في كل المجتمعات التي قامت بها حضارة ، كان الأدب مرافقا لهذه الحضارة بل روحها ووجدانها ونبضها .
والأمثلة متعددة كما في اليونان والهند وفارس والأناضول ومصر القديمة وبلاد الرافدين .
انه في العراق كان الأدب السومري في العهد القديم ثم الأدب العباسي في العصر الوسيط ، وكل عبر عن زمنه أصدق تعبير .
ذلك لأن الأدب عاطفة جياشة تلهب المشاعر والحواس ، فمن قصائد غزل وحماسة وفخر الى رثاء وهجاء يكون الشاعر قد أثار في النفس لواعجها وأشجانها وأفراحها وأحزانها .
ان الأدب بأنواعه وأغراضه يلاصق مسيرة المجتمع فان نهض ينهض وان كبا يكبو معه .
الا أن الشعر الجاهلي بكل قوته وعظمته شذ عن هذه القاعدة ، اذ لم تكن هناك حضارة بالمعنى المعروف والمألوف ، غير أن الفطرة التي غلبت على العربي ومعها روح البداوة الصافية النقية هي التي أهلته ليكون فارسا في هذا الميدان .
ان الصورة التي يعكسها الأدب على المجتمع هي صورة صادقة ترسم أدق التفاصيل عن نوع الحياة التي يعيشها الناس .
فالأدب لا يترك شاردة ولا واردة الا يأتي على ذكرها ، وتلعب القصيدة دورا أساسيا في ايقاظ المشاعر وحماس الجمهور لاسيما اذا كان الشاعر يمتلك ناصية البيان وفن الالقاء ، كما أن الرواية يمكنها أن تفعل فعل السحر لقارئها ومتلقيها خاصة اذا تصدت للطغاة ووقفت موقف الخصومة من كل ظالم يستبيح حرية شعبه .
لقد عبر تولستوي عن مجتمعه الروسي خير تعبير حينما فضح معايب الحكم القيصري وانتقد الفساد نقدا صريحا جريئا ، وكذلك فعل تشيخوف ودستوفسكي ومكسيم غوركي .
وفي فرنسا كان فيكتور هيجو في طليعة الأدباء الذين هتف لهم الجمهور مؤازرا له لما اتسمت كتاباته من مواقف شجاعة .
لقد وصف أدباء فرنسا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مجتمعهم وصفا دقيقا ليكون هذا الأدب مرآة لذلك العصر بكل ما فيه من أحداث .
كما أن ديكنز عبر عن مجتمعه الانجليزي أصدق تعبير بأسلوب فريد جذاب مما جعله يستحق الصدارة على أدباء عصره ، ومن قبله كان شكسبير مثالا للأديب الذي لن يتكرر .
ولن نغفل نجيب محفوظ رائد الرواية العربية في كتاباته التي استحقت الشهرة والمجد ، وقدرته الفائقة في تتبع المجتمع المصري لأكثر من نصف قرن بكل ما حفل هذا التاريخ من أحداث جسام سواء كانت سياسية أو اجتماعية .
أليس الأدب بعد ذلك هو مرآة الأمة وضميرها ووجدانها ؟

أبو  وليد