موقع الخبيرالدكتور / حمادة صلاح صالح صاحب بيت الخبرة الامناء الاستشاريون للخبرة والتقييمالمعتمد للتقييم بالبنك المركزي

موقع متميز لفرادة التخصص فى التقييم وكافة الخدمات اﻻستشارية للبنوك والشركات والبيع بالمزاد العلنى

مصر .. إلي أين؟! 2


سعد هجرس
الحوار المتمدن - العدد: 1739 - 2006 / 11 / 19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع     

المؤتمرات كثيرة.. بل ربما أكثر من اللازم.. فقد تحولت في الآونة الاخيرة الي »بيزنس« بكل ما في الكلمة من معني، وفي احسن الاحوال تحولت الي ساحات للمساجلات الكلامية المعادة والمكررة التي يتم خلالها اجترار الاقوال المستهلكة والشعارات المصكوكة وسابقة التجهيز.
وإذا كانت هذه هي القاعدة فان لكل قاعدة استثناءات وأحد الاستثناءات التي تؤكد القاعدة المؤتمر السنوي لجماعة الإدارة العليا.. وحيثيات هذا الاستثناء متعددة.
فهذا المؤتمر ليس نبتا شيطانيا، بل انه الابن الشرعي لواحدة من الجماعات الاهلية المصرية المرموقة هي »جماعة الإدارة العليا« التي تأسست عام 1964 تحت اسم »جماعة خريجي المعهد القومي للإدارة العليا« ثم تطورت لتضم اعضاء وخبرات من خريجي المعهد فسميت »جماعة الإدارة العليا« وتضم في عضويتها الشركات والمؤسسات العامة والخاصة بجانب عضويتها للافراد وتسعي باستمرار لتنمية اعضائها من رجال ونساء الإدارة العليا وتعبئة طاقتهم لخدمة قضايا المجتمع.
ومنذ تأسيسها عام 1964 دأبت علي عقد مؤتمر سنوي يتناول قضايا التنمية والمجتمع ويتيح فرصة الحوار بين النخبة.
ولعل هذا المؤتمر من بين أمور نادرة تتسم بالدقة في مصر، حيث تستطيع ان تضبط ساعتك علي موعد انعقاد ثابت لم يتغير او يتعطل ربما إلا مرة واحدة بسبب هزيمة 1967.
وليس الانتظام الدقيق هو السمة الوحيدة لهذا المؤتمر دائما نجد سمات ايجابية اخري من اهمها الموضوعية، والصراحة، والبعد عن النفاق وخداع الذات، سواء في اختيار الموضوعات او في كيفية الحوار حولها.
ومن الامور التي تستحق الاشادة ايضا ان جماعة الادارة العليا تجمع كل هذه الحوارات العميقة والصريحة والساخنة وتطبعها في كتاب سنوي.
ولو ان من بيدهم صنع القرار اهتموا بالاطلاع علي »مجلدات« حوارات المؤتمرات السنوية لجماعة الإدارة العليا لوجدوا امامهم ثورة من الافكار اللامعة التي تساعدهم في كثير من الامور التي تعاني من ازمات مزمنة.
وفي المؤتمر السنوي الثاني والاربعين، الذي يعقد الان في الاسكندرية، اختار الدكتور زكريا جاد رئيس المؤتمر وأمينه العام عمرو موسي سؤال: مصر إلي أين؟ ان يكون الموضوع الرئيسي هذا العام.. وهو بالفعل سؤال عام.. وسؤال الساعة.
وتعطي الاجتهادات الموضوعية والصريحة في الاجابة عليه اهمية استثنائية لهذا المؤتمر الذي هو بدوره مؤتمر استثنائي.
وللحديث بقية




 

 

 

 

 

ضمير مصر .. لا ينام في الاسكندرية .. ولا يرقص علـى سـلالم الأوبــــرا


سعد هجرس
الحوار المتمدن - العدد: 634 - 2003 / 10 / 27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع     


