موسوعة شعراء العربية
المجلد الخامس \الجزء الثاني
بقلم د فالح الكيلاني
( نشوان بن سعيد الحميري )
هو نشوان بن سعيد بن سعد بن أبي حمير بن عُبَيْد بن القاسم بن عبد الرحمن بن مفضل بن إِبراهيم ابن سلامة بن أبي حمير الحميري ينتهي نسبه إِلى القيل الحميري حسان ذي مراثد وقد جاء بقصيدته الحميرية المشهورة بالقصيدة النشوانية قوله :
أو ذو مَرَاثِدَ جدُّنا القيلُ بن ذي
سَحَرٍ، أبو الأذواءِ رحبُ الساحِ
وبنوهُ ذوقَينٍ وذو شَقَرٍ وذو
عمران، أهلُ مكارمٍ وسماحِ
ولد في بلدة (حوث) من مدينة ( عمران) و لا يُعرف تماما تاريخ ولادته إلا أنه في الأغلب في نهاية القرن الخامس وقيل ولد في بداية القرن السادس الهجري .
بدأ دراسته في (حوث) وعلى يد علمائها درس علوم الدين واللغة والتاريخ والأنساب والفلك والنبات .
نشأ نشوان وترعرع فيها حتى بلغ في العلم مكانا رفيعا بين أهل عصره وعلماء زمانه، وأصبح عالماً مجتهداً حائزاً على مؤهلات الاجتهاد وشروطه.
ثم درس تاريخ اليمن و تعرف منها على ما كان لليمن في تاريخ عظيم في العالم القديم من الحضارات الراقية و كان له وللمنتسبين إِليه دور في نصرة الإِسلام ورفع رايته ونشر رسالته وقد رفض كل الآراء بتفضيل نسب على نسب وافتخر باليمن وأنسابها ولم ير غيرها أفضل منها .
فقال في تفاخره باليمن:
مِنّا التبَّايِعةُ اليمانون الأُلى
ملكوا البسيطة سَلْ بذلك تُخْبرِ
مِن كلِّ مَرْهوبِ اللقاء مُعصَّبٍ
بالتاج غازٍ بالجيوش مُظَفَّرِ
تعنو الوجوهُ لسيفهِ ولرُمحهِ
بعدَ السُّجود لتاجِه والمِغْفَرِ
يا رُبَّ مفتخرٍ ولولا سَعيُنا
وقيامُنا مع جَدّه لم يَفْخَر
وخلافةُ الخُلفاء نحنُ عِمادُها
فمتى نَهُمّ بِعَزْل والٍ نَقْدِرِ
وبكُرَهْنِا ما كان من جُهّالنا
في قتلِ عُثمانٍ ومَصرعِ حَيْدَرِ
وإِذا غَضِبنا غَضبةً يَمنّيةً
قَطَرت صوارمُنا بموْتٍ أَحمرِ
فَغدتْ وهادُ الأَرضِ مُترعَةً دماً
وغَدتْ شِباعاً جائعاتُ الأَنْسُر
وغدا لنا بالقهر كُلُّ قبيلةٍ
خَوَلاً بمعروف يَزينُ ومُنكَر
وإِناخَةُ الضِيفان فرضٌ عندنا
يلقى به الولْدِانُ كلَّ مُبَشر
كان لنشوان راي خاص في الامورالدينية والحُكمية والامامة ومضمون رأيه أنه لا يجوز حصر الإِمامة في قريش ومن ثم وبالأولى لا يجوز حصرها في بني هاشم لا في الفرع العباسي منهم ولا في الفرع العلوي وكانت تجربة نشوان الذاتية هذه في محيط اليمن وأثرها في تكوين رأيه القائل بأن الإِمامة تكون في أفضل خلق الله كائناً من كان،ومن هذا المنطلق عارض نشوان مبدأ الحصر السلالي في ابناء الحسن والحسين بل ومبدأ حصرها في قريش عامة وهو بهذا الراي يخالف المذهب الزيدي ويخالف أيضاً مذاهب إِسلامية أساسية تحصر هذا الحق في قريش بكل بطونها أو فروعها، ويتفق نشوان في هذا المبدأ مع فريق كبير من المعتزلة وبعض المرجئة ومع الخوارج بصفة عامة،وقد بين رايه صراحة في كتابه ( الحور العين ) الذي استعرض فيه آراء مختلف المذاهب والفرق الإِسلامية وآراءها فيمن يتولى منصب الإِمامة ويتقلد سلطة حكم الناس دينياً ودنيوياً وقد اختار رأي (إِبراهيم بن سيّار )النظّام أحد أكبر العلماء من المعتزلة، ومؤسس الفرقة (النظامية) فجاء في كتابه هذا قوله:
