علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة

                                                                   

                                رصيــدنا من الدعــــــــاء :

تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة..

فرصيدك من الدعاء والطاعة أيام  الرخاء ينفعك في الشدة..

ولا تستنفد رصيدك من الدعاء الذي دعوته في الضراء  فتبقى بلا رصيد..

يدعو العبد في شدته فيستجيب الله بعض دعائه ويؤجل بعضه حتى يحين الوقت المناسب للإجابة حسب تقدير الحكيم الخبير، فتنهمر على العبد إجابة دعواته السابقة؛ فإن لم يحافظ على رصيده المدخر نفذ ؛ فلربما حكم القضاء بنزول بلاء فلا يجد له دعاءً يقابله ليرده إلا ما يدعوه العبد من جديد!!

ومعلوم أن القضاء لا يرده إلا الدعاء، وأن القضاء والدعاء يعتلجان بين السماء والأرض إلى أن يرد أحدهما الآخر .

إن العبد قد يظل بين دعاء يدعوه في الشدة وبين استنفاذ له في الرخاء إلا إذا داوم على ادخار دعاء وذكر جديد.. وهذا الدعاء المدخر هو الذي ينفعه عندما يحكم القضاء وينزل الكرب.

يروى أن يونس عليه السلام عندما دعا ربه في بطن الحوت قالت الملائكة: يا رب إن هذا صوت نعرفه أتى من أرض غريبة فأذن لنا أن نغيثه فأذن لهم فنفعه ذكره في الرخاء، ووصله بأهل السماء، وجعل له فيها أولياء؛ يحبونه وينصرونه، ويعرفون صوته؛ فيستأذنون ربهم ويغيثونه.

ولكن يبقى هناك أمر صعب وهو أن الإنسان يقبل بطبعه على الله عندما يقع في المحنة (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً) (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً) فإذا انكشف الضر فما هي الحاجة أو الكرب الذي سيدعو ربه من أجله ؟ ومن هنا تنصرف النفس عن ذكرها ودعائها الذي كان في الضراء (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ) (ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ) .

فعند زوال الكرب وانكشاف الضر تظهر عبودية العبد في إيمانه العميق بأنه فقير إلى ربه في كل حال محتاج إليه في كل نفس وان أنفاسه لا تخرج بطبيعتها وإنما لان الله تعالى يأذن لها ويحركها .

بل إن قلبه الذي بين جوانحه هو لا يملكه؛ وإنما يصرفه ربه ويقلبه سبحانه فيدبر عن الله او يقبل على مولاه بإذنه (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ).

وإذا كان الإنسان لا يخشى إلا الكروب والأهوال؛ فان في مستقبله كرب هو أعظم الكروب، وهول هو اشد الأهوال؛ لا ينجيه منه إلا الله وهو هول يوم القيامة؛ ولكن الإيمان هو الذي يجعل الموت حاضرا مذكورا فئ قلب المؤمن والقيامة قريبة من قلبه.

كما أن المؤمن فقير إلى ربه في أموره الدينية؛ فهو محتاج إليه دائما في أن يوفقه لطاعته، وأن يقربه إليه، وأن يفتح على قلبه، وأن يذيقه برد إحسانه، وأن يحفظ عليه دينه و يثبته على الإيمان.

كل ذلك يجعل المؤمن دائم الدعاء، وله رصيد من الدعاء إلى السماء صاعد مدخر فيها لا ينفد. 

قال ابن القيم : من أفضل ما يُسأل الرب تبارك وتعالى الإعانة على مرضاته وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لحبه معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال " يا معاذ والله انى لأحبك فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " .

فأنفع الدعاء طلب العون على مرضاته، وأفضل المواهب إسعافه بهذا المطلوب. وجميع الأدعية المأثورة مدارها على هذا، وعلى دفع ما يضاده وتيسير أسبابه فتأملها.. وقال شيخ الاسلام ابن تيميه قدس الله روحه: تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته ثم رأيته في الفاتحة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . مدارج السالكين ج1 ص73

وإذا أعطاك ما أعطاك بلا سؤال تسأله أن يجعله عونا لك على طاعته وبلاغا إلى مرضاته ولا يجعله قاطعا لك عنه ولا مبعدا عن مرضاته ولا تظن أن عطاءه كل ما أعطى لكرامة عبده عليه، ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه، ولكن عطاءه ومنعه ابتلاء وامتحان يمتحن بهما عباده قال الله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) اى ليس كل من أعطيته ونعمته وخولته فقد أكرمته، وما ذاك لكرامته علي، ولكنه ابتلاء منى وامتحان له أيشكرني فأعطيه فوق ذلك؟ أم يكفرني فأسلبه إياه؟ وأخول فيه غيره؟؟

وليس كل من ابتليته فضيقت عليه رزقه، وجعلته بقدر لا يفضل عنه فذلك من هوانه علي!! ولكنه ابتلاء وامتحان منى له: أيصبر فأعطيه أضعاف أضعاف ما فاته من سعة الرزق؟؟أم يتسخط فيكون حظه السخط؟؟ . مدارج السالكين ج1

ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل له لم يدم له ذلك؛ بل ينتقل من نوع إلى نوع ومن شخص إلى شخص ويتنعم بهذا في وقت ثم يعذب ولابد في وقت آخر، وكثيرا ما يكون ذلك الذي يتنعم به ويلتذ به غير منعم له ولا ملذ؛ بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الاظفار التي تحكه فهي تدمى الجلد وتخرقه وتزيد في ضرره وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه ومضرة وألم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب . طريق الهجرتين ص 58

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 203 مشاهدة
نشرت فى 29 نوفمبر 2013 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

354,253