موقع داليا السيد

قرآننا .. إسلامنا - علمنا.. عملنا

العبادة بالعمل... أصل الهدف من الحياة

 

إن اختلاف مراحل الحياة التي يعيشها الإنسان بين ضعف و قوة

و صغر و كبر و مع تغير متطلبات جميع هذه المراحل هي طبيعة

داخل حياة الإنسان، هذه الطبيعة جعلته دائم السعي و دائم البحث

عن كل ما يمكن أن يقيم حياته به لكي يسير بها على طريق

مستو واضح المعالم دون اعوجاج أو انحراف لكي تصل  به هي أيضا

إلى بر الأمان فهو يدرك أنه لا محالة ميت.

لذا فقد كان اتجاه  سعي الإنسان على مر العصور نحو تهيئة أفضل

الأجواء لنفسه من الأمان و القوة على أن يجد كل متطلبات حياته

و قوامه التي يعيش عليها. و من هذا السعي و مع اختلاف الطبائع

و الرغبات بين الناس تتكون اتجاهات و أهداف يعمل الناس على

تحقيقها في سبيل تلبية رغباتهم منشغلين بها دون الالتفات إلى

سبب وجودنا كبشر على هذه الأرض الواسعة.

إن الصراع الذي يتواجد داخل البعض، لماذا خلقنا؟ أو ماذا بعد العمل

و السعي؟ أو ما الفائدة من كل هذه المشقة؟، هذا التساؤل و هذا

الصراع لا يمثل سوى فقدان لمعنى الحياة و معنى أصل وجود الإنسان

و تكوينه بهذه الصورة التي هو عليها و هو أيضا فقدان لمعنى خلق كل

هذا الكون الهائل و ما فيه و تسخيره للإنسان. إن هذه الحصيلة من عدم

معرفة سبب الحياة تؤدي

إلى اضطراب في النفس هذه الاضطرابات تترجم إلى إضرابات داخل السلوكيات

الفردية و بالتالي يصعب الوصول إلى مرحلة الاستقرار النفسي داخل الإنسان،

في روحه و نفسه و جميع جسده، حيث ترى النجاح و الفشل في كل صوره

و تفقد معرفة الجزاء في كل حالة من الحالات و لا معنى لدى الفرد لمدلول عباداته

التي هي في الأصل سبب خلقه و على هذه العبادات بنيت

كل منظومات النفس و الكون من حولنا.

إن إنسان كل العصور يبحث باستمرار عمن أعلى منه درجة لكي يتبعه عسى أن

يهديه إلى طريق قوام معيشته و استقرار نفسه فهو يجمع، عن قصد أو غير قصد،

خبرات من قبله و يضيف من فكره لكي تتلاءم مع ظروفه في استخدامها؛ هذا البحث

أنتج اختلاف في الأتباع و الإتباع بين الناس و بالتالي فيمن يختاره الإنسان قائدا له

وهاديا أو معبودا له على المدى الأوسع لكي ينصاع إلى

أوامره فهو يثق في معبوده و يطيعه

لأنه يعرف أن في طاعته صلاحه. و هنا فلنقف و نتساءل من هو الأصلح لكي يقر لنا

منوال حياتنا و طريقة معاشنا، من يقول ما يجب علينا أن نقبله و ما يجب رفضه و تعديله

ثم ما هي الكيفية الدقيقة للتعديل؟

و لنسير بالتدريج إلى أن نصل إلى لب الموضوع و إلى تطبيقه، من مرحلة خلقنا كبشر

و سببها، ثم من هو الأفضل لكي يضع رسم تفصيلي لخط السير؟ و ما هي أفضل الطرق

لكي نسلكها؟ 

إن الله سبحانه و تعالى خلق الناس جميعهم عربهم و عجمهم ، أبيضهم و أسودهم ،

قويهم و ضعيفهم – في مصر و في أمريكا و في السعودية و في أوروبا على فطرة واحدة

لا تفرق بين إنسان في مكان و آخر و لا بين نوعه أو وظيفته. فكلنا إنسان له نفس الأصل

و نفس طبيعة الخلق و بالتالي له نفس الرغبات و نفس الإتجاهات؛ لذا فهو دائم البحث عن

الأفضل، دائم الحركة و النشاط في اتجاه معاشه - إلا أن الأدوار تختلف

و كذلك المسئوليات و قد وضعها  الله سبحانه و تعالى مختلفة تبعا لاختلاف البيئات التي

ينشأ فيها الإنسان ما بين بيئة حارة و معتدلة و باردة و ما بين تضاريس مختلفة تتوزع على

سطح الأرض و أيضا تبعا لاختلاف احتياجاته منها و هو ما نسميه الآن اختلاف الثقافات و هي

في الأصل توزيع بيئي و حيوي من الخالق.

