علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة



عندما نقرأ القرآن كله كثيراً نجده يركز على دروس مهمة ويكررها كثيرا بأكثر من أسلوب فينوع ما بين القصة والمثل والتاريخ والأوامر المباشرة وكلها تؤكد هذا الدرس او ذاك
من هذه الدروس المهمة أن الحياة لاتقف على حال بل تتغير فدوام الحال من المحال
كل شيء يتغير
المكان قد يتغير فالقرآن يحكي لنا عن تاريخ رسل عاشوا في مكان ثم انتقلو الى آخر مثل موسى عليه السلام ويوسف عليه السلام
والزمان قد يتغير فيحكي لنا عن أهل الكهف عاشوا في زمان ثم طال بهم البقاء في الكهف فلما  قاموا وجدوا أنفسهم في زمان آخر مختلف
والحال يتغير فالفقير قد يصير غتيا والغني يفتقر والغلام الصغير يصير شابا والشاب يكبر ويضعف وهكذا
أمثلة على تغير الحال
سيدنا موسى عليه السلام بدأت قصته منذ ان كان وليدا صغيرا ثم تربى في قصر فرعون حتى صار شابا فحدث ماحدث فخرج من مصر فتغيرت البلد والناس حوله وعاش وتزوج من هناك واستمر ثمان أو عشر سنوات ثم عاد الى مصر وقد تغير حاله هو فقد تزوج وكبر كما انه تحمل الرسالة النبوية وتغير حال فرعون فقد كبر أيضا فضعف وفوجيء فرعون بأن هذا الذي رباه وليدا يكلمه بقوة وجرأة ولم يفطن الى ان الحال تغير والزمن تغير وصار موسى نبيا ثم لنذهب الى تغير السحرة الذين كانوا مع فرعون اذا بهم بعد لقاء موسى يقولون (آمنا برب هارون وموسى) اذأ حتى القلوب تتغير  
فاذا نظرنا في سورة يوسف سنجد قصته بدأت منذ طفولته وحياته مع اخوته الذين كانوا يحسدونه على حب أبيه له ثم تغير المكان ليلقى يوسف في البئر ثم من البئر الى القصر ثم من القصر الى السجن ثم من السجن الى الوزارة والتمكين في الأرض كل هذه تغيرات
اما اخوته فقد تركوه طفلا ثم طال غيابه وطال الى ان التقوا به فلم يعرفوه فلما عرفهم بنفسه اذا بكل شيء قد تغير قالصغير الذي كان ضعيفا وكان طفلا لايدرك كثيرا من الأمور قد تغير الحال فقد كبر وصار يفهم كل شيء ويتذكر كل شيء مما حدث والضعيف صار قويا ولو أشار للحراس لأخذوهم وسجنوهم وقد قدر الله أن يأتوا ليوسف بعد ان تغير حالهم فقد اصابهم القحط   بينما مصر كانت رخاء فجاءوا يطلبون الصدقة (ياأيها العزيز جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا) قال العلماء مدوا أيديهم عليه بالأذى فمدها الله اليه بطلب الصدقة
فاذا جئنا لامرأة العزيز التي راودته عن نفسه فلما أبى اتهمته وقالت (ماجزاء من أراد بأهلك سوءا الا أن يسجن أو عذاب اليم) ثم لما انتشر الخبر هددته (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين) فلما سجن يوسف وطال السجن وابتعد عن عينيها وكبر سنها ويبدو أنه ضعف نفوذها بعد أن كانت مسيطرة قوية انظر لما قيل لها وللنسوة (ماخطبكن اذ راودتن يوسف عن نفسه ) قالت ماذا ؟ (الآن حصحص الحق ) الآن وليس قبل الآن لماذا؟! لأن للزمن تأثيره وتغييره فقد كبرت وعقلت أكثر وياست من مطلبها من يوسف وتغيرت الأحوال كثيرا
وهكذا هذه مجرد أمثلة من قصص القرآن
ومن أمثلة تأكيد القرآن على سنة تغير الحال قوله تعلى (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة)
إذا أيها الاخوة القرآن ينبهنا ويؤكد لنا ان دوام الحال من المحال وأن كل شي مع مرور الزمن يتغير