( قال بعض المعتزلة، وبعض المرجئة، وجميع الخوارج، وقوم من سائر الفرق:
إِن الإِمامة جائزة في جميع الناس، لا يختص بها قوم دون قوم، وإِنما تُسْتَحَقُّ بالفضل والطلب، وإِجماع كلمة أهل الشورى. وقال إِبراهيم بن سيّار النظّام .. وهو أحد الفرسان المتكلمين ومن قال بقوله من المعتزلة:
(( الإِمامة لأكرم الخلق واخيرهم عند الله، واحتجوا بقوله تعالى:( يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ [الحجر ات ). قال- النظّام-: فنادى جميع خلقه الأحمر منهم والأسود والعربي والعجمي ولم يخص أحداً منهم دون أحد فقال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ ) فمن كان أتقى الناس للّه وأكرمهم عند اللّه وأعلمهم باللّه وأعملهم بطاعته كان أولاهم بالإِمامة والقيام في خلقه كائناً من كان منهم عربياً كان أو عجمياً ).
واكد نشوان رايه على كلام النظّام قائلا : (وهذا المذهب الذي ذهب إِليه النظّام هو أقرب الوجوه إِلى العدل وأبعدها عن المحاباة )
وقد اكد رأيه شعرا حيث قال :
أيُّها السَّائِلُ عَنِّي إِنّني
مُظهِرٌ منْ مذْهَبي ما أُبِطنُ
مَذْهَبِي التَّوْحِيدُ والعَدْلُ الذي
هُوَ في الأَرضِ الطّريقُ البَيِّنُ
إِنّ أولَى النّاسِ بالأَمْرِ الذي
هُوَ أَتْقَى النّاسِ والْمؤتمنُ
كائنِاً مَنْ كَان لا يجهلُ ما
وَرَدَ الفَرْضُ به والسُّنَن
ولما اعلن رأيه للناس شن عليه المتعصبون معارضة شديدة شعواء وهجوه شعراً ونثراً أقذع هجاء وشكوه فحكموا بكفره وأهد ار دمه، وأفتى علماؤهم بقتله لكنه لم يعبه بارائهم وزاد تمسكاً برأيه وعبر عن إِيمانه وتمسكه برايه قائلا :
حَصَرَ الإِمامةَ في قُريشٍ مَعْشَرٌ
هُمْ باليَهُودِ أحَقُّ بالإِلْحاقِ
جَهْلًا كَما حَصَرَ اليَهودُ ضَلالةً
أمَر النُّبُوَّة في بَنِي إِسْحاقِ
ولما اتهمه أحد الأئمة بالفساد فرد عليه :
من أين يأَتيني الفسادُ وليس لي
نَسبٌ خبيث في الأعاجم يوَجدُ
لا في عُلوج الرُّوم خالٌ أزرقٌ
أَبداً ولا في السود جَدٌّ أَسودُ
إِني من النَّسبِ الصَّريح إذا امرؤٌ
غلبت عليه العجم فهو مُولَّدُ
ما عابني نَسبُ الإِماء، ولا غدا
باللؤْم مُعْرِقُهُنّ لي بتردّدُ
وقد بين رايه في آل بيت المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ويرد على (الحسن الهبل ) احد العلماء المعارضين له فيقول :
آل النبي هم أتباع ملته
من الأعاجم والسودان والعرب
لو لم يكن آله إلا قرابته
صلى المصلي على الطاغي أبي لهب
ويقول ردا على بعضهم :
إذا جادلت بالقرآن خصمي
أجاب مجادلا بكلام يحيى
فقلت :كلام ربك عنه وحي
أتجعل قول يحيى عنه وحيا؟!! ِ
ولما شاع أمر نشوان الحميري وانتشر فالتف حوله جموع من الناس ورأوا فيه انه الرجل الأصلح لتولي مقاليد الحكم وحفزهوه وايدوه على الدعوة لنفسه فنال هذا التشجيع موضعا في تفسه فأعلن دعوته لنفسه من في وادي (صَبَر ) في أكناف صعدة. ولعله كان يشعر أنه دعا إِلى نفسه في وسط اجتماعي غير مناسب لهذه الدعوة وأنه حاول اعلا ن مبادئه في بيئة غير صالحة ولا مناسبة له ولهذا ترك ( وادي صبر ) وعبر (الجوف) وانتقل إِلى ( مأ رب ) وخطب فيها الجمعة داعياً إِلى نفسه ثم توجه إِلى (بيحان) وهي مدينة (شبوة ) الحالية فلقى فيها تأييداً أكبر وقيل ان اهل بيحان ملكوه عليهم .