كل إنسان حي خلق و روعي أفضل رعاية داخل رحم و هذه الرعاية نقول بشكل مبدئي أنها

تكفيه لأن يعيش غير ناقم على حياته، فماذا ينتظر سوى رعاية منذ بداية النشأة في المهد

على أعلى نظم الحماية و الحفظ و الغذاء المتوافر، نظام حياة كامل متكامل يتمثل في:

- إنسان له جسد و روح، الجسد أعضاء و وظائف تسير بإذن من الله و بإرادته فهو وحده

الذي يسيرها بما يشبه في تصورنا بالساعة، إلا أن هذه الوظائف داخل جسم الإنسان

أكثر دقة و هو ما أثبته العلم الحديث الغربي و العلم القديم العربي. أما الروح فلا يعلمها

إلا الله وحده و هي المهيمن على تصرفات الإنسان – أما وسائل الحفاظ عليها و الإرتفاع

بها فتكون بربطها بخالقها فقط لكي يتلألأ نورها.

- مخلوقات كونية من أرض و سماء و ماء و كائنات، حتى الآن نكتشف جديدها و لن نصل

إلى عظيم هذا الخلق كله إلا أننا نعمل و نحاول، و جميعها في خدمة الإنسان و متطلباته

بشرط الحفاظ عليها و تنميتها. 

و إذا تدرجنا في هذا الخلق و في سبب خلقه، و في حكمة الخالق الواحد فيه، نقول في صورة

مثال مبسط يقرب الفهم إلى أذهاننا أنه مثلا و على مستوانا كأفراد ما من صانع لأي جهاز إلا و 

يريد أن يوظف هذا الجهاز في طريق معين و لهدف معين و إلا لما صنعه و بالتالي فهذا الجهاز

يسير في خدمة من صنعه دون أن يدرك بالطبع حقيقة صانعه  (الإنسان) و لا طبيعة خلقه

فالطبيعتين مختلفتين تماما، ما بين الإنسان و الجهاز،

و ما على الجهاز سوى أن ينفذ البرنامج الذي وضع له بكل دقائقه. ثم هل الآلة هي التي تحدد

طريقة تشغيلها و خط سيرها و هي لا تدرك كل شيء عن نفسها و لا عن مستقبلها و ما هو

مقدر لها و خاصة أن العديد لا يدرك طبيعته و لا ما يريد لنفسه أم أن صانعها هو الأدرى بما هو افضل لها؟.

إن أي آلة تباع في السوق معروف أن لها صانع و هدف  من صنعها و طريقة تشغيل خاصة بها،

ثم يكون لها طرق و تعليمات صيانة و حفظ لكي لا تتعرض للتلف و لكي يمكن استخدامها على نحو أمثل

في فترة عمر أطول و أيضا إذا فسدت يمكن استدعاء صانعها لكي يرى بأي الوسائل يمكن إصلاحها لكي

تعود للعمل بنفس درجة الكفاءة.

و الموضوع هنا له نفس الشبه فنحن جميعنا صنعة الله، و لله المثل الأعلى،  فنحن لا ندرك الذات الإلهية

(ذات الله الذي خلقنا)، و قد خلقنا لعبادة الله وحده بأمر ممن وضع الصنعة أي لكي نعبده بعملنا، أيا كان

هذا العمل، المهم أن يكون عمل مفيد و صالح - إلا أن الله سبحانه و تعالى خلق لنا العقل لكي ندرك

به ما حولنا و لكي نختار الوسيلة التي نعيش بها في إطار العبادة لله وحده. إن هذا العقل هو تكريم

للإنسان لكي يختار ما يتناسب مع معيشته دون طغيان أو ظلم لنفسه أو لغيره و هذا الإختيار هو

الخط الفاصل الذي يسير بالإنسان إما إلى طريق صالحه و صالح من حوله و هو في الخير و الهداية

أو إلى طريق الفوضى و التوهان أو الضلال و هو ما فيه خراب له و لمن حوله.

لكن أين طريقة التشغيل و الصيانة؟ إن طريقة التشغيل و الصيانة محددة و بوضوح في كتاب لا يمكن

أن يصيبه خطأ. هذه الطريقة منظمة في فقرات و تعليمات و أمثلة لكي تعطي العقل فرصة للفهم

و الإقتناع ثم الإختيار - هذا الكتاب هو القرءان الكريم و هو الكتاب الباقي الذي لا يمكن أن يتداخل

معه كلمة من بشر أو يصيبه ما يخل حفظه، فهذا الكتاب لم يترك شيء من قوام الإنسان و حياته

كلها بل و مماته أيضا إلا و وضع الخطوط و المنهج و خريطة السير.

