موقع داليا السيد

قرآننا .. إسلامنا - علمنا.. عملنا

الفطرة التي فطرنا الله عليها و الواقع الذي نعيشه

 

لم يخلق الإنسان عبثا، و لم يخلق إلا و هو في داخل جماعة يحيا فيها و يتعايش معها و مع سلوكياتها و عاداتها،و تبعا لما هو متعارف عيه داخل هذه الجماعة و تبعا لأغراض و لأهداف كل فرد فيها تتواجد عادة الاختلافات. و إذا تشعبت اتجاهات هذه الاختلافات حدثت المشاكل لأنها تصبح نوع من تحقيق الأهواء على تنوعها من المستقيم إلى المنحرف. المشاكل التي يعيشها المجتمعات تتراكم إلى حد أن يصل الجميع إلى حالة من عدم الرضا و إلى الصراع بين النفس و بين الآخرين. هذه الحالة موجودة بالفعل و قد أحدثت داخل أفراد المجتمع العاديين نوع من أنواع الاعتياد للأوضاع أيا كانت هذه الأوضاع من الصحة أو الخطأ دون الرغبة في تغييرها، فالبعض غير مقتنع لكنه لا يعرف كيف التصرف، و آخرين يتذمرون و يتخبطون على غير هدى، المهم أن الجميع في حالة من عدم الراحة و التوتر المستمر. و الإنسان في جميع الأحوال بشر يسعى إلى كفالة حقوقه لكي يتسنى له أداء واجباته و مهامه التي خلق من أجلها.

فالرئيس يضغط على المرؤوس و الكبير على الأصغر و الزوج على الزوجة و أصبحت الحياة سلسلة من الأوامر نتبادلها بين بعضنا البعض، و الجميع يشكو.

تتدرج الشكوى من ضيق أحوال المعيشة و عدم تلاؤمها مع متطلبات الأفراد إلى خلل في المعاملات بين الناس سواء في البيت أو في العمل أو في الشارع دون مراعاة حقوق مادية أو معنوية للغير؛ إلى ضياع و عدم تحديد واضح للهدف من الحياة.

و تراكم سلسلة الضغوط بالتوازي مع أخطاء الإنسان داخل نفسه و محاولاته لإخفائها تارة و إصلاحها تارة أخرى، تتوارث سلسلة الضغوط و الخوف حتى لأن يصبح الخطأ هو الواقع و لا زال بداخل كل إنسان شيء من فطرته المخلوق بها. هذه الفطرة باستمرار تطالب بالحق و رفع الظلم و الباطل حتى و إن ظهر القبول المؤقت على الفرد، فالتنفيذ لا محالة يتطلب إيجاد التناقض داخل الشخصية لأن هذه الشخصية لها حاجات أساسية يلزم توافرها لقوامها – ترى الصواب و لا ترى الفعل – ترى المتناقضين في نفس الوقت الحب و الإيذاء.

تمتد المشكلة لدرجة أن الصغير يتربى على الأمر الواقع الجديد مقلدا و متكيفا و أحيانا مجبرا و ليس مقتنعا و كذلك الأمر بالنسبة للكبير فهو ما بين توجيه غير محدد و تنفيذ غير مقنع و في جميع الأحوال فإن الطريق الذي يجب أن يسلك هو محل سؤال الجميع.

بمعنى آخر يمكن أن تتضح صورة المشكلة ببناء شيء يشبه القاعدة المسطحة من السلوكيات المعتادة تجمع بين شقي الصواب و الخطأ، و غالبها الخطأ لأنه طغى و ضاعت به رؤية الحق. و من هذه القاعدة حدث أن جميع الأفراد قامت بالتكيف أو التآلف مع الأوضاع الجديدة دون إمهال النفس لكي ترى مدى صحتها أو الوضع الذي يجب أن تكون عليه. و قد كان بالفعل تكيف مع واقع يحمل مجموعة من الأفكار و السلوكيات المتراكمة من خطأ و صواب فأصبحت الأوضاع الخاطئة هي المقياس التي يقاس عليها أي عمل أو إنجاز، و أصبح الناتج الذي ينتج من هذه الأفكار و السلوكيات يقوم على مقاييس خاطئة و بالتالي تكون النتائج غير مرضية و غير متوافقة مع صحة و سلامة الأوضاع من الأصل.

