موقع داليا السيد

قرآننا .. إسلامنا - علمنا.. عملنا

محاضرة للدكتور زغلول النجار بعنوان العلم يدعو للإيمان

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد الله تعالى إليكم وأصلي وأسلم على رسوله الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد ....


العلم والإيمان قضية قديمة وقبل أن نخوض في تفاصيل هذه القضية، بودي

أن أعرف ماذا نقصد بالعلم وماذا نقصد بالإيمان؟


العلم لغة هو كل ما وصل إلى إدراك الإنسان من معارف، ولكن بطبيعة هذه الحضارة المادية المعاصرة قصرت كلمة العلم في دراسة الأشياء المدركة المحسوسة من أشياء هذا الكون.. المادة على تباين صورها، الطاقة على تعدد هيئاتها، الكائنات الحية بمختلف أنواعها، والقوانين الإلهية التي تحكم ذلك كله.


وتدرك هذه القضايا بمنهج يعرف بالمنهج التجريبي يقوم على الملاحظة والاستنتاج، أو التجربة والملاحظة والاستنتاج. فبالنظر إلى أشياء هذا الكون يتعرف الإنسان عليها وبالتجربة يتعرف على القوانين الكونية التي تحكم أجزاء هذا الكون بعضها مع بعض، هذا عند غير المسلمين.


أما عند المسلمين، فالعلم كل لا يتجزأ.


وانطلاقا من هذه الفلسفة يقسم العلماء المعاصرون من غير المسلمين المعرفة الإنسانية إلى دراسات العلوم البحتة والتطبيقية ثم الآداب واللغويات والدراسات الإنسانية ثم ما يعز لهم فوق ذلك في تقسيمات مختلفة متعددة.


أما نحن المسلمين فنرى قاعدة المعرفة الإنسانية، المعرفة الإنسانية هرم متواصل الأطراف.. متصل اللبنات.. لا تنفصل أجزاؤه إلى كيانات مستقلة.. قاعدته العلم بأشياء هذا الكون أو ما يطلق عليه العلوم البحتة وتطبيقات ذلك أو العلوم الكونية وتطبيقات ذلك هي العلوم التطبيقية.


فالنبات والحيوان وعلوم الأرض والفلك وغير ذلك من الدراسات المباشرة كالأرصاد.. كل هذا من العلوم الكونية، ثم استخدام ذلك في القيام بواجب الخلافة على هذا الكوكب. تطبيقات ذلك كله في الطب، في الهندسة، في الزراعة، في الطب البيطري، في الصيدلة.. هذه هي العلوم التطبيقية ..الكونية التطبيقية، وهذه هي قاعدة المعرفة الإنسانية لأن الإنسان ذلك المخلوق المكرم الذي وكل إليه أمر القيام بواجب الإستخلاف في هذه الأرض وهبه الله سبحانه وتعالى من الملكات والحواس ما يمكنه على التعرف على أشياء هذا الكون واستخدام ذلك في عمارة الحياة على هذا الكوكب.


وليس هذا تقليلا من شأن هذه المعارف، ولكنها كما وصفها كثير من المنصفين، هي النافذة التي يطل منها الإنسان فيرى عظمة الخالق سبحانه مباشرة.


ويأتي فوق الدراسات الكونية وتطبيقاتها فلسفة العلوم، والفلسفة عندنا المسلمين ليست سفسطة كلامية ولكنها حب الحكمة، والعلم والمعرفة إذا نزعت عنهما الحكمة فقدا أهم خصائصهما.


(ملاحظة هامة يفضل استخدام لفظ الحكمة بدلا من الفلسفة لأنها الأقرب للمعنى ، كما أن الفلسفة تعني علم الكلام وهو ما لا فائدة فعلية لدينا نحن المسلمين من حيث إضافته العلمية).


فلا يجوز لعاقل أن ينظر في أرجاء هذا الكون فيرى فيه من صور الإبداع وصور الإعجاز وصور الكمال وصور الجمال مالا يوصله إلى معرفة شيء من صفات خالق هذا الكون العظيم وهذا مانعني به فلسفة العلوم.