النغمة السائدة – بحسن نية أو سوء قصد – هى أن "الكل باطل وقبض الريح"، وأننا "يا عزيزي كلنا لصوص" إذا استعرنا عنوان الكاتب الكبير  إحسان عبد القدوس.
حتى أن ما قاله مالك فى الخمر يصبح جزءا يسيرا من الهجاء العنيف لنخب المثقفين العرب، والمصريين، فى السنوات الأخيرة.
لدرجة أن كلمة "مثقف" أصبحت تستدعى معها عددا من الصور النمطية الكاريكاتورية، منها على سبيل المثال صورة "المبرراتى" و"الانتهازي" و"الوصولى" و"المرتزق" و"البوق" و"صوت سيده" سواء كان هذا "السيد" هو حكومته المحلية حينا أو أحد صغار كبار موظفى البيت الأبيض أو البنتاجون الأسود أحيانا.
وبطبيعة الحال، فإن هذه الصورة التعيسة لم تأت من فراغ، وليست كلها وليدة الافتراء أو الاختلاق، بل ان سلوك الكثير من "المثقفين" هو المسئول الأول عن رواجها، خاصة بعد "الاختراق" الكبير للعقل العربى فى ظل طوفان "العولمة" الكاسح وهيمنة الخطاب الإعلامي الأمريكي الإمبراطوري المدجج بحاملات الطائرات والقذائف الباليستية العابرة للبحار والمحيطات والقنابل "الذكية" والقواعد العسكرية المزروعة فى الأراضي العربية وجيوش الاحتلال الجاثمة على أنفاس العراق والمهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور لكل من تسول له نفسه مناطحة الثور الأمريكي الهائج.
خطيئة التعميم
لكن أخطر ما فى هذه الصورة الرائجة – عمدا على الأرجح- هو ما تنطوى عليه من تعميم خاطئ وظالم.
فليس صحيحا على الإطلاق أن العقل العربى الجمعي تم ترويضه، وليس صحيحا على الإطلاق ان جميع المثقفين العرب والمصريين أصبحوا عرائس ماريونيت أو مهرجين فى بلاط السلاطين أو مضحكين للملوك والامراء أو ناطقين رسميين أو غير رسميين باسمهم أو باسم جورج بوش الابن أو الأب أو زوج الأم.
وليس صحيحا على الاطلاق أن كل النخبة المثقفة العربية ، من رأسها الى ساسها، أصبحت معطوبة وفاسدة لا تعمل حساباً إلا لسيف المعز وذهبه، سواء كان هذا "المعز" مرتديا الزى "الوطنى" أو مكتسيا بمسوح العولمة أو قابعا فى المكتب البيضاوى منتحلا لنفسه وظيفة شرطى العالم دون تفويض من أحد.
وهناك الكثير من الأمثلة التي تدحض هذا التعميم الخاطئ والظالم، لكني أكتفى بالاشارة هنا إلى نموذجين حدثا فى الأيام والساعات الأخيرة .
جماعة محترمة
النموذج الأول هو جماعة الإدارة العليا، وهى جمعية أهلية تواظب منذ نشأتها على تنظيم مؤتمر سنوي تناقش فيها أهم المشكلات المطروحة على جدول أعمال الوطن والأمة.
وقد عقدت مؤخرا مؤتمرها التاسع والثلاثين بمدينة الإسكندرية كالعادة، وفى نفس الموعد المنضبط، رغم أنه لا يوجد مثل هذا الانضباط وهذا الإصرار فى الكثير من مناحى حياتنا.
وإذا جمعت دراسات ومناقشات المؤتمرات الثماني والثلاثين الماضية، وقرأتها جيدا، ستصاب بالذهول والدهشة، لأن كل أوجاع الوطن والأمة مرصودة بدقة، وجرى تشخيصها بوعي شديد، كما تم اقتراح اكثر من علاج ناجع لها.
ولو أن عشر معشار التوصيات الصادرة عن هذه المؤتمرات تم الأخذ بها لأصبح الحال غير الحال.
والمدهش أن جماعة الادارة العليا تحرص دائما على أن تدعو رئيس الحكومة والوزراء لحضور هذه المؤتمرات، وكثيرا ما حضر كبار المسئولين وشاركوا فى المناقشات بالفعل ، ولا يخلو مؤتمر من حضور اكثر من وزير.. أى ان الحكومة على علم بهذه التوصيات، بل أن بعض ممثليها ربما يشاركون فى وضعها.. ومع ذلك فانه نادرا ما تم الأخذ بها ووضعها موضع تطبيق.
أما ما يجعلنى أضرب المثل بهذه المنظمة غير الحكومية، فهو أننى من خلال مشاركتى فى المؤتمر التاسع والثلاثين الذى عقد فى الفترة من 15 الى 19 أكتوبر الجارى، ومن خلال إطلاعى على أعمال المؤتمرات السابقة ودراستها دراسة متأنية، أجد نفسى أمام مدرسة للوطنية المصرية بكل ما تحمله الكلمة معنى، وأمام نموذج للمثقف المصرى المحترم الذى لا ينافق أو يداهن، والذى يضع نصب عينيه مصلحة الوطن والأمة أولا وأخيرا، دونما مزايدات أو مناقصات وبلا مركبات نقص أو إحساس بالدونية إزاء "أبانا الجالس فى البيت الأبيض" وزعانفه الأيديولوجية وفزاعاته الفكرية التى أصبحت بالنسبة للكثيرين "أناجيل" لا يجوز مراجعتها أو مناقشتها.
كوكبة مشرفة
وفى المؤتمر الأخير – علي سبيل المثال- كانت هناك مناقشات رفيعة المستوى للعديد من القضايا والمستجدات شملت :
1- مستجدات النظام العالمي منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وانعكاساتها على مصر بصفة خاصة وعلى مستوى العالم العربي والاسلامي بصفة عامة.
2- التواجد الأمريكي المباشر على الأرض العربية واثاره.
3- مفاهيم ومخططات الشرق الأوسط الجديد والسوق الشرق أوسطية.
4- محددات ودوافع النهوض بالاقتصاد المصرى.
