الواقع الإسلامي يشهد ظاهرة عداوة الإسلام عداوة لداء كما يعترف الباحث البريطاني فريد هاليدي . فالدين الإسلامي هو الدين الأكثر تعرضاً للإساءة في الغرب، وهي ظاهرة قديمة متجددة.

فالإسلام يهدد الغرب كما يزعم زبفنيو بريجنسكي في كتابه (هلال الأزمات) وبرنارد لويس في كتابه (عودة الإسلام) وصامويل هنتجتون في (صدام الحضارات)، يأخذ الكاتب المحجوب بن سعيد فرنسا نموذجاً للدولة الغربية التي تعادي الإسلام، ويستشهد بقول محمد عابد الجابري أن الحملة على الإسلام هي من قبيل (كل سلب تعيين)، فالغرب الذي هزم خصمه الشيوعي يبحث عن خصم جديد لتعريف نفسه. ولخطاب التخويف دوافع بيولوجية وسيكولوجية، كالحاجة إلى مهاجرين تحت ضغط الهواجس الاقتصادية والعنصرية والرغبة في التخلص منهم في الوقت نفسه. والحاجة إلى العالم الإسلامي «الروحي» مع إبقائه متخلفاً وتابعاً...

الخطاب الفرنسي في رؤيته للإسلام عدة خطابات، أولها الخطاب القروسطي ذو الطبيعة الاقصائية الدينية. والخطاب التنويري بالمعنى العلماني البراغماتي الغربي الذي يعجب بالإسلام ويخاف منه في الوقت نفسه. والخطاب الأكاديمي والمدرسي الذي يشوه الإسلام بلا رحمة. «الإسلام الفرنسي المتخيّل» حسب الباحث الفرنسي توماس ديلتومب إسلام حسب الطلب والرغبة.

وقد مرّت صناعة الإسلام في الإعلام الفرنسي في محطات؛ أولاها هي المحطة ما قبل 1989 والذي كان فيه الإسلام ديناً غريباً (غارقاً في الجهل، معتنقوه وأتباعه غارقون في الشبق الجنسي وتعدد الزوجات وتواقون إلى الجهاد والقتل والاستبداد بالشعوب والمرأة).

المحطة الثانية هي التي بين عام 1900 وعام 2000 والتي تراجعت فيها صورة إيران وتصدرت صورة العراق المضاد للغرب. المرحلة الثالثة هي ما بعد أحداث أيلول حيث استفحلت ظاهرة الكراهية والاستفزاز ضد المسلمين والمساجد.

يعيدنا الخوف من الإسلام إلى الظاهرة الاستشراقية، وهي واحدة من أطول الظواهر الفكرية عمراً، بدأت مع اليونان وحملات الاسكندر المقدوني إلى الشرق، وتتنوع اتجاهات الاستشراق؛ من استشراق ديني يعبر عن وجهة نظر نصرانية ويهودية تنقد الإسلام وتنقضه، واستشرق مذهبي وفكري «الاستشراق الشيوعي والعلماني».

والاستشراق العلمي الذي كان غرضه التطوير العلمي، والاستشراق السياسي الذي يعنى بمصالح الغزو والاستعمار، والاستشراق التنصيري الذي كان غرضه نشر الدين المسيحي، والاستشراق الاقتصادي الذي سعى لترويج المنتجات الغربية وفتح الأسواق أمام سلعها، والاستشراق الفني والأدبي الذي سعى إلى تطبيع الذوق الأدبي والفني الغربي، والاستشراق الصحافي لتغطية الأحداث في العالم الإسلامي وتشويهها.

والمستشرقون صنفان؛ صنف كان دافعه حب الاستطلاع والمعرفة، وقد أسلم منهم قسم مثل توماس ارنولد صاحب كتاب (الدعوة إلى الإسلام) والمستشرق ناصر الدين دينيه صاحب كتاب (أشعة خاصة بنور الإسلام) والنمساوي ليوبولد فايس صاحب كتاب (الإسلام على مفترق الطرق).

ومن المستشرقين المعتدلين؛ هارديان ريلاند صاحب مؤلف (الديانة المحمدية) الذي وضعته الكنيسة الأوروبية في قائمة الكتب المحرمة من التداول، ويوهان. ج . راسيله الذي اتهم بالزندقة لموقفه الايجابي من الإسلام، وغوستاف لوبون وسلفستردي ساسي وجاك بيرك...

والصنف الثاني مستشرقون متعصبون يطعنون في الإسلام في كل مناسبة، أشهرهم؛ الفرد جيوم، وجولدزيهر، وصمويل زويمر، وغ . فون جرونباوم، وكينيث كراج ولويس ماسنيون، ود. ب كاكدونالد، ود. س مرجليوث، وهنري لانس اليسوعي، وأغلبهم محررون لدوائر معارف إسلامية وانسكلوبيديات اجتماعية..

وهذه المعارف تعتبر من اخطر أعمال التغريب والغزو الثقافي (تعتبر هذه الموسوعات الرسول صلى الله عليه وسلم هارباً أو خائناً أو مجرماً..) وتعتبر، أيضاً، الأساطير المترجمة إلى اللاتينية مثل ألف ليلة وليلة من أهم مصادر معرفة الشرق، وهي تهدف إلى تحطيم الثقة بالمعتقدات الإسلامية وتدميرها.

وقد نقض عبدالرحمن بدوي في كتابه (الرد على مطاعن المستشرقين) جزءاً كبيراً من هذه الدعاوى الاستشراقية، ورأى ادوارد سعيد أن الاستشراق أداة تعيد إلى أوروبا الإحساس بالتفوق مقابل التفوق الفعلي للإسلام.

الكتاب: الإسلام والاعلامو فوبيا

تأليف: د. المحجوب بن سعيد

الناشر: دار الفكر - دمشق 2010

الصفحات: 170 صفحة

القطع : الكبير

المصدر: جريدة البيان/ أحمد عمر
  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 811 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

68,789