لا يكفي أن أقول أن هذا الكون شاسع الأطراف.. دقيق البناء.. منتظم الحركة.. له من القوانين ما تضبط كل جزئية من أجزاءه دقت أم كبرت. إن لم أستشف من ذلك شيئا من صفات الخالق العظيم الذي أوجد هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته وتدبيره أصبح علمي علما ناقصا.


ويأتي فوق فلسفة العلوم، الدراسات الإنسانية لأن الإنسان مخلوق مكرم، يعلمنا ربنا تبارك وتعالى في قرءانه الحكيم منزلة ذلك المخلوق بقوله "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا".


فالإنسان مخلوق مكرم وكل ما يتعلق بهذا المخلوق المكرم لابد أن يكون مكرما. فكل ما يتعلق بالإنسان اللغة وآدابها.. السلوكيات.. الأخلاق.. التاريخ.. الأنشطة العامة التي يقوم بها الإنسان من اقتصاد وإدارة وسياسة إلى غير ذلك ينطوي تحت ما يعرف بالدراسات الإنسانية وهي لا تنفصم عما تحتها من معرفة بأشياء هذا الكون وما يمكن أن يستشف من حكمة من ذلك.


وتأتي فوق الدراسات الإنسانية الفلسفة على إطلاقها، وكما أشرت أن الفلسفة عند علماء المسلمين بحثا عن الحكمة مستخدمين في ذلك كل ما وهبه الله سبحانه وتعالى للإنسان من حواس ومن قدرات. والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها كما علمنا رسولنا صلوات الله وسلامه عليه.


والفلسفة في الإسلام ضرب من التفكير الذي يوظف كل المعارف التي تصل إلى الإنسان عن طريق النظر في هذا الكون وفي ذاته للتعرف على خالقه.


ثم يأتي فوق ذلك الوحي السماوي المنزل وقمته "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ"، وهذا هو هرم المعرفة عند المسلمين.. لا ينفصل ولا ينفصم ولا يتجزأ في كيانات صغيرة ضيقة تحجب الحكمة من هذه المعرفة.


وهنا يجب أن يكون للمسلم وقفة واضحة.. المعرفة عند المسلمين كانت دائما وسيلة لتحقيق الرسالة الأولى للمسلم في هذه الحياة عبدا لله يتقرب إليه بالطاعات ومستخلف في الأرض يقوم بهذه الواجبات على الوجه الأكمل والأمثل.


أما الإيمان فهو إذا أطلق فإنما يقصد به الإيمان بالغيب .. الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وهذه قضية لا يفهمها غير المسلمين وربما تنحصر عند غير المسلمين في قضية الإيمان بالله.. أي في وجود خالق لهذا الكون.


وبهذا التعريف لا يبدو أنه يمكن أن يكون هناك أي قدر من التضارب بين المعرفة بأشياء هذا الكون وقضية الإيمان بالغيب وعلى رأسها الإيمان بالله ولكن نشأت هذه القضية أساس عند غير المسلمين فالحضارة الإسلامية التي امتدت عشرة قرون أو يزيد والتي استطاع المسلمون خلالها أن يغربلوا معطيات الحضارات المجاورة كلها.. أن يدركوا تمام الإدراك معنى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، فسعوا وراء هذه الحكمة بمعيار الإسلام.


غربلوا كل معطيات الحضارات السابقة والمعاصرة، وما اتفق مع معيار الإسلام قبلوه، وما تضاد مع هذا المعيار الإسلامي رفضوه، واستطاعوا أن يحفظوا تراث الإنسانية على مدى أكثر من عشرة قرون وأضافوا إليها إضافات هائلة. لم نسمع في تاريخ واحد منهم أن هناك تضادا بين معطيات العلوم والعقيدة، ولم نسمع عن إنسان اضطهد لمجرد أنه استخدم عقله وحسه في النظر في أشياء هذا الكون بشيء من الحرية.


أما عند غير المسلمين، وعند النصارى بصفة خاصة، كانت الكنيسة مهيمنة على مقدرات الحياة وحاولت الكنيسة أن تعطي لكل أمر من أمور الحياة تفسيرا محددا لا يمكن لإنسان أن يخرج عليه.


ونحن نعلم أن التوراة قد ضيعت، واليهود يعترفون بذلك.. وما يسمى بالعهد القديم والذي يتخيل النصارى أنه التوراة لا أصل له على الإطلاق.


