علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة

 

 

 

عن أبي سعيد الخدري رضي الله  عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم   قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فلإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم

روايات أخرى للحديث

عن طارق بن شهاب قال : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام اليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة "

فقال: قد تُرِكَ ماهُنالِك.

فقال ابو سعيد: أما هذا فقد قضى ماعليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولك من رأى منكم .............)الحديث

2ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عله قال: (ما من نبيٍ بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بِسُنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالايفعلون ويفعلون مالايؤمَرون

فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ،

ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن،

ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن ،

وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) روامسلم

 

3ـ (إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول : مامنعك إذ رأيتَ المنكر أن تنكره؟

فإذ لَقَّن اللهُ عبدا حُجته قال : يارب رجوتك وفرقت من الناس) أحمد وابن ماجه

فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف} [التوبة: ٦٧] ، وقال سبحانه: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [التوبة: ٧١] . 

فجعل سبحانه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا بين المؤمنين والمنافقين، فدل على أن أخص خصائص المؤمن: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

وهو الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وهو صفة نبينا صلى الله عليه وسلم التي ذكرها القرآن: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} [الأعراف: ١٥٧] ، وهو صفة هذه الأمة وسبب خيريتها وفلاحها: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران: ١١٠] . 

قال مجاهد: (كنتم خير أمة أخرجت للناس على الشرائط المذكورة في الآية) . 

وقال القرطبي: (كنتم خير أمة أخرجت للناس إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) . 

فهذا مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك وما اتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم وكان ذلك سببا في هلاكهم. 

قال النووي: (واعلم أن هذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم، لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته، ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قال: {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: ٤٠] . 

 

قال الإمام الغزالي:إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ولو طُوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة

وقد كان الذي خفنا إن يكون فإنا لله وإنا اليه راجعون

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال النووي: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم "فليغيره" ؛ فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة) . 

وقال: (ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو) . 

قال ابن تيمية في حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما نصه: (وهذا واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على الكفاية، ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره) . 

وقال: (مناط الوجوب هو القدرة فيجب على كل إنسان بحسب قدرته، قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: ١٦] . 

 

أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قسم الإمام الغزالي أركان الحديث عن الأمر بالمعروف النهي عن المنكر الى أربعة أقسام :

1ـ المحتسب 2ـ المحتسب عليه 3ـ المحتسب فيه 4ـ الحسبة

أولا المحتسب (الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر)

من هو المكلف بتغيير المنكر؟

قول النبي صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم) يدل على أن المكلف هو كل مسلم

شروط من يغير المنكر؟

1ـ أن يكون مكلفا أي بالغا عاقلا  لأن غير المكلف لايلزمه أمرولا يجب عليه تكليف وهذ شرط وجوب

هل يجوز تغيير المنكر من الصبي؟

نعم يجوز فالتكليف شرط وجوب وليس شرط صحة قال الإمام الغزالي في الإحياء : (للصبي إنكار المنكر وليس لأحد منعه من ذلك لأن احتسابه من القربات وهو من أهلها كالصلاة وليس حكم احتسابه حكم الولايات حتى يشترط له التكليف )

هل يجوز من غير المسلم؟

لاتجوز قال الغزالي: "الحسبة نصرة للدين ولايكون أهل النصرة من هو جاحد للدين"

اشتراط العدالة

في اشتراط العدالة آراء:

الرأي الأول : تشترط العدالة فيمن يغير المنكر وأدلة ذلك

1ـ قوله تعالى ( أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أنفُسَكُم وأَنتُم تَتلوُنَ الكِتَابَ أَفَلَا تَعقِلُوُن) البقرة

2ـ أن المطلوب من المسلم أن يعمل بما يأمر الناس به ولايخالف قوله فعله ليكون لقوله التأثير المطلوب قال شعيب عليه السلام: (ومَا أُرِيِدُ أَنْ أُخِالِفَكُم إِلىَ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)  هود

الرأي الثاني

العدالة ليست شرطا لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض لايتوقف القيام به على أكثر مما يتطلبه

أما قوله تعالى ( أَتَأمُرُوُنَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم) فالذم على ارتكاب مانهي عنه لابسبب أنه أمر بالمعروف

ـ ولأنه يجب عليه أمران فلا يسقط أحدهما بعدم قيامه بالآخر

قال النووي قال العلماء : ولايشترط في الآمر بالمعروف أن يكون كامل الحال ممتثلا بما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به  فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟

