أ

 مع اقتراب شهر رمضان تستعد الأسرة المسلمة للاستفادة من الشهر الكريم
ولأن الأسرة المسلمة قد تربت وتعودت على مبدأ إسلامي عظيم.. هو مبدأ التشاور "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " الشورى.
 فإن أول استعداد لشهر رمضان سيكون بتشاور الأسرة وتحاورها حول كيفية تحقيق أعلى استفادة من هذا الشهر المبارك.. وهنا يبدأ الأب باعتباره القائد البادئ والمحرك في تحديد موضوع التشاور في صورة سؤال:
كيف نستفيد من شهر رمضان أعلى استفادة ممكنة؟
ثم يحدد موعدا ً تجلس فيه الأسرة جلسة صفاء ومشورة تناقش الأفكار وتتحاور فيما بينها.. وتخرج في النهاية بتصور كامل للشهر الكريم وكل ما يتعلق به من مسائل بالتفصيل.
أهمية المشورة في التربية:-
إن أهمية هذه المشورة ليست فقط فيما يخص شهر رمضان وإنما الأب المربى يعتبر هذه المناسبة فرصة هائلة للتربية.. وهذا التشاور يساعد الأسرة في التربية على العديد من المبادئ الهامة الواجبة.
فالتشاور أولا يعطى لكل فرد في الأسرة قيمته ومكانته مهما كان سنه أو ظروفه.. وهذه القيمة لا تتحقق إلا بشرط أن يحترم الأب - كمدير للحوار ـ  كل الآراء .. ويعطى لكل فرد حريته في التعبير ويساوى بين المتحاورين في الفرص.
والتشاور يربى الثقة في النفس وبالتالي يصبح وقاية وعلاجا ً لمرض الخجل ويساعد في معالجة الانطواء
وك1ا يربى في الأبناء الاهتمام والإيجابية والتفاعل والمشاركة والعطاء.
ـ ويربى في الأسرة الروح الجماعية واحترام الجماعة ومراعاة حقوق  الآخرين.
كما ينمى روح الحب والولاء والانتماء للأسرة وبالتالي الانتماء لكل مبادئها وقيمها 
ويعطى الفرصة للابن للإفصاح عن مطالبه الخاصة بطريقة سليمة وبالتالي لا يحتاج إلي الطلب بطريقة فوضوية.
ويطلع كل فرد على حقيقة وضع الأسرة وعلى الجوانب التي تخفى على بعض الأبناء وخصوصا القدرة المادية.. وتختلف وجهات النظر في هذه المسألة.. فبعض الآباء يرى أن اطلاع الابن ومعرفته بحقيقة دخل الأسرة وإنفاقاتها يربى عضوًا مقدرًا  لظروف الأسرة  متحملا لمسؤوليته تجاهها.. بينما يفضل آخرون تربية الأبناء بعيدا عن الإحساس بالمشاكل المادية بالذات حتى لا ينكسر الابن أمام زملائه.
وقد تكون لكل أسرة ظروفها التي تحتم عليها اختيار أحد الاتجاهين:
 فالأم التي تربى أيتاما ً مثلا ً تفضل الرأي الثاني لأن أبنائها في غنى عن أي انكسار أو أي إحساس بالفرق بينهم وبين زملائهم فوق اليتم.
ولكني أرى والله أعلم أن إطلاع الابن على القدرة المادية للأسرة هو الحالة المثالية التي تأتى بنتائج ممتازة في حالة نشأة الابن نشأة سوية بلا مشاكل.
والأب هو الذي يعرف نفسية ابنه فيعرفه ماديات الأسرة بالتدريج حسب عمره وفهمه وحسن تصرفه وإحساسه بالمسؤولية.
أما إذا كان في تقديرنا أن النتائج ستكون عكسية فحجبها أفضل
إن التشاور والحوار بطريقة إسلامية سليمة يعلم الأبناء ويربيهم على آداب الحوار.
ومن أهم هذه الآداب التي يجب أن يتربى عليها الأبناء:
1. إخلاص النية قبل إبداء الرأي فلا يتكلم إلا بنية النصح لله ولرسوله وللمسلمين وأحق  المسلمين بنصحه ورأيه هم أسرته (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).