و العهد الجديد، إنجيل عيسى عليه السلام قد ضيع. فأنتم تعلمون أن أقدم نسخة من الإنجيل موجودة بين أيدي الناس هي باللغة اليونانية القديمة وهي لغة لم يتحدثها السيد المسيح عليه السلام ولا أي من أتباعه.


ومجرد أن نسبة هذه الأناجيل إلى غير الخالق الله سبحانه وتعالى يؤكد أن هذا ضرب من الكتابة البشرية الذي بدء بخطها بعد قرن أو يزيد من رفع المسيح عليه السلام، واختلط فيها شيء من الحق القديم بكثير من الخيالات الإنسانية.. في وقت لم تكن المعرفة الإنسانية على قدر من النضج وعلى قدر من الاستواء يستطيع أن يحدد إجابات لكثير من القضايا كخلق السماوات والأرض وتفسير لكثير من الظواهر الكونية.


فحينما أن أرادت الكنيسة في هذا الوقت المبكر من المعرفة الإنسانية فرض تفسيراتها على الناس، وكان الأوروبيون قد تعلموا من المسلمين عبر أسبانيا وعبر إيطاليا وعبر الاحتكاك في الحروب الصليبية، تعلموا عن المسلمين المنهج العلمي وحاولوا استخدامه فوجدوا أن هذا المنهج يعطيهم من الإجابات ما يخالف تفسيرا ت الكنيسة لكثير من العلوم.


وهنا وقع الصدام، قامت الكنيسة بمحاربة العلم وأهله، حرقت العلماء وسجنتهم وقتلتهم وفرضت عليهم ألا يعلنوا نتائج أبحاثهم التي استخدموا فيها هذا المنهج العلمي القائم على الاستقراء ومن هنا ظهرت هذه القضية أن هناك تعارض بين العلم والإيمان وهذه القضية لا وجود لها على الإطلاق في تاريخ المسلمين الذي امتد عبر 14 قرنا.


لماذا إذن مناقشة هذه القضية؟ هل هناك تعارض بين العلم والإيمان ؟ هل يمكن أن يكون هناك تعارض حينما ينظر الإنسان في خلق الله أو يقرأ كلام الله؟


لا يمكن، لكن يأتي التعارض حينما يكون الكلام محرفا.. حينما تكون الرسالة السماوية قد بدلت وغيرت وحرفت وأضيف إليها من العمل البشري ما يخرجها عن إطارها الرباني لأن العمل البشري بطبيعته يتسم بالنقص وعدم الكمال.


أما إذا كان الكتاب من رب العالمين فلا يتخيل عاقل أنه يمكن أن يكون هناك تعارض بين خلق خلقه الله واستقراء لقوانين ذلك الخلق وبيان من الخالق الذي خلق والذي هو أدرى بخلقه ممن سواه.. لا يمكن على الإطلاق. ولكن يأتي التعارض حينما تكون الرسالة السماوية قد حرفت وأدخل عليها من العمل البشري ما أخرجها عن إطارها الرباني.


فالذي ينسحب على النصرانية المعاصرة أو على اليهودية المعاصرة، أو على غير ذلك من الأديان لا يمكن على الإطلاق أن ينسحب على الإسلام.


ونحن نعلم أن الإسلام العظيم كما يتمثل في رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم هو الرسالة السماوية الخاتمة التي تكاملت فيها بعثة ما يزيد على 300 رسول و120 ألف نبي.. الرسالة الخاتمة التي تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظها فحفظت "إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".


(ملاحظة: جميع الأنبياء والرسل رسالتهم الإسلام أي التسليم لله وحده وعبادة الله وحده لا شريك له)


ولكن لنترك هذه القضية مؤقتا، وننظر هل يمكن بالنظر المجرد في أشياء هذا الكون أن يشير إلى شيء يتعاقب مع قضية الإيمان؟ هل يمكن؟


وأقول أنه حينما انطلق العلم في أوروربا من عقال ورقة الكنيسة، انطلق بموقف معاد لقضية الإيمان بصفة عامة. والعلم التجريبي كما تعلمون له طبيعة تراكمية، بمعنى أنه كلما توافر قدر هائل من الملاحظات كلما كان الاستنتاج أقرب إلى الحقيقة .