و ما بين ذلك ضاع ما هو مفروض من الأصل و ما هو واقع بالفعل، و معه ضاعت رؤية الحق و لم تعد الناس تقوى على التمييز بين الحق و الباطل لأن الباطل يمتدح و الطاغي ترتفع مكانته بدلا من تحجيمه في حجمه الحقيقي بل و يتمنى البعض الحائر مكانه من كثرة تزيينه. فهي حالة من الحيرة بين أي الطرق و بين ما بداخله كفرد من حق لا يستطيع أن يراه داخل الناس و لا حتى داخل نفسه، عندها يجب أن نقف و نقول لابد من حل و لابد من طريق لإنقاذ كل شيء و ليس مجرد حل وضعي أو مؤقت يأخذ فترة ثم نكتشف خطأه أو نجني خطأه على مدى الزمن و نحن نرى الانهيار في داخل كل شيء.

مع ذلك نرى أن الناس في صلب المجتمع تتظاهر أنها طبيعة العصر و طبيعة الأخلاق في الإنسان، لكن منذ متى كانت الأخلاق هي هذا العبث و الخلل، منذ متى يكون سير الحياة على هذا المنوال بأخطائها و ضغوطها و يكون الجميع في حالة من اللاشعور و كأننا جميعا جئنا و لا نعرف لم كان مجيئنا و لا ما الذي يجب أن نفعل و بأي كيفية.

فما بين نظريات علم النفس و ما بين تطبيق أساليب مجتمعات غربية مطبقة بالفعل لكنها لا تعيش نفس البيئة و لا تعاني نفس المشاكل و ليس لها مرجع حقيقي صلب يمكن الاعتماد عليه.... حالة كاملة من التشتت و لا زالت هناك مشكلة لأن المشاكل تتغير بين مجتمع و آخر تبعا لما يطبق من قوانين و عادات منتشرة بين أهله. و كل مجتمع من المفترض أنه يبحث عن حلول لمشاكله تبعا لما أتيح له من إمكانيات و ما هو مسموح و ما هو غير مسموح و هو في جميع الأحوال يبحث عن الأفضل، و الأفضل في كل شيء. لذلك فإن طرق حل المشاكل يجب أن تتلاءم مع طبيعة الأفراد و طبيعة البيئة التي يحيون فيها لكي تتناسب بالتالي مع رغباتهم في حياة أفضل داخل بيئتهم.

هنا يقال أنه ليس من الصواب أن نغرق في الأساليب متعددة التوجيه و بين الضغوط التي نحياها و يتلقاها كل منا من الآخر كي لا نصل إلى مرحلة ننفصل فيها عن أنفسنا نتصرف فيها بشيء و نشعر بآخر و نقتنع بثالث و هو انفصال تام عن الطبيعة و عن الحقيقة فنحن أولا و أخيرا آدميين لنا طبيعة ثابتة من حيث أصل الخلق، هذه الطبيعة ليس فيها نقاش و ليس لها وجهين، وجهها الأصلي هي الفطرة السمحة النقية الموحدة لله تعالى.

إن إنسان هذا الواقع قد افتقد طبيعته و كلف نفسه ما ليس لها و بذلك انفصل عن طبيعة الدور الذي خلقنا الله سبحانه و تعالى من أجله و يسره له و يسر له طريقه الذي يسلك، فحاد عن الطريق الفطري السليم، أو بمعنى آخر حدث اضطراب في مجال الرؤية أنتج أفعال و سلوكيات مشوشة، بدون هوية، تسير على غير هدى.