2. الأسلوب المهذب في إبداء الرأي، واحترام مشاعر الآخرين بلا تجريح ولا تسفيه لرأى
3. سعة الصدر و قبول الرأي المخالف و اعتباره قابلا للأخذ به بعد مناقشته وثبوت صحته وإمكانيته
4. عدم التكرار فإن لم يكن لديه جديد فلا يتكلم
5. عدم التعصب للرأي فالرأي الذي يؤخذ به هو الذي يثبت الحوار مناسبته
6. قبول النقد بغير غضب ولا خجل
7. التواضع فالكبير قد يترك رأيه ويؤخذ برأي الصغير إذا ثبتت صحته
8. وغير ذلك من آداب الحوار
أما فيما يخص رمضان فجلسة حوار بين أفراد الأسرة يمكن أن تعظم ثمرة الصيام وتفتح للأسرة الباب للدخول إلى شهر الصيام بقوة واستعداد وتخرج منه بأعظم استفادة:
1 ـ فالتشاور والحوار حول كيفية الاستفادة من رمضان يعتبر إشعارا ً بدخول رمضان وتمهيدا له  قبل دخوله وهذا التمهيد تنبيه للنفس حتى تستعد وحافز لها وأخذ بيد الضعيف من أبناء الأسر 
2 ـ  كما أن الحوار يوحد تصورنا لهذه المناسبة وكيفية استثمارها أو يقرب بين هذه التصورات  وبالتالي يريح الأسرة من مشاكل قد تظهر خلال الشهر.
فبينما يتصور أحد أفراد الأسرة أن الأفضل أن يتسحروا آخر الليل ثم يناموا حتى الفجر
يرى البعض تأخير السحور إلى قبيل الفجر ويظل هذا التصور كامنا في العقول حتى أول ليلة حيث يبدأ أول سحور فإذا بكل منهم يطالب بما في خياله.. ثم نناقش الأمر منفردا عن بقية تصورنا وبرنامجنا لشهر رمضان ككل.. أو نترك الأم وحدها تواجه المشكلة.. وغالبا ما تضحى وتحرم نفسها من نصيبها من العبادة حلا للمشاكل.. أو نترك كل واحد يتصرف كما يحلو له.
بينما حين نناقش موعد السحور كجزء من برنامج رمضان يقوم الجميع متفقا على ما سيحدث خلال الشهر ويصبح هذا الاتفاق هو رأى الأسرة وليس فرضا لرأى الأب ولا الأم.. وحتى إذا تم الاتفاق على سحور كل بمفرده فهذا قرار الأسرة وليس تصرفا فرديا شاردا عن روح الجماعة.
3ـ إن التشاور والحوار إذا تم بطريقة صحيحة غالبا ما يقود إلى التطوير والتجديد والابتكار.. خصوصا إذا تم  تقييم أدائنا لرمضان الماضي قبل البدء في الاستعداد لرمضان الحالي.
وهذا التقييم من السنة.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أداء الحج: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ... "لفعلت كذا وكذا.. أي لو كنت الآن في بداية هذا الأمر وليس في آخرة لفعلت غير الذي فعلته وهذا تقييم لما حدث سابقا.
4ـ يتيح الفرصة للطلبات الفردية أن تظهر حتى نحترمها ونعمل حسابها في إطار الجماعة فبينما يستريح البعض لتلاوة القرآن في جماعة يحب آخرون أن يتدبروا القرآن بمفردهم.
وكذلك الصلاة قد يطلب بعض الأفراد أن تصلى الأسرة جماعة بينما البعض يطالب أن تترك له فرصة لصلاة ولو ركعتين منفردا ً.
وكذلك فيما يخص الطعام وأنواعه والتشاور هو الذي يظهر لنا هذه الرغبات الفردية فيعمل حسابها بكل تقدير.
ومن هنا يحدث التوازن بين احترام رأى الجماعة وبين تقدير رغبة الفرد فيقوى الولاء والانتماء لهذه الجماعة فضلا عن التوازن في التربية عموما ً.
إن كل ما سبق من ثمرات تطبيق مبدأ الشورى وعمل الأب بقول الله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) سيصل بنا في النهاية إلى أعظم فائدة تفتح الطريق للتقدم نحو نجاح باهر للمشروع الذي نحن بصدده. 
إن أعظم فائدة في نظري من التشاور هي حالة الرضا التي تملأ القلوب فتفيض على جو الأسرة؛ فكل فرد قد عبر عن رأيه، وصحح تصوره بالمناقشة، وأجيبت له بعض طلباته على الأقل ـ إن لم يكن كلها ـ ،وفهم أسباب رفض الباقي منها ،واقترب من القائد، وأثر في القرار، وشارك في عمل جماعي يحبه بفطرته؛ فاستعان وأعان، ورأى فكرته تنفذ عن اقتناع.
 ومن هنا يقبل الفرد وهو راض محب للأسرة وللشهر الكريم راض عن خطته لقضاء الشهر ولا تسل عن انطلاق الإنسان حين يتحرك في كيان وهو محب له، راض عنه ،مشارك في تحديد أهدافه، مؤثرً في قراراته، بل لك أن تستمع أعظم استمتاع وأنت ترى المؤمن في أبهي حالاته الإيمانية الرائعة.  