هذه سنة لابد من الايمان بها وتقديرها ومراعاتها لأن السنن الربانية لاتحابي أحدا ولابد أن تمضي
فانت اذا لم تقابل التغيير بتغيير اصطدمت بالسنة الثابتة القوية فخسرت كثيرا
انظر الى سيدنا يوسف كيف تعامل مع تغير الأحوال؟
قال له اخوته (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ) اعترفوا بخطأهم فكيف استثمر يوسف هذا الاعتراف؟
هل وقف عند الذي حدث في الماضي؟ هل ذكرهم بماحدث ؟ كلا فهمته أعلى من ذلك وهناك من الأمور ماهو أهم من ذلك هناك الوالد الذي صار ضريرا(اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا)  وهناك الأهل الذين في المجاعة ( وأتوني بأهلكم أجمعين)
الخلاصة ان دوام الحال من المحال وأن الانسان لابد ان يستوعب ويتفهم التغير ويتعامل معه
الخطبة الثانية
عندما نقرأ القرآن كثيرا فلابد ان يؤثر فينا القرآن وأن يغير فينا وان نجد فيه حلولا لمشكلاتنا
تحاول أن تصلح بين الأب وابنه أو بين الأشقاء الذين حوتهم بطن واحدة فاذا بهم يستعيدون ذكريات أليمة ويجعلونها عقبة في طريق الاصلاح
ياجماعة هذا حدث منذ متى؟ من أربعين سنة أي منذ عمر ماتت فيه أناس وحيا أناس آخرون والذي كان شابا قويا قد ضعف والذي كان طفلا كبر وقوي والفقير اغتنى والغني ذهب ماله والذين كانوا مستغنين عن الناس بأبنائهم تفرق الأبناء وتركوهم وصاروا محتاجين لمن يتصل بهم ويسال عنهم والذين كانوا مستغنين بمناصبهم متكبرين بها زالت وصاروا على المعاش وهجرهم الناس فصاروا في حاجة لأقاربهم والذين كانوا في حاجة اليهم في قديم الزمان استغنوا عنهم وهكذا تتغير الأحوال فلا يصح أن نظل نحن كما نحن متقاطعين متدابرين بناء على أمور حدثت من قديم الزمان
ان الطبيعي الذي يحبه الله هو صلة الأرحام وتواصل المؤمنين وتعاطفهم وحبهم لبعض ففي الحديث ( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفه وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ) هذا هو الايمان وهذه هي ثمرة الصيام والقيام وقراءة القرآن فاذا حدثت عقبة أفسدت ما بين المؤمنين وخصوصا الأرحام حاولنا ازالتها فاذا لم ننجح سينجح الزمن والأيام في تغيير الحال وازالة الحواجز فهنا يمكن ان تكون الفرصة لاعادة الحياة الى قلوبنا وحياتنا والعلاقات بيننا
فلاتتنظر الانتقام وانما ننتظر زوال هذه العقبات حتى تعود  المياه الى مجاريها
ان رمضان وخصوصا العشر الأخير الذي هو ايام العفو تساعدنا على احياء ما مات من تواد وتراحم ووصل ما انقطع (فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) والعفو عن الناس سبب لعفو الله تعالى( وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)
أخي المسلم لاتظلم نفسك بحرمانها من حقها فمن حق نفس كل واحد  منا عليه أن تكون صلته بأرحامه طبيعية هذا هو الذي ينمي الاحساس بالسعادة في أعماق الانسان ولا تقل انا مع القطيعة مستريح كلا لاراحة مع القطيعة
أما الثمرة الثانية من هذه السنة هي ألا يغتر الانسان بالحال الذي عليه فدوام الحال من المحال
لاشيء مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويفنى المال والولد
الثمرة الثالثة ألا ييأس اذا كان حاله لايسره فان دوام الحال من المحال و(ان مع العسر يسرا) (سيجعل الله من بعد عسر يسرا)
دعاء
 

 

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

346,137