ثم انتقل بعدها إلى (تريم ) ثم عاد الى بلدته ومسقط راسه في بلدة (حوث) التابعة لمدينة ( عمران ) ولم يدع مرة أخرى للإمامة او لغيرها .
انصرف نشوان الحميري بعد عودته الى مسقط راسه للعلم والبحث والتأليف حتى أصبح من أشهر علماء اليمن في علوم اللغة والدين الأنساب والتاريخ وجوانب اخرى عديدة .
وقد أشار إليه الإمام عبد الله بن حمزة الذي جاء بعده بنحو عقدين من الزمن في إحدى قصائده فيقول :
ما قولكم في مؤمنٍ صوّامِ
مُوحِّدٍ، مجتهدٍ، قوَّامِ
حَبْرٍ بكلّ غامضٍ علّامِ
وذِكرُهُ قد شاع في الأنامِ
بل هو من أرفعِ بيتٍ في اليمنْ
قد استوى السرُّ لديهِ والعلنْ
وما له أصلٌ إِلى آل الحسنْ
ولا إِلى آلِ الحسينِ المؤتمنْ
ثمّ انبرى يدعو إِلى الإِمامهْ
لنفسِهِ المؤمنة القوّامهْ؟
أما الذي عندَ جدودي فيهِ
فيقطعون لسنه من فيهِ
وييتمون جهرةً بنيهِ
إِذ صار حقَّ الغير يدّعيهِ
و هذه الأبيات شهادة ببلوغه أعلى مراتب العلم والكمال و الا ان ما فيها من حِدَّةِ العصبية وغلوِّها سمة سلبية في ذلك العصر الحافل بالاتجاهات السياسية المتصارعة وما دار بينها من جدل عنيف أدى إِلى الغلوّ بين مختلف الأطراف ولا أَدَل على ذلك من الخصام والصراع الجدلي والفكري شعراً ونثراً الذي دار بين نشوان الحميري وبعض تلاميذه من ناحية وبين الإِمام القائم في عهده المتوكل على الله (أحمد بن سليمان) وبعض أنصاره من ناحية أخرى .
قال فيه الحافظ السيوطي:
(الفقيه العلامة المعتزلي النحوي اللغوي كان أوحد أهل عصره وأعلم أهل دهره فقيها نبيلا عالما متفننا عارفا بالنحو واللغة والأصول والفروع والأنساب والتواريخ وسائر فنون الأدب شاعرا فصيحا بليغا متفوها.)
توفي بعد ظهر يوم الجمعة \ 24 ذي الحجة سنة \ 573هـ الموافق 13 يونيه\1178 ميلادية . ودفن في (حيدان) وقبره على جبل يعرف اليوم بجبل (أبي زيد ) محافظة صعدة.
ترك مؤلفات عديدة منها :
1- رسالة الحور العين وشرحها.
2- القصيدة الحميرية وشرحها او ملوك حمير وأقيال اليمن .
3- شمس العلوم .
