في السياق الراهن من نظام العولمة السائد تطرح المجتمعات الغربية العديد من التساؤلات على نفسها. هذا ما يفتتح به الأستاذ الجامعي الفرنسي ايف سيتون كتابه الأخير الذي يحمل عنوان «سيادة الأسطورة».
ويطرح المؤلف بداية عدة أسئلة من نوع: هل نحن، أي المجتمعات الغربية بصدد الانتقال من نظام «الديمقراطية» إلى نظام «سيادة الأسطورة» الذي لم يعد الشعب فيه هو الذي يتحكم بالمصير الجماعي بل مجموعة من الأساطير ب«لباس التاريخ» ترددها وسائل الإعلام؟ وهل حياتنا في «مجتمعات الرقابة» محكومة بقصص يرددونها على مسامعنا لتحديد أنماط سلوكنا؟
إن المؤلف يقدم إجاباته على مثل هذه الأسئلة في الفصول الستة للكتاب عبر التأكيد أن «الديمقراطية»، بالصيغة السائدة في المجتمعات الغربية، تعاني من خلل كبير اليوم وأنها تحوّلت إلى منظومة «نائمة» في ظل «سيادة الأساطير» و«القصص» التي ترددها وسائل الإعلام. وذلك عبر عمل «السلطة الهادئة» التي تصوغ أنماط سلوك البشر في المجتمعات «الإعلامية»، بمعنى صياغة وسائل الإعلام لوعي البشر المعنيين فيها.
ويكرّس المؤلف فصلين من فصول الكتاب للبحث في «مرتكزات القوة الهادئة». ذلك بقصد فهم آليات عملها والتفكير بسبل «توظيفها» ك«أدوات للتحرر» وليس التركيز على «إدانتها». وهذا يتطلب «طرق تفكير جديدة»، حسب رأي المؤلف.
ويشرح المؤلف في الفصلين الأولين أيضا كيف أن «السلطة»، حسب النموذج ـ الموديل ـ الذي وصلت إليه في عصر الإعلام والمعلوماتيةّ، هي ثمرة حركة «صاعدة» حوّلت مفاهيم التعددية الديمقراطية إلى مؤسسات سياسية واقتصادية وإعلامية لها سلطتها المهيمنة على الأفراد وعلى صياغة أنماط سلوكهم. هذا مع التأكيد على وجود أشكال عديدة ل«السلطة الهادئة» في المجتمعات الغنية و«الحرة نسبيا».
والفصل الثالث من الكتاب مكرّس لمناقشة الأطروحات المتعلقة ب«سيادة الأسطورة» وبطريقة استخدامها من قبل الإيديولوجيات «الرجعية»، حسب التعبير المستخدم، من أجل تثبيت أركان سلطات تبتعد إلى حد كبير عن المرتكزات «التقليدية» للديمقراطية.
ويتم في هذا السياق استعراض المخاطر التي قد تنجم عن سيادة الأسطورة، ذلك عبر التحكّم بسلوكية المعنيين فيها من موقعهم ك«ناخبين» وك«مستهلكين» بالدرجة الأولى.
في الفصلين الرابع والخامس من الكتاب، اللذين يجمعهما المؤلف تحت عنوان عريض يخص عملية «فرض سيناريوهات من أعلى»، يعرّف المؤلف «اللجوء إلى السيناريو» كنشاط يتعدّى كثيراً ما يمكن أن يوحي به مباشرة دلالته السينمائية. ويحدد القول أنه يعني أن «الإنسان لا يروي أبدا أية حكاية أو قصة للآخرين ? أو لنفسه- دون أن يقدّم سيناريو ما لتسلسل الأحداث».
ويذهب في نفس المنحى أكثر ليؤكد أن رواية أي حدث مضى، أو حتى رواية حلم، والقيام بنوع من «إخراج» حكاية ـ على غرار إخراج فيلم سينمائي- وتقديم بعض الأحداث حسب نمط أحد صيغ التسلسل، هي أمور تصبّ كلها في محاولة «تحديد سلوكية ذلك الذي يسمعنا». وهذا ما يتضمّن أيضا «محاولة رسم سيناريو لسلوكه مستقبلا».
الفكرة الرئيسية التي يحاول المؤلف تثبيتها في التحليلات المقدّمة بهذين الفصلين حول ظاهرة «فرض السيناريوهات»، بالطريقة التي تتم ممارستها في النشرات الإخبارية أو في الإعلانات الموجّهة إلى الجمهور العريض، وحتى تلك التي تتغلغل في الأحاديث اليومية للبشر، هي القول أنّها هي التي تقرر في نهاية المطاف نتائج الانتخابات، وتكون مسؤولة إلى درجة كبيرة عن أشكال تعاظم الممارسات العنصرية، وهي في أساس تشكّل تيارات جديدة داخل المجتمعات في اتجاه وفي آخر.
ويرى المؤلف أن «سلطة فرض السيناريوهات» قابلة للاستخدام من قبل السلطات القائمة لتثبيت أركان هيمنتها، ولكنها قابلة للاستخدام أيضا كأداة للتحرر. ويتم في هذا السياق التركيز على شرح كيفية استخدامها كأحد أدوات مناهضة هيمنة «مجتمع الرقابة».
وبعد البحث في مفهوم السلطة عامة و«سلطة فرض السيناريوهات» خاصة، يتم تكريس الفصل السادس والأخير من هذا الكتاب للبحث في سبل توظيف ما سبق في إعادة صياغة «تصوّر جديد لدى اليسار». ويحمل هذا الفصل عنوان «خارطة جديدة للمجال السياسي الفرنسي» وتصب تحليلاته تحديدا في القول أن أي نهوض لليسار يتطلب بالضرورة «إعادة اختراع» هذا اليسار في مواجهة حالة «الفوضى» التي تشهدها الأحزاب السياسية ل«اليسار» الحالي.
الكتاب: سيادة الأسطورة
تأليف: إيف سيتون
الناشر: الناشر: امستردام - باريس- 2010
الصفحات: 221
القطع: المتوسط
المصدر: جريدة البيان
نشرت فى 17 أكتوبر 2010
بواسطة books
عدد زيارات الموقع
68,786
ساحة النقاش