جلستُ وحدي بين ثنايا ممر ضيق يمر منه الطلاب في دخولهم وخروجهم من الجامعة كنت ادخن سيجارة قد وصلت الى النصف افكر في حياتي بعد الجامعة ارتدي ملابس قد مضى على شرائي لها سنوات رافقتني طيلة اعوامي الخمسة التي قضيتها في الدراسة فقد كان الحال صعب والحصار اكل منا وشرب  افكر في الخدمة الالزامية للجيش العراقي بعد التخرج من الجامعة والتي فرضت علينا وكيف اتخلص منها كنت افكر في الهروب خارج العراق  كان امامي عده طرق اما السفر الى ايران  او الهروب الى لبنان لكني اتفقت مع صديق لي كان يعيش في كردستان العراق ويدرس معي ان نرحل الى كركوك ومنها الى دهوك وثم تركيا واليونان لكي نستقر في المانية كان الوضع جدا حرج والحكومة قد سدت كل المنافذ ولا سبيل للخلاص سوى الهرب او ادخل في صراع لا ناقة لي فيه ولا جمل, وبينما انا على حالتي هذه في اذار عام 1994 غارق في افكاري مرتْ امامي بنظرات غريبة تنظر الي وحدي فقط وعينها تشع نور وحب  في البداية لم انتبه وقلت في نفسي ربما كانت عقلها شارد ولم تكن تلك النظرات لي ربما كانت لشخص ما في عقلها فانا اعرف تلك الفتاة انها من الطبقة الراقية وجميلة بحد الجنون وحولها المئات من الشباب الراقي فلماذا تنظر لشخص مثلي من احياء بغداد الفقيرة حتى بيئتي تختلف عن بيئتها  وتداركتُ نفسي لكي اعود الى افكاري وكيف اجمع المال لكي اهرب .

في اليوم التالي بعد نهاية المحاضرة الثالثة لمادة المقارنة بين لغات الحاسوب البرمجية اتجهتُ الى مكان جلوسي في المرر الضيق  لاهيم في افكاري من جديد وافكر في نتائج هروبي خارج العراق على عائلتي ومستقبلي واذا بنفس الفتاة وبنفس الموعد ونفس نظرات الشوق والحب والوجه البريء موجه نحوي ,نظرتُ ثم اطرقتُ البصر فمالي ومال اصحاب النفوذ  والجميلات من امثالها فقد كان هناك الكثير من ابناء المسؤولين في ذاك  الوقت حاولوا ان يتقربوا منها لكنها صدتهم وعلى حد علمي انها من بنات احد المسؤولين في الوزارة فليس لي القدرة على مجاراتهم واخشى ان يؤذوني فتركت مكاني لعده ايام في مرري الضيق وانتقلت الى مكان اخر اشرد فيه بأفكار هروبي خارج القطر وايضا ابتعد عن نظرات تلك الفتاة  وفي يوم حار وبعد انتهاء اخر محاضرة  حملت اوراقي لاهم بالخروج الى الدار وكان لا بد لي ان اسلك ذلك المرر الضيق  حتى وصلت الى مكان جلوسي واذا بفتاتي جالسه فيه تنقش حروف على جدارة كأنها تريد ان توصل رساله ما ,لم تراني اشحتُ بوجهي عنها وابتعدت الى سبلي فانا جدا مشغول اريد ان اصل الى البيت بأسرع وقت ارتاح قليلا ثم اتجه الى عملي كسائق اجرة بسيارتي الخاصة التي اتعبتها مسالك الطرق وقطع الغيار المستعملة لأجمع قوتي وقوت عائلتي لليوم التالي كان عملي من اخطر الاعمال في ذلك الوقت فقد كثرت حالات سرقات السيارات وقتل اصحابها  فقد كان العمل متوقف والشعب يرزح تحت حصار قوي وسلطه جائرة والطعام قليل لكن ما باليد حيلة فلابد ان اعمل حتى اعيش واكمل دراستي .

وفي صباح اليوم التالي دخلت جامعتي واتجهتُ مباشرة الى مكان جلوسي في الممر الضيق وفاجئني ما رأيت فقد نقش على الجدار اسمي الاول بخط جميل محفور بإتقان باللغتين العربية والانكليزية وهنا بدأتُ  التساؤل ما ذا تريد هذه الفتاة هل تريد اللعب ام السخرية مني ام ماذا, لقد شغلت كل تفكيري ونسيتُ فكرة السفر اتجهتُ الى اثنان من اصدقائي واخبرتهم بما جرى فضحكا علي بسخرية كبيرة وضحكتُ معهم فمن العجيب ان تنظر فتاة مثلها لشخص مثلي فقد كانتْ مشهورة بين اوساط الجامعة لجمالها وحسن تأنقها ومنطقها في الكلام لم يصدقاني لكني اجبرتهم ان يأتوا معي الى مكان جلوسي في المرر الضيق وكان الاتفاق ان ادير ظهري كأني لم انتبه لها وهم يراقبون ماذا تفعل وجاء وقت خروجها ونفذتُ الخطة وبعد مرور دقيقة رفعوني من ياقة قميصي بطريقة ساخرة وهمسا بصوت واحد هذه الفتاة تحبك,

قلت:-ماذا تحبني كيف  

قال احدهم:- نعم تحبك وقفتْ ورائك ركلتْ الارض بحذائها تنهدت ْوعيونها تكاد تدمع ثم سحبتها صديقتها من يدها ورحلتا

قلت:- لا انها تسخر مني فلست صاحب جمال ولا مال

قالا:-تحبك وكفى

فأصبحت لنا عادة انا وصديقاي ان نقف كل يوم في نفس المكان والاوان نراقبها وهي تنظر الي بنفس النظرات حتى اصبحنا حديث الجامعة واصبح الكثير من الطلاب والطالبات يقفون في تلك النقطة ليشاهدوا تلك اللحظات من نظرات فتاة العز الى فتى فقير لا يجرء حتى ان يكلمها او يسلم عليها .

