كتاب "الداء والدواء " للإمام ابن القيم كتاب لاغنى للشباب عنه فهو يعالج مشكلة يتعرض لها كل الشباب ويهتم بشكوى يشكو منها الجميع تقريبا وهي وقوع الانسان في دوامة من المعاصي لايستطيع الخروج منها فهي كالإدمان وكالحصار الذي لامخرج منه ومثال ذلك العشق وتوابعه
لكن بعض الشباب ما ان يشرع في قراءة الكتاب حتى يتركه لبعض الصعوبات التي يقابلها أثناء القراءة لذا أردت أن أقدم هذه النقاط وأن أعرض هذا الكتاب ليتسنى للشباب أكبر استفادة ممكنة من هذا الكتاب العظيم 
أولا من المهم أن تعرف أن هذا الكتاب كله اجابة عن سؤال ملخصه: رجل ابتلي ببلية ويجتهد في دفعها لكنها لاتزداد الا شدة " وبالتالي فموضوع الكتاب واحد لكن عناصره كثيرة وهذه ملاحظة مهمة فاقرأ مقدمة المؤلف أولا حتى ينتظم عندك فهم موضوع الكتاب ثم اقرأ الكتاب بترتيب فصوله حتى يكتمل عندك الموضوع كما سترى 
أما عندما تقرأ متفرقات تعجبك فلن تجد في أي فصل كفاية كما تتوقع لأن هذا الفصل عنصر ضمن موضوع كامل وسياق مرتب 
بعد هذا السؤال بدأ ابن القيم في الاجابة ويمكننا أن نرتب اجابته في خطوات
الخطوة الأولى
وجود الأمل وعدم اليأس فقد بدأ رحمه الله بذكر الأدلة على أن لكل داء دواء
أما الخطوة الثانية
فهي اللجوء إلى الله والتضرع إليه بالدعاء فيقول ابن القيم: "وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب" ثم يشرع في شرح مسائل تتعلق بالدعاء ويجيب على أسئلة أسباب قبول الدعاء وأسباب تأخر الإجابة وموانعها ويستطرد في تفاصيل الآراء حول الدعاء والقدَر فاقرأ ما تحتاجه واترك ماعدى ذلك واقرأ ما تيسر فهمه واترك ما تعسر كما أوصى ابن القيم كثيرا في كتبه مستدلا بقول الشاعر 
إن لم تستطع شيئا فدعْه .... وجاوزه الى ما تستطيعُ
الخطوة الثالثة أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير وتكون له بصيرة في ذلك ... ومن أنفع ما في ذلك تدبر القرآن.
ولكن ابن القيم يحذر من مغالطات النفس فيقول "وهذا من أهم الأمور فإن البصير يعرف أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه و آخرته ولا بد ولكن تغالطه نفسه" ثم يذكر:
المغالطات التي تغالط بها النفس صاحبها :
ـ ويفرد فصلا كاملا لـ " الاغتراربرحمة الله وعفوه وكرمه"
ـ ثم فصلا في "الاغترار بالدنيا وعاجلها وأعظم الخلق غرورا من أغتر بالدنيا الزائلة 
ـ فصل في "حسن الظن بالله والرجاء والفرق بينه وبين الغرور" وأن حسن الظن إنْ حَمل على العمل وحث عليه وساق إليه فهو صحيح وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو الغرور.
الخطوة الرابعة
معرفة أن للذنوب أضرارا وآثارا على القلب قال " فمما ينبغي أن يُعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولاشك ولأن ضررها في القلوب كضر السموم في الأبدان
ويثبت هذه الحقيقة بكثير من الآيات والآثار ثم يشرع ابن القيم في بيان آثار الذنوب والمعاصي في قسم كبير جميل من كتابه وهذا القسم من أكبر ما يعين الشاب على تجنب المعاصي واستبشاعها :
ـ فالمعصية تحرم العبد العلم ،
ـ وتقوي لديه ارادة المعصية ،
ـ وتضعف القلب ،
ـ وتجر عليه شؤما بعد شؤم،
ـ وتفسد العقل،
ـ وتضعف الإرادة،
ـ وتطفيء نور القلب ونور الغيرة،
إلى ذلك من الآثار البشعة التي تجعل العبد مُدمنا للمعصية خاضعاً تحت سيطرتها أسيراً في يد الشيطان وسجن الشهوة وبالتالي تضعف ثقة العبد في نفسه وتصغره في عينه ويذكر ابن القيم المداخل والثغور التي منها يدخل الشيطان إلى العبد: ثغر العين وثغر اللسان وثغر الأذن.
خامسا:
"
استحضار العقوبات الشرعية"
قال "فإن لم تردعك هذه العقوبات والأثار المترتبة على ارتكاب المعاصي ولم تجد لها تأثيرا في قلبك فأحضِره العقوبات الشرعية التي شرعها الله ورسوله على الجرائم كما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم وقطع اليد والرجل على قطع الطريق.... , وقتل بالحجارة أشنع قتلة في ايلاج الحشفة في فرج حرام ... , ولما كان داعي الطباع إلى الزنا من أقوى الدواعي كانت عقوبته من أشنع القتلات وأعظمها عقوبة وفصل ابن القيم في عقوبات الذنوب الشرعية والقدرية "ولأنه فقيه فقد دخل في تناولها من الناحية الفقهية وتحقيق الخلاف في بعض مسائلها مما يمكن الاستغناء عن قراءته إلا على سبيل العلم.فيمكنك تخطيه في القراءة الأولى حتى لاتمل ولاتتشتت
أما سادسا:
فهو استحضار مفاسد جريمة الزنا 
ويذكر ابن القيم الثغرات التي يدخل منها الشيطان ويغوي العبد حتى يقع في الزنا "فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الاربعة ويلازم الرباط على ثغرها فمنها يدخل عليه العدو فيجوس خلال الديار وهذه الأربعة هي
1ـ اللحظات أي النظرات
ـ والخطرات أى الخواطر والأفكار2
ـ واللفظات أي الكلمات3
ـ والخطوات
ويفرد لكل واحد منها فصلا من أجمل ما يتفرد به ابن القيم خصوصا في مدخل الخطرات يقول "فشأتها أصعب فإنها مبدأ الخير والشر ومنها تتولد الارادات والهمم والعزائم فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب " وهذا فصل يعين الشاب على تحقيق طهارة فلبه بطريقة سهلة ويدله على طريقة للتعامل مع المشكلة من بدااياتها 
وقسم ابن القيم الخطرات إلى أقسام 
1ـ نافعة
ـ ومضرة
قال "وأعلى الفكر وأجلها ما كان لله والدار الآخرة فما كان لله فهو أنواع : وذكر هذه الأنواع رحمه الله ثم عاد ابن القيم يقول : وهذا كله ذكرناه مقدمة بين يدي تحريم ووجوب حفظ الفرج 
وهذه المقدمة من بصيرة ابن القيم وعمق رؤيته في معالجة الرذيلة من جذورها والاهتمام بالقلب والسر قبل الظاهر والجوارح
وشرع في تشنيع جريمة الزنا وأضراره وخصائصه المدمرة للإنسان في دنياه وآخرته فهو:
ـ يوجب الفقر، ويقصر العمر
ـ ويكسو صاحبه سواد الوجه
ثم عقوبة اللواط وهي من أعظم العقوبات 
ولا يفوت ابن القيم كفقيه مجتهد محقق أن يذكر اختلاف الأراء حول بعض المسائل مثل "وقد اختلف الناس هل هو أغلظ عقوبة من الزنا أو الزنا أغلظ عقوبة منه أو عقوبتهما سواء"؟
وتقرأ هذا الوجه الفقهي فتجده في نفسه رادعا وزاجرا فيقول: قال أصحاب القول الأول وهم جمهور الأمة: ليس في المعاصي مفسدة أعظم مفسدة من اللواط وهي تلي مفسدة الكفر وربما كانت أعظم من مفسدة القتل ويستكمل مناقشة الأدلة وتحقيق المسألة.
وكلام ابن اقيم عن مفاسد الزنا واللواط دليل على خبرته بالنقس البشرية وأهوائها الدفينة فهذه الرذيلة هي منتهى مطلب العاشق مهما ادعت النفس غير ذلك
سابعا