فكان العلم في هذه المراحل، في القرن ال18 والقرن ال19 ومطلع القرن ال20، حقيقة يحبو في مراحله الأولى ولم تكن قد توافرت له من القراءات ومن البيانات ومن المشاهدات ما يجعله يصل إلى تصورات ناضجة، وكان العلماء قد خرجوا لتوهم من معركة ضارية مع الكنيسة.


فأخذ العلم في الحضارة الغربية المادية المعاصرة منطلقا معاديا لقضية الإيمان، ونحن نعلم أن العالم حينما يكتب في قضية ما يتأثر، درى أو لم يدري، بالخلفية التي ينطلق منها.


فإذا كان مؤمنا كانت كتاباته ترى معاني الإيمان فيما ينظر إليه، وإذا كان كافرا فإن هذه الخلفية الملحدة تجعله يلوي أعناق الكلمات والاستنتاجات والجمل حتى يصل إلى تحقيق رؤيته الملحدة المنكرة الكافرة.


وبالرغم من ذلك فقد وصل العلم في زماننا إلى مرحلة من النضج، تكاملت فيها أعداد هائلة من القراءات والمشاهدات، فوصل العلم إلى قدر من النضج واصبحت معطياته الآن تؤكد على كثير من الغيبيات التي نادى بها الإيمان.


فمن القضايا القديمة قضية أزلية العالم، حيث كان المنكرون يقولون أن هذا الكون أزلي.. كان هكذا وسيظل إلى مالا نهاية، وإذا كان الأمر كذلك فما الداعي لافتراض الخلق وافتراض وجود خالق؟ فأتى العلم في مرحلة النضج الحالية ليؤكد على أن الكون الذي نحيا فيه له بداية، يحاول العلماء تقديرها، وكل ما له بداية فلابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية.


الشمس، التي نحيا في نعمة من بدءها ونورها تفقد من كتلتها في كل ثانية4.6 مليون طنا. ويرى العلماء في فسحة السماء نجوما تولد ونجوما تموت. ويحسب العلماء أن الكون الذي نحيا فيه يتبرد بطريقة مستمرة بانتقال الحرارة من الأجسام الملتهبة الحارة إلى الأجسام الباردة.


ومن هنا يستنتج العلماء أن هذا الكون الذي نحيا فيه لا يمكن أن يكون كونا أزليا لأنه قد كانت له في يوم من الأيام بداية، وما له بداية فلابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية. وتؤكد هذه النهاية أننا نرى نجوما تموت ونجوما تولد وأننا نرى شمس تفقد هذا الكم الهائل من كتلتها كل ثانية.


هذا الكون الذي نحيا فيه، لو نظر فيه الإنسان بشيء من البصيرة لأدرك بغير عناء أننا نحيا على كرة من الصخر أو شبه كرة من الصخر، ذلك الكوكب الذي يسمونه الأرض.. تجد ستة آلاف مليون مليون طنا سابحة في الفضاء تدور حول محورها وحول الشمس ومع الشمس حول محاور أكبر، محاطة بالمخاطر من كل اتجاه من فوقها ومن تحتها ومن عن يمينها وعن يسارها.. من مكوناته ومن خارجها (وسوف أعرض لذلك شيئا من التفصيل بعد قليل).


هذا الكوكب تخيل العلماء في باديء الأمر أنه مركز الكون وأن كل ما حواليه نمط من الزينة للحياة على هذه الكرة، فإذا بهم يرون الشمس أكبر وأعلى حرارة وأشد ضياءا فقالوا إن الشمس هي مركز الكون.. فإذا بالعلم بعد تطوير المقاريء أو التلسكوبات، يدرك العلماء أن هناك من أمثال الأرض ثمانية كواكب أخرى. وأن هذه الكواكب التسع (الأرض والثمانية كواكب الأخرى) كل منها يدور حول نفسه ويدور في مدار ثابت حول الشمس، وأن المسافة بين الشمس وهذه الكواكب التسع تتراوح بين 58 مليون كيلومترا و6000 مليون كيلومترا، وأن المسافة بيننا وبين الشمس تبلغ 150 مليون كيلومترا.