كنت اخاف ان اكلمها خوفا من ان ينتهي هذا الحلم الجميل فقد طُبعتْ صورتها في خيالي حتى اني نسيتُ فكرة السفر احببتها نعم احببتها وكتبت فيها قصائد شعر كثيرة تناقلها عشاق الجامعة فصيح اللسان لكن قليل الجراءة .

كانت لي زميلات في الدراسة اكلمهن واجلس معهن بما يخص الدرس فقد كنت من المتفوقين واحصل على درجات عالية ,وبالرغم من ان دراستي علمية لكني اكتب الشعر بكل مفاصله الشعبي والفصيح ولم اهتم بالحب ومشاعرة فلا يوجد وقت لذلك بين العمل والدراسة والتفكير في السفر ولكنها غيرت كل شيء حتى زميلاتي اصبحن يرافقني لمدة اطول ويتجمعن حولي بسببها لا اعرف هل هي غيرة الفتيات ام هناك شيء قد جد في لأصبح محط انظار الفتيات حتى طالبات من مراحل اخرى ومن كليات ثانية تعرفن بي لكي يعرفن ماذا احبتْ في تلك الفتاة .

لقد اصابني الوله بها واصبحتُ لا افكر بشي سواها اتبعها الى بيتها اظل واقف ساعات طوال اراقب دارها  تطل علي في كل لحظة من نافذة  غرفتها بنظرات جميلة وابتسامة رائعة , ما اجمل الحب احسستُ بمتعة الحياة وحلاوتها رغم الظروف القاسية في ذلك الوقت.

 

حتى جاء يوم انتفضت’ به من خجلي تقدمتُ نحوها بخطى ثابته اطلقتُ تحية خافتة وبعدها اسمها فردتْ التحية بصوت عذب جميل ارسلني الى ما وراء الانتعاش بأشواط طويلة فنسلت ْالكلمات تنساب على لسانينا حتى قلتها احبكِ وقالتها احبك َلننطلق سوية ولأول مرة نسير في ممرنا الضيق امام انظار الجميع نتبادل كلمات الحب ,شعور لم  امر به طوال حياتي احسستُ ان العالم كله ملكي والحياة فتحت اذرعها لي ,لكن لم يدوم الامر طوليا فبعد مدة طلب مني ان احدد نهاية علقتنا وكيف ستنتهي وكان كل املها ان اخبرها باننا سوف نتزوج ,لكنها قد أيقظت فيَ امرا لم يكن في الحسبان فهل يقبل والدها ان يضع يديه بيدي والدي ام هل اقبل ان اعرض والدي الى اهانة كبيرة عندما يرفض والدها  تزويجنا وان وافق والدها هل استطيع ان اوفر لها حياة كما كانت تعيش في بيتها اهلها وانا لا املك حتى دار تؤويني وهل سوف تتحمل هي حياتي البسيطة وطعامي البسيط كل هذه التساؤلات مرت في ذهني  فعجزت عن الرد  فتساءلتْ مرة اخرى (ما هي نهاية علاقتنا) فأجبت بعفوية (لا ادري ) وفعلا انا لا ادري ,فكانت لها ردة فعل قوية وصرخت في وجهي (كاذب غدار العبان) وذهبت بعيدا وهي تبكي ,وقفت مذهولا ما ذا كنت افعل وكيف تصرفت بهذا الشكل اين كان عقلي كان يجب ان افكر بكل شيء قبل ان اكلمها اعلم اني أخطأت في مصارحتها بحبي لها .

(حبيبتي انا اسف اعلم اني متأخر لكن الحب وحده لا يكفي فنحن في مجتمع حقير لا يعرف غير السلطة وقوة المال وانت رقيقة لا تستطيعين ان تنامي على الارض او تأكلي خبز الشعير فسياتي يوم سوف تكرهيني اكثر مما كرهتني به اليوم ).كان هذا مضمون رسالتي لها بيد احدى زميلاتي .

لكني لم انسى ذلك المكان في الممر الضيق كنتُ يوميا اجلس فيه انتظر وقت خروجها لنتبادل نظرات العتاب ثم نرحل بقلوب كسير حتى تنازلتُ عن فكرة الهروب خارج العراق وتحملتُ اهوال العسكرية من اجل ان ابقى على ارض تعيش  عليها حبيبتي نعم كنتُ في كل اجازة اقضيها قرب منزلهم وكانت تعلم بوقت اجازتي تطل علي من نافذة غرفتها لكن دون ابتسامة كان النظر لوجهها يريحني ويعينني على تحمل سنوات الخدمة العسكرية .

لقد مرت سنوات عديدة على اخر مرة رائيتها فيها ولا يزال القلب يملك ندبة من حبها ولا زلت اكتب قصائدي لها رغم مرور اكثر من خمس عشرة عام.


بقلم

ضياء الدراجى

المصدر: مراسلات : بقلم / ضياء الراجى
caheft

صحيفة الأدب العربى الإلكترونية

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 219 مشاهدة
نشرت فى 7 سبتمبر 2011 بواسطة caheft

صحيفة الأدب العربى الإلكترونية

caheft
صحيفة الأدب العربى الإلكترونية - على كنانة أون لاين »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

173,291