5- إمكانية تفعيل دور الثروة البشرية ومؤسسات المجتمع المدني فى مصر لضمان المشاركة الايجابية والفعالة فى مسيرة التقدم والتنمية متضمنة مختلف جهود التحديث والتطوير فى دور المتغيرات المعاصرة على المستوى الإقليمي والدولى
وقد شاركت فى هذه المناقشات كوكبة من المثقفين، الذين تتشرف بهم أى أمة ويتألق جبينها بهم ، منهم الدكتور عبد الوهاب المسيرى والدكتور حمدى السيد وشريف دلاور والدكتور اللواء أحمد عبد الحليم والدكتور حسن نافعه والدكتور عبد الله الاشعل والدكتور جلال غراب والدكتور وجيه دكرورى والدكتور جمال زهران والدكتور حاتم القرنشاوى والدكتور رضا العدل والدكتور محمد منصور والدكتور محمود عبد الفضيل والدكتور نادر رياض والدكتور يوسف مظهر والدكتور محمد رياض والدكتورة أمانى قنديل وجميل مطر والدكتور إبراهيم سعد الدين والدكتور جودة عبد الخالق والمهندس نادر الجيار والأستاذ السيد يسين والدكتور فريد النجار والأستاذ محمود المراغى والدكتور رفعت لقوشه والدكتورة كريمة كريم والدكتور حسن حسنى، والدكتور أحمد بن حلى والأستاذ يحيى المقدم والمهندس سعيد أباظة والدكتور محمود سالم والدكتور أسامة علما والمهندس عمر الفقى والمهندس السيد يونس والأستاذ فاروق جويدة والدكتورة هدى جمال عبد الناصر، فضلا عن الوزيرين مفيد شهاب وعثمان محمد عثمان ومحافظ الإسكندرية اللواء عبد السلام المحجوب.
هذه الكوكبة المتألقة من المثقفين المحترمين ما كان ممكنا أن تجتمع فى مكان واحد وتشتبك فى مناقشات جادة مستمرة لمدة ثلاثة ايام متواصلة، إلا لو كان لجماعة الادارة العليا ذاتها عقل يحسن التفكير والتدبير، وضمير حى تؤرقه أوجاع الوطن والأمة ، وارادة جادة على الاستمرار مهما كانت العواصف والأنواء.
وهناك بالفعل جنود مجهولون كثيرون وراء هذا الجهد النبيل يستحقون الشكر والتقدير، اكتفى لاعتبارات المساحة بالإشارة الى ثلاثة منهم فقط: الدكتور زكريا جاد نقيب الصيادلة ورئيس الجمعية والدكتور عمرو عبد الحميد موسى الأمين العام للجمعية. والزميل العزيز أسامة غيث الأمين العام للمؤتمر، و"الدينامو" المحرك له، وقبل ذلك كله النموذج المشرف للصحفى المصرى الملتزم بقضايا وطنه وأمته والمدافع عنها فى كل الظروف والأحوال بموضوعية ونزاهة وشجاعة.
صنــع اللــه
أما النموذج الثانى للمثقف المصرى، والعربى، الذى يضع اصبعه فى عين التعميم الخاطئ والظالم الذى يروج أسطورة "يا عزيزى كلنا لصوص"، فهو الأديب صنع الله إبراهيم، الذى فجر قنبلة مدوية فى الحياة الثقافية المصرية، والعربية باعتذاره عن عدم قبول جائزة الرواية العربية، وهى جائزة لها قيمة معنوية وأدبية كبيرة، فضلا عن قيمة مادية كبيرة أيضا – بالنسبة لامثالي وأمثال صنع الله- حيث تبلغ مائة ألف جنيه بالكمال والتمام.
وقد تصرف صنع الله بصورة راقية ومتحضرة جدا، فقد ذهب الى دار الاوبرا، حيث تجرى مراسم التكريم وصافح وزير الثقافة، والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وأعضاء لجنة التحكيم الذين صوتوا لصالحه . ثم وقف أمام الميكروفون وألقى بيانه الذى تضمن مسوغات اعتذاره عن عدم قبول الجائزة والمائة ألف جنيه.
وليس المهم هو ما إذا كنت توافق أو لا توافق على مسوغات صنع الله (أنا شخصيا أوافقه على معظمها)..
المهم هو أن صنع الله ضرب مثالا للمثقف الذى يحترم نفسه، ويحترم قناعاته بصرف النظر عما إذا كانت هذه القناعات – فى رأيك - صحيحة أم قابلة للجدل.
المهم هو أن صنع الله قدم نموذجا عمليا للمثقف الذى لا يجبن أن يقول "لا" بالفم الملآن وعلى مرأى ومسمع الجميع.
المهم هو أن صنع الله تمرد على لعبة التواطؤ والمسكوت عنه، بدليل أن الاغلبية الساحقة من المثقفين الذين كانوا حاضرين لهذه الواقعة ظلوا يصفقون تصفيقا حادا لمدة تزيد على ربع ساعة متواصلة إعجابا بموقف صنع الله الذى لم يفكر أحدهم فى الإقدام على جزء منه.
المهم هو أن صنع الله قدم لابنك وابني والأجيال الصاعدة نموذجا للمثقف المتسق مع نفسه ومع أفكاره ومعتقداته، بصرف النظر عن مدى اتفاقك أو اختلافك مع هذه الافكار وتلك المعتقدات – وقدم مؤلف رواية "أمريكانلى" أو "أمرى كان لى" رواية واقعية لا تقل إبهارا هى رواية "أمريمازلى" أو (أمرى ما زال لى).
ومن هذين النموذجين، النموذج الجماعى المتمثل فى جماعة الإدارة العليا، والنموذج الفردى الذى جسده صنع الله إبراهيم، نستنتج خطأ التعميم الظالم لنظرية "يا عزيزى كلنا لصوص"، وأن هناك مايزال رغم كل محاولات الاختراق والبيع والشراء- مثقفون محترمون يمثلون ضمير مصر .. الذى لا ينام فى الإسكندرية (اقتباسا بتصرف لعنوان رواية الصديق إبراهيم عبد المجيد الرائعة) ولا يرقص على السلم، حتى لو كان سلم الأوبرا.