وكل من هذه الأجرام السماوية له صفاته وله سنته وله طبيعة يومه وليله وله طبيعة مكوناته ومحيطاته ومادته، ولابد أن له من الصفات ما يغاير كل كوكب آخر. ومن هذه الكواكب ما له توابع كما لأرضنا القمر ومنها ما له أكثر من قمر واحد وهناك بالإضافة إلى هذه الأقمار الكويكبات والمذبذبات والشهب والنيازك.. حشود هائلة تتحرك بانتظام دقيق وفي حركة دائبة لا تتوقف ولا تتخلف.


تخيل الناس في باديء الأمر أن المجموعة الشمسية هي كل الكون فإذا بالعلم يؤكد على أن مجموعتنا الشمسية ما هي إلا ذرة صغيرة في حشد أكبر يعرف بإسم المجرة، وأن المجرة التي تنتمي إليها مجموعتنا الشمسية بها 100 ألف مليون نجم كشمسنا.. 100 ألف مليون نجم كل منها بالقياس له توابعه كما أن لشمسنا توابع.


وحينما نخرج عن نطاق المجموعة الشمسية، تتوقف المسافات الأرضية.. لا يستطيع الإنسان أن يستخدم الكيلومتر والميل.. فلجأ العلماء إلى وحدة قياسية تعرف بإسم السنة الضوئية وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعته المعروفة 300 ألف كيلومتر في الثانية في سنة من سنيينا، وهو رقم مهول يبلغ 9.5 مليون مليون كيلومترا تقريبا.


وأن أقرب النجوم إلينا خارج مجموعتنا الشمسية هو الدب القطبي، يبعد عنا 4.2 سنة ضوئية أي 4.2 * 9.5 مليون مليون كيلومترا. وأن من النجوم ما يصل ضوؤه إلينا بعد آلاف الملايين من السنين الضوئية.


وتخيل العلماء في باديء الأمر أن المجرة التي ننتمي إليها هي كل الكون، وإذا بالعلم يؤكد أن بالسماء من أمثال مجرتنا بعدد النجوم في مجرتنا.. أي 100 ألف مليون مجرة، بعضها أكبر من مجرتنا بكثير وبعضها بحجم مجرتنا ذات المائة ألف مليون نجم وبعضها أصغر قليلا.. في حركة دائبة، ويؤكد العلماء أن الجزء المدرك من الكون المنظور يبلغ قطره 36 ألف مليون سنة ضوئية.


كون بهذا التعقيد.. بهذا الانضباط.. بهذه الدقة في الحركة.. حركات لا يستطيع العقل البشري أن يتصورها لأن كل جرم سماوي له حركة حول مداره أي حول مركزه، وله حركة حول مركز أكبر يدور حوله.. وهكذا تزداد الحركات بازدياد توسع الكون.


هذا الكون الأعجب.. الغير عاقل.. دقيق البناء.. دقيق الحركة.. المنتظم في كل أمر من أموره، هل يمكن لذي عقل أن يتخيل أن هذا الكون قد أوجد نفسه بنفسه؟ هل يمكن لعاقل أن يتخيل أن هذا الكون يمكن أن يكون قد وجد بمحض الصدفة؟


إن الناظر في هذا الكون يدرك تمام الإدراك أن كونا هذا شأنه.. بهذا الاتساع.. بهذه الدقة.. بهذا الانضباط، لابد أن يكون له موجد عظيم، وهذا الموجد العظيم له من العلم وله من الحكمة وله من القدرة وله من التدبير ما مكنه من إبداع هذا الكون بهذه الصورة المذهلة.


ومن هنا نرى تأكيد القرءان الكريم على المسلمين خاصة وعلى غير المسلمين عامة على النظر في أرجاء هذا الكون. بسم الله الرحمن الرحيم "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار".


قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ " - “لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ".


إلحاح شديد من رب العالمين على النظر في هذا الكون، تأكيدا على أن كل نظرة لبصيرة في هذا الكون لابد أن ترتد إلى الإنسان بإيمان عميق لأن هذا الكون لابد له من موجد عظيم وأن هذا الموجد العظيم له من العلم والحكمة والقدرة والتدبير ما مكنه من إبداع ذلك الكون.


