من أجمل ما يتربى عليه المؤمن هو أن يجعل أموره كلها لله.. وأن يختار الأحب إلى الله تعالى ويؤثره على نفسه.. فهذه هي العبودية لله تعالى.
هذه العبودية مفتاح خير وشعاع نور يضيء حياة العبد "إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً" "اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ".
وفرق كبير بين أن تصاحب إنسانا يعيش بهواه.. وبين الذي يمشى على نور من الله.
هذا الفرق رأيته وعشته عمليا ً وانتبهت إليه فحمدت الله على صحبة هؤلاء الذين أعطاهم الإيمان نورا يخرجهم من ظلمات المشاكل والخلافات.
رأيت هؤلاء إذا اختلفوا وحدث بينهم ما حدث.. ثم جاء حق الله تعالى أدوا هذا الحق .. حتى وإن كان فيه تنازل أو قيام بعمل تكرهه النفس.
ومن حقوق الله تعالى حقوق العباد التي شرعها الله مثل حق المسلم على المسلم.
تخيل أنك ترى اثنين وقد تشاحنا.. ولكن عطس أحدهما فإذا بالآخر يشمته.. رغم ما بينهما من قطيعة لها أسبابها ومازالت قائمة!
تخيل أنك تعيش مع من يختلفون ويتشاحنون كما يختلف الناس.. ولكن إذا مرض أحدهم فلا عذر لمن يقاطعه في ترك زيارته؟!
إنه إن لم يفعل ويتوجه لزيارته لأمه إخوانه.. فالزيارة حق الله مثل رد السلام وتشميت العاطس هي حقوق لله تعالى الذي شرعها قبل أن تكون حقوقا للعباد؛ والتقصير فيها تقصير في حقوق الله.
ما علاقة ذلك بالعيد وفرصته لإصلاح الأسرة وما فيها من خلاف وخصام وربما هجر؟!!!
أقول إن إنزال النفس وتوطينها على أداء حقوق الله تعالى فرصة لتحريك المياه الراكدة.. وفتح الأبواب المغلقة التي قد يأتي منها الحل بإذن الله.
كيف ذلك؟!!!
دخل العيد والنفس فيها من شريك الحياة ما فيها ولا مكان فيها لأي تسامح أو تصالح أو حتى رغبة في مجرد الكلام.. لقد أغلق ما فعله الزوج الأبواب (كلاهما زوج) وترك النفس جريحة ومملوءة سوادا.. والصدر ضيقا.
في هذه الحالة لن يكون العيد عيدا لن نفرح كما يفرح الناس.
النفس تجيب على هذا الخاطر:
لا مانع وليس مهماً عيد أو غير عيد.. ليس لدى استعداد نفسي لأي جديد خصوصا وكرامتي قد جرحت.. أهم شيء كرامتي.
لكن الأولاد ما ذنبهم؟
ولا أولاد ولا غير أولاد.. يحترق الجميع.. هم السبب فيما نحن فيه!!
وما هو تصورك لهذا العيد كيف سيمر؟
يمر كما يمر ليس لدى تصور .. أو ربما أترك البيت ، أو أقضى اليوم نائما وليحدث ما يحدث !!
وصلاة العيد؟
صلاة العيد ؟؟؟؟ سأصليها ولكن وحدي.. ولن أستطيع أن آخذهم معي!!
هذه إجابات أحدنا وهو في حالة الغضب والعياذ بالله فإذا سألته:
وبقية حقوقهم عليك في العيد؟!!
هنا يأتي المحك وهنا أيضا ستمنح العبودية الجائزة لصاحبها.. بل للأسرة كلها تبعاً له.
إن تحرج من حقوق الله وأصبحت المشكلة عنده هي أن لله حقوقا عليه للأسرة بمناسبة العيد.. ولكن هذه الحالة القائمة من الخصومة والنزاع تمنع من أداء هذه الحقوق.
فكيف يفعل؟
هنا تبدأ الأمور تتحرك.
وتتحرك في اتجاه تحقيق العبودية! وهو في نفس الوقت اتجاه استلهام النور الجديد الذي سيخرج الأسرة من ظلمات المشكلة والشقاق.. كيف؟!
