||محاضر الشرطة القضائية الموريتانية||
المبحث الثاني
القيمة القانونية للمحاضر وجزاء خرق شروطها
لما كانت محاضر الشرطة القضائية تعتبر وسائل إثبات أساسية يعتمد القضاء الجزائي عليها في تكييف الجريمة وإصدار العقوبة ، فقد أحاط المشرع هذه المحاضر بمجموعة من الشروط والشكليات يتعين إحترامها نظرا لما تشكله من ضمانات لحقوق وحريات المشتبه بهم .
لكن المحاضر لا تحظى كلها بنفس القيمة القانونية وإنما تتفاوت في ذلك ، كما أن المشرع رتب جزاءات قانونية علي خرق الشروط والشكليات الواجبة بحكم القانون وسنتناول ذلك من خلال المطالب التالية
المطلب الأول
القيمة القانونية للمحاضر
تعتبر محاضر البحث الابتدائي من الأدلة الكتابية التي تملك المحكمة كل السلطة في أن تبني قناعتها بثبوت الجريمة أو نفيها عليها لكونها محررا رسميا يتضمن وقائع وتصريحات شهد علي صحتها ضابط الشرطة القضائية محرر المحضر، لكن حجية المحاضر بما تمثله من قوة إثباتية تنقسم إلى عدة أقسام هي:
أولا: المحاضر التي تعتبر دليلا قاطعا
يقصد بالدليل القاطع الدليل الذي لا يقبل إثبات العكس ، وقد أورد المشرع الموريتاني هذا النوع من المحاضر ضمن المادة 392 إجراءات جنائية والتي تضمنت << تنظم بقوانين خاصة المواد التي تكون موضوع محاضر مثبتة ولا يمكن الطعن فيها إلا بالتزوير >>.
من خلال هذه المادة يتضح أن هذا النوع من المحاضر يعتبر حجية قانونية ، فهو قرينة قانونية قاطعة لا يمكن إثبات عكس ما تضمنته بالوسائل العادية ولا يمكن الطعن فيها إلا بالتزوير وفقا لإجراءات الطعن بالتزوير الواردة في المواد من 578 إلى 583 من الإجراءات الجنائية ومن أمثلة هذه المحاضر:
- المحاضر المنجزة من طرف الجمارك في حدود اختصاصهم وفقا للمادة 218 من قانون الجمارك الموريتاني ذي الرقم74-026 بتاريخ 26 يناير1974 وقد تضمنت المادة المذكورة ما يلي :<< للمحاضر المحررة من طرف عونين محلفين من الجمارك أو من طرف كل إدارة أخرى قوة الثبوت حتى الطعن بالتزوير في المعاينات المادية التي تروي الحادثة ...>>.
- محاضر مخالفات الصيد البري المادة6 من مدونة الصيد البحري
ولعل السبب في إعطاء هذا النوع من المحاضر ا لحجية القاطعة هي:
1- صعوبة الإثبات في مثل هذه الجرائم موضوع المحاضر فمن شبه المستحيل إثبات هذه الجرائم بالشهادة أو الاعتراف
2- كون هذه المحاضر تثبت المخالفات وهذه لا تشكل الخطورة التي يمثلها إثبات الجنح والجنايات وغالبا ما تقتصر عقوباتها علي الغرامات.
ثانيا: المحاضر التي تعتبر دليلا بسيطا
يقصد بالدليل البسيط الدليل الذي يقبل إثبات العكس والمحاضر المعتبرة دليلا بسيطا يوثق بمضمونها إلى أن بثبت ما يخالفه وفقا للمادة390 إجراءات جنائية والتي جاء فيها << في الحالات التي يخول القانون فيها بنص خاص سلطة معاينة الجرائم بواسطة محاضر أو تقارير لضباط أو وكلاء الشرطة القضائية والموظفين والأعوان المكلفين ببعض مهام الشرطة القضائية فإن الدليل العكس لا يمكن أن يقع إلا بواسطة الكتابة أو الشهود >>والمادة389 إجراءات جنائية تقرر أنه << باستثناء الحالات التي ينص فيها القانون علي خلاف ذلك فإن المحاضر والتقارير التي تعاين الجنح لا يمكن أن تؤخذ إلا على سبيل استئناس بسيط >>.