ثم إذا نظرنا في هذا الكون وجدنا كما أشرت أنه لا يمكن أن يكون أزليا بل لابد له في الأصل بداية يقدرها العلماء بعشرة آلاف مليون سنة مضت. هذه البداية تقوم عليها شواهد كثيرة، قد لا يتسع المجال لعرضها، ويتراءى في جنبات هذا الكون ما يؤكد على أنه لابد ما ستكون له في يوم من الأيام نهاية. ومن أبرز هذه الشواهد موت النجوم وميلاد نجوم جديدة، وانتقال الحرراة من الأجسام ذات الحرارة العالية مثل النجوم إلى الأجسام ذات الحرارة الباردة، واثبات العلماء أن الكون يتبرد منذ لحظة تكونه إلى هذا الآن.


هذا الكون القديم عشرة آلاف مليون سنة.. الدقيق البناء.. المحكم الحركة.. الشاسع الاتساع.. لابد أن خالقه مغاير له تماما. لا يمكن لرب العالمين أن يكون كشيء من خلقه، فهو تعالى لا يحده الزمان ولايحده المكان لأنه هو خالق المكان ومبدع الزمان.. كان قبل أن يكون المكان وسيكون بعد أن يزول المكان وكان قبل بدء الزمان وسيكون بعد انتهاء الزمان، فليس كمثله شيء كل ما خطر ببالك فالله مغاير لذلك كما علمنا رسولنا صلوات الله وسلامه عليه.


هذا الكون الذي نحيا فيه، بهذه العجالة التي أشرت إليها، دائم الاتساع بمعنى أن المجرات تتباعد عن بعضها بطريقة مستمرة وبسرعات هائلة قد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 240 ألف كيلومتر في الثانية. وحينما تتسع المسافات بين هذه المجرات لابد أن تتخلق المادة لتملأ هذه المسافات وإلا انهار عقد هذا الكون.. من أين تاتي هذه المادة لتملأ هذه المسافات؟ وهي قضية تحير العلم والعلماء وتؤكد على ضرورة الخلق بل على حدوث الخلق تحت ناظري العلماء في هذه الأيام.


هذا الكون محتاج في كل لحظة من لحظات وجوده إلى رحمة الخالق العظيم ورعايته، ويكفي لنا أن نشير إلى موقفنا نحن على هذه الأرض، وقد ذكرت منذ قليل أن هذا الكوكب شبه الكرة محاط بالمخاطر من كل اتجاه فالتفجيرات النووية في فسحة الفضاء الكوني أكثر من أي تفجيرات نووية على سطح الأرض بملايين المرات ولو دخل إلى نطاق الأرض شيء من ذلك لهلك الحرث والنسل، لكن من رحمة الله أنه جعل للأرض غلافا هوائيا، وهذا الغلاف الهوائي لا يكاد يدرك بعد ألف كيلو متر وإن استمر بعد ذلك.


وهذا الغلاف الهوائي يعمل كحماية هائلة للأرض من التفاعلات النووية الخارجة في الفضاء الكوني. فتحدث هذه التفاعلات النووية نوعا من التأين في الطبقات الخارجة للغلاف الهوائي، فتعمل كمرآة تصد عن الأرض هذه الجسيمات الكونية التي تنطلق بسرعات هائلة أكثر بكثير من أي تفجير نووي اخترعه الإنسان لنصل إليه. وهذه الطبقات المتأينة في الأجزاء العليا من الغلاف الغازي هي مرآة تعكس عن الأرض من المخاطر ما يمكن أن يبيد الحياة على سطحها إنسانا وحيوانا ونباتا.


يقدر العلماء أن هذه الطبقة المتأينة وهي على هيئة حزامين هلالي الشكل يزداد سمكهما عند خط الاستواء ويرقان كثيرا عند القطبين. وحينما يرقان تتراءى وهج هذه التفاعلات النووية في ظاهرة تعرف بالوهج القطبي لينير ظلمة الليل الحالك، ويبدو أن هذا كان يتم في الماضي قبل تكون هذه الطبقة المتأينة، ولذلك نقرأ في القرءان الكريم قول الحق تبارك وتعالى "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا".


كان الليل في الماضي متوهجا مضيئا إضاءة أشد من إضاءة النهار، ويبقى فضلة من ذلك؛ هذا الوهج القطبي ليشير إلى ذلك الخطر المحدق بالأرض من كل اتجاه والذي لو حدثت ثغرة في هذه الطبقة المتأينة لفترة لحظات قليلة لكانت كمية الأشعة الكونية الداخلة للأرض أكبر مما يحتاج إليه لإبادة حياة على سطحها إنسانا وحيوانا ونباتا.


