مقدمة
وبعد
أرواحنا ظمأى ورمضان ري هذه الأرواح
وقلوبنا في شوق عظيم لشهر رمضان الكريم
فالحمد لله لذي مَنَّ علينا فأبقانا أحياء حتى أدركنا هذه الأيام المباركة أيام شهر رمضان المبارك
فالمؤمن ينظر الى حياته في الدنيا على أنها مزرعة يزرع فيها هنا ويحصد يوم وقوفه بين يدي الله تعالى
قال ابو الدرداءرضي الله عنه: والله لولا ثلاث ما أحببت البقاء في الدينا :الظمأ لله في الهواجر، والقيام بين يدي الله في جوف الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر
فمن نعمة الله علينا أن بلغنا شهر رمضان أحياء قادرين على العمل الصالح فكم من أهل القبور اليوم من يتمنى أن يعود للحياة ليصلي فيها ركعة أو يصوم يوما فالحمد لله لذي بلغنا رمضان الشهر الكريم الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين وتضاعف الحسنات وتنادي الملائكة ياباغي الخير أقبل وياباغي الشر أقصر فتنشرح صدور المؤمنين وتقبل نفوسهم على طاعة الله تعالى
ـ رمضان يأتي كل عام ونحن أحوج ما نكون اليه
لأن رمضان يعيننا على ازاحة الهموم وعلاج الغموم
همومنا في كل عام كثيرة منها هموم دينية تصيب كل مؤمن حين ينظر حوله في أحوال الأمة الاسلامية ويرى مايحدث من حرب على مقدسات الأمة وخصوصا المسجدالأقصى الأسير
أو هموم دنيوية تركب الانسان نتيجة انشغاله بالدنيا مع قلة زاده للآخرة
وأسباب الهموم كثيرة (راجع كتيب علاج الهموم للشيخ محمد صالح المنجد فرج الله كربه)
ـ فأكثر مايصيب الانسان من الهم من الخوف على الرزق
قال تعالى (الشيطان يعدكم الفقر)
ورمضان جاء ليقوي يقيننا في أن الرزق بيد الله وجاء لينقلنا من مقام الخوف من الفقر والتردد في الانفاق الى مقام اليقين الذي يجعل صاحبه يخرج من ماله ويتصدق فحتى الفقير الذي يقبل زكاة الفطر اذا توفر له مايكفيه لأيام جب عليه أن يخرج زكاة الفطر
في البخاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود مايكون في رمضان حين يأتيه جبريل فيتدارسه القرآن
قد تركب الانسان الهموم لأنه لم يترك شيئا لأولاده من بعده
والقرآن يوصي مثل هذا فيقول (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا)النساء
ورمضان جاء يعيننا على تقوى الله(لعلكم تتقون) كما يعيننا على القول السديد ففي الحديث الشريف(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)
قد تركب الانسان هموم بسبب الديون التي تزايدت عليه
في صحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: " كنت أخدم النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا نزل فكنت أسمعه كثيراً يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وقهر الرجال "،
ومنها ما رواه أحمد والترمذي وصححه الحاكم وحسنه الألباني أن علي بن أبي طالب قال لرجل جاء يطلب أن يعينه في دينه ، فقال له : ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صبير (جبل في اليمن) ديناً لأداه الله عنك ، قل : " اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضل عمن سواك
عن عائشة – رضي الله عنها- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم،
فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم؟
قال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعود فأخلف، أخرجه البخاري)، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وأحمد، وقوله: المأثم المراد الإثم، والمغرم المراد الغرامة، وهي ما يلزم الشخص أداؤه كالدين.
وقد تكون الهموم بسبب الظلم الواقع على الانسان
فيأتي رمضان ليفتح له باب الدعاء لنفسه والدعاء على الظالم فرمضان شهر الفرج
وقد تكون الهموم بسبب مصائب الدنيا
كالأمراض وعقوق الأبناء واعوجاج الزوج أو الزوجة
إن معظم أسباب الهموم تنشأ من أسباب رئيسية أهمها
ضعف يقيينا نحن وقلة فهمنا لطبيعة الحياة الدنيا ثم تخلينا عن هموم الدين
وتخلينا عن مسؤليتنا فأصبحت الدنيا هي أكبر همنا ومبلغ علمنا ومن كانت الدنيا أكبر همه فرق الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأخذ من النيا الا ماكتب له منها
رمضان ياتي ليذكرنا أننا ليست أمة الشهوات والملذات بل أمة رسالة القرآن والدعوة الى الله
رمضان يأتي ليزيد يقننا في الله تعالى وباليقين تنزاح الهموم
كثيرا ما يركب الانسان الهم فاذا قرأ لقرآن أدرك أن هذه هي طبيعة الحياة لكنه لم يفهم حقيقتها والقرآن يذكره بطبيعة الحياة وأنها فانية وليست دار خلود قال تعالى(إعلموا أن الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة )الاية من سورة الحديد
رمضان يأتي ليفتح الباب بيننا وبين القرآن الذي هجرناه طوال السنة فتطمئن قلوبنا بذكر الله (الا بذكر الله تطمئن القلوب)
رمضان يأتي ليقلل انشغالنا بالدنيا وهمومها ولنفتح أعيينا على هموم الآخرة على سكرات الموت على نزول القبر على أهوال يوم القيامة والصراط والميزان وتطاير الكتب وتفرق الناس (ويوم تقوم اساعة يومئذ يتفرقون )
ولو تخففنا من هموم الدنيا وجعلنا همنا الأكبر هوالآخرة لخفت هموما قال ابن القيم رحمه الله: (اذا أصبح العبد وأمسى وليس همه الا الله وحده تحمل الله عنه سبحانه حوائجه كلها وحمل عنه كل ما أهمه وفرغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته،
وان أصبح وأمسى والدنيا همه حمَّله همومها وغمومها وأنكادها ووكله الى نفسه فشغل قلبه عن محبته وكدح كدح الوحوش في خدمة غيره قال تعالى (ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)
أما همومنا الدينية فرمضان يأتي لنقرأ القرآن كثيرا فنزداد يقينا بأن الله تعلى ناصر دينه(هو الذي أرسل رسوله بالدى ودين الحق )الآية
إن أكثر ما يهم المؤمن هو رؤيته لأهل الكفر واستعلائهم في الأرض ورمضان جاء ليجعلنا نكثر من القرآن فنقرأ كثيرا قول الله تعالى (لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد)
الخطبة الثانية
أما بعد
رمضان اذا أحسنا استقباله والعمل فيه خرجنا منه وق انزاحت الهموم وانشرحت الصدور
لكنه يحتاج منا الى رفع همتنا في العمل الصالح وألا نشغل انفسنا بما يريد أهل الشهوات والاعلام الفاسد أن يشغلونا به ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذيت يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما )
ويحتاج رمضان أن نكثر الدعاء بالتوفيق فالطاعة رزق وكما ندعو كثيرا بالرزق ندعو بالطاعة وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اقسم لي من خشيتك ماتحول به بيني وبين معاصيك ومن طاعتك ماتبلغني به جنتك من اليقين ماهتون به عليَّ مصائب الدنيا)
اللهم بارك لنا في رمضان ووفقنا فيه لطاعتك
ساحة النقاش