ولعد المقصود بالاستئناس البسيط هو الاستدلال البسيط ، بمعني آخر هو اعتبار هذه المحاضر دليلا بسيطا يوثق بمضمونه إلى أن يثبت ما يخالفه ، وهذا المعنى يؤيده نص المادة باللغة الفرنسية .
فالمحاضر التي تعاين الجنح تعتبر دليلا علي الوقائع والتصريحات التي تضمنها،لكنها ليست دليلا قاطعا وإنما هي دليل بسيط أي قابل لإثبات عكس ما تضمنه ويكون إثباته بإحدى طريقتين هما الكتابة أو الشهادة. وسنعرض ذلك في حينه.
ثالثا:المحاضر التي تعتبر مجرد معلومات
الأصل أن المحاضر التي تعاين الجنايات هي مجرد بيان أو معلومات فقيمتها إعلامية لا إثباتية وإذا كان قانون الإجراءات الجنائية لم ينص علي ذلك صراحة ، إلا أنه بإستقراء المواد المتعلقة بإقامة الأدلة أمام محكمة الجنح نجد أن المحاضر التي تعاين الجنح لا يؤخذ بها إلا علي سبيل استئناس بسيط أي استدلال بسيط أو استرشاد فيكون الأولى أن لا تأخذ المحاضر التي تعاين الجنايات إلا علي سبيل الافادة للعدالة تماما كالمحاضر المحررة من طرف عسكري الدرك والتي تعاين الجنايات ، طبقا للمادة132 من المرسوم 70-172 والتي نصت علي أنه << للمحاضر المحررة من طرف عسكري الدرك قيمة إعلامية أو إفادة للعدالة إلى أن تثبت أدلة معاكسة أثناء المعاينات ولا تصلح دليلا حتى الطعن بالتزوير إلا في الحالة الصريحة التي يخول لها القانون هذه الق وة المقنعة >>
ومن جهة ثانية عندما نتتبع القسم المتعلق بتقديم الأدلة وبحثها أمام المحكمة الجنائية والمنظمة بالمواد من 293 إلى 317 إجراءات جنائية، نجد أنها لا تتحدث عن محاضر البحث الابتدائي ولا تذكر سوى إستنطاق المتهم والاستماع إلي الشهود وأداء اليمين ،وهو ما يعزز القول بان المحاضر التي تعاين الجنايات هي لمجرد الإفادة ، ومع ذلك يمكن للمحكمة أن تحكم بناء عليها متى اقتنعت بمضمونها المعزز بالقرائن والأدلة الأخرى.
المطلب الثاني
جزاء خرق شروط وشكليات المحاضر
رتب القانون علي خرق شروط وشكليات انجاز المحاضر جزاءات قانونية تختلف باختلاف الشروط أو الشكليات التي لم يتقيد بها محرر المحضر، فخرق الشروط الواجبة بقوة القانون يترتب عنها بطلان المحضر الذي يمكن لقاضي الموضوع أثارته من تلقاء نفسه لكونه من النظام العام، كما يمكن الدفع ببطلان المحضر أمام محكمة الموضوع من طرف المتهم أو محاميه والذي يملك كذلك الحق في الطعن في قوة المحاضر وذلك من خلال الدفع بعدم صحة ما ورد فيها واثبات ما يخالف مضمونها ويكون ذلك بإحدى طريقتين هما:
أولا: الدفع ببطلان المحضر
تعد المحاضر أدلة كتابية ناتجة عن مجموعة من الإجراءات ال تي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية منها على وجه الخصوص ، الضبط في حالة التلبس والوضع تحت الحراسة النظرية والتفتيش المنزلي ، وكل هذه الإجراءات منظمة بقواعد جوهرية منصوصة في قانون الإجراءات الجنائية فمتى وقع الإخلال بإحدى هذه القواد أمكن الدفع ببطلان المحضر المتضمن للإجراء الباطل وقدم الدفع أمام محكمة الموضوع ،و.يقصد بالدفع الجنائي أوجه الدفاع الموضوعية أو القانونية المختلفة والتي يثيرها الخصم لأجل تحقيق غايته في الدعوى الجنائية ، وتنقسم الدفوع من حيث طبيعتها إلي دفوع شكلية و دفوع موضوعية ، فأما الدفوع الشكلية فلا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض خلافا للدفوع الموضوعية التي يمكن التمسك بها في أية مرحة من مراحل الدعوى، ويجب علي القاضي الجنائي أن يناقشها ويمحصها ويرد عليها في حكمه ، ومن أمثلة الدفوع الجوهرية فيما يتعلق بمحاضر الشرطة القضائية والتي قد ترتب البطلان :
*الدفع بانعدام حالة تلبس
تمكن إثارة الدفع بانعدام حالة التلبس المنصوص عليها في المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية من عدة أوجه منها على سبيل المثال
أ – أن المشتبه فيه لم يضبط في أي حالة من حالات التلبس الواردة في المادة 46 التي تضمنت (( تكوين الجناية أو الجنحة متلبسا بها .
1- إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكاب الجريمة أو على أثر ارتكابها
2- إذا كان الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهور
3- إذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قريب من ارتكاب الفعل حاملا سلاحا أو أمتعة أو ظهرت عليه آثار أو أدلة تحمل على الاعتقاد بأنه شارك في الجناية أو الجنحة.
يعتبر بمثابة الجناية أو الجنحة المتلبس بها ولو لم ترتكب طبقا للظرف المقررة في البنود السابقة قيام رب المحل باستدعاء وكيل الجمهورية أو أحد ضباط الشرطة القضائية لمعاينة الجريمة)) .
ب- أن من قام بضبط المتهم ليست له صفة ضابط الشرطة القضائية
ج – إنجاز محضر تلبس دون الإشارة فيه إلي صفة محرر المحضر أو توقيعه وهو ما يترتب عنه انعدام حالة التلبس القانوني .
* الدفع بعدم إجراءات صحة التفتيش
عند ما يقع التفتيش مخالفا لأحكامه الواردة في قانون الإجراءات الجنائية فإن ذلك يؤدي إلي بطلانه ومن ثم بطلان الدليل المتحصل عليه عن طريقه ، ويجب إثارة الدفع ببطلان التفتيش قبل إثارة أي دفع أو دفاع لكونه من الدفوع الشكلية المادة 345 من قانون الإجراءات الجنائية
ويمكن الدفع بكون التفتيشات المنزلية وقعت مخالفة لأحكام ا لمادة 69 من قانون الإجراءات الجنائية ،أو لكونها وقعت خارج الأوقات القانونية المحددة بالمادة 52 من قانون الإجراءات الجنائية، وذلك لكون هذه التفتيشات وقعت قبل الخامسة صباحا أو بعد العاشرة مساء في غير الاستثناءات، أو لأنه لم تتخذ التدابير للازمة لاحترام السير المهني والشعائر الدينية أو حقوق الدفاع الواردة في المواد 49-50 من قانون الإجراءات الجنائية ،أو إذا لم تقع الاستعانة بالأشخاص المبين في المادة 53 من قانون الإجراءات الجنائية ، عندما تقتضي المعاينات ذلك ، كما يجب استبعاد المحجوزات المتحصل عليها نتيجة تفتيشات باطلة وبقاء محضر البحث صحيحا إذا كانت بقية إجراءاته صحيحة ، خاصة فيما يتعلق باستجواب المشتبه فيه والذي لا تشترط في صحته صحة إجراءات التلبس ، والأمر ذاته ينطبق على إجراءات الحراسة النظرية مادامت صحيحة ، وفي هذا الإطار قضت محكمة النقض المصرية بتاريخ 31/12/1984 في قرارها رقم 613 بالآتي ( بطلان التفتيش لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الآخر المستقلة عنه والمؤدية إلي النتيجة التي أسفر عنها التفتيش))
* الدفع بعدم صحة إجراءات الحراسة النظرية
لم يرتب قانون الإجراءات الجنائية البطلان على الإخلال بإجراءات الوضع تحت الحراسة النظرية ، فتبقي المحاضر المحررة خلال فترة حراسة نظرية تجاوزت الحدود القانونية أولم تراعي فيها الإجراءات الجنائية الواجبة ، تبقي تطرح إشكالا قانونيا فمن جهة تعتبر إجراءات الحراسة النظرية جوهرية ، ومن جهة أخرى فإن المشرع لم يرتب البطلان على مخالفتها .
