<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} </style> <![endif]-->
جلست " أم عبدالرحمن " تروي لي قصتها المؤلمة والتي تغص بالعبر والعظات فقالت : "بعد ثماني سنوات من زواجي ، وحين كنت عند أهلي وقد انقضت العشرون الأولى من نفاسي ، لاحظت أن زوجي تغير عليَّ فجأة وهجرني تماماً .. فقد كان يتصل علينا كل يوم ، ويسأل عن أبنائه ولكن ما عاد يتصل أبداً ، وإذا اتصلت به لا يرد أو يختصر المكالمة في كلمتين ثم ينهيها بسرعة ، أما إذا طلبت منه أغراضاً ليشتريها ، ويضعها عند باب أهلي ثم يذهب دون أن يدخل كالعادة ليسلم عليَّ وعلى أبنائه ، وكلما سألته عن سبب هذا الانقطاع تعذر بأنه مشغول جداً .
وبعد تمام الأربعين تهيأت للعودة إلى بيتي كما تتهيأ العروس عند زفافها إلى زوجها .. ووصلت للمنزل وانتظرت ذلك الاستقبال المفعم بالشوق والذي عودني زوجي أن يستقبلني به كلما عدت إليه بعد غياب طويل . ولكن ، يبدو أن انتظاري سيطول ، فقد أدخلني بيتي ثم خرج ولم يعد إلا الفجر .
تحدثت إليه .. ولكنه لم يتحدث معي ..
هجرني في الفراش .. وفي الحديث وفي الجلوس لم يعد يجلس معي ولو لشرب كوب من الشاي أصبت بصدمة عنيفة ، وبكيت حتى نضب دمعي ، وحاولت أن أتذكر ذنباً جنيته فما وجدت . وجثوت على ركبتي بين يديه أبكي ، وأتوسل إليه أن يخبرني ما به وماذا جنيت ؟! ولكن دون جدوى .
لقد فقدت حبيبي ... زوجي الذي لا تسكن نفسي إلا بقربه ... وفقدت بعده طعم الحياة . ولم يعد لي في الحياة سوى معنى واحد فقط .. هو البكاء .. دموع تلو دموع تحاول أن تبلل جفاف حياتي ... حتى انتهيت إلى المستشفي وأصبحت أعالج من حالة نفسية سيئة .
بعد فترة من الزمن قدر الله أن أتذكر صاحبة لي ذات دين وعقل وحكمة ، فاتصلت بها وشكوت لها مأساتي لعلي أجد عندها حلاً .
وبدأت تنهال عليَّ نصائحها كالماء العذب أُرسل على نار ..ذكرتني بالعزيز الرحيم في وقت كنت أحوج ما أكون لمثل هذا التذكير .. قالت لي إنه ابتلاء من الله ولابد أن تخرجي من هذا البلاء فائزة برضاه والجنة .. اصبري فالله مع الصابرين .
تحسّني إلى زوجك وأكرميه كما لو كان أبر رجل في الدنيا ، ولا تلتفتي لما يفعله معك ولا تنتظري منه جزاءً ولا شكوراً ، وإنما انتظري من الله فقط وأبشري فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً . الزمي الاستغفار والدعاء ، وانتظري بعده الفرج .
انتقلت إلى رحاب الإيمان .. ولزمت الدعاء ليلي ونهاري ... وما جف لساني من الاستغفار ومن الدعاء أزيد وأقول : " حسبنا الله ونعم الوكيل " .
قمت إلى زوجي أُرضي الله تعالى فيه .. وأرجو ما عند الله لا ما عنده ، أُحسن إليه وهو يسيء إليَّ .. أحلم كلما غضب وأعفو .. أكرمه وأحترمه وأحسن استقباله وآمر أطفالي باحترامه والقيام له إذا أقبل وتقبيل رأسه .. كنت أدعو له كثيراً وهو يسمع وأسأل الله أن يحفظه ذخراً لهذا البيت الذي لا يستغني عنه .. والدعاء للشخص وهو يسمع كلما أقبل وكلما أحسن إليك وأحضر شيئاً من أعظم ما يقرب بين القلوب ويلينها ويؤلف بينها .
تقربت إليه بكل ما كان يحبه قبل الهجر من طعام وشراب ولباس ، حتى إني لأتزين له كل ليلة قبل منامه ، وكأنني عروس تزف لزوجها .. ما بين عطور .. ماكياج .. إكسسوارات .. ملابس أجددها بين فترة وأخرى .. رغم أنه – وأقسم بالله على ذلك – لا يرفع إليَّ ولو حتى طرفه بل وهاجر لفراشي .. وإنما كنت أفعل ذلك إرضاء لله ، وحتى لا أكون عند الله مقصرة في حقوقه .. مرت الأيام القاسية وهذا هو دأبي معه .
وكلما مللت أو يأست اتصلت بصديقتي تلك فثبتتني وذكرتني حتى أصبر .
وبعد سنة كاملة وفي ليلة بلغت فيها حداً من المعاناة والتعب النفسي مالا أطيق بعده صبراً ؛ اتصلت بصديقتي أبكي ، فقالت : إذا أقبل الثلث الأخير من هذه الليلة فقومي إلى سجادتك وأكثري من الصلاة والدعاء وألحي على الله بالدعاء ولا تفتري ولا تيأسي ، ثم استغفري الله بكثرة حتى يتردد آذان الفجر ورددي : " حسبنا الله ونعم الوكيل " .
أخذت بنصيحتها وقمت تلك الليلة التي ما نمت فيها أصلاً من كثرة البكاء والدموع ، انطرحت بين يدي أرحم الراحمين وجعلت أنادي : يا فارج كربات المكروبين رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ..." ثم وضعت رأسي على المخدة وأنا أنتظر الفجر وجلست أستغفر الله وأردد ( حسبي الله ونعم الوكيل ) .
ثم في الصباح قمت لأبنائي لأعدهم للذهاب إلى المدرسة . ثم لما ذهبوا ذهبت إلى غرفتي وأنا أظن زوجي نائماً ففوجئت به مستيقظاً وجالساً بجانب المدفأة ، فتراجعت إلى الخلف وخرجت فلما خرجت سمعت صوته يناديني " يا فلانة " ، فالتفت إليه فإذا بتلك الابتسامة كأنها فلقة قمر ، والتي ما رأيتها على محياه سنة كاملة . وإذا به يقول : " تعالي إلى جانبي " .
لم أصدق ما رأت عيني وما سمعت أذني ، وطرت إليه كعصفورة أطلقت من قفص ، وتهاطلت دموع الفرح مدراراً وحمدت الله تعالى على ما فرج وعافى وأعاد لي زوجي كما كان .