 

 

أيها المجتمع المدنى الكسيح .. كم من الجرائم ترتكب باسمك؟!


سعد هجرس
الحوار المتمدن - العدد: 2115 - 2007 / 11 / 30
المحور: المجتمع المدني
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع     

على غرار شعار "الاسلام هو الحل" .. أصبحنا ننام ونصحو على شعار "المجتمع المدنى هو الحل" .. والعجيب أن هذا الشعار الاخير لا تبشرنا به الحكومة فقط، وإنما تنافسها المعارضة فى أحقية ملكيته الفكرية.
ومع الانتشار الواسع لهذا المصطلح أصبحنا نتعاطى تعريفات مختلفة ومتعددة له حتى نكاد نشعر بأننا نتحدث عن أشياء مختلفة جداً رغم أنها تحمل نفس الاسم، ورغم أنها – على اختلافها- تزعم كلها أنها هى "الحل" لمشاكلنا المزمنة والمتفاقمة، مثلها مثل "شربة الحاج محمود" ذات الصيت الشائع فى الثقافة الشعبية المصرية والتى يزعم المروجون لها أنها قادرة على الشفاء من كل الامراض.
فهل صحيح أن المجتمع المدنى هو الحل بعد سنوات عجاف عجزت فيها الحكومة عن وقف التدهور العام الذى شمل كلاً من السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، كما شمل الاقتصاد مثلما شمل السياسة، وترك بصماته على القضايا الاجتماعية الاساسية كما ترك بصماته على الخطاب الثقافى السائد؟!
محاولة الإجابة عن هذا السؤال الملح تقتضى – أولاً – تحديد المقصود بـ "المجتمع المدنى" خاصة وأن هذا المصطلح من المصطلحات التاريخية التى تعرضت إلى تغيرات كثيرة على مر العصور. فهو مصطلح أوروبى الاصل والفصل كان أول ظهور له خلال النصف الثانى للقرن الثامن عشر، مواكباً تحول بلدان غرب أوروبا من الاستبداد والاقطاع الى الديمقراطية البرجوازية.
ثم اختفى هذا المصطلح "الجديد" منذ النصف الثانى للقرن التاسع عشر ولم يظهر من جديد الا بعد الحرب العالمية الاولى ، لكنه ظهر هذه المرة فى سياق مختلف وعلى يد مفكر "يسارى" هو جرامشى.
ولذلك نجد أن الفلاسفة والمفكرين الاوروبيين قد اختلفت تقييماتهم لهذه الظاهرة التى حملت عنوان "المجتمع المدنى" فى سياقات وقرون مختلفة .
ومشكلة مفهوم المجتمع المدنى – كما وضع يده عليها الباحث المغربى المتخصص فى سوسيولوجيا المجتمع المدنى الدكتور محمد الغيلانى- هى "ميوعته" وانتشاره فى كل الاتجاهات، لينحت لذاته وجوداً ما تارة، أو ليفُرض عنوة تارة أخرى، بحيث أصبح اصطلاحاً متداولاً فى الجدل الذى تخوض فيه النخب التى تنتمى الى مجالات وقطاعات مختلفة : فى المعرفة ، والسياسة ، والاقتصاد.
والعجيب أيضاً انه من الاصطلاحات الحديثة "المستوردة" من الغرب ، لكن التى تلقى ترحيباً فى القاموس الذى تتداوله التيارات الدينية (التى عادة ما تعرب عن نفورها من أى أفكار او مصطلحات غربية) . فلا وجود لرجل دولة أو رجل دين الا واستخدم ، أو استغل ، هذا المفهوم.
بل إن فئات وهيئات عريضة من قطاعات المجتمع المدنى تتبارى فى السعى للحصول على صفة العضوية فى تنظيمات المجتمع المدنى ، لأن هذه الصفة تعد مصدراً من مصادر الشرعية: شرعية وجودية ، شرعية حداثية.
وهذا ينقلنا الى نقطة مهمة ، هى انه مهما تعددت التعريفات للمجتمع المدنى فإنه مرتبط ارتباطاً شرطياً بفكرة الحداثة. بمعنى أنه لا يمكن ان يوجد دون وجود دولة حديثة. وإذا ظهر فى دولة تقليدية قائمة على علاقات عشائرية أو قبلية أو غيرها من العلاقات السابقة على الرأسمالية فإنما يكون "مسخاً " مشوها.
وهذه مسألة بالغة الاهمية رصدها المفكر المعروف د. عبد الاله بلقزيز الذى اكتشف جذرها فى الخلط بين "المجتمع المدنى" و "المجتمع الاهلى" اعتقاداً بأن جوهر المجتمع المدنى هو استقلالية مؤسساته عن الدولة.
صحيح أنها قد تكون مستقلة عن الدولة لكنها تابعة لطائفة دينية أو عرقية أو عشائرية. هذه التبعية تفرغ مفهوم المجتمع المدنى من مضمونه لأن العلاقة الناظمة للمجتمع المدنى الحديث ومؤسساته هى المواطنة والتمثيل الوطنى لا الانتساب الى عصبية مذهبية أو فئوية، وهذا هو الغالب على مؤسسات "المجتمع المدنى" فى البلاد العربية. لأن المفترض فيها أنها مؤسسات "حديثة" لكنها مغروسة ومزروعة فى تربة تقليدية ومتخلفة.
هذه المفارقة كانت محور مداخلة كاتب هذه السطور فى المؤتمر السنوى الثالث والاربعين لجماعة الادارة العليا الذى عقد يوم الخميس الماضى بالاسكندرية، الذى تشرفت بالمشاركة والحديث فى جلسته الاولى، والذى تواصلت جلساته الغنية للبحث فى واقع ومستقبل المجتمع المدنى فى مصر.
هذه المفارقة لها أسباب متعددة، من بينها ان فكرة المجتمع المدنى ذاتها نشأت فى الغرب كما أشرنا من قبل، ولم تصل إلينا الا فى فترة متأخرة جداً، وفى ظروف مغايرة لظروف البلدان الاوروبية بطبيعة الحال.
والاهم من ذلك أن الواقع المصرى لم يعرف شيئا اسمه الملكية الخاصة للارض الزراعية على امتداد آلاف السنين، ولم تعرف مصر هذه الملكية الخاصة الا مع صدور اللائحة السعيدية ، اى فى عصر سعيد باشا، وهى فترة قريبة جداً بالنسبة لبلد يعود تاريخه المكتوب الى اكثر من سبعة الاف عام .
وغياب الملكية الخاصة معناه – فيما يخص موضوعنا – غياب الاساس الموضوعى لنشأة المجتمع المدنى على النحو الذى شاهدنا تجلياته المتعددة فى الغرب الاوروبى . لأن الارض وما عليها ومن عليها مملوكة للحاكم.