ونحن نعتقد أنه لما كانت أحكام الوضع تحت الحراسة النظرية من النظام العام وقد نص عليه في قواعد جوهرية وضمن إجراءات جوهرية تجد سندها من الدستور الذي يحمي الحريات العامة ، وكانت الحراسة النظرية تتعلق بحرية الأفراد التي أحاطها المشرع بعدة ضمانات قانونية ، فمن غير المعقول عدم ترتيب جزاء البطلان على مخالفة قواعد الوضع تحت الحراسة النظرية ، وعليه متى نتجت عن عدم مراعاة الإجراءات القانونية للحراسة النظرية أشابة البحث الابتدائي بعيون جوهرية ترتب على ذلك بطلان هذه المحاضر ، كما لو أطيلت فترة الحراسة النظرية فتجاوزت حدودها القانونية ، وكان الغرض من ذلك إكراه المشتبه فيه على الاعتراف بنسبة الأفعال المجرمة إليه ، ففي هذه الحالة يكون محضر البحث مشوبا بعيب جوهري يؤدي إلي بطلانه.
*- الدفع بعدم صحة الاعتراف المنتزع بالإكراه أو التعذيب
جاء في ا لفقرة الأخيرة من المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية ما يلي
( لا يعتد بالاعتراف المنتزع تحت التعذيب أو العنف أو الإكراه ) وبناء على هذا النص فإن كل اعتراف وقع بسبب التعذيب أو العنف أو الإكراه يعتبر باطلا ولا يمكن الاحتجاج به،وعليه فإن المحاضر المتضمنة لاعتراف باطل لا يصح اعتبارها دليل إثبات
وقد أعطي المشرع لكل شخص مشتبه فيه وضع تحت الحراسة النظرية الحق في أن يجرى عليه فحص طبي ، فيطلب بنفسه إجراء فحص طبي أو يقدم طلبه بواسطة أحد أفراد أسرته.
و متى دفع المتهم أمام المحكمة ببطلان الاعتراف المنسوب إليه والوارد في محضر البحث الابتدائي لكونه انتزع بالتعذيب أو العنف أو الإكراه وثبت ذلك للمحكمة أو حصل عندها الشك به، ويجب عليها طرحه جانبا وعدم الإقتداء به واستبعاد المحضر باعتباره باطلا
ثانيا : الدفع بعدم توقيع المحضر
تمكن إثارة عدم توقيع المحضر من طرف محرره أو من طرف المشتبه بهم،وذلك على الرغم من أن قانون الإجراءات الجنائية لم يرتب الجزاء على مخالفة قاعدة إلزامية توقيع المحضر من محرره ومن المشتبه فيه ، فما هي الإثارة المترتبة إذن عن الدفع بعدم توقيع المحضر؟
الدفع بعدم توقيع المحضر من محرره
إن واجب توقيع المحضر من محرره نصت عليه الفقرة السادسة من المادة 23من قانون الإجراءات الجنائية << ... يوقع المصرح إلي جانب ضابط الشرطة القضائية على المحضر عقب التصريحات وبعد الإضافات ويدون اسمه بخط يده.
وإذا كان لا يحسن الكتابة أو التوقيع يضع بصمته ويشار إلا ذلك في المحضر........>>.
لكن قانون الإجراءات الجنائية الجديد لم يرتب الجزاء على عدم توقيع المحضر من طرف محرره على الرغم من أن الغرض من تقرير هذه القاعدة هو حماية المحضر ذاته من أن تقحم فيه بيانات أو تصريحات لم تصل إلى علم ضابط الشرطة القضائية المعد للمحضر،فالمفروض أن لا يوقع ضابط الشرطة القضائية على محضر تضمن تصريحات لم يستمع إليها أو تضمن معلومات لم تصل إلى علمه، وبالإضافة إلى ذلك فإن توقيع المحضر من محرره يعتبر ضروريا من أجل تحديد المسؤوليات، وفي اعتقادنا أنه متى كان المحضر غير موقع من طرف ضابط الشرطة القضائية الذي حرره ، فإنه يكون فاقدا لقيمته القانونية كمحضر بحث ابتدائي، لأنه من واجب ضابط الشرطة القضائية فور إنجازه لمحضر البحث أن يوافي وكيل الجمهورية بأصل المحضر ونسخة طبق الأصل منه طبقا للمادة 22 من الإجراءات الج نائية، ومعلوم أنه لا يمكن التميز بين أصل المحضر ونسخة منه ما لم يمكن المحضر موقعا من طرف محرره، فإن لم يكن المحضر موقعا من محرره، فقد صفة الرسمية فلا يمكن أن يعتد به إلا باعتباره وثيقة عرفية لا رسمية، وهي لمجرد الاسترشاد أو الاستعلام لا غير.