إن الله سبحانه و تعالى وضع لنا الصورة النقية الصافية التي يمكن أن نرى ما لا يراه غيرنا، و ضع لنا جمال في الكون، حق و سريرة شفافة، يقين قوي بقدرته و بوجوده. حق يؤكد صنعة الخالق يراه أصحاب السريرة النقية و القلب الصافي، يقين صادق بقدرة الله تعالى في تسيير كل شيء يدركه من يستخدم عقله الذي داخل رأسه بالصورة السليمة الواعية التي تقيم كل الأمور، يقين من يتمسك به و يدركه لا يمكن أن يضيع أبدا أو يضل.

إن الفطرة التي فطر الله الناس جميعهم عليها دون تفريق بين مكانهم أو ألوانهم أو حتى زمانهم فطرة واحدة لا تتغير و هي التوحيد لله تعالى ليس عبادة فقط بل إحساس و تصرف و ردود أفعال أيضا، فهو الإله وحده أي من يملك الملك و الملكوت كله الذي حولنا، يملك الكون و ما فيه، يملك نظامه و تنظيمه و العمل فيه. منتهى الحرية أن لا يعبد إلا الله وحده، و منتهى الرقي البشري أن لا يطاع إلا خالق واحد وضع منظومة خلق و دين تتماشى مع كل أنواع الناس و تواءم بينهم. ولأن الإنسان جزء من هذا الكون المنظم، فهو يسير في نفس منظومة العمل و النظام، عليه واجبات و اجتهادات إذا فعلها سارت معه كل هذه المنظومة الكونية الدقيقة من حوله دون خلل أو إخلال.

فالمنظومة كلها خلقت من أجله و خلق هو ليعبد الله باستخدام ما سخر له منها. فإذا حافظ على تسليمه الداخلي لأوامر الله تعالى بكل صغيرة و كبيرة فيها و تأكد من ذلك مهما كان هواه، إذا عرف الحق و هو حق الله تعالى أولا في العبادات ثم حق الناس (الناس هم خلق الله، فهو حق لله أيضا في خلقه) في التعامل بالصدق دون المواراة و المداراة و بالأمانة دون الغش و التحايل و بحفظ أعراضهم من كلمة غيبة أو أفعال غير لائقة و بحفظ أموالهم و أنفسهم من كل ما يؤذيها – و عرف ما عليه من واجبات فراعاها و قام بها و ما عليه من أعمال بالحسنى دون جبر و لا قهر بل من العقل و حمل الأمانة بحق التي هو مكلف بها من عمارة الأرض سواء كانت هذه العمارة من الناحية الزراعية أو الصناعية المفيدة أو التجارية الحلال، إذا صفى سريرته و نفسه بدعاء الله و التسامح و تقييم الأحوال بالفطنة و الكياسة فلم يبقى فيها سوى مشاعر الهدوء و الرضا بما لديه أيا كان،  إذا توصل إلى هذا المستوى و لو بشكل نسبي سار الكون كله معه و سخرت أدوات الكون له بشكل كامل.

إن الطريق السليم الواضح المعالم هو نفس طريق تنظيم الكون من حولنا فهل نجد الشمس تكسل و لا تشرق يوما أو تغير مواعيدها دون نظام ثابت أو يعتريها الغبار إنما هي تسير بنظام ثابت طائعة لله تعالى تضيء الآفاق و تنير الدنيا و يحيا الإنسان على ضياءها، و هو نفس منوال الإنسان إذا سار في طريق تنفيذ أوامر الله تعالى بثقة أنها الأصلح و الأفضل له و لمن حوله. فهل نعود إلى الفطرة لكي تكون هي الواقع؟

 

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 934 مشاهدة
نشرت فى 20 مارس 2007 بواسطة daliaelsayed

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

253,383