الجزء الخاص بالمشكلة موضع السؤال
يقول : فإن قيل : فهل مع هذا كله من دواء لهذا الداء العضال ؟وهل يملك العاشق قلبه والعشق قد وصل إلى سويدائه؟ وهل للطبيب بعد ذلك حيلة في برئه من سوء دائه ... إلخ 
قيل : نعم الجواب من أصله " وما أنزل الله سبحانه من داء إلا جعل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله". فمرة أخرى يفتح باب بعلمه وبصيرته باب الرجاء والأمل ثم يصف العلاج
والكلام في هذا الداء من طريقين:
أحدهما حسم مادته قبل حصوله ( يقصد الوقاية)  
والثاني قلعها بعد نزولها حصوله ( يقصد العلاج)
وأما الطريق المانع من حصول هذا الداء فأمران :
أحدهما: غض البصر ثم يشرع في كتابة عشر فوائد عظيمة لغض البصر لابد للشاب ان يعلمها 
الثاني: اشتغال القلب بما يصده عن ذلك ويحول بينه وبين الوقوع فيه إذ أن النفس لا تترك محبوبا إلا لمحبوب أعلى منه أو خشية مكروه حصوله آضر عليه من فوات المحبوب. (وبذلك يبصر المربين والدعاة الى شغل الشباب وعدم تركهم للفراغ شغل قلوبهم بمحبة الله وشغل جوارحهم بالعمل المفيد

