الصيام يحرر المؤمن من عبوديته للشهوة والهوى والنفس ومن طاعته للشيطان وهذا هو أصل الحرية ومنشأها
فالحر هو الذي لا تتحكم فيه شهوة ولا تسيطر عليه عادة ولا يخضع لهوى
والعبد هو الخاضع لشهوته وهواه وهذا هو الذي لايسعد في حياته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ، إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ. ) رواه البخاري
قال العلماء في شرح الحديث :
"أشْقَى النَّاسِ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَه هَواهُ وشَهوَتَه، فيَكونُ عَمَلُه كُلُّه لِتَحصيلِ هذه الشَّهوةِ وطَلَبِها؛ فهو تارِكٌ مَا خُلِقَ لِأجْلِه، وهو عِبادةُ اللهِ تَعالى، مُتمَسِّكٌ بتَحصيلِ شَهَواتِه بغَيرِ رِضا اللهِ تَعالى، فهو مُضَيِّعٌ لِآخِرَتِه بدُنياه.
وأسعَدُ الناسِ مَن عاشَ للهِ عَزَّ وجَلَّ، طالِبًا رِضاه، وما أعَدَّه سُبحانَه لِلصَّالِحينَ مِن عِبادِه.
وفي هذا الحَديثِ تَحذيرٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِكُلِّ مُؤمِنٍ مِن أنْ يَكونَ عَبدًا لِشَهَواتِه، وحَثٌّ على أنْ يَعيشَ المُؤمِنُ حَياتَه للهِ، وفي سَبيلِه سُبحانَه. فيَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «تَعِسَ عَبدُ الدِّينارِ، وعَبدُ الدِّرهمِ، وعَبدُ الخَميصةِ»،
تعس يَعني: عَثُرَ وسَقَطَ على وَجْهِه،
والخَميصةُ: كِساءٌ أسوَدُ مُربَّعٌ، له خُطوطٌ، وسَبَبُ الدُّعاءِ عليه أنَّه: إنْ أُعطيَ مُرادَه مِنَ المالِ واللَّذَّاتِ رَضيَ عنِ اللهِ تَعالى، وإنْ مُنِعَ كانَ ساخِطًا غاضِبًا. ويُكَرِّرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدُّعاءَ لِلتَّنفيرِ مِنَ الاتِّصافِ بمِثلِ هذه الصِّفةِ،
فيَقولُ: «تَعِسَ وانْتَكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انْتُقِشَ»، أي: تَعِسَ وانقَلَبَ على رَأْسِه، وهو دُعاءٌ عليه بالخَيبةِ والخُسرانِ، وإذا أصابَتْه شَوكةٌ فَلا قَدِرَ على إخراجِها بالمِنقاشِ، ولا خَرَجتْ، والمُرادُ أنَّه إذا أُصيبَ بأقَلِّ أذًى لا يَجِدُ مُعينًا على الخَلاصِ منه.
ـ الشهوات هي ثغرات ومداخل يدخل منها أعداء المؤمن من شياطين الانس والجن للسيطرة عليه واستدراجه للتنازل عن غاياته ومقاصده العالية السامية ليراعي شهواته ومصالحه العاجلة التافهة
الحرية عكس العبودية والعبودية هي الطاعة المطلقة بحيث لاتكون للعبد إرادة إلا إرادة معبوده
ورمضان يعمق في نفوس المؤمنين التوحيد الذي يعني أنه لاعبو دية الا لله ولا طاعة في معصية الله ولا طاعة إلا في المعروف
فإذا أُمر الإنسان بمعصية الخالق فلا طاعة
ولا يجروء الإنسان على مخالفة من يأمره إلا إذا كان قادرا على الاستغناء عما في يده
والصيام هو الذي يدرب الإنسان على الاستغناء عن شهواته لأنه سيحتاج إلى هذا الاستغناء والترك
ولا يمكن لإنسان أن يكون حرا إلا إذا كان حرا في داخله من قيود الشهوة قال ابن تيمية :" الأسير من أسره هواه والمحبوس من حبسته شهوته". لذلك احتار أعداء ابن تيمية فيه فهو يحبس ثم يفرج عنه فيعود إلى كلمة الحق ولا يتخلى عنها
العبد يشعر في داخله أن في رقبته قيد بيد غيره وهو لا يملك إلا أن ينقاد له ويخضع ويتوجه كما يوجهه لماذا
لأنه لا يستطيع أن يعيش بدون سيده الذي يعتمد عليه في حاجاته
والصيام يدرب الإنسان على الاستغناء عن هذه الشهوات كما يوثقه في قدرته على عمل شيء وانجازه وهو الصيام وليس كما يتوهم أنه غير قادر على شيء
إن الحرية الحقيقية تبدأ وتنبع من هنا
فالأسرة التي ترغب في تربية أبناءها أحرارا عليها بتربيتهم على الصيام
فالشعوب التي تطالب بالحرية ولكن في وجدانها شعور بالفقر والحاجة الى ما في يد غيرها لا يمكن أن تصل إلى الحرية
إن رمضان يحدد الخطوة الأولى لنيل الحرية وهي تحرير الإنسان نفسه من قيد الشهوات
ساحة النقاش