مأكلٍ ومشْرب، وملبس ومسكن ومركب، ويحرم أن يفضِّل بعضَهم على بعض من غير سبب.
والعدْل لا يقتضي المساواة، فالعدل أن يُعْطيَ كلَّ واحد من الأوْلاد ذكرًا كان أو أنثى ما يَحتاجه، وإن كان له ميزة على إخوتِه كزيادة برٍّ أو حاجةٍ، جاز إعطاؤُه أكثرَ من إخوته؛ فقد "خصَّ أبو بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - عائشة - رضِي الله عنْها - بعشرين وسقًا من مالِه بالغابة دون سائر أولاده"؛ رواه الإمام مالك (2 /752) بإسناد صحيح.
فخصَّ أمَّ المؤمنين عائشة - رضِي اللهُ عنْها - بالتَّمر دون بقيَّة أولادِه لمكانتِها.
ومِن تطفيف الأب هجْر الأولاد وعدَم زيارتِهم والجلوس معهم، حينما يكون بيْنَه وبين أمِّهم خلاف، فربَّما جلس عند أوْلادِه من زوجةٍ أُخرى، وهجَر أولادَه من الزَّوجة الثَّانية من غير جناية اقْترفوها، فلسان حالهم يقول:
غَيْرِي جَنَى وَأَنَا المُعَذَّبُ فِيكُمُ فَكَأَنَّنِي سَبَّابَةُ المُتَنَدِّمِ
ومن التَّطفيف تطْفيف الولد مع أبيه وأمه، فتجِده يبخس أبويْه حقَّهما، فلا يقومُ بما افترضَه الله عليْه من برِّهما وطاعتهما بالمعروف، يدْخِل عليهما الهمَّ والغم ونقْد النَّاس لهما بسبب سوء صنيعِه، ويكون الأمر أشدَّ حينما يكون هذه العقوق بسبب تفْريط الولد في طاعة الله من صلاةٍ وغيرِها، فقد جمع بين معصِيَتين.
فاتَّق الله أخي الولد ولا تقُل: إنَّهما قد قصَّرا في حقِّي، فلو ثبت هذا حقًّا، فعليْهِما ما حمِّلا وعليك ما حمِّلتَ، وكلٌّ سيُحاسب على تقْصيره، فليس تقْصير الأبويْن في حقوق الأوْلاد مسوغًا لتقْصير الأولاد في حقوق آبائِهم وأمَّهاتهم.
ومن التطْفيف تطفيف الزَّوج مع زوجتِه، فتجِد البعضَ يُطالب زوجتَه بِحُقوقه كلِّها، ويذكِّرها بالنصوص الشرعيَّة الواردة في ذلك، لكنَّه يتناسى الحقوقَ الَّتي افترضها الله عليْه لزوجته، من عدْلٍ إن كان معه غيرُها، ومِن معاشرةٍ بالمعروف في القوْل والفعل، ومن القِيام بحوائجِها داخلَ البيت وخارجه؛ ï´؟ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ ï´¾ [البقرة: 228].
معاشرَ الأزواج:
هل إذا قصَّر الزَّوج في حقِّ زوجتِه تبقى حقوقُه عليْها، ويحرم عليْها معاملتُه بالمثل، أم يجوز لها أن تقصِّر في حقِّه معاملةً له بالمثل؟
قال الشيخ محمد العثيْمين في شرحه لحديث أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - (703) من أحاديثِ "البلوغ" أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((لا يحل للمرأة أن تصومَ وزوجُها شاهد إلاَّ بإذنه))؛ متَّفق عليه.
قال الشَّيخ: "إذا كان الزَّوج ناشزًا؛ أي: يضيع حقوقَها، فهل لها الصَّوم بلا إذنه وهو شاهد؟ نعم؛ لأنَّ ميزان العدْل أنَّه إذا نشز فلها أن تنشز؛ لقولِه تعالى: ï´؟ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ï´¾ [البقرة: 194]. اهـ.
أسأل علماءنا أن يعطوا حقا لهذا الموضوع لأنه تترتب عليه فتاوى وأحكام شرعية في جميع مجالات الحياة
والقصص الواقعية في التطفيف في جميع مجالات الحياة كثيرة نرجو المشاركة في الموضوع بقصص واقعية
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتورة.ف
ساحة النقاش