الرأي الثالث

التفصيل قال الدكتور عبد الكريم زيدان في أصول الدعوة

ومع ترجيحنا  عدم اشتراط العدالة في المحتسب من حيث المبدأ إلا أن العدالة لها تأثير في بعض أنواع الحسبة وفي وجوبها أو عدم وجوبها ومن ثم يكون لاشتراط العدالة وجه مقبول ) ثم فصل فقال

ـ الحسبة إذا كانت بالوعظ والإرشاد فإن نفعها المرجو يحصل إذا كان المحتسب  تقيا عدلا وحيث كان نفع الحسبة مرجوا بالوعظ ولاضرر على المحتسب منه كانت الحسبة عليه واجبة فيكون اشتراط العدالة في هذه الحالة مقبولا

 أما إذا كان فاسقا فالغالب أن وعظه لايؤثر ولايفيد وإذا لم ينفع وعظه لم تجب عليه الحسبة

 ـ أما إذا كانت الحسبة بالقوة والقهر فالعدالة ليست شرطا في المحتسب لوجوب الحسبة عليه )

اشتراط العلم يشترط العلم بالحسبة أي بما يمكنه من القيام بالحسبة على وجه صحيح ولا يحدث تغيير المنكر منكرا أكبر منه

قال النووي : " إنما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه وذلك يختلف باختلاف الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا وشرب الخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء )

آداب المحتسب

1ـ الإخلاص فلا ينبغي إلا لوجه الله

2ـ الصبر والحلم قال لقمان لابنه (وَأمُرْ بِالمَعرُوُفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِرْ عَلَىَ مَاَ أَصَابَكَ )

3ـ الرفق

4ـ قطع الطمع فيما في أيدي الناس

ثانيا: المحتَسب عليه

وهو مرتكب المنكر وهو الذي يُحتَسَبُ عليه

شروط المحتسب عليه

( أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكرا وإن لم يكن معصية يحاسب عليها ديانة

وعلى هذا

لايشترط أن يكون بالغا عاقلا

فالمجنون إذا زنى وجب الاحتساب معه

وكذا الصبي إذا شرب الخمر

حتى إذا كان فعله هذا لايعتبر معصية يحاسب عليها ديانةً ) عبد الكريم زيدان

لماذا؟

لأن مقصود الشرع من الاحتساب ازالة المنكر من حياة الناس

قالوا( إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا بصاحبها وإذا أعلنت أضرت بالعامة

الحسبة على غير المسلمين

(ويجري الاحتساب على غير المسلم المقيم في دار الاسلام  ذميا كان أو مستأمنا لأنناوإن أُمِرنا بتركهم وما يدينون إلا أن هذا الترك لهم لايعني تركهم يخرقون نظام الاسلام ويتعاطون ما يناقضه علانية وإنما يعني تركهم وما يعتقدون وما يباشرونه في بيوتهم ومعابدهم من صنوف العبادة أما إذا أعلنوا ما يناقض الاسلام كما لو سكروا في الطريق أو خطبوا يعلنون شتمهم للإسلام فإنهم يمنعون ) عبد الكريم زيدان

الحسبة على الوالدين

قال مالك : ويخفض لهما في ذلك جناح الذل والرحمة

قال الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يُعلِمه بغير عنف ولا إساءة ولايغلظ لع في الكلام وإلا تركه وليس الأب كالأجنبي.

سئل الحسن عن الولد يحتسب علي الوالد؟

قال: يعظه مالم يغضب فإن غضب سكت عنه

وفي حاشية ابن عابدين: إذا رأى منكرا من والديه يأمرهما مرة فإن قبلا فبها وإن كرها سكت عنهما واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه من أمرهما

في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

كنت أدعو أمي الى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعَتْني في رسول الله ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي

قلت: "يارسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ َفدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة"

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهدِ أم أبي هريرة"

فخرجْتُ مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءت الى الباب فإذا هو مجافٍ فسمعت أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء قال فاغتسلتْ ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثن قالت يا أبا هريرة أشهد أن لاإله إلا الله وأشهدأن محمدا عبده ورسوله

قال فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من شدة الفرح

قال :قلت يارسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا

 قال: قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم حَبِّب عُبيدَك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم. المؤمنين فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني ).