إن كانت في القلب عبودية لله تعالى.. فالعبودية ذل لله مع حب يسرب للقلب نوع خضوع ليس كأي خضوع.
وإنما خضوع لمن يحب.
خضوع للعظمة التي لا يملك العبد أمامها إلا لخضوع.
خضوع يطلبه العبد من ربه في دعائه:
"اللهم لك ذللنى وفيك حببني وعلى صالح خلقي قومني"
هنا لا يجد العبد مفراً من أداء حق الله عليه مهما كان بينه وبين صاحب الحق.
وهنا يتغير الموقف ويبدأ المؤمن في تحمل مسؤوليته وتخطى عقبة الخلاف التي تعوق طاعته وعبادته لربه ومولاه.
هنا سيقوم بحق الله عليه وسينظر في هذا الحق وينشغل كيف يؤديه؟
صحيح في النفس مرارة.. بل هناك رغبة ومحاولة في التفلت من هذا الحق الصعب المر كالعلقم الذي يصيب أصعب شيء في الإنسان وهو كرامته (هكذا يصور الشيطان المسألة وينظرها ويقعدها ويغلفها).. ولكن العبد يظل يروض نفسه ورويدا رويدا يرضيها بحق الله عليها.
وهنا قد بدأت فرصة التصالح تظهر.. خصوصا إذا أدركت الأسرة أن الشقاق هو هدف الشيطان ومطلوبه.. وهو هدف المتربصين بالأسرة من الحاسدين والحاقدين الذين يتابعون أخبارها.
عندما يبدأ الشريك في القيام بواجبه وأداء حق شريكه فقد ظهر وجهه الجميل الذي يختلف عن الوجه الذي أظهرته المشكلة.
عندما يضطر للتشاور مع صاحبه بخصوص العيد والأولاد مثلا فقد بدأت فرصة للتفاهم.
عندما يبدأ بهدية لصاحبه.
عندما يعين صاحبه على أداء دوره.
عندما يزور أهل صاحبه ويهتم بهم.
عندما يحاول إرسال رسالة ود وحب رغم ما حدث.
لا أريد أن أحدد وسائل.. ولكن المهم أن توجد النية.. ثم بعد ذلك كل منا أدرى بالوسائل التي يجتذب بها صاحبه نحو الحل.. ولكن ليس على طريق الساسة والسياسة التي تحكمها اللا أخلاق.. وإنما على أساس النية الخالصة لوجه الله في القيام بحق الله تعالى الذي شرعه وأحبه.
إن الله تعالى يحب من عبده في العيد التواصل والتراحم والتواد والتعاطف والحب لأسرته.. أو عل الأقل الوفاء بحقوقها.
إن الله تعالى قد قدر لكل منا ما يحب وربما بدون دعاء أو طلب؟ صحيح؟
إذا ً فعليه أن يقدم لله ما يحب كما أعطاه الله من قبل ما يحب.. وكان له فيما يحب.. ويسر له ما يحب.
فإذا كانت أمام ذلك عقبة أو مشكلة فلينظر كيف يحلها.. وأن يضحى بما لنفسه إرضاء لربه وليس العكس.
إن الجزاء لذلك عظيم وكثير
تسأله بعد أن تغلب على نفسه وبدأ بكلمة طيبة أذابت جبل الخصام تدريجيا ً:
أين الكلام الذي كنت تقوله من قبل.. لا يمكن .. ولن يحدث .. ولن أستطيع؟
يقول لك: كانت ساعة غضب وكانت المشكلة قد أغلقت على كل الأبواب .. كانت نفسي مظلمة.
والآن؟؟
الآن أنا نفسيتي في السماء.
هل هذه الحالة والسعادة تستحق أن تضحى من أجلها بما ضحيت؟
طبعا وأكثر لكن المشكلة تظلم الطريق.
والعبودية لله تفتح الطريق وتضيئه.
اللهم لا تدع للشيطان علينا في العيد سبيلا وأصلح شأننا كله آمين
ساحة النقاش