authentication required

مازال الكثير من قراء مجلة روز اليوسف في عصرها الذهبي الي اليوم أسري الرسوم الكاريكاتيرية البديعة التي كانت تزين صفحاتها والي جوارها كلمات خطها كبار كتاب مصر الذين نشأوا في المدرسة الصحفية التي سماها الراحل الكبير كامل زهيري مدرسة الهواء الطلق في إشارة الي طابعها المتحرر وأفقها التقدمي‏..‏

والمؤكد ان الرسام رجائي ونيس يظل أحد أنبغ من تخرجوا في هذه المدرسة الاستثنائية وكان بامكانه ان يكون اليوم أحد اشهر رسامي مصر لولا غربة طويلة تنوعت بين اليابان واستراليا غيبت أعماله عن القراء الذين صار بامكانهم اليوم التواصل مع ونيس مجددا ولكن عبر صفحات كتابه أنا واليابان ورحلة المصير الذي صدر الجزء الاول منه مؤخرا في طبعة أنيقة عن دار سنابل‏,‏ وهو كتاب يمكن اعتباره نصا من نصوص السيرة الذاتية التي تكشف خبرته وتجاربه في كواليس الصحافة وليل القاهرة نهاية الخمسينيات لكن مع الكثير من سمات ادب الرحلات وبالاضافة الي ذلك ضمن الرسام كتابه الكثير من الرسوم التي ابدعها‏,‏ الي جانب بعض أغلفته التي صممها لمجلتي روز اليوسف وصباح الخير‏'.‏
ويلقي الكتاب الضوء علي تجربة فريدة عاشها ونيس وهي رحلة صحفية قام بها الي اليابان وهونج كونج بصحبة مفيد فوزي في العام‏1962‏ بعد افتتاح اول خط طيران بين الجمهورية العربية المتحدة وطوكيو ولا شك ان لهذه الرحلة مكانتها المتميزة في سياق النصوص التي كتبها الكتاب العرب عن اليابان منذ كتاب‏'‏ الرحلة اليابانية‏'‏ الذي نشره الشيخ علي الجرجاوي لاول مرة عام‏1907‏ والي اليوم‏,‏ وسبب التميز في تقديري كونها أول رحلة تكتب بقلم رسام يقرأ الصورة‏,‏ ويجيد فتح مسامه وحواسه أكثر من سعيه الي تكوين وجهة نظر كلية في المجتمع الذي بدا له‏'‏ غرائبيا‏'‏ الي حد كبير‏,‏ فهو بلد حمل له‏'‏ المفاجأة التي لم يحسب حسابها‏'.‏
ومثلما لجأ رفاعة الطهطاوي الي مقارنة حال المصريين وحال الفرنسيين بعد رحلته الي باريس يلجأ ونيس للتقنية ذاتها وهو يتأمل تجربة النهضة اليابانية التي يري ان ابرز ما فيها الخلطة بين عراقة القديم والانفتاح علي الحديث والمعاصر والي جوار هذه الانطباعات التي تخلخل في ذهن الكاتب والقاريء الكثير من الثوابت المتعلقة بالمركزية الاوروبية وأسبقيتها في النهضة‏,‏ ينشغل صاحب الكتاب برصد ما عاشه وهو ومفيد من أزمات خلال الرحلة بداية من غياب الاموال ثم السكن اضطرارا في احد بيوت الشباب‏,‏ كما يتوقف امام سلوكيات اليابانيين شديدي الفضول ازاء الاغراب وهم في نفس الوقت‏'‏ الذين لا يتحدثون لغات أخري‏',‏ كما يكتب خبرته في تناول الطعام الياباني لاول مرة وتجربته في السفر الي‏'‏ كيوطو‏/‏ عاصمة اليابان القديمة‏'‏ التي سمها‏'‏ بلد القطارات‏'‏ لكثرة ما بها من محطات للسفرالي كل انحاء اليابان ولعل الجزء الاهم في الكتاب ما يتعلق بالاراء التي سجلها ونيس في شأن أنماط العمارة اليابانية التقليدية وفن الحدائق‏,‏ فالعمارة قد بهرته تماما والحدائق غيرت مفهومه عن الجمال‏,‏ فقبل تلك الرحلة كان‏'‏ مفهومه ابن وعيه بالنسق الاوروبي في شأن تنسيق الزهور بينما منحته التجربة اليابانية فكرة الفن الذي يخفي الفن أي مساعدة الطبيعة علي ان تكون أكثر طبيعية‏.‏
ويعترف ونيس بأن انطباعاته عن اليابان كانت فطرية لا دخل للمعرفة النظرية فيها‏,‏ فقد انتظر لسنوات قبل ان يعرف الكثير عن البوذية والشينتو‏'‏ واللافت للنظر ان تلك الرحلة كانت بمثابة الباب الذي دخل منه ونيس الي عالم من التساؤلات بشأن المهنة والمصير وفكرة الحياة ذاتها وهي رحلة جاءت في وقت كان حماسه للعمل الصحفي قد بدأ في الفتور نتيجة شعوره بتآكل مساحة حرية التعبير التي كانت متاحة لفن الكاريكاتير وللكتابة السياسية إجمالا‏,‏ وبسبب هذا الشعور بدأ ونيس رحلته في اليابان بحثا عن مخرج يضمن له البقاء في هذه البقعة السحرية من العالم وهي بقعة مكنت الفنان من رسم عدة اسكتشات عن الرحلة عرضتها السفارة المصرية بعد ذلك في معرض عام كان اول معرض لليابان بعيون فنان مصري هو ذاته الذي كتب الكتاب كمن يكتب عن ابن يحمل ملامحه لكنه عاش بقية عمره بإحساس مسافر‏'‏ترانزيت‏'.‏

boysegypt

amr

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 150 مشاهدة
نشرت فى 28 أغسطس 2010 بواسطة boysegypt

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

69,940