( احتساب الابن على والديه يكون ببيان الحكم الشرعي والموعظة الحسنة والتخويف من الله ولا يتعدى ذلك الى المراتب الأخرى من الكلام الغليظ أو الضرب رعاية لحق الأبوة والأمومة) عبد الكريم زيدان

إذن لماذا هذا الاستثناء؟

رعاية لحق الأبوة والأمومة "

لكن هل هذا يعني الإخلال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

قال عبد الكريم زيدان" دون تفريط بواجب  الحسبة" أ.هـ أي أصبح أمامنا أمران تغيير المنكر في كفة ورعاية حق الأبوة والأمومة في كفة وعلينا أن نوازن بينهما

كيف سيكون هذا التوازن بالتأكيد بالبحث عن وسائل بديلة كلها في حدود لاتتعدى المراحل الأولى المذكورة أي على الابن أن يتفنن في وسائل أمر والديه بالمعروف ونهيهما عن المنكر

المحتسب فيه

ماالمقصود بالمنكر؟

قال ابن رجب: "المنكر هو مانهى الله عنه ورسوله لأنه ينكر على فاعله أن يفعله "

قال عبد الكريم زيدان :"كلمة المنكر في باب الحسبة تطلق على كل فعل فيه مفسدة أو نهت عنه الشريعة وإن كان لايعتبر معصية في حق فاعله إما لصغر سنه أو لعدم عقله ولهذا إذا زنى المجنون أو هم بفعل الزنا وإذا شرب الصبي الخمر كان مافعلاه منكرا يستحق الإنكار وإن لم يعتبر معصية في حقهما لفوات شرط التكليف وهو العقل والبلوغ"

شروط المنكر

قال الإمام الغزالي

هو كل منكر موجود في الحال ظاهر من غير تجسس معلوم دون اجتهاد

الشرط الأول أن يكون منكرا

الشرط الثاني أن يكون ظاهرا من غير تجسس

قال الغزالي : فكل من ستر معصية في داره وأغلق بابه لايجوز التجسس عليه

قال ابن رجب : وقوله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم ) يدل على أن الإنكار متعلق بالرؤية

الشرط الثالث : موجود في الحال فهو احتراز عمن فرغ من شرب الخمر فإن المنكر قد انقرض، واحتراز عما سيوجد

الشرط الرابع أن يكون مجمعا عليه غير مختلف فيه خلافا سائغاً

قال الإمام الغزالي: "شروط المنكر أن يكون كونه منكراً معلوماً بغير اجتهاد فكل ماهو محل خلاف فلا حسبة فيه يعني المسائل المختلف فيها بين الأئمة فلابد أن يكون المنكر متفقا عليه"

قال النووي:" ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار فيه"

قال ابن رجب: والمنكر الذي يجب إنكاره ماكان مجمعا عليه فأما ماكان مختلفا فيه فمن أصحابنا من قال : لايجب إنكاره على من فعله مجتهدا فيه أو مقلدا تقليدا سائغاً

رابعاً: الاحتساب

المقصود بالاحتساب

(نريد بالاحتساب القيام فعلا بالحسبة كأن يأمر المحتسب بفعل معين بكيفية معينة او يزيل منكره كأن يكسره او يمزقه او يتلفه او يدفع صاحب المنكر بيده وبالقوة عما هو فيه ) اصول الدعوة

مايتم به الاحتساب

(الاحتساب الكامل يتم بإزالته تماما ومحوه فعلا ) اصول الدعوة

درجات تغيير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الدرجة الأولى : التعرف

ونعني به طلب المعرفة بجريان المنكر وذلك منهي عنه وهو التجسس فلا ينبغي أن يسترق السمع على غيره ليسمع ولا أن يستنشق ولا أن يمس ما في ثوبه ليعرف ولا أن يستخبر من جيرانه ليخبروه بما يجرى في داره نعم لو أخبره عدلان ابتداء من غير استخبار فله إذ ذاك أن يدخل داره

 الدرجة الثانية : التعريف فإن المنكر قد يقدم عليه المقدم بجهله وإذا عرف أنه منكر تركه فيجب تعريفه باللطف  من غير عنف

الدرجة الثالثة : النهي بالوعظ والنصح والتخويف بالله

وههنا آفة عظيمة وهي أن يرى العالم عند التعريف عِزَّ نفسه بالعلم وذل غيره بالجهل فربما يقصد بالتعريف الإذلال وإظهار التميز بشرف العلم فإن كان الباعث هذا فهذا المنكر في نفسه أقبح من المنكر الذي يعترض عليه ومثال هذا المحتسب مثال من يخلص غيره من النار بإحراق نفسه

الدرجة الرابعة: السب والتعنيف بالقول الغليظ وذلك يعدل إليه عند العجز عن المنع باللطف وظهور مباديء الإصرار والاستهزاء بالوعظ والنصح وذلك مثل قول ابراهيم عليه السلام (أُفٍ لَكُم ولِمَاتَعبُدُوُنَ مِن دُوُنِ اللهِ أَفَلَا تَعقِلُوُن) كقوله: يا أحمق.. يا جاهل .. ألا تخاف الله؟ ياغبي.