4- التبصرة في الدين للمبصرين، في الرد على الظَلَمة المنكرين
5- التبيان في تفسير القرآن
6- التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض
7 -صحيح الاعتقاد، وصريح الانتقاد.
8 - الفرائد والقلائد
9 -مسك العدل والميزان في موافقة القرآن.
10- ميزان الشعراء وتثبيت النظام
نشوان الحميري كان فريد عصره علماً من اعلام اليمن والعرب مفكراً ومؤرخاً ولغوياً ومفسراً بالإضافة لنبوغه في النحو والصرف والأصول والأنساب والآداب وسائر الفنون الاخرى شاعراً رائعا و فصيحاً وكاتباً بليغاً وباحثاً محققاً واشتغل بالعلم والعمل والفهم والمعرفة و يتميز شعره بالبلاغة والفصاحة وسرعة الخاطرة قريب الماخذ واضح المعاني في اسلوبية رائعة الا انه مقل لانشغاله بامور اخرى . سلك طريق العلماء المجتهدين والمفكرين وكان يجادل أصحاب التقليد ويرد عليهم فيقول:
لا فرق بين مقلد في دينه
راض بقائده الجهول الحائر
وبهيمة عجماء قاد زمامها
أعمى على عوج الطريق الحائر ِ
اختم البحث بهذه القصيدة (الحميرية) الرائعة بقول :
الأَمرُ جِدُّ وهـو غيـرُ مُـــزاحِ
فاعمَلْ لنفسِكَ صالحاً ياصــاحِ
كيفَ البقـاءُ معَ اختلافِ طبــائعٍ
وكُرورِ ليلٍ دائـــــمٍ وصبَاحِ
الدهـــرُ أنصحُ واعظٍ يعِظُ الفتى
ويزيدُ فوقَ نصيحةِالنُّصّــــاحِ
انُظـرْ بعينيكَ اليقيـنَ ولا تَسـلْ
يا أيُّها السَّكرانُ وهو الصــاحي
تجري بنا الدُّنيا على خَطـرٍ كمـا
تجري عليـهِ سفينةُ الملاّحِ
تجري بنــــا في لُجِّ بحرٍ مـالهُ
من ساحلٍ أبداً ولا ضَحْضَــاحِ
شَغَلَ البـريّةَ عـن عِبـادةِ ربِّهـم
فِتنٌ على دنياهمُ وتَلاحي
ومحبَّةُ الدنيـا التي سلكـتْ بِهـم
أبداً مع الأرواحِ والأشبـاحِ
كـلُّ البريّةِ شاربٌ كـأس الرّدى
مِنْ حَتْفِ أنفٍ أو دمٍ سَفَّاحِ
لا تبتئسْ للحـــادثاتِ ولا تكُنْ
بِمسرَّةٍ في الدهرِ بالمِفْراحِ
أفـأين هـــودٌ ذُو التُّقى ووصِيُّهُ
قحطانُ زَرْعُ نُبوَّةٍ وصـلاحِ
أم أين يَعْرُبُ وهــو أوَّل مُعربٍ
في الناسِ أبدى النطـقَ بالإفصاح
أم أين يَشْجُبُ خانهُ مـن دهـرهِ
شَجَبٌ وحَاه لهُ بقـــدْرٍ واحي
وسَبا بنُ يَشْجُبَ وهو أوّلُ من سَبا
في الغزوِ قِدْماً كــلَّ ذاتِ وشاحِ
أو حِمْيرٌ وأخـوهُ كهْـلانُ الـذي
أودى بحــــادثِ دهرِه المجتاحِ
وملـوكُ حميرَ ألفُ مَلكٍ أصبحـوا
في التُّرْبِ رهنَ ضَــرائحٍ وصِفاحِ
آثـارُهم في الأرضِ تُخبرنا بهــم
والكتْبُ من سِيرٍ تُقَصُّ صِحَـاحِ