إن الأسرة ـ كأي جماعة ـ  حين تشارك بكل أفرادها بلا استثناء في التخطيط ثم التنفيذ لمشروع ؛ ثم ينتهي ذلك بالنجاح، ويشارك الجميع في فرحة جني الثمرة؛ فهذا هو الذي يرفع الأرواح إلى عنان السماء وهناك تتعانق كما تتعانق وتتلاحم القلوب وتثمر ثمرات لا نحصيها في كل مجال.
وقبل أن تتشاور الأسرة في كيفية الاستفادة من رمضان كما ينبغي فإن هناك عدة نقاط يجب وضعها في المقدمة وهى:
1ـ تعلم أحكام الصيام فرض.. وهو مسئولية الأب كما هو مسئولية كل بالغ عن نفسه فيجب أن تنظر الأسرة في كيفية تعلم أحكام الصيام:
هل سيُدرِّسها الأب أو أحد أفراد الأسرة من كتاب مبسط ؟
هل من شريط مسجل؟
هل بحضور درس في مسجد ما ؟
هل ؟ هل ؟
2ـ لكل فرد في الأسرة حق في أن ينال فرصته التي ينتظرها في التعبد والصلاة والقرآن وغير ذلك.. بما في ذلك النساء (الأم والبنات).. وإن كانت الأم المؤمنة تتعبد إلى الله بخدمة أسرتها وتفريغ الجميع للعبادة إلا أن من واجب بقية الأسرة إعطاءها الفرصة لتعطى حقوق ربها وقلبها وروحها.. وكل ذلك يصب في صالح الأسرة في النهاية.
إن أخذ الإنسان فرصته في عبادة ربه يمتعه بالسعادة ولا شك أنه إذا سعد أسعد من حوله والعكس صحيح.. لذلك على الأسرة أن تساعد نسائها في اغتنام فرصة الشهر الوحيد في السنة.. وذلك بمساعدة الجميع في أعمال المنزل حينا وهذا عمل صالح (فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، أو بالاعتماد على النفس في كل ما يمكن القيام به، أو تأجيل طلباتنا لحين فراغ الأم أو الأخت أو الزوجة من العبادة ما أمكن.
3 ـ كل ما تشترك فيه الأسرة وسيتغير في رمضان فيجب أن نناقش التغير الذي سيحدث ونتفق عليه مثل مواعيد الطعام ومواعيد النوم.
4ـ تحديد الأدوار وتوزيع المهام وإعطاء كل فرد دورا ً يريح من الخلاف.. وكما أنه يربى على مبادئ كثيرة أهمها العدل والمساواة.
5ـ إصلاح ذات البين وتصفية النفوس يفرغ القلوب للعبادة فعلى الأسرة أن تدخل إلى رمضان بقلوب صافية.
6 ـ إن اجتماع الأسرة ولو على القليل من العبادة له فوائد عظيمة منها التأليف بين القلوب والأخذ، بيد الضعيف، وتنزيل الملائكة وما يصاحبهم من السكينة والرحمة والخشوع في البيت.
7 ـ جلسات التشاور في البيت قد تتشابه مع اجتماعات العمل لكنها تختلف عنها في مناخها العام ففي العمل يحكم الجلسة الجدية والحسم أما البيوت فهي محا ضن تربوية وبيئة اجتماعية وليست مؤسسة إنتاجية لذا فالمرح فيها مطلوب والمرونة واجبة بشرط أن لا تفسد الهدف المطلوب.
8 ـ إن الأسرة قد تكون مثقلة ببعض المشاكل والهموم ورمضان هو فرصتها الغالية لحل بعضها باستثمار روح رمضان.. أو على الأقل بلجوء الأسرة جماعيا ً إلى الله ورفع هذه المشكلة إليه والاستعانة به سبحانه.               
9 ـ على من يدير الحوار أن يُذكِّر في بدايته بآداب الحوار حتى نخرج من الجلسة بالثمرة المطلوبة.
وهكذا يبدو لنا رمضان كمناسبة تربوية عظيمة لتربية أنفسنا وأبنائنا على المبادئ العالية والقيم السامية.. وفرصة ذهبية لإصلاح الأسرة ودفعها للأمام على الطريق إلى الله.. وفى سبيل أداء رسالتها التربوية المقدسة.
فاللهم بلغنا رمضان وأصلح به قلوبنا وبيوتنا آمين.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 204 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2015 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

291,301