ولهذا الرتبة أدبان:

أحدهما: أن لايقدم عليها إلا عند الضرورة والعجز عن اللطف

الثاني أن لاينطق إلا بالصدق ولايسترسل فيه لسانه الطويل بما لايحتاج إليه

الدرجة الخامسة: التغيير باليد وذلك ككسر الملاهي وإراقة الخمر وفي هذه الدرجة أدبان:

أحدهما: أن لا يباشر بيده التغيير مالم يعجز عن تكليف المنكر عليه ذلك فإذا أمكنه أن يكلفه اراقة الخمر فلا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه

الثاني: أن يتقتصر في طريق التغيير على القدر المحتاج اليه فإن زيادة الأذى فيه مستغنىً عنه

الدرجة السادسة: التهديد والتخويف كقوله: "دَعْ عَنك هذا أو لأضربنك" والأدب في هذه الرتب أن لايهدده بوعيد لايجوز له تحقيقه

الدرجة السابعة: الضرب باليد وغير ذلك مما ليس فيه شهر سلاح وذلك جائز بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة في الدفع فإذا اندفع المنكر فينبغي أن يكف ) إحياء علوم

أمر الأمراء والحكام  بالمعروف ونهيهم عن المنكر

في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة فإذا صلى صلاته قام فأقبل على الناس وهُم جلوسٌ في مصلاهم فإن كان له حاجةٌ بِبَعثٍ ذكر ذلك للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها

 وكان يقول: تصدقوا تصدقوا. وكان أكثر من يتصدق النساء ثم ينصرف

فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم فخرَجْتُ مخاصراً مروان حتى أتينا المصلى فإذا "كَثيِرُ بن الصَلْت" قد بنى منبرا من طين ولَبِنٍ؛ فإذا مروان ينازعني يده كأنه يَجُرُّ بي نحو المنبر وأنا أجرُّه نحو الصلاة

فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة؟

قال: لا يا أباسعيد فقد تُرِكَ ماتعلم.

قلت : كلا والذي نفسي بيده لاتأتون بخيرٍ مِمَا أعلم (ثلاث مرار ) ثم انصرف.

قال النووي: وفيه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان المنكَر عليه والياً.

وفيه أن الإنكار عليه باليد لمن أمكنه ولايُجزي عن اليد اللسان مع إمكان اليد ) صحيح مسلم بشرح النووي كتاب صلاة العيدين

قال النووي في شرح صحيح مسلم :" وقد يقال : كيف تأخر سعيد عن إنكار المنكر حتى سبقه إليه هذا الرجل؟

وجوابه أنه يحتمل أن أبا سعيد لم يكن حاضراً أول ماشرع مروان في أسباب تقديم الخطبة فأنكر عليه الرجل ثم دخل ابوسعيد وهما في الكلام،

ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضرًا من الأول ولكنه خاف على نفسه أو غيره حصول فتنة بسبب إنكاره فسقط عنه الإنكار ولم يخف ذلك الرجل شيئا لاعتضاده بظهور عشيرته أو غير ذلك .

أو أنه خاف وخاطر بنفسه وذلك جائز ومثل هذا بل مستحب .

ويحتمل أن أبا سعيد هَمَّ بالإنكار فبدره الرجل وعضَّده أبو سعيد) شرح حديث من رأى منكم منكرا للنووي ص86

إذا يتضح من كلام الإمام النووي ان أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر واجب في أصله مع مراعاة مافي ذلك من تفاصيل في الدرجات المتبعة لا في أصل الحكم

قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم:

قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس: آمر السلطان بالمعروف  وأنهاه عن المنكر؟

قال: إن خفتَ أن يقتلك فلا.

ثم عدت فقال لي مثل ذلك

ثم عدت فقال لي مثل ذلك وقال: وإن كنتَ لابد فاعلاً ففيما بينك وبينه "

وقد ذكرنا حديث ابن مسعود الذي فيه ( يخلف من بعدهم خلوف فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ...)الحديث

وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد

والتغيير باليد لايستلزم القتال وقد نص على ذلك أحمد فقال "التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح وحينئذ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات مثل أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم ونحو ذلك أو يبطل بيده ما أمروا به من المظالم إن كان له قدرة على ذلك "

وكل هذا جائز وليس هو من باب قتالهم ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه فإن هذا أكثر مايخشى منه أن يقتل الآمر وحده وأما الخروج عليهم بالسيف فيخشى منه الفتن التي تؤدي لسفك دماء المسلمين

نعم إن خشي  من الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذى أهله أوجيرانه لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره )أ.هـ

