في وطني "الجزائر" الجميع ملوا الحديث عن "الأمن" ومن تضييق العيش عليهم، يتوق الناس إلى مزيد من الحرية، مشاعر مفقودة في بعض أجزائها لكن يبقى ما تحقق لحد الساعة أمر مهم أيضا، فهذا البلد تجاوز محنة عشرية سوداء بشق الأنفس، ومن حقه أن ينعم اليوم بالطمأنينة وان يشعر بالاستكانة مثل مقاتل مل حمل سلاحه وتاق لان يعود إلى أهله يحتويهم فتهدا روحه لحين من الدهر. تحدث الجميع هذه الأيام عن تاريخ "السابع عشر سبتمبر" والذي ترقبه الناس وهم يحبسون أنفاسهم، وكأن هذا اليوم سيغير مجرى تاريخ الجزائر، الجميع يحاول صياغة سيناريو للحياة ما بعده وما يمكن أن تجره من ويلات علينا، ولكن اليوم انقضى بلا خسائر تذكر، بلا احتجاج ولا عويل ولا أي شيء، وليتأكد للجميع أن هذا الشعب الذي يمكن إسقاط ما قالته "مي زيادة" عن تاريخه بأنه "استشهاد طويل" بل هو حياة يتعقبها موت، بأنه لا يرغب في إبقاء تلك الصفحات السوداء مشرعة أمامه إلى الأبد. بل أن هذا الشعب وغيره من الأمم لا تطمع في أكثر من مجموعة من المرادفات التي جاءت بها المواثيق الوضعية والديانات السماوية، يريدون الحق، الحرية، المساواة و....أشياء كثيرة تصب جميعها في هذا الرافد الذي لم يتغير مساره عبر تعاقب الأزمنة، قد تختلف طرق التعبير من مساحة جغرافية لأخرى تبعا لما تتسم به السلطة من تعصب أو انفتاح، إذ تأتي أحيانا ردة فعل الناس قوية ومرعبة، وأحيانا تأتي في مظهر مسالم، وكل أسلوب له نتائجه وتبعاته على المشهد العام للبلد، وهذا المشهد هو الصورة التي يرغب الناس اليوم في وطني ان تكون في شكل "حمامة سلام" أو "قبضة زيتون" قد تكون هذه الإيقونة أكثر تعبيرا من غيرها من المفردات والمصطلحات المواكبة لها. رغبة الشعب الذي أشكل عنصرا مهملا فيه اليوم تنحو باتجاه الاستقرار، حقيقة ثمة الكثير من المشاكل العالقة وغير العاقلة، حيث المصطلحات التي نادى بها ميثاق حقوق الإنسان لم تصبح سارية المفعول لحد الساعة وان كان البعض يحاكي مظاهرها، هناك الظلم أو ما يعبر عنه بلسان الشارع الجزائري "الحقرة" والتهميش، وأيضا المحسوبية، الفساد السياسي الذي أصبح هو السائد، هناك الانحلال الخلقي والتفسخ الاجتماعي رغم ما يبدو خارجيا من تماسك للمجتمع، هناك الكثير من الأمراض والمظاهر التي وسمها الوضع الراهن، وأضفى عليها صبغة سوادوية لمستقبل مجهول لشباب البلد، لعل الناس في البلدان العربية سمعوا خلال السنوات الماضية بظاهرة "الحرقة" والتي من خلالها ابتلع البحر الأبيض المتوسط عشرات الشباب ممن كان شعارهم "يأكلني الحوت ولا نبقى في بلادي نموت"، هم بذلك أرادو أن تكون ميتتهم "بيدي لا بيد عمرو" موتة بطولية مرة واحدة أفضل من الاستشهاد الطويل والمرير. كل هذه المشاكل، وغيرها مما لا يتسع المجال هنا لإحصاءه، والذي قد يشوش على القارئ صفاء ذهنه ولحظته، ولكن ليعذرني، إذ أنني أتحدث بحرقة كبيرة عن المجتمع الجزائري الذي عانى من الوسواس القهري وما يزال، هو الوطن الذي لا نريده مع كل هذه المتناقضات وآمالنا التي تظل معلقة ما بين السماء والأرض دون أن تتحقق، لا نريد له إلا الخير، ولا نوي دان تبقى صفحة انعدام الآمن مشرعة فيه إلى مالا نهاية، نريد تجاوزها إلى قطعة حجر تالية في سلم حياتنا، قد نجدها صعبة ولكنها ليست أصعب من لون الدم.

بقلم مكى أم السعد عبد الرحمن
المصدر: بقلم : مكى أم السعد عبد الرحمن - محررة إلكترونية
caheft

صحيفة الأدب العربى الإلكترونية

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 228 مشاهدة
نشرت فى 20 سبتمبر 2011 بواسطة caheft

صحيفة الأدب العربى الإلكترونية

caheft
صحيفة الأدب العربى الإلكترونية - على كنانة أون لاين »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

165,221