*الدفع بعدم توقيع المحضر من المشتبه فيه
جاء في المادة 23 من الإجراءات الجنائية وجوب توقيع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة القضائية فإن كان لا يحسن الكتابة أو توقيع يضع بصمته ويشار إلى ذلك في المحضر، ولما كان المصرح يحق له التوقيع على أقواله والإبصام عليها كما يحق له أن يرفض التوقيع أو والإبصام طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 23 فإنه يكون من الواضح في اعتقادنا أن المشرع تعمد عدم ترتيب الجزاء على غياب توقيع المشتبه فيه على أقواله المتضمنة في محضر البحث ، وهذا يعني أن غياب توقيع المشتبه فيه لا يمكن اعتباره من الشروط الشكلية المؤثرة على المحضر من حيث صحته وقوته الاثباتية وإلا لما جعل التوقيع مساويا للإبصام الذي قد يقع بالإكراه البدني ثم لما جعل التوقيع أو والإبصام مساويان للإشارة إلى رفضهما أو العجز عنهما
المطلب الثالث
الدفع بعدم صحة ما ورد بالمحضر واثبات ما يخالفهتعتبر المحاضر وثائق رسمية صادرة من غير المشتبه فيه فيكون له أن يثير عدم صحة ما ورد فيها كنتيجة حقيقة للإخلال بشكلها أو لتجاوز محررها قواعد الاختصاص طبقا للمادة 388 إجراءات والتي نصت على أنه << كل محضر أو تقرير ليست له قيمة إثباتيه إلا إذا كان صحيحا شكلا وكان محرره قد تصرف أثناء ممارسته لوظائفه ونقل في مجال اختصاصه ما رآه أو سمعه أو عاينه شخصيا >>.
ويكون الدفع بعدم صحة ما ورد بمحضر البحث وإثبات ما يخالفه إما من خلال الطعن بتزويره وإما بإثبات عكس ما تضمنه بواسطة الكتابة أو الشهادة.
أولا: - الطعن بتزوير المحضر
يمكن الطعن في محاضر الشرطة القضائية بالتزوير باعتبارها وثائق رسمية،وعندها تطبق الإجراءات الواردة في المادة 578 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية تبعا للتفصيل الوارد أدناه
1- تقديم الطعن بالتزوير أمام وكيل الجمهورية
قررت المادة 578 إجراءات أنه متى ما وصل إلى علم وكيل الجمهورية أن مستندا مدعي بتزويره يوجد بمستودع عمومي أو حرر فيه جاز له الانتقال إلى ذلك المستودع لاتخاذ جميع البحوث والتحقيقات اللازمة للكشف عن الحقيقة، وليس لوكيل الجمهورية أن يفوض هذه السلط ات لأحد ضباط الشرطة القضائية، غير أن له في حالة الاستعجال أن يأمر بنقل الوثائق المشتبه فيها إلى كتابة ضبط المحكمة.
وعند انتهاء البحوث والتحقيقات بشأن تزوير محضر يتخذ بشأنها ما يراه ملائما طبقا للصلاحيات الممنوحة له بموجب المادة 36 إجراءات جنائية.