وحتى بعد اللائحة السعيدية فان ظهور بوادر هذا المجتمع المدنى جاء موسوما ببصمات الاجانب المستعمرين من ناحية ونخبة حاكمة مستبدة من ناحية أخرى، تنظر الى المصريين – حتى من عليه القوم- على أنهم "عبيد احسانهم"!!
اى ان الوجه الاول لهذا المجتمع المدنى المصرى جاء وجها مشوها وممسوخاً، ومع ذلك فان التطور الاقتصادى والاجتماعى المواكب لتطور الحركة الوطنية وتطلعها الى انتزاع الاستقلال الوطنى ساهم فى ظهور وجه "وطنى" لهذا المجتمع المدنى الهش. وهذا الوجه الوطنى هو الذى لعب دوراً بالغ الاهمية فيما بعد فى تحديث مصر من خلال مبادرات أهلية رائعة فى مقدمتها إنشاء الجامعة الاهلية التى اصبحت جامعة القاهرة بعد ذلك، وحركة التأليف والترجمة والإبداع الفكرى والفنى، وتيار النهضة الاقتصادية الذى قاده طلعت باشا حرب وأرسى من خلاله مؤسسات اهلية لعبت دوراً رائداً فى مجالات عديدة.
لكن هذه الصحوة الوطنية لمؤسسات المجتمع المدنى، أو فلنقل مؤسسات المجتمع الاهلى تحرياً لمزيد من الدقة، كانت قصيرة العمر، لأنها سرعان ما اختنقت، حيث جرى تأميم العمل الاهلى مع تأميم الاقتصاد بعد ثورة 23 يوليو 1952، وتم اختزال المجتمع المدنى فى أعمال خيرية محدودة الاثر.
وبدأت عودة الروح الى المجتمع المدنى المصرى فى الحقبة الساداتية ، بالتوازى مع انتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادى. لكن حدث لهذا المجتمع المدنى ما حدث للانفتاح الساداتى الذى تحول الى "سداح مداح" حسب التعبير الشهير لأستاذنا أحمد بهاء الدين. وبالمثل افتقر المجتمع المدنى – فى طبعته الجديدة – إلى المؤسساتية، كما ورث جرثومة الاعتماد على الخارج فى ظل سياسة إدمان المعونات الخارجية.
ورغم أنه لا يجدر تعميم الاحكام، لأن هناك مؤسسات من مؤسسات المجتمع المدنى تقوم الآن بمبادرات تستحق التقدير وتذكرنا بمبادرات الجمعيات الاهلية المحترمة فى فترة التنوير المشار اليها، فإن الكثير من الجمعيات الحالية يعانى من أمراض قاتلة ، أشار الدكتور زكريا جاد رئيس جماعة الادارة العليا فى كلمته التى ألقاها نيابة عنه المهندس محمد عبد الكريم نائب رئيس الجماعة، الى الكثير منها، مثل أن بعض الهيئات الاهلية التى تقوم على التطوع والتبرع قد انقلبت إلى ميادين للوجاهة الاجتماعية، بينما الجاد منها يواجه مشكلات خطيرة. ففى سياق التشويه الذى نرى مظاهره المتعددة جرى اختزال المجتمع المدنى فى العمل الاهلى والجمعيات الاهلية، بينما القلب النابض للمجتمع المدنى فى اى دولة حديثة هو الأحزاب والنقابات. وما نراه حاليا هو أن لدينا قانوناً للاحزاب يضع شروطا شديدة وغريبة على النشاط الحزبى ابتداء من الترخيص للحزب إلى ممارسة نشاطه الجماهيرى، فضلا عن طريق شق الصف واختلاق معارك داخلية بأحزاب المعارضة جعلت عددا ليس قليلا من الاحزاب تعيش خلافات شرسة بين فرقها المختلفة.
فاذا انتقلنا الى النقابات – والكلام مازال للدكتور زكريا جاد شفاه الله من الوعكة الصحية التى ألمت به- نجد إنها مغلقة بالضبة والمفتاح بوضعها تحت الحراسة أو عدم دعوة جمعياتها العمومية لإجراء الإنتخابات مما وضع عددا غير قليل من النقابات فى الثلاجة ويمضى رئيس جماعة الادارة العليا ليلاحظ أن الجمعيات الاهلية – بعد هذا كله- تعمل تحت سيف قانون يمنح الوزير المسئول حق المصادرة أو الاغلاق أو الإلغاء لها من الوجود. ولا تكتفى الحكومة بهذا القانون الذى تضيق بسببه الصدور، بل هى بصدد إصدار قانون جديد وتجاربنا مع القوانين الحديدة والمعدلة – وفقا لما يقوله الدكتور زكريا جاد – " تزيد الهم على الهم.. حيث تبالغ فى وضع مزيد من القيود".
فهل يمكن فى مثل هذه الملابسات والقيود أن نضع رهاناتنا على "المجتمع المدنى" الذى ولد ولادة قيصرية، وعانى من امراض وراثية مزمنة، اضيفت اليها قيود حكومية فظة وثقيلة رغم الحديث الذى لايتوقف عن "الحرية "الاقتصادية و"الشراكة" بين الحكومة والمجتمع المدنى فى خطط التنمية وغير ذلك من خرافات؟
اضف الى ذلك ان القطاعات المحترمة، والمناضلة، من المجتمع المدنى لا تعانى فقط مما سبق، وإنما هى أصبحت محاصرة بين مطرقة الوصاية الحكومية من الداخل وسندان الاختراق عن طريق سلاح التمويل وأعاصير العولمة المتوحشة التى تهب من الخارج.
فى ظل هذه المحددات الكئيبة ، داخلياً وخارجياً ، تظل الرهانات على المجتمع المدنى مشروطة بأن يكون جزءاً لا يتجزأ من عملية تحديث كاملة وشاملة للمجتمع والدولة. فليست العبرة – كما رأينا- بدرجة تزيد أو تقل من "استقلال" المجتمع المدنى عن الدولة ، لأن هذا " الاستقلال" يمكن أن يكون مجرد إضعاف لدولة ضعيفة سلفاً، أو ذريعة لتخلى الدولة عن جزء أساسى من وظائفها ومسئولياتها الاجتماعية والاقتصادية، وإنما العبرة بأن تكون العلاقة الناظمة للمجتمع المدنى الحديث ومؤسساته- كما قال الدكتور بلقزيز- " هى المواطنة والتمثيل الوطنى لا الانتساب إلى عصبية مذهبية او فئوية ، وهذا- للأسف – هو الغالب على مؤسسات المجتمع المدنى فى البلاد العربية" .
باختصار.. التعويل على شكل مبتذل من أشكال المجتمع المدنى، بعد اختزال هذا المفهوم الى صورة مشوهة من الجمعيات الأهلية والخيرية التى تربطها علاقات ذيلية وطفيلية بالحكومة ، لا يؤدى إلى شئ أكثر من "عشم ابليس فى الجنة"



