موقع داليا السيد

قرآننا .. إسلامنا - علمنا.. عملنا

 

إنسان الوطن


كان الله تعالى ولم يكن شيء سواه، و كان عرشه سبحانه وتعالى على الماء، ثم خلق السماوات والأرض وما بينهما وخلق الإنسان من تراب الأرض واستعمره فيها... الإنسان من التراب إلى التراب ومن هنا كان ارتباط بني آدم بالأرض.


ويمر الزمن ويستعمر الآدمي في الأرض أي يطلب عمارتها، عابدا لله وحده، يحيا ويموت، يزرع ويقلع، يبني ويهدم... سنة الله في الخلق التي صاغت مفردات الكون.


والآن كيف تتكلم يا إنسان؟

أفهم الوطن أنه الأرض وما تحمل ... ما تحمل بداخلها وما تحمل فوقها، وأنا جزء مما تحمل.


وكيف يكون الوطن؟

أعني بكينونة الوطن كل مفردات الحياة من أرض وسماء وعرض ومال ونبات وحيوان وماء.


نعم خلق الله الأرض وما فيها مسخر لحياة الإنسان عليها في صورة منظومة كاملة متكاملة على شرط طاعته سبحانه وتعالى فيما خلق. ويتطلب الغوص في أعماق وطن إدراك ما تختزن الأرض من مياه ومواد عضوية مفيدة ومعادن، وما تدعمه الأرض في حياته من إنسان وحيوان ونبات.


والإدراك يتطلب معرفة مدى أهمية كل عنصر من عناصر الحياة بالنسبة لمن يحيا فيها، وهو إدراك التوزيع المتكافئ بين جميع الموارد... موارد الماء والغذاء والهواء بين كل الكائنات في شكل سلسلة حيوية دقيقة الاتزان لا خلل فيها، وفي إطار سياسة إلهية محكمة لم تترك ثغرة تؤدي إلى نقص.


لماذا تكون الأرض طيبة، وكيف؟

ولماذا تكون الأرض مباركة وآمنة؟

إن الأرض الطيبة تكون طيبة بخيراتها وبأبنائها، تكون طيبة بموقعها وتضاريسها. وتكون آمنة بوجود أمن الحياة على أرضها فلا زلازل ولا براكين، آمنة بالبعثات الربانية من الرسل والأنبياء تنشر السلام والعدل بين الناس فيكون قانون لحياتهم.


وكيف ذلك من حيث كون الوطن وطن عربي؟

إن الوطن من حيث كونه عربي هيأه الله تعالى وبما فيه من أرض وأهل لكي يستقبلوا رسله آمنين مطمئين عاقلين مستوعبين ما ينزل إليهم ويتلوه عليهم رسلهم، لكي يكونوا حماة الرسالات. فموقعه بالنسبة لباقي اليابسة على الأرض موقع وسط تماما، ومن حيث موارده الذاتية المتمثلة في التروات الطبيعية والنفوس البشرية فالموارد غنية وتملأ أرضه دون غيرها من الأراضي، وهو ما يحقق له اكتفاء داخله لكي يكون هو مكمن القوة في ذاته... لكن إذا حسن استخدام ما سخر له وتوافر له من نعم.


وماذا لو أن الوطن هو أرض إسلام أو يعيش عليها مسلمين؟

أرض الإسلام هي أرض فيها دين الله تعالى، دين الخالق العظيم الذي أعطاه للمسلمين أمانة يحفظوه ويعملوا به وينشروه بين الناس. أرض يحيا عليها الدين تشرف به ويقام عليها بين أهلها، يعيشون في هداه وفي أمنه ويسلكون طريقه مستقيمين عارفين حقوقهم وواجباتهم لا يتعدوا على حقوق ولا يكسلوا عن واجبات يؤدون ما لهم وما عليهم، يقتدون برسولهم إمام كل المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام خير قدوة لخير أمة.


هذه الأمة هي أمة الإسلام وهي موجودة أينما وجد الإسلام كان في الوطن العرب أم لم يكن فيه، فالمسلمين روح واحدة وهدف واحد وطريق واحد واستقامةواحدة وعمل واحد.


ولكي نرى أوطاننا من خلال رؤية واضحة صافية، علينا أن نقيم كل أمور حياتنا من خلال تقييم سليم وميزان مستقيم لا عوج فيه. ولن تتأتى هذه الرؤية إلا من فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ومن خلال الرجوع إليها دون تبديل ولا تفريط.


وماذا لو أن الوطن هو مصر؟ولكل وطن مسلم مكان عند الله تعالى...ووطن الإسلام واحد

أرض مصر أرض آمنة مباركة سالمة بمكانها وبأهلها، مباركة بوعد من الله عز وجل. شرفت برسل الله تعالى على أرضها وبشهادة أحب خلق الله إلى الله تعالى محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام.. فأهل مصر ذوو رحم وجندهم خير جند الأرض وبينهم الرباط إلى يوم الدين، وهو ما يعني الترابط والوحدة بين بين أهلها على الحق والخير على أرضها، فهو واقع بأمر من الله سبحانه وتعالى.