وهذا يحتاج إلى أمرين أن فقدهما أو فقد أحدهما لم ينتفع بنفسه 
 
1ـ بصيرة صحيحة يفرق بها بين درجات المحبوب والمكروه 

2ـ وعزم وجد يتمكن بهما من الفعل والترك .
ثامنا المحبة
وهنا يصل ابن القيم إلى ميدانه ومرتع قلمه الذي ينطلق فيه في الحديث عن المحبة التي يتكلم عنها في كل كتبه تقريبا ويفرد فصلا عن "المحبة الصادقة تقتضي توحيد المحبوب "
ثم يفرد فصلا في أنواع المحبة الأربعة
 
1ـ محبة الله
  
2ـ ومحبة ما يحبه الله,
 
ـ والحب لله3
 
4ـ والحب مع الله وهي المحبة الشركية.
وكل من أحب شيئا مع الله لا لله ولمن أجله ولا فيه فقد اتخذه ندا من دون الله وبقي قسم خامس - ليس مما نحن فيه - وهي المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان للماء ومحبة النوم والزوجة.
ويدخل ابن القيم في مسائل فرعية في المحبة يحتاجها البعض بينما هي زائدة عن آخرين فيفرد فصولا جميلة في الحب والمحبة المحمودة والمحبة المذمومة وفصلا في آثار المحبة وتوابعها.
تاسعا العشق وأضراره ومخاطره
يفرد ابن القيم فصلا عن العشق ونختم الجواب بفصل متعلق بعشق الصور يقصد عشق الشكل الظاهري وهو ما يسمى بالحب والهوى و ما يجري وراءه الشباب الغافل وفي هذا الفصل يعرج على موقف سيدنا يوسف عليه السلام وعفته وتقواه مع أن الذي ابتلى به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره الله فقد كان الداعي في غاية القوة وهذا من جميل فعل ابن القيم لأن براز موقف سيدنا يوسف عليه السلام كقدوة أكبر معين للشاب على تخطي مرحلة المراهقة بسلام 
ثم يذكر مفاسد العشق ثم مقامات العاشق أو مراحل العشق 
مقام ابتداء ومقام توسط ومقام انتهاء 
فأما مقام الابتداء يقصد بدايات الشعور بالاقتراب من العشق فالواجب عليه مدافعته بكل ما يقدر عليه ( ذلك لأن العشق بحر عميق ومستنقع فاسد من اقترب منه جذبته أمواجه العاتيه في وقت انحلت فيه ارادته على المقاومة)..
فعلى العاقل أن يحكم على نفسه عشق الصورلئلا يؤديه إلى الهلاك .
<!--