 

 

 

جماعة الإدارة العليا .. بامتياز (2)


سعد هجرس
الحوار المتمدن - العدد: 2128 - 2007 / 12 / 13
المحور: الادارة و الاقتصاد
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع     

بعد الكلام "الدبلوماسى" المألوف فى الجلسات الافتتاحية للمؤتمرات واللقاءات، جاء الكلام "الجاد" مبكراً حتى قبل انقضاء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثالث والأربعين لجماعة الإدارة العليا الذى عقد فى الإسكندرية يوم الخميس الماضى.
حيث شاء الدكتور زكريا جاد، رئيس الجماعة، أن يعجل بالدخول فى صلب الموضوع، رغم عدم تمكنه من الحضور بنفسه لإصابته بوعكة صحية نتمنى له الشفاء منها، فأرسل كلمة ألقاها نيابة عنه المهندس محمد عبد الكريم نائب رئيس الجماعة وضع فيها إصبعه على الإشكاليات الرئيسية لموضوع المؤتمر، حيث قال:
" قد نحتاج إلى تعريف وتوصيف للمجتمع المدنى فى مصر ... وتجديد الأجهزة والهيئات والمنظمات التى تنطوى تحته ... هل يمكن اعتبار كل ما هو غير حكومى Non governmental يمثل مجتمعاً مدنياً... هل يمكن اعتبار القطاع الخاص والاستثمارى ضمن مفردات المجتمع المدنى ... بمعنى آخر هل خروج بعض الهيئات والبنوك من ملكية الدولة إلى الملكية الخاصة تنقلها من خندق الحكومة إلى خندق المجتمع المدنى ... وإذا كانت الشواهد تشير إلى تعاظم دور المجتمع المدنى خاصة فى ظل تغيير جذرى فى فلسفة الحكم وتبنى نظم حرية السوق ... إلا أننا يجب أن نقف قليلاً لنناقش بعض المحاذير والمشكلات التى تعوق النمو الطبيعى للمجتمع المدنى بل والقيام بدوره على وجه مقبول.
إن هناك قانوناً للأحزاب يضع شروطاً شديدة وغريبة على النشاط الحزبى ابتداء من الترخيص للحزب إلى ممارسة نشاطه الجماهيرى... فضلاً عن محاربة الحكومات المتتابعة للأحزاب التى يظهر لها نشاط ملحوظ عن طريق شق الصف واختلاق معارك كبيرة ولدينا عدد ليس قليلاً من الأحزاب التى تعيش خلافاً شرساً بين فرقها المختلفة...
فإذا انتقلنا إلى النقابات باعتبارها إحدى المنظمات الهامة فى المجتمع المدنى ... نجد أنها مغلقة بالضبة والمفتاح بوضعها تحت الحراسة أو عدم دعوة النقابات إلى جمعياتها العمومية لإجراء الانتخابات مما وضع عدداً غير قليل من النقابات فى "ديب فريز".
فإذا انتقلنا إلى الجمعيات الأهلية وعددها بالآلاف ولها دور فعال فى خدمة الجماهير نجد أنها تعمل تحت سيف القانون الذى يمنح الوزير المسئول حق المصادرة أو الغلق والإلغاء من الوجود ... وهنا نشير إلى شبهة التدخل الحكومى فى النشاط المدنى ... وغالباً ما يكون التدخل لأهداف سياسية كما هو الحال بالنسبة إلى جمعيات حقوق الإنسان ... ونحن لا ننكر أن هناك مخاوف من تلقى بعض الجمعيات تمويلاً من الخارج، بعضها ظاهر ... وبعضها غير معروف.
لكن لا أعتقد أن مثل هذا الهاجس مبرر لإصدار قانون للجمعيات يمنع أكثر مما يمنح ويقيد أكثر مما يتيح ... والغريب أن هذا القانون الذى تضيق بسببه الصدور لا يشفى غليل الحكومة، فهى بسبيل إصدار قانون جديد... وتجاربنا مع القوانين الجديدة والمعدلة التى تزيد الهم على الهم ... وأنها تبالغ فى وضع مزيد من القيود ...
ولنا أن نتساءل: لقد وجد القطاع الأهلى منذ سنوات طويلة ... جامعة القاهرة بدأت كجامعة أهلية بمبادرات فردية كريمة من مواطنين محترمين على رأسهم الأميرة فاطمة، وكانت هناك جمعية المساعى المشكورة ولازالت، وكانت هناك الجمعية الخيرية المصرية ومازالت ... وكانت هناك جمعية المواساة بالإسكندرية وجمعية الشبان المسلمين ... والجمعية الإنجليزية كل هذا النشاط الكبير برز وأثمر فى ظل الحرية وليس فى ظل القوانين المقيدة للحريات ...
والأمانة تلزمنا أن نشير إلى أن بعض الهيئات الأهلية التى تقوم على التطوع والتبرع قد إنقلبت إلى ميادين للوجاهة الإجتماعية ... وبعضها سبيلاً للتبرع ... دليلنا على هذا التنافس غير الشريف والتراشق بالأقوال والأفعال فى انتخابات النوادى الرياضية وبعض الجمعيات والنقابات.
وطالب الدكتور زكريا جاد فى نهاية كلمته، الصريحة والمباشرة والتى تجنبت اللف والدوران، بتهيئة المناخ المناسب الذى يمكن المجتمع المدنى من القيام بدوره ومناقشة الجوانب الدستورية والقانونية لعلاقة منظمات المجتمع المدنى بسلطات الدولة التقليدية من أجل تحديد مسار المجتمع المدنى وتفعيل دوره فى خدمة الإقتصاد بشكل عام وتحقيق العدالة ونمو الإحساس بالمواطنة والارتقاء بالذوق الفنى ونشر ثقافة الحب والحرية والإخاء والتعاون والبناء.
وللحديث بقية.



 

 

جماعة الإدارة العليا


فتحى سيد فرج
الحوار المتمدن - العدد: 1736 - 2006 / 11 / 16
المحور: الادارة و الاقتصاد
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع     