هذا الغلاف الغازي به نسبة ضئيلة من بخار الماء تصد عنا الأشعة فوق البنفسجية وهي من الأخطار الحارقة التي تصل إلينا من الفضاء الكوني.. من الشمس.


ولولا هذه النسبة الضئيلة من بخار الماء لكانت كمية الأشعة فوق البنفسجية كافية لإحراق كل حي على سطح الأرض. هذا الغلاف الغازي يتحرك فيه الماء من البحار والمحيطات على هيئة بخار ويتكثف ينزل على هيئة أمطار يجري على سطح الأرض ليذيب من أملاحها ما يقبل الإذابة ويتحرك إلى المحيطات والبحار من جديد وتبقى هذه الملوحة ضابطا يحفظ مياه الأرض من التعفن.


ولو لم تكن هذه الأملاح لأسن ماء البحار والمحيطات منذ زمن طويل، ويثبت العلم أن مياه البحار والمحيطات كانت في القديم مياها عذبة وأن الملوحة التي تتراءى فيها الآن إنما جاءت من صخور الأرض.


هذا الغلاف الغازي له تركيب غاية في الدقة.. لو زادت نسبة الأكسجين قليلا لكان أقل وهج يحرق الأرض، لو قلت نسبة الأكسجين قليلا لما أمكن لمخلوق ذكي كالإنسان أن يتواجد على سطح الأرض. لو زادت نسبة النيتروجين قليلا لما أمكن للحياة أن تستقيم. لو زاد ثاني أكسيد الكربون قليلا لما أمكن للحياة أن تستقيم .. أمور منضبطة غاية في الانضباط.


ثم نترك هذا الغلاف الغازي ونأتي إلى قشرة الأرض، هذا المكان الذي يحيا عليه الإنسان وتتصارع مطامع الإنسان فوقه.. هذه القشرة التي تكسوها الحقول الخضراء والمياه الزرقاء الباردة.. تتفجر من تحتها نيران تصل درجات الحرارة فيها إلى أرقام خيالية تصهر الصخر، ولعلنا نرى شيئا من ذلك في انفجار البراكين.


إنذار من رب العالمين أن هذه الأرض ليست مستقرا، وأن الإنسان فوقها محتاج في كل لحظة من لحظات وجوده إلى رحمة خالقه.. ومن هنا كان دعاء رسولنا صلى الله عليه وسلم "اللهم لا تكلنا لأنفسنا ولا لأحد من خلقك طرفة عين ولا أقل من ذلك".


هذه القشرة التي يتراوح قطرها بين 30-40 كيلومترا تنصهر الصخور من تحتها، وتتفاعل أنشطة نووية شديدة تصهر هذه الصخور وترفع درجات الحرراة وتؤدي إلى نواتج إشعاع من أخطر ما يكون على الإنسان.


هذه القشرة ليست ثابتة.. متحركة بطريقة مستمرة ويثبتها رب العالمين بالجبال.. تتحرك فوق الصخور المنصهرة تحتها، ولولا هذه الجبال لكانت حركة هذه القشرة أسرع من أن تمكن الإنسان أن يرصف طريقا أو يزرع شجرة أو يبني عشا أو يبني كوخا. فلولا رحمة الله فجعل الجبال مرسيات لحركة هذه القشرة لما أمكن لنا أن نحيا على سطح هذا الكوكب.


هذه الأرض عليها كمية من المياه محسوبة بدقة بالغة، وأن ماء الأرض كله من الأرض، وهذه حقيقة لم يتوصل إليها العلم إلا مؤخرا واقرءوا إذا شئتم قول الحق تبارك وتعالى "وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا".


يؤكد العلم الآن على أن كل ماء الأرض وكل الغلاف الغازي للأرض أصله من مادة الأرض.. هذا الماء أنزل بقدر.. يتجمع جزء منه على القطبين على هيئة جليد، ويختزل جزء منه في صخور القشرة الأرضية، وتمتليء البحار والمحيطات بجزء آخر، ويجر�

  • Currently 134/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
45 تصويتات / 915 مشاهدة
نشرت فى 17 يناير 2009 بواسطة daliaelsayed

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

253,383