 

ما الإشكال في أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر؟

مادام المحتَسب عليه هو كل من يرتكب المنكر فما الإشكال والاستثناء في حالة ارتكاب الأمير أو الحاكم للمنكر؟

1ـ إثارة الفتن وذلك بأن يغضب من أجل الحاكم أتباعه وأشياعه فيثورون ضد من يحاول تعيير منكره فيجتمع من هنا وهناك من يتقاتلون

2ـ إلحاق الضرر وهنا حالتان:

أـ الضرر بمن يُغَيِّر وحده

ب ــ الضرر بمن يغير وبغيره من أهله أو جيرانه أو غيرهم

3ـ إضعاف هيبة السلطان

 4 ـ الافتئات على السلطان وانتزاع بعض سلطاته

قال الإمام الغزالي (أمر الأمراء والسلاطين ونهيهم عن)

قد ذكرنا درجات الأمر بالمعروف وأن أوله التعريف وثانيها الوعظ والجائز من ذلك مع السلاطين المرتبتان الأوليان التعريف والوعظ وأما المنع بالقهر فليس ذلك لآحاد الرعية مع السلطان فإن ذلك يحرك الفتنة ويهيج الشر ويكون ما يتولد منه من المحذور أكثر

وأما التخشين في القول كقوله ياظالم يامن لايخاف الله ومايجري مجراه فذلك إن كان يحرك فتنة يتعدى شرها الى غيره لم يجز

وإن كان لايخاف إلا على نفسه فهو جائز بل مندوب إليه

فقد كان من عادة السلف التعرض للأخطار والتصريح بالإنكار من غير مبالاة بهلاك المُهجة والتعرض لأنواع العذاب لعلمهم بأن ذلك شهادة .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب ثم رجل قام الى إمام فأمره ونهاه في ذات الله فقتله على ذلك ) أخرجه الحاكم وقال صحيح الاسناد

وقال: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"أخرجه ابو داوود والترمذي وحسنه

ولما علم المُتصَلِّبون في الدين أن أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر، وأن صاحب ذلك إذا قُتِل فهو شهيد كما وردت به الأخبار قدموا على ذلك موطنين أنفسهم على الهلاك ومحتملين أنواع العذاب وصابرين عليه في ذات الله تعالى ومحتسبين لما يبذلونه من مهجهم عند الله )

و نقتصر الآن على حكايات يعرف وجه الوعظ بها وكيفية الإنكار عليهم:

ـ خطب عبد الملك بن مروان قبل صلاة العيد فقال له رجل إنما الخطبة بعد الصلاة فقال عبد الملك: أترك ذلك يافلان فقال أبو سعيد الخدري :اما هذا فقد قضى ماعليه قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا.......) الحديث

ـ روي عن الأصمعي قال: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره وحوله الأشراف من كل بطن وذلك بمكة وقت حجه في خلافته

فلما بصر به قام إليه وأجلسه على السرير وقعد بين يديه وقال له : يا أبا محمد ماحاجتك؟

فقال : يا أمير المؤمنين اتقِّ الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة،

واتق الله في أبناء المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس.

واتقِّ الله في أهل الثغور فإنهم حصن الاسلام

وتفقَد أمور المسلمين فإنك وحدك المسؤل عنهم

واتقِّ الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولاتغلق بابك دونهم

فقال له :أجل أفعل

ثم نهض وقام فقبض عليه عبد الملك فقال :يا أبا محمد إنما سألتنا حاجة لغيرك وقد قضيناها فما حاجتك أنت؟

فقال: مالي إلى مخلوق حاجة ، ثم خرج

فقال عبد الملك: هذا ـ وأبيك ـ الشرف   

ـ بعث الحجاج الى الحسن البصري فلما دخل عليه قال: أنت الذي تقول : قاتَلَهم الله قَتَلوا عباد الله على الدينار والدرهم؟

قال: نعم .

قال: ماحَمَلك على هذا؟

قال :ما أخذ الله على العلماء من مواثيق ليبيننه ولايكتمونه

قال: ياحسن أمسِك عليك لسانك وإياك أن يبلغني عنك ما أكره فأفرق بين رأسك وجسدك ) إحياء علوم الدين ربع العادات كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 

 

مسائل

قال النووي : لايسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لايتغير في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين وقد قدمنا أن الذي يجب الأمر والنهي لا القبول وكما قال الله عز وجل (ماعلى الرسول الا البلاغ)

ومثل العلماء هذا بمن يرى إنسانا في الحمام أو غيره مكشوف بعض العورة ونحو ذلك والله أعلم

 

 

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 37 مشاهدة

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

354,363