أخيرا تنفس العرب هواء نقيا، وقالوا مقولتهم الأزلية "الحمد لله الذي منَ علينابنعمه الظاهرة والباطنة"، هذه النعمة التي جاءت خلال الأيام الماضية فيصورة عودة الدفء إلى علاقة الأشقاء الفلسطينيين، فبعد أن بترت صلة الرحملبرهة من الزمن ها هي ذي تعود مجددا، ربما هذه العودة "الميمونة" ستعطيدفعا أقوى وحرصا اكبر على ألاَ تحدث القطيعة مجددا –لا قدر الله-، خاصة وان الجميع اكتوى بهذه النار عودة فتح الأبواب الموصدة بين الفلسطينيين، وما تلاها من أحداث تشهدها الساحة العربية والعالمية يعطي انطباعا لافتا ربما سيحمل بوادر خير إلى انفراج في أكثر من صعيد على الأمة العربية، خاصة وان لؤلؤة الشرق الأوسط التي كما عانت من غطرسة العدو، ذاقت الويلات بسبب هذا الشرخ الذي قسم "فلسطين" إلى شطرين، لم تنجز حقيقة بينهماجدران من اسمنت لتفصل بينهما على غرار ما حصل من قبل بألمانيا وهو ما عرف بـ "جدار برلين"، لكن الجدران الصورية كانت اشد صلابة وحاملة للضغائن والأحقاد أكثر بكثير، وحوًلت القضية الفلسطينية من حدث عام يحوز اهتمام كل العرب، إلى حدث عرضي يقول الجميع وبسخرية ممزوجة بالحسرة "لا داعي إذا للتدخل في الشأن الفلسطيني ما داموا هم أنفسهم غير موحدينولكن زمن التأفف وإدارة الظهر اليوم قد ولى. فلسطين اليوم تعيد صياغة تاريخها، طوت صفحة من القطيعة العائلية، وتعيد إلى شرايين البلد النازف القليل من الدماء لعله يستطيع مجابهة الآتي بالكثير من التجلد والقليل من العدة، وما حصل لم يكن هذه المرة حدثا عرضيا لكنه "الحدث" ذاته بكل تفصيلاته الدقيقة منها والعظيمة، أعاد الانتباه إلى الجميع وأشار إلى ضرورة إعادة قراءة الوقائع، حالة من "الفرح" التي لا تأتي إلا على رأس كل مائة عام تشوب القلوب، تنفس الجميع "الصعداء" وأعناقهم مشرئبة تتطلع إلى ما سيحمله أتي فلسطين بعد هذه "المصالحة"، من مفاجآت حتما ستكون سارة ولو في جوها الداخلي كيف لا وما كان يحصل قبل من تبادل للتهم واتساع دائرة التشتت تدمي قلوبنا، كنا نتحسر على ما آل إليه حال أشقائنا في فلسطين، هذا البلد الذي ظل على مر العقود الشريان المقطوع بقلوبنا، نزف في سبيله الكثير من دم الأمة العربية، لكن "نخاع عظمها" لم يضمحل، فالتبرعات المستمرة كانت تحييها بين الفينة والأخرى، وتبعث فيها نفسا للمضي، وكانت دعوات الأمهات الثكالى، والأطفال اليتامى تصل السماء بالأرض فتلقى استجابة من الإله. "فلسطين" يا موطئ أقدام الأنبياء، بكيناك كثيرا، ولأجل جرحك الذي ينخر أفئدتنا فضلنا مرارا أن ننأى بإحزاننا عنك، أغلقنا لفترات كثيرة أزرار الفضائيات حتى لا تتسرب رائحة أشلاء الصغار، ولا نبهتنا تلك المناظر المروعة، وتحاملنا في مرات أخرى وجثونا على أقدامنا ونحن نتابع بألم كبير دموع المهجَرين عنوة إلى "المجهول"، دون أن يتمكنوا من ترك حتى عنوانهم" ليسال الأهل عنهم ولو في المناسبات، أو يرسلون لهم بطاقات تعزية إن دعت الضرورة ويقرؤون عليهم الفاتحة سرا، ولكن "الحمد لله" تصالح الأبناء وعادوا كما كانوا منذ الأزل "أشقاء"، وتغلبت بذلك صفة الإخوة الموروثة" والطبيعة التي جبلوا عليها على كل الصفات التي اكتسبوها من المحيط الخارجي الملوث
بقلم
وسيلة مكى .