علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة

 

 

لما ذكرت رأى الدكتور عمر عبد الرحمن فى جواز إخراج القيمة فى زكاة الفطر ، وأنه مدح رأى الأحناف ومن وافقهم فى هذه الفتوى ، قام أخ كريم واعترض على هذه الفتوى ، وهذا حقه وأنا أحترمه وأحترم رأيه ، فالمسائل الفقهية المختلف فيها بين علماء الأمة الإسلامية لا تسبب بغضا ولا فرقة ، بل ولا تأثر فى الود بين المسلمين أدنى تأثير ، لكننى أردت أن أوضح شيئا ، وهو أن سبب أعتراض هذا الأخ الكريم أنه يقول : ( لا قياس مع النص )وهذا مجمع عليه ، وبالتالى قد أخطأ كل من أفتى بجواز إخراج القيمة فى زكاة الفطر ، والحقيقة أننى وجدت عددا من الأخوة تردد نفس الكلام ، فأردت أن أوضح الفرق بين القاعدة الأصولية ( لا قياس مع النص ) و ( القياس على النص ) .
أولا : ( لا قياس مع النص ) هذا كلام صحيح فلا يجوز أن يعارض القياس النص ولا يلغيه ، فالنص مقدم على القياس إجماعا ، كمن يريد أن يعطى البنت نصيبا مساويا لنصيب الولد فى الميراث ، لأن البنت تشترك مع الولد فى أنها ابنه للميت ، فهذا قياس فاسد ، لأنه يعارض النص ، وهو قول الله تعالى : ( للذكر مثل حظ الأنثيين) فهذا القياس يبطل النص ، ويتعارض معه كليا ، فوجب إبطاله ، وهكذا كل قياسا يعارض النص فهو باطل .
أما ( القياس على النص ) فهو القياس الصحيح ، لأنه (لا قياس إلا على نص) فيذكر الفقيه النص وحكمه وعلته ، ثم ينظر فيجد العلة الموجوة فى النص موجودة فى شئ آخر ، ومن المعلوم أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، فيعدى الفقيه حكم الأصل إلى الفرع ، سواء كان هذا الحكم هو الوجوب أو التحريم أوغير ذلك ، ونضرب على ذلك مثالا حتى يتضح الأمر ، نص القرآن الكريم على تحريم الخمر بقوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فجتنبوه ....إلى قوله تعالى فهل أنتم منتهون ) فنظر الفقهاء إلى علة التحريم فوجدوها الإسكار ، ووجدوا هذه العلة موجودة فى النبيذ ، فقاسوا النبيذ على الخمر ، وأعطوه حكم التحريم ، ونفس الموضوع فى مسألتنا ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج فى زكاة الفطر صاعا من تمر أوصاعا من بر أو.... فنظر الأحناف إلى العلة فوجدوها إغناء الفقراء فى هذا اليوم ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اغنوهم عن السؤال فى هذا اليوم ) إذن العلة منصوص عليها ، وهى أقوى أنواع العلة ، فنظروا إلى القيمة ، هل فيها نفس العلة ؟ وهى إغناء الفقراء ، فوجدوها مشتملة على نفس العلة بل وتزيد ، لأنك لو أعطيت الفقير القيمة نقدا لاستطاع أن يشتري القمح إن كان محتاجا إليه أو يشترى شيئا آخر هو أكثر إحتياجا إليه ، وليس فى الحديث نهى عن إخراج القيمة ، فإن كان لك يا أخى أعتراض فقل : إن ( النقد ) أى الأموال لا تقوم مقام الطعام ، ولا يجوز لك أن تقول هنا ( لاقياس مع النص ) إنما يحق لك ذلك لو كان النص هكذا : ( لا يجوز إخراج القيمة فى زكاة الفطر ) فهنا لوقال فقية يجوز إخراج القيمة لكان القياس مصادما للنص ومبطلا له فيكون قياسا باطلا ، أما أن يجيز رسول الله صلى الله عليه وسلم إخراج أنواع من الطعام فى زكاة الفطر ثم يأتى فقية فيقيس عليها شيئا آخرى فليس هذا قياسا مع النص بل هو قياسا على النص أرجو أن يكون قد اتضح الأمر .
ولكن قد يقول قائل لماذا لم يذكر النبى صلى الله عليه وسلم القيمة ؟ 
نقول قد ذكرها وذلك بالقياس ، فالقياس حكم شرعى ، فلا يحق لأحد أن يقول المخدرات غير حرام ، لأنها غير مذكورة فى الكتاب ولا السنة ، نقول له بل مذكورة بالقياس على الخمر ، لأن الله تعالى تعبدنا بالقياس ، وهو من الأدلة الثابتة .
ثانيا : أنه صلى الله عليه وسلم لو ذكر نقودا محددة كدرهم أو عشر (بضم العين) دينار مثلا ، لأدى ذلك إلى اضطراب كبير ، لأن قيمة النقود تتغير من زمان إلى زمان ، انظر إلى قيمة الجنيه المصرى منذ مائة سنة وقيمته الآن ، فالفرق شاسع جدا بين القيمتين .
ثالثا : أن جل التعامل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمبادلة ، وكانت النقود قليلة ، وذلك لأن العرب لم تكن قد صكت نقودا ولا الدولة الإسلامية الوليدة ، إنما عرفت النقود الإسلامية فى الدولة الأموية ، وقد كانوا يجلبون الدنانير والدراهم من الفرس والروم ، فكان إخراج الطعام أرفق لندرة النقد .
والذى أراه والله أعلم أن القياس هنا من نوع القياس الجلى ، الذى تكون العلة فيه فى الفرع أعلى من الأصل ، كما قال الله تعالى : ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) فقد نهى الله تعالى الأبناء أن يقولوا أف للوالدين ، والعلة هى الأذى الواقع على الوالدين ، فالشتم والضرب أكثر أذى للوالدين من التأفف ، فيكونا أشد تحريما ، ويسمى هذا بالقياس الجلى أو القياس الأولوى أي من باب أولى .
فالنقود للفقير أفضل من القمح أو الشعير ، لأنه بالنقود يستطيع أن يشترى القمح أو الشعير إن كان فى حاجة إليهما ، ويستطيع أن يشترى أى شئ هو أكثر إحتياجا له ، وهذا لا يخالف فيه أحد ، لذا تجد كثيرا من الفقراء يبيعون القمح والشعير بنصف الثمن ، لإحتياجهم إلى النقود ، ولو سألت أى فقير أيها أفضل لك القمح والشعير أم النقود ، لقال دون تردد النقود طبعا ، ولا يختلف فى ذلك فقير واحد ، لأن الزمان قد أختلف فمعظم الناس تشترى الخبز من المخابز ، فليس عندها أفران فى البيوت والشقق السكنية ، ثم هناك مشكلة فى طحن القمح ، والشريعة الأسلامية ما شرعها الله إلا لجلب المصالح ودفع المفاسد ، والتيسير على الناس مطلب شرعى ، كما قال الله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . فكان من اليسر والإرفاق بالناس القول بجواز إخراج القيمة فى زكاة الفطر .
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الميسرين لا من المعسرين .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 102 مشاهدة
نشرت فى 28 يوليو 2016 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

353,475