سارع أمن المحكمة بالنداء علينا للخروج للعودة الى السجون
كان المتوقع ان يتم التفريق بيننا فور النطق بالحكم وكنا متحسبين لهذه اللحظات التي طالما حاولت ان تمر على الخيال لكنه لم يكن ليسمح لها بمجرد المرور لظلمتها وبشاعتها.
فوجئتا بعودتنا الى السيارات كما جئنا وبالتالي ها قد عدنا سويا وكنا نتوقع التفريق المروع بيننا ؛ عدنا ومعنا أحياء جدد كتبت لهم الحياة وهم الاثنا عشر رأسا من رؤسنا وقلبا من قلوبنا وروحا من أرواحنا .
وكانت هذه مِنَّة أخرى من الله تعالى علينا.
كان الطريق من المحكمة الى السجن مشحونا بالمشاعر والأشجان والدموع والحديث بالعبر؛
ـ حُكم اليوم بعشر سنين على مجموعة كانت قد انشقت وشاكست معنا كثيرا لتثبت اختلافها ووعِدوا بالخروج لكنهم صدموا بالحكم!
وهكذا أخذنا نتأمل الأحكام وما فيها من عبر لاتكاد تصدق.
بقي التوقع الآخر وهو أن يمنع الحاصلون على البراءة من دخول السجن ويتسلموا أماناتهم من البوابة ليخرجوا ولكن فوجئنا بعد الوصول بدخولنا جميعا معا!
المنة الأخرى من الله تعالى أننا فوجئنا بحالة مختلفة تماما عن كل ماسمعناه من قبل من أعراف السجون في مثل حالتنا هذه.
لم نجد قوة الحراسة المعتادة التي كنا نُستقبل بها والتي توقعنا أن تستقبل المحكوم عليهم ليؤخذوا من البوابة بقسوة الى زنازينهم الجديدة المشددة ليبدأوا معهم مرحلة جديدة من الشد والقمع.
وجدنا كثيراً من الضباط في حالة من الاستياء وان كان بعضهم قد هنأنا بالحكم بتكلف شديد والاغلب منهم توارى عن استقبالنا المعتاد .
بعد دخولنا كان وضعا استثنائياً فقد سمحوا لنا بالانتقال بين العنبرين التجربة والتأديب كما نحب ـ وهو ما لم يحدث من قبل ـ فجلسنا وقضيتا معا يوما كان ممزوجا بالسعادة والبكاء معا ..
السعادة لبقاء أرواحنا وهم مشايخنا الذين قضينا معهم هذه الفترة الذهبية في حياتنا .
والحزن والبكاء لألم الفراق بين الآباء والأبناء الذين تعلموا منهم كل جميل وكفى بذلك أبوة.
بكينا جميعا في هذا اليوم بكاء لم نبكه من قبل فقد كانت الدموع تجري وحدها ، وحاول بعض المشايخ تهدئة الباكين لكن دون جدوى ، تنحى بعضهم بعيدا عن الأنظار ليطلق لسيل الدموع العنان! وكان أكثر الباكين هم المفرج عنهم الذين سينطلقون بعد فليل الى بيوتهم الثانية بعد أن أصبحت الحياة هنا هي بيوتنا الأولى .
في الوقت الذي قضيناه معا عاد المشايخ للتأكيد على وصاياهم... أكد الدكتور ناجح على أن الثبات على الدين لايقاس الا بعد الزواج والانجاب عندما يتحمل الانسان مسؤلية غيره ويكون عرضة لأن يقضي وقته بين العمل وبين طلبات الأسرة ولايبقى وقت للعمل للدين الا لمن كان حريصا بقوة على توفير هذا الوقت
اما الشيخ كرم فلم يكن قادرا على الكلام من تأثره بما حدث وللفراق الأليم لاخوانه خصوصا عندما أنشدت بعض الأناشيد مثل قصة شهيدالمؤثرة وكذلك نشيد ملكنا هذه الدنيا القرونا الذي كان يبكي الشيخ خصوصا عند قوله:
وما فتيء الزمان يدور حتى
مضى بالركب قوم آخرونا
وأصبح لايُرى في الركب قومي
وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر
سؤال الدهر أين المسلمونا
اما الشيخ عصام دربالة فكان يؤثر ان يتنحى جانبا بالواحد تلو الآخر يوصيه وصايا شخصية خاصة ويؤكد عليه تأكيدات هامة تخص العمل لدين الله والدعوة الى الله.
أما الشيخ علي الشريف فقد كان حزينا لأنه لم ينل الشهادة التي كان يتمناها وكان بكاؤه غالباً عليه .
بعد ساعات قضيناها في الانتظار قالت الادارة إن سيارات الترحيل ستصل لتأخذ المفرج عنهم إلى محافظاتهم فانتظرنا وطال الانتظار إلى الليل واضطرت الإدارة الى إدخالنا الزنازين على أن تنادي على من تصل سياراتهم تباعاً.
أما الدكتور عمر عبد الرحمن فقد قالوا له سيتم ترحيلك الى امن الدولة ليفرج عنك من هناك فرفض الخروج وأصر أن يخرج من بوابة السجن الى بيته قالوا نريد ان نوصلك بسيارة الى بيتك
قال: أخي سيأخذني بسيارته
فمازال مصمما على موقفه الى أن أخرجوه فأخذه شقيقه الى بيته رحمه الله
عندما ركب المفرج عنهم سيارات الترحيل لتسافر بهم الى محافظاتهم بدأوا الهتاف إيذانا ببدأ مرحلة جديدة في الدعوة من ههنا من على بوابة السجن ومن الآن منذ لحظة الخروج
هتفوا وفي أذهانهم ما ظلوا يسمعونه كل ليلة في ختام برنامج اذاعتهم الليلية
ـ عهدٌ: أن نعودَ إلى الطريق .. لانَحيدُ ولا نميل.
ـ عهدٌ: أن نحمل الأمانة .. منتصرين أو بين جدران السجون.
ـ عهدٌ: أن نعود للدنيا .. نُطِبُّ الجُرحَ أو نلقى المنون .
وإلى لقاء
وكان اللقاء فعلا خارج السجون من جديد في المساجد بفضل الله وبرحمته

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

291,627