اهتزت جنبات السجن بصوت لايُتخيل أنه صوت انسان !!
كانت صرخاته تمزق صمت الجدران .
صوته الرهيب أقام نزلاء العنبر وقوفا على أقدامهم ودفعهم الى أبواب الزنازين يتساءلون مالخبر؟
بعد قليل سُمعت ضجة وصوت أقدام وبيادات كثيرة ...
كالعادة كتيبة من جنود وحراس وقيادات السجن تحيط بهذا المعتقل الجديد فى نشوة وفرح وكأنهم اسروا قائدا من قيادات العدو على خط النار !!
وقف صاحبنا يرقب الموقف من فتحة فى باب زنزانته المغلق منذ شهور ملتفا ببطانيته التى لايضعها عن جسده إلا للوضوء أو التغطى بها فهى الوحيدة التى سلموها له من أجل الغطاء مع أخرى للفرش .
رآهم يدقعون به حافيا شبه عار الا من غياره الداخلى حليق الرأس واللحية ..
وقفوا به أمام زنزانة التأديب القريبة من زنزانته فى الجهة المقابلة لها .
دخل احد الأشقياء الى زنزانة التأديب ليخرج منها أى شىء يمكن أن ينتفع به هذا البطل فأخرج ورقة كرتون كان يمكن ان يستخدمها فرشا او غطاء .
دفعوه الى الداخل ثم أغلقوا الباب بقوة ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم وأيصارهم عنا
هكذا دعا صاحينا ثم أقبل على الضيف الجديد يواسيه واقبل بقية الاخوة يواسون أخاهم ويسمعون منه مالذى جاء يه؟ وماحكايته منذ أن تركهم منذ شهور الى سجن أسيوط ثم عاد إليهم ؟؟
حكى لهم بكل اطمئنان وضحك وضحكوا معه وأنشدوا الأناشيد وتواصوا بالصبر والثيات وبشر بعضهم بعضا بقرب الفرج
أقبل الليل والضيف فى زنزانته الانفرادية لاغطاء ولاقرش والزنزانة هى ثلاجة نعم ثلاجة خصوصا فى هذا الشهر شهر يناير .
دخل الضيف ليستريح وبعد مدة خرج ليتحدث مع أحد من فتحة الباب التى تظهر جزءا من وجهه واذا انحنى ظهرت راسه الحليقة فظهر وقد لبس على راسه قطعة اكير من كف اليد قليلا من كيس أو شيكارة يدفىء بها رأسه العاريه تماما
أحس صاحبنا بالحرج
إن معه قى داخل زنزانته عدد اثنين من البطاطين ولاحسد
أى نعم هو فى كل ليلة يتفنن فى كيفية الاستدفاء بهما فتارة يلتف بالاثنين معا بلاجدوى وتارة يفرش واحدة بعد ثنيها ويتدثر بالأخرى بلا جدوى ايضا لكن فى النهاية هو يملك بطانيتين واخوه لايملك واحدة ولا حتى خيطة من خيوط بطانية قهل ترى من الانصاف ان يتركه هكذا ؟
ولكن ماذا يقعل ؟
إنه إن أعطاه واحدة لاشك انه سيصبح عليه الصباح مريضا لأنه فطعا لن ينام فضلا عن البرد !
ولكن هل يعقل هذا أن ينام نصف عينيه واخوه لن ينام ربع عين ولن يجلس ؟ على الأقل نستوى فى الجلوس لعله ان أخذ إحداهما جلس عليها حتى الصباح !
إذا فليحمل بطاتية وينادى على أخيه ويرسلها له عبر الحبل .
خملها بين يديه لكنه كاد أن يسمع صوتها وكاد ان يرى صورتها وقد نفشت شعرها ودقت صدرها بيدها وسالت دموعها تصرخ : ماذا تريد أن تفعل يامجنون ؟
أُنظر .....
راى نفسه يرتغد من البرد وكاد جسمه يرتعد فعلا ثم راى نقسه وقد اصيخ مريضا يطلب منهم الخروج للطبيب ويرفضون !
ترك البطانية . ووقف وصرفها فهو لن يرسلها لأن حقظ الناس مقدم على حقظ العير هكذا افتى
ذهب ناحية الباب فقفزت الى ذهنه صورة اخيه جالسا ينتفض من البرد وفى الصباح لم يخرج أخوه الي باب الزنزانة مرضا !!إ
ن الانصاف والايثار والخلق والدين والانسانية تحرم ان ينام هو ببطانيتبن وأخوه بلاشىء
توجه الى البطانية لياتى بها ..
ظهرت له من جديد فتركها !
ظهرت صورة أخيه من جديد فحملها
ظهرت بدموعها فتركها
ظهرت صورة اخيه فاراد أن يحسم الأمر بالفقه هل ترى يجب على الانسان حفظ غيره بتلف نفسه ؟
مسالة تحتاج الى بحث لكنه لايجيد الفتوى فيها لكنه قرأ عن الايثار عن الخلق عن الرحمة عن الحب فى الله
لأول مرة يتعرض لهذا الاجهاد من الحيرة !
جرى على البطانية !
خطفها منها !
جرى بها نحو الباب!
سارع ليصرخ مناديا باسم اخيه ليلقيها إليه قبل أن تعاجله ببكائها لكنها كانت اسرع منه !
دفعته الى الخلف !
راى صورته لايستطيع القيام لاستلام طعامه قيتركونه ويمضون .........
سالت دموعه فهى اقوى منه لقد رأى نفسه ضعيفا أمامها ضعف رجل هرم امام شابة فتية تدعى المسكنة وتستعمل ذراعيها
لن يقدر عليها إذا إلا باللجوء الى ربه
لقد أصبح بين حيرتين ونارين وبردين وضميرين وقلبين
نعم ضمير مع رحمته باخيه وضمير مع رخمته بهذا الآخر الذى هو فكلاهما إنسان يستحق الحفظ وليس احدهما اولى من الاخر
هنا هتف قلبه
يارب
إنك ماتركتنى فى حيرة قط
أنت ريه وأنت ربى ورب البرد ورب الدفء
وإنك ترى.. إن ارسلتها إليه صعت
وإن امسكتها ضاع ,
اللهم إنى سأرسلها إليه كما تحب وأنت الذى ترسل الدفء إن شئت صاح مناديا عليه قبل أن يخطفها ويجرى بها نحو الباب
لم يرها هذه المرة !!!
ولكنه اسرع وربط البطانية بالحبل ثم صاح اسحب اسحب
استراح من الحيرة أدرك الوقت الذى قضاه قى هذا الجدل والنزاع االمرهق كثر من ساعة
أمسك البطانية اليتيمة
التف بها مسرورا
فى الصباح
حاججها
هاه ؟؟!!
لقد كانت أدفء ليلة نامها منذ بداية الشتاء
قال اللهم اجعلها حجة لى لاعلى
قلت الان اجعلها يارب حجة له ولنا جميعا وزدنا بها يقينا ينفعنا عند الحاجة اليه آمين
ساحة النقاش