لماذا بناء الإنسان؟

ولماذا حماية الوطن؟

إن ارتباط بني آدم الفطري بالأرض لأنها منشأه الأول والأصلي الذي نبت منه وخلقت منها مادته، يجعله دائم البحث عن مكان أمنه وأمانه عليها.


ومن هنا يأتي الانتماء إلى الأرض، ويأتي معه دور الإنسان في الحياة على ترابها. فالأرض يولد الإنسان عليها وينمو وتربى من خيرها الذي أنزله الله تعالى فيها، ينمو معه دوره الذي كلفه الله تعالى به في إعمارها والحفاظ عليها كأرض وكموارد.


إن الإنسان الذي يجهل طبيعة ما هو مكلف به في حياته هو إنسان يحتاج أن يصدق مع نفسه وأن يزيل الغمام من على عينيه لكي لا يبتعد عن الطريق الذي حدده الله سبحانه وتعالى له في الخلق الأ ساسي له. لأن أساس الحياة والخلق كله هو عبادة الله سبحانه وتعالى وحده دون سواه، وذلك من خلال الإيمان بالقلب والعمل بالجوارح أي العمل الملموس الذي يمارسه الفرد تبعا لناموس الكون، وناموس الكون يقر كل من العلم والعمل.


والعبادة والعمل لا ينفصلان فالإنسان يؤدي مناسكه ويمارس أ‘ماله مستعينا بما سخره الله تعالى له وأعطاه سواء من قدرات شخصية أو إمكانيات وموارد طبيعية في الأرض حوله.


وقد جاء تكليف الإنسان على أساس من اليقين بالدين، فالدين هو عصمة الأمر الذي يحيا به الإنسان ويحدد له طريقه تحديدا شديد الوضوح والاستقامة، بل ويضمن له حسن النهاية والمآل.


ولكي يحيا الفرد الحر يجب أن يكون معاشه صالح لدنياه ولنفسه وللآخرين، طيب غض حلال كما خلق وكما أنزله الله تعالى، ولن تصلح دنياه إلا بصلاح زراعته وصناعته وتجارته وعمله فيها.


يأتي هنا حكمة التوزيع على الأرض سواء في التشكل الجغرافي أو في توزيع الموارد المختلفة... فالتوزيع عادل ولا يدبر أمره إلا من خلقه، وعليه كان شرع الله تعالى من مبدأ الحق والواجب والجزاء. ذلك الهرم المثلث "الحق – الواجب – الجزاء" يضمن حفظه وأداؤه التوزيع العادل بين الأفراد ويضمن حسن التعامل والتبادل فيه، وأيضا يضمن العائد المرضي لصحب الحق ومؤدي الواجب.


هذا الهرم المثلث يأخذ الإنسان إلى طريق البناء وليس إلى الهدم، وإلى طيق سمو نفسه على الصغائر وإلى طريق التكافل والحماية فيما بين الأفراد، وأيضا إلى السلام بين جوانب المعاملات.


يأخذ الحق والواجب في هرم البناء علاقة تبادلية، حيث يبدأ حق الإنسان منذ خلق، فقد وضعه الله جل وعلا للإنسان وهيأه له قبل أن يعي معنى للحياة وقبل أن يطلبه. فقد هيأ الله سبحانه وتعالى الظروف الكريمة ليحيا الإنسان وينشأ أولا على أرض ممهدة ثم بين أسرة محكمة الأطراف مستقيمة التعاملات فمجتمع أكبر تكمه قوانين تناسب طبيعة الإنسان وطبيعة خلقه الحقيقية.


ومجرد أن يشب الفرد تبدأ العلاقة التبادلية في تأدية الواجبات مع الحفاظ على حقوقه المشروعة. ومن خلال تأدية واتقان هذه الواجبات ومدى توجهها لله تعالى ومدى نقاؤها يتحدد جزاء ومصير كل إنسان عند الله تعالى.


الحقوق التي أعطاها الله سبحانه وتعالى للإنسان هي حقوق كاملة لا نقص فيها ولا ريبة ولا جور، هي حفظ عقيدته وحفظ عقله وحفظ نفسه وحفظ عرضه وحفظ ماله. ويبقى على الإنسان أن يدركها وأن يدرك قيمتها وأن الله تعالى خلقه مكرم وأمره بالسعي لكي يحافظ عليها ولكي يعبده سبحانه سليم العقيدة سليم النفس سليم العقل طيب المال والعرض. يسعى عابدا لله تعالى لكي يحافظ على حقوقه التي أنع الله بها عليه ولكي ينميها ويجددها ويحييها... السعي بنفس نظام هرم البناء ويتبادل بين الأفراد في معاشهم فتكون الزيادة والبركة من عند الله تعالى.