تعتبر جماعة الإدارة العليا واحدة من أهم أن لم تكن هى الأهم من ضمن الجمعيات الأهلية فى مصر ، لما تمثله من تاريخ طويل واستمرارية وجدية الأنشطة التى تقوم بها لما يزيد عن نصف قرن ، وباعتبارها تضم فى عضويتها رؤساء واعضاء مجالس الإدارات فى الشركات والمؤسسات العامة والخاصة إلى جانب عضوية الأفراد ، مما جعلها جماعة ذات ثقل خاص داخل منظمات المجتمع المدنى تعبر عن نخبة بالمعنى الاقتصادى والاجتماعى والثقافى .
تأسست هذه الجماعة عام 1964 تحت أسم " جماعة خريجى المعهد القومى للإ دارة العليا " ثم تطورت لتضم خبرات من غير خريجى المعهد فسميت " جماعة الإدارة العليا " وفى ظل التغيرات والتطورات العالمية وانعكاسها على الواقع العربى بصفة عامة والمصرى بصفة خاصة وتتابع الأجيال طوال هذه الفترة ظلت تحتفظ بفاعلية فى رصد الواقع وذلك من خلال مجموعة من الفاعليات والأنشطة تتمثل فى عقد ندوات ، وإصدار مجلة " المدير العربى " ربع السنوية لنشر البحوث والآراء فى مجالات الإدارة وما يرتبط بها ، كما تقدم برامج تدريبية وخدمات استشارية للشركات والمؤسسات والأفراد .
ولكن يبقى أن أهم ما تقوم به أنها تنظم مؤتمرا سنويا تدعوا له عدد من الوزراء والمسئولين الرسميين والخبراء فى عديد من المجالات ، وبذلك تحولت إلى منتدى للحوار وساحة لتبادل الرأى والرأى الآخر بقدر عالى من الحرية والندية بحيث أصبحت تجسد قوة وفاعلية المجتمع المدنى .
وفى هذا الإطار عقدت مؤتمرها السنوى 42 خلال الفترة من 8-12 نوفمبر 2006 بمدينة الإسكندرية تحت عنوان " مصر إلى أين 000؟ استشراف المستقبل " لمناقشة المحاور الأتية :
· المحور السياسى بشقيه الخارجى والداخلى .
· المحور الاقتصادى وجوهره التنمية .
· المحور الإنسانى وجوهره الإنسان المصرى الذى هو ثروة مصر الحقيقية وعمادها وغايتها.
فى حفل الأفتتاح على العشاء فى اليوم الأول قدم د. أبو هنطش الخبير الاقتصادى ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائى بحث فى " مؤشرات أداء الاقتصاد المصرى والاقتصاديات العربية بين الاقتصاديات العالمية "من خلال استعراض تقرير الوضع التنافى الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى لعام 2005 الذى أوضح أن ترتيب مصر جاء 53 من ضمن 117 دولة فى مجال تنافسية النمو ، وهو ترتيب متأخر عن الهند (50) وجنوب أفريقيا (42) وبعض الاقتصاديات العربية مثل تونس (40) البحرين (37) وقطر (19)والإمارات العربية (18).
كما تأخر الاقتصاد المصرى حسب مؤشر التقدم التكنولوجى حيث جاء ترتيبه (58) بينما كان ترتيب الإمارات العربية (33) قطر (40) الكويت (48) البحرين (41) الاردن (52)وأيضا فى فى مجالات التحديث وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تأخر الاقتصاد المصرى عن بعض الاقتصاديات العربية ، وكذلك فيما يتعلق بمستوى الفساد كانت مصر فى مؤخرة البلدان العربية .
ولكن جاء تفوق الاقتصاد المصرى فى مجال نقل التكنولوجيا ، ومعدلات جذب الاستثمار الأجنبى المباشر ، وفى قطاع التقدم الصناعى الذى يشير إلى مساهمة قطاع التصنيع فى الناتج المحلى الإجمالي ، حيث ارتفع القيمة المضافة الصناعية من 33% عام 2000 إلى 36.9 % عام 2004، كما حققت صادرات السلع والخدمات كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي ارتفاع من 15.8 % عام 2000إلى 28.6 % عام 2004.
وبصفة عامة جاءت جميع الاقتصاديات العربية فى ترتيب متأخر حسب مؤشرات الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة مئوية من الناتج المحلى الإجمالي ، وصادرات التكنولوجيا الرفيعة كنسبة من صادرات المصنوعات ، والقليل منها يمتلك نقاط القوة فى مكونات عناصر تنافسية النمو وهى ، بيئة الاقتصاد الكلى ، ونوعية الوضع المؤسسى العام ، والتقدم التكنولوجى عن كثير من البلدان الناهضة ، ومع السباق المحموم بين جميع الاقتصاديات العالمية لتحسين وتطوير قدرة المشروعات الصناعية ، واقتصاديات المعرفة ، فأن جهودا جبارة مكثفة ومستمرة لابد أن تبذل لتحسين مستوى الأداء فى الاقتصاد المصرى والاقتصاديات العربية .
وفى اليوم الثانى تم التركيز على المحور السياسى وكانت الجلسة الأولى حول وضع مصر عالميا وإقليميا ، فى البداية تحدث د . أحمد عبد الحليم فعرض " أسس بنيان الكيان الوطنى " من خلال مرور مصر بتجارب تاريخية مختلفة فى تاريخها الحديث ، مستخلصا الدروس الأساسية لهذه التجارب ، بأن القرارات السياسية التى لا تسندها قوة عسكرية يجب إلا تتخذ ، فمصداقية القرار السياسى تتوقف على توافر الإرادة الوطنية وضرورة حشد القوة الشاملة للدولة وحلفائها ، وحساب المناخات العالمية والإقليمية بدقة ، لان الأزمات لا تدور فى فراغ وإنما على أساس من تقدير قوة الخصم ، وحساب التحالفات واحتمالات التفاعل لصالح أو ضد أى طرف .
لذلك فأن بناء وضع مصر عالميا وإقليميا يقوم على التواؤم مع المتغيرات والحرص على التواجد فى كافة الأوساط والمؤسسات الدولية ، من اجل الحفاظ على استقرار المنطقة ، والعمل على حل مشاكلها المزمنة ، على أساس أن مصر دولة معتدلة ولها تأثير خاص فيجب السعى للوصول إلى سلام عادل يؤدى إلى التنمية والتعاون الإقليمي والدولى .
وفى خضم التحولات الجوهرية ظهرت رؤى متباينة حول مستقبل الشرق الأوسط كان أخطرها اعتقاد بإمكانية فرض إصلاحات من الخارج ، فى مقابل ذلك نبعت رؤى مضادة من داخل المنطقة ، وكانت الرؤى الأمريكية هى المحرك الأساسى وراء غزو العراق تجسيدا لصورة تغيير الواقع بقوة السلاح ، وهو ذات المنظور الذى حكم العدوان الاسرائيلى على لبنان .
يتضح من ذلك أن التناقض الصارخ بين الطرحين اصبح يكتسب قوة نحو مزيد من الاضطرابات وتصاعد التوتر فى علاقات المنطقة بالعالم الخارجى ، من هنا برزت رؤية بديلة تستند إلى منظور واقعى للخروج بتصور متكامل لكيفية التعامل مع هذه التحديات والتى ستؤثر بالضرورة على مصالح الآمن القومى المصرى .