أنسـابُهم فيها تُنِيرُ وذِكرُهـــم
في الطِّيبِ مثـــلُ العنْبرِ النفَّاحِ
ملكـوا المشارقَ والمغاربَ واحتَووا
ما بين أنقرةٍ ونَجدِ الجــــاحِ
ملكت ثمـودَ وعاداً الأخرى معـا
منهم كِرامٌ لم تكنب شِحـــاحِ
أيــــن الهَمَيْسَعُ ثم أيمنَ بعدهُ
وزُهيرُ ملكٍ زاهرٍ وضَّاحِ
في عصـــرهِ هلكتْ ثمودُ بناقةٍ
لقيتْ بها تَرَحاً من الأتراحِ
وعَريبُ أو قَطَنٌ وجَيْــدانٌ معاً
أضحوا كأنهمُ نَوَى وضّاحِ
وزُهيــرُ الصَّوَّارِ أو ذو يَقْـدُمٍ
مُنِيا بدَهرٍ سالبٍ طَرّاحِ
أم أين ذو أنسٍ وعمروٌ وابنُه
المِلطاطُ لُطّ بُمسْحِتٍ جَلاَّحِ
والمُلْكُ بعـــدهمُ إلى شَددٍ بهِ
عَصفَ الزمانُ كعاصفِ الأرياحِ
والحــارثُ الملكُ المسمَّى رائشاً
إذ راشَ من قحطانَ كلَّ جَناحِ
وحَبـاهمُ بغنائـمِ الفُـرْسِ التي
فاضتْ على الجندي والفلاَّحِ
وغـزا الأعاجمَ فاستباحَ بلادَهمْ
مَلِكٌ حِماهُ كان غيرَ مُباحِ
ركبَ السفينَ إلى بـلادِ الهندِ في
لُجَجٍ يسيرُ بها على الألواحِ
وبنى بــــأرضهِمِ مدينةَ راية
فيها الجُباةُ لعاملٍ جرّاحِ
والتــركُ كانت قد أذلَّتْ فارساً
لم يُستروا من شرِّهمْ بوجِاحِ
فشَكَــوا إليه ، فزارهُمْ بمقانِبٍ
فيها صُرَاحٌ ينتمي لصُراحِ
تركـوا سَبايا التركِ فيمـا بينهم
للبيع تُعْرضُ في يدِ الصيّاحِ
وغَـدا مَنُـوشهرٌ يَمُتُّ بطاعةٍ
وولايةٍ من مُنْعِمٍ مَنَّاحِ
أو ذو المنَـارِ بنـى المنارَ إذا غزا
ليدلَّهُ في رَجْعةٍ ومَراحِ
ألقى بمُنقَطعِ العمِــــارة بَرْكَهُ
في الغربِ يدعو لاتَ حِينَ بََراحِ
والعبدُ ذو الأذعـار إذ ذَعَر الورى
بوجوهِ قومٍ في السِّباء قباحِ
قـومٌ مـن النسْناسِ مذكورون في
أقصى الشمالِ شِمال كلِّ رياحِ
وأخوهُ إفريقيسُ وارثُ مُلكـــهِ
حَتْفُ العدوِّ وجابر الممتاحِ
ملكٌ بنـــى في الغربِ إفريقيةً
نُسبت إليه بأوضح الإيضاحِ
وأحـــلًَّ فيهــا قومَه فتملّكوا
ما حولها من بلدةٍ ونَواحِ
وكــــذلك الهَدْهادُ أيضا عامر
هُدَّت قواعدُ ملكهِ المنصاحِ
أم أيـــن بِلْقِيسُ المعظَّمُ عرشُها
أو صرحُها العالي على الأصراحِ
زارتْ سليمــــانَ النبيَّ بتَدْمُرٍ
من ماربٍ دِيناً بلا استِنكاحِ
في ألفِ ألفِ مُدَجَّجٍ من قومِهــا
لم تأتِ في إبلٍ إليه طِلاحِ
جــاءتْ لتُسْلمَ حين جاء كتابُهُ
بدعائِها مع هُدهُدٍ صدَّاحِ
سجـدتْ لخالقها العظيم وأسلَمتْ
طَوْعاً وكان سجودُه الِبَراحِ
أو يـــاسرُ الملكُ المعيدُ لما مضى
