أي الأعمال أفضل؟                                                                            
هذا سؤال يشغل العبد الصادق كما شغل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسأله كثير منهم هذا السؤال فأجاب صلى الله عليه وسلم إجابات مختلفة والآن نريد أن نصل إلى أساس لاختيار أفضل الأعمال وانفعها للعبد وأحقها بالإيثار والاختيار او بمعنى آخر أحب الأعمال إلى الله , وقد أورد ابن القيم في كتابه مدارج السالكين أربعة آراء أو طرق لأربعة أصناف من المؤمنين حاولوا  واجتهدوا وعملوا للوصول إلى أفضل العبادات:
* الصنف الاول : عندهم أنفع العبادات وأفضلها أشقها على النفوس وأصعبها.. قالوا: لأنها أبعد الأشياء عن هواها وهو حقيقة التعبد، والأجر على قدر المشقة، وإنما تستقيم النفوس بذلك .
الصنف الثانى : قالوا :أفضل العبادات التجرد والزهد في الدنيا والتقلل منها غاية الإمكان .
الصنف الثالث : رأوا آن نفع العبادات وأفضلها ما كان فيه نفع متعد فرأوه أفضل من ذي النفع القاصر، فرأوا خدمة الفقراء، والاشتغال بمصالح الناس ،وقضاء حوائجهم، ومساعدتهم بالمال، والجاه، والنفع أفضل فتصدوا له، وعملوا عليه، واحتجوا: بأن عمل العابد قاصر على نفسه وعمل العالم نفعه متعد إلى الغير ولهذا كان فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلى ابن أبى طالب " لان يهد الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " رواه البخاري ومسلم.
* وقال " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا " رواه مسلم وقال "إن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير"، وصاحب العبادة إذا مات انقطع عمله وصاحب النفع لا ينقطع عمله ما دام نفعه، والأنبياء إنما بعثوا للاحسان إلى الخلق وهدايتهم ونفعهم في معاشهم ومعادهم لم يبعثوا بالخلوات والانقطاع عن الناس والترهب ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أولئك النفر الذين هموا بالانقطاع للتعبد وترك مخالطة الناس .
* الصنف الرابع : ورأيهم هو أصح الآراء قالوا :
إن أفضل العبادة:العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته فأفضل العبادات في وقت الجهاد الجهاد وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار.
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.
والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار.
والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل الإقبال على تعليمه والاشتغال به .
والفاضل في وقت الأذان ترك ما هو فيه من وروده والاشتغال بإجابة المؤذن .
والأفضل في وقت الصلوات الخمس الجد في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت والخروج إلى الجوامع .
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج الى المساعدة بالجاه آو البدن أو المال الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك .
والأفضل في وقت قراءة القرآن جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه كأن الله تعالى يخاطبك به فتجمع قلبك على فهمه وتدبره والعزم على تنفيذ أوامره .
والأفضل فى وقت الوقوف بعرفه الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك .
والأفضل وفى أيام العشر من ذي الحجة الإكثار من التعبد لا سيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين .
والأفضل فى العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم حتى انه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء .
والأفضل فى وقت مرض أخيك المسلم أو موته عيادته وحضور جنازته وتشييعه وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك الصبر مع خلطتك بهم دون الهرب منهم فان المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم .
فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضات الله في ذلك الوقت والحال والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه .
وأهل هذا الرأي هم أهل التعبد المطلق وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت فمدار تعبده عليها فهو لا يزال متنقلا فى منازل العبودية. كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها ، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره .
• فإن رأيت العلماء رأيته معهم
• وإن رأيت العباد رأيته معهم
• وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم
• وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم
• وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم
• وإن رأيت أرباب اجتماع القلوب وعكوفها على الله رأيته معهم
 فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم ولم تقيده القيود ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه فهذا هو المتحقق بـ "إياك نعبد وإياك نستعين" حقا القائم بهما صدقا .
ملبسه ما تهيأ ،
 ومأكله ما تيسر ،
 واشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته ،
 ومجلسه حيث انتهى به المكان ووجده خاليا ؛