2- الإجراءات الخاصة المقام بها من طرف قاضي التحقيق
عند ما يتعهد قاضي التحقيق سواء كان تعهد بناءا على طلب من وكيل الجمهورية أو بناء على تعهد تلقائي ( المادة 72 إجراءات ) فله أن يأمر -عن طريق النيابة العامة–ضابط الشرطة القضائية المحرر للمحضر المدعى بتزويره أو أستعمل لإقامة التزوير ، أن يقوم بتسليمه إليه وأن يقدم دفتر التصريحات الموجودة بحوزته باعتبارها وثائق مقارنة ، وتترك له نسخ من المحاضر يوقع كاتب الضبط على مطابقتها للأصل أو صورة فوتوغرافية أو نسخة مأخوذة بأية وسيلة أخرى وتوضح هذه النسخة أو الصورة الفوتوغرافية في المصلحة ريثما يعاد دفتر التصريحات ( أنظر المادة 581 إجراءات)
وعند انتهاء التحقيقات يقوم قاضي التحقيق بإبلاغ الملف إلى وكيل الجمهورية الذي يقدم طلباته في ظرف ثمانية أيام لتسليمه الملف ( أنظر المادة 173 و 175 إجراءات)
3- تقديم الطعن بالتزو ير أمام المحكمة الجنائية أو الغرفة الجزائية
إذا حصل أثناء جلسة المحكمة الجنائية أو الغرفة الجزائية أن أدعى المتهم أو محاميه تزوير محضر بحث ابتدائي ، فللمحكمة أن تقرر- بعد أخذ رأي النيابة العامة والطرف المدني- ما إذا كان ثمة محل لإيقاف الدعوى أو عدم إيقافها ريثما يفصل في دعوى التزوير من طرف المحكمة المختصة ، وما ينطبق أمام المحكمة الجنائية والغرفة الجزائية بالدرجة الأولي ينطبق كذلك أمام الغرفة الجزائية والغرفة الجنائية بالدرجة الثانية (الاستئناف)
4- تقديم الطعن بالتزوير أمام المحكمة العليا.
حسب المادة 583 من الإجراءات الجنائية، فإن الطعن بالتزوير المقدم إلى رئيس المحكمة العليا يعطي لهذا الأخير صلاحية إصدار أمر بالرفض أو القبول وذلك في أجل شهر من تاريخ إيداع الطلب وبعد أخذ رأي المدعى العام لدى المحكمة العليا، ثم يحيل الأطراف على المحكمة التي يراها مختصة في نظر الطعن بالتزوير.
ثانيا:- إثبات عكس ما يتضمنه المحضر
حددت الإجراءات الجنائية طرفا خاصا لإثبات عكس ما تتضمنه محاضر البحث الابتدائي خلافا للقاعدة العامة المتعلقة بحرية الإثبات في المجال الجزائي والتي أخذ بها المشرع الموريتاني كمعظم التشريعات المحاصرة ومع ذلك تبقي وسائل إثبات عكس ما تتضمنه محاضر البحث، خاضعة لمبدأ الاقتناع الشخصي لقاضي الموضوع.
وقد حددت المادة 390 إجراءات، طرق إقامة الدليل العكس على مضمون محاضر البحث الابتدائي بقولها <<... فإن الدليل العكس لا يمكن أن يقع إلا بواسطة الكتابة أو الشهود>>.
ويجب التنبيه إلى أنه ليست كل المحاضر قابلة لإثبات عكس ما تضمنته، فالمادة 392 إجراءات تقرر أنه تنظم بقوانين خاصة المحاضر التي لا يتسنى الطعن فيها إلا بالتزوير وأما المحاضر التي يمكن إثبات عكس مضمونها فيكون ذلك طبقا للمادة 390 إجراءات بواسطة:
أ- الكتابة
وقد يكون ذلك من خلال دراسة المحضر نفسه وتمحيصه، وعند وجود تناقضات فيما بين التصريحات والتضمينات أو فيما بينهما والمستندات الرسمية المرفقة بالمحضر، فإن مثل هذا التناقض يعتبر قرينة مستخلصة من الدليل الكتابي،وللمحكمة أن تلتمس بنفسها ما يخالف المحاضر المقدمة إليها، وفي هذه الحالة تكون قد استعملت ما لديها من سلطة تقديرية فتأخذ بما أطمئنت إليه وتطرح ما لم تطمئن إليه.
ومتى قدم المتهم وثائق الرسمية تضمنت عكس ما تضمنه محضر البحث فيكون قد أقام الدليل العكسي على مضمون المحضر، وعلى ال محكمة أن تحكم بناء على الدليل العكسي إذا أطمئنت إليه مثال ذلك، إذا اثبت المحضر أن المتهم كان يحوز سلاحا بدون الرخصة، ثم يقدم المتهم رخصة لحيازة سلاحه، فيكون على المحكمة أن تحم بناء على ذلك .
ب- الشهادة
ويمكن تصور ذلك متى شهد أمام المحكمة شهود عدول لوقائع مخالفة لوقائع مضمون محضر البحث، ثم يحصل اطمئنان المحكمة لشهادة الشهود وتقتنع بمضمونها فيكون عليها أن تستبعد محضر البحث الابتدائي فتحكم بمضمون الشهادة لا بمضمون المحض
ساحة النقاش