من مُلك حَيٍّ لا تراهُ لَقاحِ
أبقــى بوادي الرَّملِ أقصى موضعٍ
بالغربِ مُسندَ ماجِدٍ جَحْجاحِ
لم يلقَ بعـــــدَ عُبُورهِ نبتاً ولا
شيئاً من الحيوانِ ذي الأرْواحِ
أم أين شَمَّرُ يُرْعِشُ الملكُ الــذي
مَلكَ الورى بالعُنفِ والإسْجاحِ
قـــد كان يُرْعِشُ من رآه هَيبةً
ورنا إليهِ بطرْفِهِ اللمَّاحِ
وبـــه سَمَرْقَنْدُ المشارقِ سُمّيتْ
للهِ من غازٍ ومن فَتَّاحِ
وأتــــى بمالكِ فارِسٍ كيقاوسٍ
في القيدِ يَعْثرُ مثخناً بجراحِ
فأقـــــامَ في بئرٍ بمارب بُرْهةً
في السجن يجأرُ معلناً بصَياحِ
فاستوهبتْ سُعدى أبـــاها ذنَبهُ
فعفى وسيَّرهُ بحسن سَراحِ
والأقـــرَنُ الملكُ المتـوَّجُ تُبّـَعٌ
عَرَكَ البلادَ بكَلْكلٍ فدَّاحِ
وغـزا بلادَ الرومِ يبغي واديَ
الياقوتِ صاحبَ عزّةٍ وطِماحِ
فقضى هنــــالك نحْبهُ وأتى
إلى أجلٍ مُعَدٍّ للحِمامِ مُتاحِ
والرائــــــدُ الملكُ المتَّوجُ تُبَّعٌ
ملكٌ يرودُ الأرضَ كالمسّاحِ
فتـــحَ المدائنَ في المشارقِ وانتحى
للصينِ في بريّةٍ وبراحِ
فـــــأذاق يعبرَ حتفهُ فدحى بهِ
في قعرِ لحدٍ للمنيَّةِ داحي
وأحــــلَّ مِن يَمَنٍ بتُبَّتَ معشراً
أضحوا بها عنّا من النُّزّاحِ
والتُّركُ قبلَ الصينِ كـــان لهم
بهِ يومٌ شَتِيمُ الوجهِ والأكلاحِ
والكــــاملُ الملكُ المتوَّجُ أسعدٌ
فيه تقصِّر مِدحةُ المدّاحِ
كـم قـادَ مـن جيشٍ أجشَّ لبابلٍ
وكتيبةٍ تغشى البلادَ رَداحِ
حتى استباحَ بلادَ فـــارسَ بالقَنا
وبكلِّ أجردَ في الجِيادِ وقاحِ
والتُّركُ والخزرُ استبـــاحَ بلادهمْ
والرومُ منهُ تتَّقي بالرّاحِ
والصينُ تجبي خرجَهــــا عُمّالُهُ
في بُكرةٍ من دهرِهم ورَواحِ
نطـــحَ الأعاجمَ في جميعِ بلادهمْ
بأحدِّ قرْنٍ في الوغى نَطَّاحِ
وأذاقَ موليسَ الحِمـــام وجُؤذَراً
ونجى قُباذُ كثعلبٍ صيّاحِ
حتى أتـــاهُ ذو الجَنـاحِ برأسـهِ
من أرض بَلْخَ ونهرِها المُنْسَاحِ
وأتى بقُسْطنطينَ في أغــــلالهِ
وبِهرْمُزٍ في قيدِهِ الملحاحِ
وغـزا إلى أرضِ الشمالِ فخاض في
ظُلماتِها بمنارةِ المصباحِ
وكسى البَنِيّةَ ثم قرَّب هَــــدْيَهُ
سبعينَ ألفاً من بناتِ لقاحِ
أم أيـن حسـانُ بـن أسعدَ خـانهُ
دهرٌ تلا الإحسانَ بالأقباحِ
وريـــاحٌ الطَّسْمـيُّ لمـا جـاءهُ
مستعدياً فشفى غليلَ رِياحِ
أفنى جَدِيساً باليمامةِ إذ عَلــــوا
طَسْماً بحدِّ ذَوابلٍ وصِفاحِ
أم أيـــن عمرو وصِنوُه المُردِي لهُ
ساحة النقاش