ثبت من الاستقراء التاريخي أن أئمة الأمة الإسلامية وأجلاء علمائها كتب الله عليهم الإبتلاء بالمصائب والمحن فالله عز وجل يقول :" وليُبلي المؤمنين منه بلاءً حسنا " <!--  ويقول : " ولنبولنكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين "<!-- . والرسول( صلى الله عليه وسلم )  يقول : " أشدكم ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " <!-- وتحدّثثنا المصادر الموثوق بها عن محنة ابن الجوزي فمن هو الإمام ابن الجوزى وماهى محنته؟
هو
عبد الرحمن بن على بن جعفر الجوزى ينتهى نسبه إلى خليفة رسول الله أبى بكر الصديق رضى الله عنه
وقد لقب بالجوزى نسبة الى مشرعة الجوز على نهر البصرة أو إلى جوزة كانت فى داره . ولد ببغداد سنة 510 هـ توفى والده وهو ابن 3سنين وتركته أمه لعمته فلما بلغ سن التمييز سلَّمته عمته إلى عالم تقى حمل أمانة تعليمه
وكان ابن الجوزى ذا همة عالية فى التعلم والإقبال على العلم والحفظ
قال عن نفسه :"ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة ويتفرجون على الجسر وأنا فى زمن الصغر آخذ جزءًا من القرآن وأقعد حجزة من الناس فأنشغل بالعلم " قال : وقد كنت فى حلاوة طلبى من العلم ألقى الشدائد ماهو عندى أحلى من العسل لأجل ما أطلب وكنت آخذ معى أرغفة يابسة فأخرج فى طلب الحديث وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء"
وقال : "لقيت مشايخ أحوالهم مختلفة يتفاوتون فى مقاديرهم فى العلم وكان أنفعهم لى فى صحبته العامل منهم بعلمه وإن كان غيره أعلم منه"
قالوا عنه: كان زاهدًا فى الدنيا متقللاً منها وما مازح أحدًا قط ولا أكل من جهة لايتيقن حلها " وكان لطيف الصوت حلو الشمائل رحيمًا لذيذ المفاكهة وكان يراعى حفظ صحته ؛لباسه الأبيض المعطر ونشأ يتيما على العفاف والصلاح"
كان شاعرا وقيل أن شعره كتب فى عشرة مجلدات ومن شعره:
رأيت  خيال الظل أعظم عبرة      لمن كان فى أوج الحقيقة راقٍ
شخوصٌ وأشكالٌ تمرُّ وتنقضى     ونَفْنىَ جميعًا والمُحرك باقٍ
وكان فى الوعظ ليس له مثيل كما قال ابن رجب وقالوا أن مجلسه فى الوعظ يحضره مائة ألف شخص وقال هو: لقد  تاب فى مجالسى أكثر من مائة الف
عصرهعاش ابن الجوزى فى القرن السادس الهجرى حيث شاعت ظاهرة التصوف والعزلة فى المساجد والجبال   وقد تأثر بذلك فى بداية حياته قال : كنت فى بداية الصبوة قد التمست طريق الزهاد بإدامة الصلاة والصوم وحُبِّبت إلى الخلوة" إلا أن علمه وفقهه أوقفه على الطريق الحق ولم يساير ما شاع فى عصره بل هو مؤلف كتاب "تلبيس إبليس"  كشف فيه مداخل الشيطان على الصوفية وغيرهم وكان وقوفه مع الحق وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر سببا فى محنته
- محنة ابن الجوزي
 تحدّثثنا المصادر الموثوق بها عن محنة ابن الجوزي فتقول بأن ابن يونس الحنبلي لما ولي الوزارة , عقد مجلسًا للركن عبدالسلام بن عبد الوهاب وأحرق كتبه لما فيها من الزندقة وعبادة النجوم   , وذلك بمشورةٍ من ابن الجوزي وغيره من العلماء كما انتزع الوزير مدرسة الركن عبدالسلام وسلَّمها الى ابن الجوزي , فلما ولي الوزارة ابنُ القصاب ـ وكان رافضيا أى شيعيا خبيثا ـ سعى في القبض على ابن يونس وتتبع أصحابه وأجَّج الركن عبدالسلام نار الحقد في قلبه على ابن الجوزي مشيرا إلى أنه ناصبيّ وأنه من أولاد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه ,وأنه من أكبر أصحاب ابن يونس ثم وشى به إلى الخليفة الناصر وكان له ميل إلى الشيعة.
واستطاع الركن عبدالسلام أن يأخذ تفويضًا بالتصرف بالشيخ فجاء إلى داره وقذفه وأهانه وأخذه قبضا باليد وختم على داره وشتت أولاده ثم أخذه وعليه غلالة  بلا سراويل وعلى رأسه تخفيفة وأركبه سفينة بقي فيها خمسة أيام لم يتناول طعاما إلى أن أوصله إلى سجنٍ  في واسط حيث دخله سنة 590 هـ , وبقي فيه إلى سنة 595 هـ , أي أن عمره  خلال سجنه قد قارب الثمانين عاما , وظل في سجنه يغسل ثوبة ويطبخ الشيئ  بنفسه دون أن تتاح له الفرصة لدخول الحمام خلال هذه السنوات الخمس وبقي الشيخ على حاله تلك صابرا على ما أنزله الله عز وجل فيه من بلواه محتسبا عنده ثواب عمله , راضيا بقضاء  الله وقدره0  يسليه ربه عز وجل فيدخل عليه بعض الناس ممن يستمعون منه العلم أو يُملي عليهم مسائله فيجد بذلك أُنس قلبه وسلوى نفسه وفي تلك الأثناء  برع ولده "يوسف" في الوعظ حتى وصل إلى مقامات عالية ساعدته معها أم الخليفة التي  كانت تتعصب للشيخ ابن الجوزي  فشفعت فيه عند ابنها الناصر الذي أمر بإعادة الشيخ وأتى إليه ولده يوسف فخرج ونودي له بالجلوس للوعظ
وفاته ولم يعش ابن الجوزي بعدها أكثر من عامين حيث لقي ربه راضيا مطمئنا في يوم الجمعة 12 رمضان عام 597 هـ , وكانت جنازته مهيبة , وأُنزل المدفن والمؤذن يقول الله أكبر }  أ.هـ من كتاب "عبد الرحمن بن الجوزى شيخ الزهاد وإمام الوعاظ " للشيخ محمد محمد عويضة
 



[1]<!--[endif]--> سورة الأنفال الآية : 17
[2]<!--[endif]--> سورة محمد الآية : 31
[3]<!--[endif]--> أخرجه الترمزي وقال حديث حسن صحيح ( سنن الترمذي 4/602. كما  أخرجه ابن حبان والحاكم ابن البديع . تمييز الطيب من الخبيث 21.

<!--
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 920 مشاهدة
نشرت فى 3 مارس 2016 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

292,877