يؤكد د.منذر على انه شكلت «وثيقة البنتاجون» المبينة بوضوح في حينها (1995)، نية أميركا في السيطرة على العالم، شكلت صدمة لجميع دول العالم، واحتجت عليها دولٌ حليفة لأميركا مثل فرنسا وألمانيا وغيرهما.

واصطدم (حلم اليقظة) الأميركي هذا بكون العالم قد أصبح أكثر نضجاً من أن يُسلم قيادته لقوة وحيدة، مهما بلغت من الجبروت.. وأخذت الصين وروسيا والهند واليابان، وغيرها من الدول المؤثرة في العالم، تدعو إلى نظام عالمي يقوم على تعدد الأقطاب، وعلى تعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية، واحترام خيارات الشعوب.

هذه التحولات الجديدة والعميقة التي طرأت على العالم لم تكن كما تخيلها الأميركان على أنها مشروع للهيمنة، بل هي عمليات موضوعية تجري في عمق النظام الرأسمالي منذ أوائل القرن العشرين على الأقل.

وما إن أخذ الفكر يشتغل على هذه الأسئلة حتى كانت المفاجأة في دخول العالم في عصر جديد، وهو «عصر العولمة».إنه العصر الذي شهد، وما يزال يشهد، التحولات الكبرى في الحياة المادية والفكرية للناس، ويظهر فيه ترابط المصالح بين الشعوب بصورة لم يعرفها من قبل، وبوتائر سريعة، وغير مألوفة.

وكأي ظاهرة جديدة لم تأخذ أبعادها الكاملة بعد، ولا صورتها الحقيقية، تحاول العولمة نسج حقيقتها المعرفية، لذلك تختلف بشأنها الآراء، وتتباين بصددها الأفكار ووجهات النظر، وتتمايز تجاهها المواقف بين مؤيد ومعارض.

من هنا يبدو سؤال (ما هي العولمة؟) هو سؤال العصر الكبير الذي يبحث عن جواب. مع أن الجواب عنه في الحقل الاقتصادي أصبح أكثر اقتراباً من حقيقة ما يجري في بنية النظام الرأسمالي من تحولات عميقة، تحولات جعلت الاقتصاد العالمي كلاً لا يتجزأ، وتترابط أجزاؤه بصورة تفاعلية لم يسبق لها مثيل، .. تَرَابُطات تجعلُ ـ مثلاً ـ من قضية التأخر في تسديد قروض العقارات التي أعلن عنها في أميركا (أغسطس 2007)، شأناً عالمياً يتداعى له الجسد الاقتصادي العالمي ككل، في اليابان والصين وأوروبا، وبعض دول الخليج في آن واحد.

لقد أبرمت اتفاقية «منظمة التجارة العالمية» سنة 1993 بتوقيع مائة وسبع عشرة دولة، وشكلت تجارتها نسبة 95% من التجارة العالمية. وقد أدى دخولها في هذا المعترك، بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، إلى تحرير التجارة وحركة رؤوس الأموال الدولية. وأما العقبات الوطنية التي كانت قائمة أمام السلع والخدمات والرساميل والمعلومات والأيدي العاملة والتكنولوجيا، فهي آيلة إلى الزوال.

هذه التكتلات الاقتصادية الناجحة التي يشهدها عصر العولمة، قابلها فشلٌ للتكتلات الاقتصادية السابقة، مثل (منظمة الكوميكون) التي كانت قائمة بين ما يسمى بالدول الاشتراكية، واتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية التي وضعت في حيز التنفيذ 30 أبريل 1964، واتفاقية السوق العربية المشتركة التي أبرمت في 13 أغسطس 1964، واتفاقية الصندوق العربي المشترك للإنماء الاقتصادي والاجتماعي التي أقرت في 16 ديسمبر 1971، وصندوق النقد العربي المشترك التي دخلت اتفاقيته حيز التنفيذ في 11 فبراير 1977.

لقد ساد لدى الدول العربية، لفترة ليست قصيرة، نوع من الخوف من الآثار السلبية لاتفاقيات التجارة الدولية متعددة الأطراف على اقتصاداتها الوطنية، انعكس هذا الخوف، بصورة واضحة، في النقاشات المحلية المتعلقة بجدوى الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، والقطاعات التي يمكن أن تستفيد منها والقطاعات التي يمكن أن تتضرر في المدى القريب والبعيد.

إن الدول العربية، أولاً، لها خصوصيتها الثقافية والدينية والأخلاقية التي ينبغي مراعاتها واحترامها. وثانياً، اقتصاداتها يغلب عليها الطابع الأحادي في مجال الإنتاج، ومحكومة ببنية سياسية وإدارية غير كفوءة وتفتقر إلى القدرات الفنية اللازمة.

وثالثاً، إن الحكومات العربية تتدخل بصورة واسعة في الشؤون الاقتصادية، وهذا يتعارض مع تحرير التجارة الذي هو صلب اهتمام منظمة التجارة العالمية.يمكن القول، إذن، بأن رغبات الدول العربية في الدخول إلى منظمة التجارة العالمية كانت متفاوتة.

يؤشر الواقع الاقتصادي والاجتماعي للدول العربية على المنزلة التي تحتلها الدول العربية بين دول العالم، وعلى المستوى الذي تنطلق منه للانخراط في (العولمة) بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية.

وعلى الرغم من التحسن في أداء الاقتصادات العربية في السنوات الخمس الأخيرة، حيث تجاوز للمرة الأولى الناتج المحلي الإجمالي حدود (التريليون) دولار، وعلى الرغم أيضاً من المحاولات الجادة لرفع مستوى الحياة للشعوب العربية.

وكذلك تطوير التعليم في مختلف مراحله، إلا أنها ما تزال تواجه مشكلات كبيرة جداً تتعلق بإيجاد فرص عمل للملايين من العاطلين عن العمل، ومحاربة الفقر المستشري، وجسر الفجوة التكنولوجية والعلمية التي تفصل العالم العربي عن العديد من دول العالم.

وفي كل الأحوال فإن أوضاع الدول العربية النفطية التي لديها فائض في ميزان المدفوعات، ليس كأوضاع الدول العربية غير النفطية التي تعاني من المديونية، والعجز في موازين المدفوعات.

الكتاب: العرب والعولمة

المؤلف: د. منذر خدام

الناشر : الهيئة السورية للكتاب دمشق 2009

الصفحات: 334 صفحة

القطع: الكبير

المصدر: جريدة البيان- خطيب بدلة
  • Currently 247/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
83 تصويتات / 996 مشاهدة
نشرت فى 26 يوليو 2010 بواسطة books

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

67,450