 لا تملكه إشارة... ولا يتعبده قيد... ولا يستولى عليه رسم.. , حر.. مجرد... دائر مع الأمر حيث دار..يدين بدين الآمر حيث توجهت ركائبه ،ويدور معه حيث استقلت مضاربه.. يأنس به كل محق... فيستوحش منه كل مبطل... كالغيث: حيث وقع نفع، وكالنخلة:  لا يسقط ورقها، وكلها منفعة ... حتى شوكها.!!.. وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله، والغضب إذا انتهكت محارم الله ؛ فهو لله.. وبالله.. ومع الله .
قد صحب الله بلا خلق   ، وصحب الناس بلا نفس .
فواهًًًَا له ما أغربه بين الناس!!!... وما أشد وحشته منهم!!!، وما أعظم انسه بالله ، وفرحه به، وطمأنينته وسكونه إليه أ. هـ باختصار من كتاب مدارج السالكين ج1.
ولابن القيم جزاه الله عنا خيرًا تعبير آخر عن نفس المعنى أهديه إليك مختصرا اخى المسلم الحبيب لجمال أسلوبه وللتأكيد على نفس المعنى قال:
الطريق إلى الله واحد ولكن مراضيه متعددة متنوعة بحسب الأزمان والأماكن والأشخاص والأحوال وكلها طرق مرضاته فهذه التي جعلها الله لرحمته وحكمته كثيرة متنوعة جدا لاختلاف استعدادات العباد وقوابلهم ولو جعلها نوعا واحدا مع اختلاف الأذهان والعقول وقوة الاستعدادات وضعفها لم يسلكها إلا واحد بعد واحد ولكن لما اختلفت الاستعدادات تنوعت الطرق ليسلك كل امرئ إلى ربه طريقا يقتضيها استعداده وقوته وقبوله .
• فمن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي يعد سلوكه إلى الله طريق العلم والتعليم ؛قد وفر عليه زمانه مبتغيا به وجه الله، فلا يزال كذلك عاكفا على طريق العلم والتعليم حتى يصل من تلك الطريق إلى الله، ويفتح له فيه الفتح الخاص ،أو يموت في طريق طلبه فًٌٌََُُيرجى له الوصول الى مطلبه بعد مماته .
• ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر وقد جعله زاده لمعاده ورأس ماله لماله فمتى فتر عنه أو قصر رأى انه قد غبن وخسر .
• ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة فمتى قصر فى ورده منها ضاق عليه صدره وأظلم عليه وقته .
• ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدى كقضاء الحاجات ,وتفريج الكريات، وإغاثة اللهفان، وأنواع الصدقات، قد فتح له في هذا، وسلك منه طريقا إلى ربه .
• ومن الناس من يكون طريقه الصوم فهو متى إفطر تغير عليه قلبه وساءت حاله.
• ومنهم من يكون طريقه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قد فتح الله له فيه ونفذ ومن الناس من يكون طريقه تلاوة القرآن وهى الغالب على أوقاته وهى أعظم أوراده .
• ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج والاعتمار .
• ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق وتجريد الهمة ودوام المراقبة ومراعاة الخواطر وحفظ الأوقات.
• ومنهم جامع المنفذ
•  السالك إلى الله في كل واد
•  الواصل إليه من كل طريق
فهو جعل وظائف عبوديته قبلة قلبه ونصب عينه يؤمها أين كانت ويسير معها حيث سارت قد ضرب مع كل فريق بسهم فأين كانت العبودية وجدته هناك
 إن كان علم وجدته مع أهله... أو جهاد وجدته في صف المجاهدين... أو صلاة وجدته في القانتين...أو ذكر وجدته في الذاكرين... أو إحسان ونفع وجدته في زمرة المحسنين...أو محبة ومراقبة وإنابة إلى الله وجدته في زمرة المحبين المنيبين.!!!!
لو كشف له الغطاء عن ألطافه، وبره ،وصنعه له من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم لذاب قلبه محبة له، وشوقا إليه، ويقع شكرا له، ولكن حجب القلوب عن ذلك إخلادها إلى عالم الشهوات والتعلق بالأسباب.
يدين بدين العبودية أنى استقلت ركائبها ويتوجه إليها حيث استقرت مضاربها لو قيل له: ما تريد من الأعمال؟؟؟ لقال: أريد أن أنفذ أوامر ربى حيث كانت، وأين كانت؛ جالبة ما جلبت، مقتضية ما اقتضت، جمعتني أو فرقتني  . . . ليس لي مراد إلا تنفيذها، والقيام بأدائها ،
 مراقبا له فيها. ..عاكفا عليه بالروح، والقلب، والبدن، والسر،
 قد سلمت إليه المبيع منتظرا منه تسليم الثمن
 "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة "التوبة .
 فهذا هو العبد السالك إلى ربه النافذ إليه حقيقة ومعنى النفوذ إليه: أن يتصل به قلبه ، ويعلق به تعلق المحب التام المحبة بمحبوبه
 فيسلو به عن جميع مطالب سواه
فلا يبقى في قلبه إلا محبة الله وأمره وطلب التقرب إليه أ هـ باختصار من كتاب طريق الهجرتين.
ولابن القيم جزاه الله عنا خيرا استطراد جميل رائع المعنى والمبنى فدعني أتحفك به يقول:
فإذا سلك العبد إلى هذا الطريق ؛عطف عليه ربه فقربه ، واصطفاه،  وأخذ بقلبه إليه ، وتولاه فى جميع أموره ، في معاشه، ودينه ،وتولى تربيته أحسن وأبلغ مما يربى الوالد الشفيق ولده؛ فإنه سبحانه القيوم المقيم لكل شيء من المخلوقات طائعها وعاصيها فكيف تكون فيوميته بمن أحبه وتولاه وآثره على ما سواه ورضي به من الناس حبيبا وربا ووكيلا وناصرا ومعينا وهاديا .
أخيرا أخي الحبيب ها أنا قد نقلت إليك ميراثا ورثه عالم آتاه الله فهما لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فنفع به كثيرا من خلقه وبقى علينا العمل فادع الله لي كما ادعوا لك الآن بالتوفيق إلى ما يحبه ويرضاه آمين

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 39 مشاهدة

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

294,209