ثم أن هذا الكتاب العظيم ميسر للذكر و للقراءة فأيا قرأت منه تفهم كلماته، كما أن لغته تنطق بها

و هي أيضا لغة كثيرة المعاني و الكلمات التي يمكن أن تستخدم للتعبير عن خلجات النفس الصغيرة

و متطلباتها -  أما ما لا تفهم منه فيجعل الله لك نورا تفهم به و أنت تقرأ، نورا تستقر به نفسك و يرشدك

إلى مغزى الكلمات.

و كيف للفرد العادي أن يفهمه؟! ألا يوجد من يشرح أو يفسر أو يقوم بالتطبيق العملي؟! إن جميع الرسل

و الأنبياء على مر العصور أرسلهم الله تعالى لكي يشرحوا لهم طبيعة خلقهم و هم مكرمين و لا فروق بينهم،

و لقد اختتمت الرسالات بسيدنا محمد عليه الصلاة و السلام فهو إنسان على خلق كريم، إنسان مثل باقي

الناس له نفس أنشطة حياتهم و احتياجاتهم من مأكل و مشرب و ملبس و عمل و راحة و سوف يسهل على

الناس رؤية طريقة التطبيق و العمل من خلاله و من خلال تصرفاته ثم تصرفات من يقلده من بعده لكي يحسن

فهم دينه و يعمل به في دنياه من أجل آخرته.

أما إذا حدث خلل أو اضطراب فإن الطريق مرسوم و موجود أيضا بالتوبة و تصحيح الخطأ بشكل ملموس ينقي

الفرد من أفعاله و لا يستعبده لغيره من خلال العودة إلى طريق العبادة و الطاعة التي نص عليها الكتاب.

و إذا قرأت في القرءان سوف تجده يتحدث عنك و عن سواك، سوف تدرك جيدا أن لكل فرد أيا كان وضعه

دوره المكلف به صغر أم كبر و لا يمكن أن يخلق الدور و يحدد دون إمكانيات تيسر له أداء هذا الدور -

سوف تجد أن لكل فرد مكانه عند الله تعالى من خلال عمله و مدى حرصه على تأدية تعليمات الكتاب.

بمعنى أنك سواء تعيش في مدينة أو في قرية / تعمل بيدك أو باستخدام آلة / تأكل ما تريد من الطيب

و تترك الخبيث / تستقر هنا أو تسافر هناك؛ فإن جميعه في إطار العبادة:

- تعبد الله أي تسير بأمره وحده و لأمره – إن شاء أعطى و إن شاء منع و كل بحكمته سبحانه –

تطيع و تنفذ ما في طاعة و إرضاء الله و من أجل ابتغاء وجه الله تعالى و رحمته لك في حياتك كلها.  

- تعبد الله تعالى أي أنك طوع الخالق وحده و طوع قانونه في الكون - طائعين لله

- تعبد الله تعالى أي تدرك جيدا معنى "إنا لله" و "إنا إليه راجعون"

و بالفعل لم تترك العبادة دون أن يوضع لها الإمكانيات أو الوسائل التي يمكن أن تؤدى بها، منتهى التخطيط

و الإعداد الكامل. نجد هذه الوسائل في كل الكون أرض ممهدة للسير و الحياة عليها – سماء تحمي و تؤمن

– مياه بحار و أنهار تحمل السفن و تروي الإنسان و الحيوان و النبات – حيوانات و نباتات لغذاء الإنسان و حياته

و لإكمال السلسلة الحيوية في الكون، العديد من الإمكانيات تتمثل في أجزاء أصغر و مفردات داخل كل جزئية

لا تعد و لا تحصى - شرط الحفاظ عليها و تنميتها كي لا تنفد من الإستهلاك الطبيعي البشري. ثم في الإنسان

ذاته و النظام الحيوي الذي يسير به جسده و أعضاؤه - في ساعته الفسيولوجية التي تدق في الحركة و السكون

يأكل و يهضم و ينام و ينمو – في هيكل العظام و العضلات المتناسق الذي يتحرك لكي يؤدي متطلبات و رغبات الإنسان.

إن القلب و العقل هما الحاكم و الشاهد على الإنسان لأنهما وسيلة اختيار الطريق لما في الصالح الحقيقي للفرد -

من خلال التمييز الواعي بين ما هو صالح و ما هو واجب بالفعل، و ما هو غير صالح و ما هو تابع لهواه – فكل الوسائل

مجهزة لتجنب طريق هلاكه و هلاك الإمكانيات التي خلقت له بشرط حسن الفهم و حسن التطبيق، فهل من عاقل

مدرك للدين و الدنيا معا؟!

  • Currently 150/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
50 تصويتات / 1037 مشاهدة
نشرت فى 20 مارس 2007 بواسطة daliaelsayed

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

256,074