عاشرا أوهام في فائدة العشق


ولا يفوت ابن القيم أن يفند الفوائد المتوهمة للعشق فيقول صـ 234 : فإن قيل قد ذكرتم آفات العشق ومضاره ومفاسده فهلا ذكرتم منافعه وفوائده.
ويسرد ابن القيم ما ذكره الناس في هذه الفوائد المزعومة ويطيل في ذلك حتى أن القارئ المتعجل يظن أنه من كلام ابن القيم ورأيه بينما قد أورده هو ليرد عليه ويدحضده فيقول في صـ 245: "أما الجواب وبالله التوفيق أن الكلام في هذا الباب لا بد فيه من تمييز بين الحرام والجائز والنافع والضار
وقبل التقسيم يقدم بد واعي المحبة صـ 246
والمحبة لها داعيان 1ـ الجلال 2ـ والجمال والرب تعالى له الكمال المطلق من ذلك فإنه جميل يحب الجمال والاجلال كله له فلا يستحق أنه يحب لذاته من كل وجه سواه سبحانه.
والمقدمة الثانية أن لذات الدنيا ثلاث أنواع 
أعظمها وأكملها ما أوصل إلى لذة الآخرة فكيف بلذة إيمانه بالله ومحبته له وشوقه إلى لقائه وطمعه في رؤية وجهه الكريم في جنات النعيم.
النوع الثاني: لذة تمنع لذة الآخرة
كلذة الذين اتخذوا من دون الله أولياء ولذة أصحاب الفواحش وهي اللذة المحرمة.
النوع الثالث: اللذة المباحة
وهي لذة لا تعقب لذة في دار القرار ولا تمنعها فهذا الحب لا ينكر
فما اعان على اللذة المطلوبة لذاتها فهو حق وما لم يعن عليها فهو باطل .
ومن الجميل جدا في كتاب الداء والدواء ختمه بفصل في محبة الزوجة .
فكما رهب من بشاعة الحرام وعواقبه فإنه يفتح باب الحلال وهذا مما يعين الشباب على الصبر فلهذا الصبر نهاية وسيعقبها التمتع بالحلال بإذن الله فيقول :"وأما محبة الزوجة فلا لوم على المحب فيها بل هي من كماله" .يقصد ان وجود حب الزوجة دليل على كمال المحب أي كمال فطرته وانسانيته فهذه هي الفطرة السليمة .
ويقول "وعاشق الجمال الذي يطمع في وصاله أعقل العشاق وأعرفهم وحبه أقوى لأن الطمع يمده ويقويه" أ .هـ لذا ينصح الشباب بأن لا يفتح قلبه للعشق إلا بعد أن يعقد أو يخطب على من قدر الله له زواجها وصار الأمل في وصالها موجودا , أما عشق من لا أمل في وصلها فهو عذاب قبل الزواج وأكثر من عذاب بعده إن لم يتزوج منهافيصير قلبه معها فيشقى بذلك بينما جسده مع زوجته دون قلبه فيشقى أيضا بذلك ومن أنفع اوصايا التي سمعتها من معلم لشاب: الحب طاقة وغريزة فطرية لكن عليك أن توجهها التوجيه الصحيح فانتظر حتى تتزوج فتوجهها الى زوجتك ولاتسمح لها بالتوجه قبل ذلك  
وفي الختام 
ينفعنا ابن القيم بعلمه كمحدث محقق في تخريج الأحاديث فيرد ص 260 على من استدل بالأثر المزعوم "من عشق فعفَّ وكتم فهو شهيد" فيقول:" فقد أنكره حفاظ الإسلام وعده أبو الفرج الجوزي من الموضوعات و أنكره أبو عبدالله الحاكم وقال:" أنا أتعجب" منه وقال: وكلام حفاظ الإسلام في إنكار هذا الحديث هو الميزان وإليه يرجع في هذا الشأن وما صححه بل ولا حسنه أحد يعول عليه في علم الحديث .
وختاما رحم الله ابن القيم فقد قدم للشباب وصفىة مكتملة للخروج من نفق المعصية وحصارها وقدم للدعاة والمربين طريقة قويمة في التعامل مع هذه المشكلة التي لايخلو شاب منها فلا يخلو مرب من سؤاله فيها
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم



ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

292,734