هذا السعي هو الإخلاص مع العمل باجتهاد لتغطية احتياجات المأكل والمشرب والمسكن، وفي اتجاه الإعمار أي في اتجاه الزيادة النافعة بدون ضرر ولا ضرار.


والسعي بكل طاقة الإنسان وبكل ما لديه من قدرات بأمانة وصدق من شرع الله تعالى لكي يعطي ناتج بأعلى جودة واتقان. ولكل فرد نوع السعي والعمل الذي خلق له وهو دوره في الحياة فيؤديه مع حفظ حدود الله فيه وحدود وجوده وحدود طبيعته التي خلق بها، بذلك يكون حقوقه وحفظ الآخرين أيضا.


حتى عند ضيق العيش في مكان عيشه، جعل الله تعالى له مخرج، بل مخارج، ما بين تبادلات نفعية بينه وبين غيره وصبر على رزقه واجتهاد في طلبه إلى التنقل في أرض الله الواسعة لطلب الرزق الطيب بأنواعه كان ماديا أو ماليا أو علما من نعم الله التي لا تحصى.


وعليه فإن النظر في شئون مجموع الأفراد ومصالحهم هي الغالبة في وطن الإسلام لضمان بناء محكم ومستقر لا خلل فيه، يتبادل أفراده الحقوق والواجبات عن وعي بها، ويكفي بعضهم بعضا من خلال تنوع أنشطتهم وتكاملها، ويتعاونوا على بناء أوطانهم التي هي أرضهم وحمايتها... لأن حماية أوطانهم ومقرهم هو حماية لأنفسهم وحماية لقانون معاشهم ومعيشتهم ونظامهم على أرضه.


وما إن يتحقق الإستقرار بين أجزاء الوطن يتحقق الهدف الأول من خلق الإنسان وهو عبادة الله وحده لا شريك له أي بطاعة الله سشبحانه وفيما خلق... الطاعة في تحديد الدور... الطاعة في إنجاز الدور. لأن الإنسان يعبد الله بوعيه وبإرادته التي يجب الحفاظ على استقامتها، ولا بديل.


ركن الهرم الثالث هو الجزاء أي مقابل العمل، أيا كان العمل، فالله سبحانه وتعالى يعطي جزاء كل فرد في دنياه وفي آخرته. وقدر وزن العمل الصالح هو نفسه قدر الجزاء بل بالرحمة والمضاعفة في المكافأة لأن الحسيب عدل حتى قدر حبة الخردل وحتر ما تخفي الصدور. فالعمل الصالح ثمرته حلال طيب في الدنيا وغراس الجنة في الآخرة.


وعودة إلى مبدأ العمل وحفظ الأرض، يكون التخطيط والإعداد لهدف نبيل يسعى الجميع إليه مدركين كنهه وطبيعته... فيكون الدافع جدية العمل وزيادته واتقانه من أجل زيادة الإنتاج فيتحقق الإكتفاء بإذن الله، ويكون التمسك بمباديء الفطرة السليمة الصافية لكي يكون التحصن والقوة النفسية، ويكون السهر والكد وإعداد العدة لتتحقق قوة الوطن.


ولن تأتي القوة النفسية إلا من القوة الداخلية التي تعني قوة الإيمان بالله وبما خلق للإنسان، ثم يتم ترجمتها تلقائيا إلى قوة مادية وعمل موجه جاد ومحدد... قوة تنتج وتحافظ وتحرس وتدافع.


ولا منتهى إلا بأمر الله تعالى... فالحياة مستمرة إلى أجل لا يعلمه إلا الله وحده... لكن تظل القواعد ثابتة لدينا واضحة، والخطوات مستقيمة والجزاء موعود... وحب البلاد والدفاع عنها يظل مشهود للجميع ويكون حق الوطن في الدفاع عنه وفي بناءه باقي إلى يوم الدين كجزء من إعمار الأرض وإعلاء كلمة الله تعالى كحق له في الأرض التي خلقها وكرم الإنسان الذي يعيش عليها.


حتى وإن كانت شهادة في سبيل الله فتكون طاعة لله في حفظ كلمته وأرضه ينال بها صاحبها أعلى الدرجات عند الله تعالى... وما أدرانا بمنزلة الشهادة والشهداء عند رب العرش.


لذلك فالمسلم لا يهاب ولا يضعف ولايكسر فهو يعرف منتهاه ويطمئن له ويرضى به، بل ويسعى له عن يقين غير سواه من الناس، ألا يستحق العمل والسعي باجتهاد؟!





  • Currently 153/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
51 تصويتات / 586 مشاهدة
نشرت فى 15 يناير 2009 بواسطة daliaelsayed

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

253,170