لذلك فان تحديد مصالح الآمن القومى المصرى تتحدد وفق حقائق ، أن العالم قد تغير بصورة جوهرية ، فبعد فترة القطبية الثنائية والحرب الباردة ، اصبح على مصر أن تصيغ سياستها فى عالم أحادى القطبية يتمحور حول ظاهرة العولمة ، كما أن مصر نفسها قد تغيرت كثيرا فى بنيتها الاقتصادية والسياسية والديموجرافية ، ولم يعد الاقتصاد المصرى مغلقا أو موجها ، بل بدا فى الانفتاح من اجل التحول إلى اقتصاد السوق ، وتواكب مع ذلك انفتاح سياسى وديمقراطى ، نتج عن تعددية فى الحياة السياسية ، وقد لا يكون ذلك كافيا ، ولكنه يمثل خطوة على الطريق .
إزاء ذلك يجب ان تكون محاور الدور المصرى فى إطار بناء وضع مصر عالميا وإقليميا بالتركيز على الآتى :
· إعادة إحياء مسار التسوية ، والاستعداد لأى تطورات غير محسوبة فى أوضاع المنطقة .
· إعادة صياغة أسس العمل العربى عل أساس تحديد أولويات الإصلاح ما بين ضغوط الخارج ومطالب الداخل ، وتحديد الإصلاح المؤسسى العربى ، والذى يأتي على رأسه إصلاح وتطوير جامعة الدول العربية ، وتطوير الفكر القومى العربى .
· إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة من خلال التوائم مع المتغيرات والحفاظ على الثوابت .
· صيانة وحدة العراق وعروبته ، ودعم وحدة السودان .
· السعى لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل ، وضبط التوازنات الأمنية فى المنطقة .
· دعم العلاقات الأوربية ، والأطلنطية لصالح تحقيق الأهداف والمصالح المصرية ومنطقة الشرق الأوسط عموما .
وفى نفس الجلسة لم يختلف حديث جميل مطر أو د. حسن نافعة عن إطار د . أحمد عبد الحليم .
أما الجلسة الثانية فقد تحدث فيها د. جودة عبد الخالق وقال : أن قضية التوريث توشك أن تحكم على كل الأمور فى مصر ، وان حل هذه القضية بوضوح وصراحة قد يجعل مصر تتحرك فى أى اتجاه ، واقترح أن تتحول مصر إلى ملكية دستورية يصبح الملك فيها رمزا يملك ولا يحكم ، وأن تستند الحكومة إلى إرادة شعبية حقيقية ، تمارس السلطة التنفيذية بشكل كامل ، وأنه لا يمانع فى أن يرى الرئيس حسنى مبارك ملكا دستوريا ، وان يكون نجله جمال هو ولى العهد ، إذا كان ذلك هو ثمن الديمقراطية والحياة الدستورية السليمة .
كما تحدث د. يحى الجمل فى نفس الجلسة فقال ان هناك ثلاثة احتمالات لتردى الأوضاع فى مصر ، الاحتمال الأكثر تفاؤلا – وان كان الكثيرون يشككون فى إمكانية حدوثه – هو أن يتنبه النظام الحاكم إلى حجم المتغيرات فى الخارج والداخل ، ويدرك أن سلامة البلد واستقراره يقتضى إصلاحا سياسيا ودستوريا حقيقيا – وليس عل أسلوب المادة 76 – وأن هذا الإصلاح يجب أن يدور حول اطلاق التعددية السياسية ، بمعنى حرية تكوين الاحزاب – عدا العسكرية والدينية – وفتح الباب لتداول حقيقى للسلطة ، والتأكيد على التوازن بين السلطات ورقابتها ، وأن تكون سيادة القانون حقيقيا .
إذا لم يحدث إصلاح بهذا المعنى ، وبقيت الأحوال على ما هى عليه ، فهذا يعنى مزيدا من الاحتقان والقهر والنتيجة الحتمية لذلك هى الانفجار .
وهناك احتمال ثالث بين الاحتمالين ، وهو أن يستمر التدهور فى أداء كل الخدمات الأساسية : التعليم والصحة والتموين والنقل ، وتتوقف ألة المرافق العامة ، وإلى أن يتصدع البنيان ، هناك نظرية فى العلوم السياسية تقول ، إن أى نظام حكم يعجز عن تلبية الاحتياجات الضرورية للمواطنين ، فإن معنى ذلك أنه يؤذن بالانتهاء والزوال .
إذن فالسبيل الوحيد لانقاذ مصر هو فتح باب الإصلاح السياسى والدستورى ، وذلك سيقود قاطرة الإصلاح فى كل المجالات .
وفى نفس الجلسة تحدث د. جمال على زهران حول " ظاهرة المستقلين فى الانتخابات البرلمانية وآفاقها " حيث أوضح أن هذه الظاهرة كانت موجودة فى النظام السياسى المصرى منذ أول انتخابات بعد دستور 23 وحتى 52 ولكن عدد المستقلين لم يكن يتجاوز مرشحى الأحزاب السياسية ، واختفت هذه الظاهرة من بعد 52 حيث كانت عضوية المرشح بالتنظيم السياسى الواحد – هيئة التحرير ، الاتحاد القومى ، الاتحاد الاشتراكى – شرط الزامى للترشيح لعضوية مجلس الأمة .
ولكن الظاهرة بدأت تعود مرة آخرى مع أول انتخابات تعددية فى عام 76 حيث تجاوز عدد المرشحين من المستقلين عدد المرشحين من التنظيمات السياسية آنذاك ، وحصلوا على 48 مقعدا بنسبة 14% وشكلوا القوة الثانية فى البرلمان بعد الحزب العربى الاشتراكى الحاكم ،واستمرت الظاهرة فى التنامى ، وكان دائما يتجاوز عدد المستقلين ضعف عدد المرشحين من الأحزاب .
ثم اختفت الظاهرة فى انتخابات 84 التى قصرت الترشيح على أعضاء الأحزاب وفقا لنظام القوائم المطلقة ، مما دعا المستقلون للطعن أمام المحكمة الدستورية التى حكمت بعدم دستورية نظام القوائم ، وعادت الظاهرة بعد أجراء تعديل جزئى ، وأصبحت القائمة نسبية مع تخصيص مقعد للمستقلين . كما عادت الظاهرة أكثر بروزا بعد إلغاء القائمة تماما اعتبارا من انتخابات عام 90 وأصبحت صورة انضمام أغلبية الناجحين من المستقلين للحزب الوطنى الحاكم تشكل علامة استفهام .
فبينما كان الحزب الوطنى يحصل على نسبة تقل كثيرا عن الأغلبية فى كل الانتخابات ، فأن تحول المستقلين اليه ك�

consulthamadass

الامناء الاستشاريون للخبرة والتقييم

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 281 مشاهدة
نشرت فى 21 أكتوبر 2011 بواسطة consulthamadass

ساحة النقاش

الخبيرالدكتورحمادة صلاح صالح www.iraegypt.com

consulthamadass
خبير التقييم المعنمد للتقييم لدي البنك المركزى المصرى خبير الملكية الفكرية بوزارة العدل للمحاكم الاقتصادية المتخصصة خبير تقييم الأثر البيئى للمشروعات وتقييم دراسات الجدوى خبيرتقييم معتمد لدى وزارة اﻻستثمار رئيس الهيئة الادارية والاقتصادية بالمجلس العربي الافريقي للتكامل والتنمية ونائب الرئيس للشئون الاقتصادية بالمجلس خبير تقييم دراسات الجدوى خبير وعضو المجلس »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

648,519