أسمع أن الانسان لايكتب مذكراته الا في آخر عمره فلا تنشر الا بعد رحيله من الدنيا ويذكرون لذلك أسبابا ومبررات أهمها:
ـ أن يصفي الأحداث فلا يكتب الا المهم الذي يستحق نشره وعلامة أهميته ثباته في ذاكرته
ـ وأن يعافى من أي مؤاخذات قانونية جراء اعترافه بمخالفة القانون .
ـ وأن يتجرد في كتابته فلن يجامل أحدا فهو مقبل على الوقوف بين يدي الله .
ـ وأن يتحرر من تأثير الظرف الذي يكتب فيه فلا يطوع الأحداث للظروف كما يحدث مع كثيرين إن كان الزمن زمن السلم أخرج نفسه بطل السلام وأنه كان يساير المتهورين لمبررات مثل محاولة تهدئتهم ! وإن كان زمن الثورة أخرج نفسه أول الثوار وأن الفكرة فكرته منذ طفولته! أو الجهاد فهو قائد مغوار وصاحب الضربة القاضية ! وهكذا
فيقولون: ان الكتابة في آخر العمر لن تكون للحاضر وانما للمستقبل فهي أدعى للتجرد
ومن الأسباب كذلك أن لايدخل مع معاصريه في جدال ولا يسيء لأحد في حياته لذلك فهو يكتب مذكراته ثم يتركها ويوصي بنشرها بعد مفارقة الدنيا وما فيها
ورغم أن كل هذه المبررات لتأخير النشر الى بعد الرحيل مقبولة لكن هناك رأي آخر والله أعلم بالصواب أن هذا التأخير يفوت بعض المصالح الهامة والأهداف المهمة المقصودة من الكتابة في الأحداث الخطيرة التي شارك فيها الانسان فصار يملك اسرارا تختلف فيها الروايات عمدا أو عفوا
فمن هذه الأهداف من التسجيل والتوثيق والنشر في حال الحياة
ـ أن تستفيد منها الأجيال الحالية قبل القادمة
ـ أن تساعد في تفسير بعض الأحداث الغامضة وربما يساعد ذلك في ايجاد حلول لأزمات أو مشاكل كما هو الحال في الوضع السياسي الحالي في مصر
ـ أن تقطع الطريق على المدعين والمزورين للتاريخ وما أكثرهم
ـ أن تساعد في الجمع بين الروايات المختلفة ويجد المحلل للأحداث حلا للتناقض بين الروايات.
ـ أن تتم الكتابة والذاكرة حاضرة قبل اندثارالأحداث فيها .
ـ أن يجد الكاتب من أقرانه ومشاركيه من يصوب له اذا نسي أو أخطأ .
ومن المعاصرين من كتب شهاداته في حياته مثل الشيخ حافظ سلامة الذي تعجب عندما تجده اهتم بتسجيل الأحداث وهو يواجه الموت والأخطار ويلتقط الصور وهو تحت القصف فصارت هذه شهادات موثقة نشرها في كتابه فأفادت كثيرا جدا
بل إنك تعجب من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم سجلوا في الحادثة الواحدة كل تفاصيل تخصها مثل يوم سقيفة بني ساعدة ومبايعة أبي بكر رضي الله عنه
الأحداث كما يحتاج الى روايتها من لم يعاصرها إلا أن من معاصرها يكون أشد لها شوقا كذكريات مهمة وملهمة وكثيرون يحاولون أن يكملوا معلوماتهم من الزوايا التي لم يشهدوها في الحدث
أذكر أننا التقينا في سجن الاستقبال بعد عشر سنين من حياتنا سويا بليمان طرة سنة 1981 وعندما استعدنا الذكريات وجدنا اختلافا في الروايات بيننا في بعض المواقف رغم اننا عشناها معا لكن بعضنا عاش جانبا ما وغاب عن آخر وبعضنا نسي وبعضنا محتفظ باستناتاجاته هو من الحدث أيامها وليس بالواقعة نفسها وهكذا
هذا رأيان ووجهتان للنظر لكن الأمر ممعروض للحوار فترى ما وجهة نظرك أنت أخي القاريء العزيز؟
ساحة النقاش